اختفاء هيذر للكاتبة ميعاد راشد

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2024-12-13

اختفاء هيذر 

في شمالي ولاية فلوريدا، حيث الجمال والطبيعة يحيطان بالمنازل الريفية واسطبلات الخيول، تلقي الشريف هناك بلاغا عن اختفاء امرأة في آذار عام 2009م، تلك المرأة البالغة من العمر ستة وعشرين عاما تدعى هيذر سترونق وهي أم لطفلين، وقد اختفت فجأة عن الأنظار.

يقول البلاغ إن آخر مرة تمت فيها رؤية هيذر كان قبل ثلاثين يوما! عندما كانت تغادر عملها نادلة في أحد المطاعم. وزوج هيذر يدعي "جوش فولجام" هو أيضاً لم يتقدم ببلاغ عن فقدان زوجته، بل كان أيضاً يستخدم بطاقتها المصرفية.

ولكن جوش يقول إن هيذر هجرته تاركة معه أطفالها. وعلى النقيض من ذلك تقول عائلة هيذر إنه من المستحيل لهيذر أن تختفي فجأة وتترك أطفالها.

هيذر المعروفة بمسؤوليتها وأمومتها نحو أطفالها وتعلقها الشديد بهم وضعت احتمال أنها هجرتهم هذا احتمال ضئيل جدا. كانت هيذر على معرفة وقرب من جوش أكثر من إحدى عشرة سنة أنجبت فيها أطفاله ولكن زواجهما لم يدم إلا شهرين، ثم بعد ذلك انفصلا مؤخراً قبل اختفائها.

جوش كان لديه امرأة أخرى في حياته تدعى "آميلا كار وتبلغ من العمر أربعة وعشرين عاما.

قابل المحققون آميلا لاستجوابها وقد كانت حاملا، ووالد الطفل هو جوش، وفي أثناء استجوابها عن اختفاء هيذر حاولت آميلا أن تبين للمحققين أن صلتها بجوش ليست قريبة كل ذاك القرب، فتقول إنها تعرفته قبل ثلاث شهور فقط.

جوش وآميلا انتقلا للعيش معا بعد اختفاء هيذر مباشرة. وعلى الرغم من ذلك أخبرت آميلا المحققين أن هيذر غادرت المدينة لتعيش مع والديها في "ميسيسيبي".

وإن إحدى فتيات هيذر كانت قد سألت والدها عم إذا كانت والدتها اتصلت أم لا فأخبرها جوش أنها اتصلت بينما كانت الطفلة في المدرسة. فتقول إنها اعتقدت أن كل شيء على ما يرام مع هيذر.

على الضفة الأخرى، أصدقاء هيذر وعائلتها يرفضون تماما فكرة أن هيذر قد اختفت من تلقاء نفسها تاركة أطفالها خلفها. لقد أحبت أطفالها حبا شديداً، وربما تفعل أي شيء في هذا العالم من أجلهم. وما قاله والدها: هيذر أو كما تدعوها صديقتها "وجه القمر" كانت تمتلك ابتسامة بحسب ما وصفتها صديقتها بأنه لا يمكن نسيانها. لا أحد ممن عرفها استطاع أن يصدق تلك الترهات التي أدلى بها كل من جوش وآميلا.

هناك شيء ما ليس على ما يرام يحدث مع هيذر.

وعلى العكس تماما من هيذر، كان جوش عديم المسؤولية ذا قلب بارد وعديم القيمة كما وصفوه. وكان الوصف الأقرب بحسب اعتقادهم لجوش هو أنه "قطعة من القمامة".

كانت هيذر قد تعرفت جوش عندما كانا في سن المراهقة، وبعد سنوات قليلة انتقل الثنائي إلى ولاية فلوريدا وهناك أنجبت هيذر طفلتين منه. علاقتهما لم تكن على أحسن حال، فقد كان جوش من النوم الذي يحب أن تكون السيطرة الكاملة بيده، وقد كان عنيفا معها.

فكانت النصائح بالحذر والابتعاد عن جوش دائما تتردد على مسامع هيذر، فقد قال لها أحد أصدقائها ذات مرة: " ستستمرين مع جوش، وسينتهي بك الأمر ميتة، ولكن في نهاية المطاف استمعت هيذر إلى تلك النصائح وانفصلت عن جوش في شباط 2009م، كان ذلك قبل شهر فقط من اختفائها.

كانت تخطط لمغادرة المدينة عودة إلى "ميسيسيبي" مع أطفالها. 

وقامت بإخبار جوش بأنها ستغادر آخذة الأطفال، عند ذلك انفجرت إحدى صديقاتها في وجهها قائلة: لماذا بحق الجحيم تخبرين جوش بذلك! سوف يقتلك هيذر:

غادرت عملها في الخامس عشر من شباط، وكانت المرة الأخيرة التي شوهدت فيها.

تقول والدة هيذر: أعلم أن جوش له يد في أمر اختفائها، أعلم ذلك.

كل تلك الأقوال والادعاءات على جوش وضعت المحققين أمام خيار واحد فقط وهو استجوابه، وكان قد مر على اختفاء هيذر شهر كامل آنذاك. ذلك الاستجواب مع جوش أخذ ساعات طويلة لم يتفوه فيها بأدنى معلومة قد تفيد المحققين عن وجود هيذر.

ساعات لم يستسلم فيها المحققون ولم يكلوا عن إعادة السؤال مرة بعد أخرى، حتى تفوه جوش أخيراً وبدأ كلامه نافيا تماما أنه متورط في اختفاء هيذر، ثم قال إنه يعلم أين المكان الذي فيه ترقد جثة هيذر! فتتحول بكلماته تلك القضية بأكملها من اختفاء إلى قضية قتل.

عشرون ميلا شمال مدينة أوكالا الواقعة في ولاية فلوريدا، في منزل منعزل.. ذلك المنزل القديم المتهالك المعزول تماما، كان مملوكا من قبل عائلة آميلا!

بدأت خيوط الجريمة تتوارى واحداً فواحدا، هناك حيث رقدت جثة هيذر في الفناء الخلفي. لم يكن الأمر صعبا على المحققين لتحديد مكان لجثة، فحيث بقعة الرمال التي كان جليا أنها جديدة وغير متسخة؛ فهي بقعة لم ينبت العشب فيها بعد؛ إذ كانت تحوي جثة هيذر تحتها. بدؤوا بالحفر لاستخراج الجثة التي كانت قد تعفنت، ولم ينتظر المحققون الانتهاء من مسح مسرح الجريمة بالكامل لاستجواب آميلا بل بدؤوا من فورهم.

"ماذا؟!" غير مصدفة أنهم اكتشفوا الآن جثة في فناء منزل عائلتها القديم. الجثة كانت ترقد في فناء منزل يعود إلى عائلة آميلا التي هي عشيقة جوش، كيف لها ألا تعلم؟ بل هي تعلم أكثر مما كانت تخبر به المحققين.

تقول آميلا إنه بغض النظر عن علاقتها بجوش، قد كانت هي وهيذر على علاقة جيدة مليئة بالاحترام. فآميلا هي من كانت تعتني بأطفال هيذر.

ولكن من كان يعرف الاثنين معا يعلم أن هذه ليست الحقيقة، فتقول والدة هيذر: آميلا وابنتي لم تكونا على علاقة جيدة البتة، لقد كان بينهما تنافس؛ فآميلا تريد جوش يعود دائما إلى هيذر بسبب الأطفال.

ولكن آميلا نفت ذلك تماما قائلة إنها لم تحب جوش أبداً أو أي رجل كان قد دخل حياتها، قائلة إنها لم تثق أبداً برجل، لتعود بذلك إلى طفولتها ولا سيما عندما كانت في الخامسة من عمرها عندما تعرضت لتحرش جنسي دام سنوات، وكان ذلك على يد والدها وجدها.

أتذكر في الليل، كنت أسمع صوت الأرضية الخشبية. خطوات ثقيلة آتية نحوي، وكانت حيرتي هي: من سيكون هذه الليلة.. جدي أم والدي.. ذلك التحرش الجنسي استمر حتى بلغت آميلا الخامسة عشرة من عمرها، كانت تعاني بحسب قولها بصمت؛ وذلك لأنها أرادت أن تحمي أختها الصغرى. ولكنها كسرت ذلك الصمت في الخامس عشر من عمرها وتم القبض على والدها.

في السابعة عشرة من عمرها، تزوجت آميلا وأنجبت طفلين، ثم بعد ذلك انفصلت عن زوجها، فتزوجت مرة أخرى وكان المصير نفسه يلاحقها، فانفصلت عن الآخر.

كان لديها مشكلة الوثوق بالرجال، فلم تستطع أبداً أن تكمل أي علاقة معهم. فما حدث لها في طفولتها ترك في قلبها ندبة دامت إلى الأبد.

وعندما بلغت الثالثة والعشرين من عمرها تعرفت جوش من خلال بعض الأصدقاء المشتركين، وأصبحا يتسكعان معا في أي وقت تحدث مشكلة بين جوش وهيذر. وفي 2008م، حملت آميلا بطفل جوش، فانفصل جوش عن هيذر وتزوج بآميلا، ولكن لم يدم ذلك طويلا حتى طلق جوش آميلا وعاد إلى هيذر.

فكان الأمر أشبه باللعبة، ينتهي من هذي ويعود إلى هذا. وهيذر كانت المرأة الاحتياطية لجوش. يعود إليها دائما وهو على يقين أنها هناك.

عودة جوش إلى هيذر لم تدم مدة طويلة، فعاد إلى آميلا، وتقول آميلا: إن جوش قد ضرب هيذر بحزامه عندما أخبرته أنها ستغادر مع الأطفال قائلا: حاولي أن تغادي الآن، فالأطفال لي، لا يهمني إلى أين ستذهبين.. فأينما كنت فإني أستطيع الوصول إليك واستعادة أطفالي.

لكن تم القبض عليه آنذاك لأنه صوب مسدسا نحو هيذر، وسجن مدة شهر كامل قبل أن تتنازل هيذر عن القضية.. وبعد أسبوعين من ذلك، اختفت.

علم المحققون أن الاثنين كليهما دافع لقتل هيذر، فكان جليا أن آميلا كانت تحب جوش بغض النظر عما تقول، وهيذر كانت الحاجز أمامها، أما جوش فقد عشق أطفاله وهيذر كانت ستأخذهم بعيداً عنه.

ساعات طويلة أخرى في التحقيق مع جوش جعلته يعترف أخيراً أنه كان شريكا في موت هيذر، زاعما أنه ليس الشخص الذي قتلها بل آميلا. في تلك الليلة، استدرج جوش هيذر إلى ذلك المنزل في أوكالا، تحديداً في المقطورة التابعة للمنزل.. ولحظة دخول آميلا بعدها المقطورة علمت هيذر أنها في فخ وحاولت الهروب، ولكنهما استطاعا الإمساك بها وقيدوها إلى كرسي.

توسلت هيذر لأجل حياها ووعدتهما أنهما حين يتركانها تذهب وتخرج من حياتهما إلى الأبد، ولكن جوش نفى وأخبرها أن هذه هي النهاية وأنها لن تأخذ أطفاله بعيداً عنه.

آميلا حاولت كسر رقبتها ولكنها لم تكن قوية كفاية لفعل ذلك، فقرراً أن يقوما ما يخنقها.

تلك التفاصيل التي أدلى بها مروعة وقاسية قسوة شديدة جداً، تم قتل هيذر ليس فقط ببرودة بل بقسوة شديدة.

لقد غطوا رأسها بكيس بلاستيكي، وأحكموه بشريط لاصق حول رقبتها، ولم يكف ذلك بل وضعا أيديهما على فمها وأنفها كي يتحققا عدم قدرتها على التنفس، حتى لفظت أنفاسها الأخيرة.

تم إثبات تهمة القتل من الدرجة الأولى على جوش، ولكن المحققين على علم بأن لديهم قاتلا آخر يجب أن يدينوه وهو بالتأكيد آميلا. لكن من دون اعتراف أو دليل قاطع يربطها بالجريمة لا يستطيعون إثبات التهمة عليها.

سيطر الخوف والقلق على عائلة وأصدقاء هيذر من أن آميلا قد تنجو بفعلتها، لذا كانت الحاجة ملحة لاعترافها.

احتاج المحققون بشدة إلى شخص على مقربة من آميلا قد يستطيع استخراج المعلومات منها وجعلها تعترف.

فكان جليا أن آميلا لن تعترف البتة أمام المحققين، فكان كل ما تفعله هو رمي التهمة على جوش والتمثيل بأنها تريد إعطاء المعلومات وحسب متجاهلة كليا أنها مشاركة في الجريمة.

تواصلت شقيقة جوش ميشيل مع المحققين مخبرة أن آميلا تتصل بها كثيراً متسائلة عم يقوله جوش للشرطة، وأنها تريد أن تتحدث إلى ميشيل حول القضية.. ففعلت ميشيل الصواب واستشارت المحققين أولا من دون علم آميلا.

وهنا استغل المحققون مساعدة ميشيل، ووضعوا أسلاك تنصت في سيارتها لتسجل المحادثة التي ستجري بينها وبين آميلا، وزودوا ميشيل أيضاً ببعض المعلومات حول القضية لتظهر أمام آميلا كما لو أنها تحدثت حقا إلى شقيقها جوش، على أمل أن تقوم آميلا بالتحدث عن بقية التفاصيل.

وبينما تواعدت ميشيل مع آميلا للتحدث معها في السيارة، كان المحققون على بعد كبير من السيارة في سيارة أخرى، ولكن الحديث كان مسموعا وواضحا كما لو أن آميلا تتحدث إليهم.

وهنا حيث بدأ الحوار من ميشيل قائلة:

أريد أن أسمع القصة الحقيقية منك، فأنا قد سمعتها من جوش. وإذا أردت مساعدتي فأخبريني بكل شيء.

لم يستغرق الأمر طويلا، إذ بدأت آميلا حقا بسرد ما حدث تلك الليلة:

استطاع استدراجها تلك الليلة إلى داخل المقطورة، كان من المفترض لي أن أدخلها بعد دقائق قليلة من دخول هيذر، ولكنها ما إن رأتني حتى حاولت الهرب ولكنه أمسكها.

هل هيذر غادرت بسلام، أو هل..

أتقصدين هل تشاجرت معي وقاومت؟

نعم.

بدأت بالمشاجرة معي، ولكني ساعدته على تقييدها بالكرسي.

إذا، ماذا حدث تاليا؟

وضعنا كيسا عليها، لقد حاولنا كسر رقبتها، ولكن ذلك لم يفلح.

لماذا قد أردت كسر ربتها؟!!

اعتقدت أنه سيكون سريعا وأقل ألما..

ومع كل كلمة كانت تتفوه بها آميلا كانت تقترب من نهاية تهربها أكثر.

وكان المحققون على الضفة الأخرى يستمعون إلى كل تلك الأحاديث، فقد انتهت عندهم لعبة القط والفأر التي كانت تلعبها معهم آميلا.. كان الأمر مرضيا جداً سماعها تعترف بعظمة لسانها.

وبعدما سمع المحققون ما يكفيهم، بعد أسبوع تقريبا من القبض على جوش، حان الوقت للقبض على شريكته في الجريمة.

وفي غرفة الاستجواب كانت آميلا تجلس بثقة عمياء لا تملك أدنى فكرة عن كون المحققين على علم بما تفوهت به مع ميشيل. وبدأ الاستجواب وبدأت أكاذيبها تطرح واحدة بعد أخرى زاعمة أنها لم تكن هناك.

عندها.. فجر المحققون القنبلة وأخبرها أنهم كانوا على إطلاع بكل تلك المحادثة التي دارت بينها وبين ميشيل.. فانهارت آميلا..

لم تنف أكثر، واعترفت أخيراً بأنها كانت هناك في تلك الليلة.. ولكنها! لم تقتلها بل ساعدت جوش على تقييدها فقط، واعترفت أنها شرعت بكسر رقبة هيذر، ولكنها لم تستطع، فأكمل جوش المهمة بخنقها.

في التاسع والعشرين من آذار 2009م، تم الحكم على كل من جوش وآميلا بالإعدام، وبذلك تكون آميلا واحدة من ثلاث وستين امرأة محكوم عليهن بالإعدام في الولايات المتحدة الأمريكية.

حتى اليوم، تعتقد آميلا حتى الآن أنها لم تقتل هيذر بل ساعدت جوش فقط على تقييمها. وعلى رغم محاولاتها هي ومحاميتها في التقليل من العقوبة وجذب الشفقة إليها لما تعرضته في طفولتها كان للمحققين رأي آخر وهو أن كلا من جوش وآميلا متورطان حقا في الجريمة على حد سواء، وأن عقوبة الإعدام هي أقل ما يستحقانه.

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا