1. أهداف الكتاب

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2024-12-03

1. أهداف الكتاب: 

الفرضية الأساسية التي يقوم عليها هذا الكتاب هي أن جميع الأفلام مفعمة بالعناصر السيكولوجية، وزاخرة بالدراما الإنسانية التي تم تناولها من العديد من الزوايا المختلفة. ومما له دلالة في هذا الشأن أن كلّاً من علم النفس المعملي والتحليل النفسي الإكلينيكي ظهر في اللحظة التاريخية نفسها تقريباً التي ظهرت فيها السينما؛ نهاية القرن التاسع عشر. ومن الواضح أن التأثير الثقافي لكل من علم النفس والسينما على القرن التالي وما بعده كان هائلاً. فعلى امتداد هذا المسار التاريخي، كان هناك العديد من المناسبات التي شخص فيها علماء النفس بأبصارهم نحو السينما، مثلما كان هناك العديد من الأوقات التي شخصت فيها السينما ببصرها نحو علماء النفس. وهذا الكتاب يقدم لمحةً من هذا التضافر الساحر

بين علم النفس والسينما.

ما من سبيل لتقديم خلاصة ولو موجزة لكل الأعمال التي تناولت علم النفس في الأفلام في كتاب واحد. فحجم القدر المتاح من دراسات وتحليلات وتعليقات هائل بحق، وجدير ليس بكتاب واحد فقط، بل بمكتبة كاملة. ففي عام 1916م، وضع واحد من أبرز علماء النفس الأوائل (ولا يزال الأكثر بروزاً في الوقت الحالي), هوجو مونستربرج، كتاباً بعنوان "المسرحية السينمائية: دراسة سيكولوجية"، ومنذ ذلك الحين شهدت تلك الدراسة توسعاً مستمرّاً على مدار القرن. وكتابي هذا يمكن النظر إليه باعتباره دليلاً إلى "المكتبة الدولية لعلم النفس والسينما" الأسطورية؛ إذ يساعد في التعرف إلى أقسامها المختلفة ولفت الانتباه إلى بعض الأعمال الأكثر إثارةً للاهتمام.

سأسعى في هذا الكتاب إلى تغطية نطاق واسع من الحقول البحثية المتنوعة. وبحسب علمي، لم يحاول أي كتاب آخر أن يضم بين دفتيه مثل هذا العدد الكبير من المقاربات المتباينة. فهو يتناول كل شيء؛ بدايةً من التحليل النفسي الفرويدي لهيتشكوك، إلى الشعبية الخارقة لأفلام بعينها، وحتى السلوك العدواني تجاه الدمية بوبو المستوحى من أفلام الأطفال. في ظل الوفرة الهائلة التي شهدتها دراسات الأفلام، فإنها تجزأت إلى أقسام أكثر من ذي قبل؛ فمعظم الكتب الصادرة مؤخراً التي تتناول قضايا متعلقة بعلم النفس والسينما، تغطي على الأرجح فصلاً واحداً أو فصلين اثنين من الفصول التي يحتويها هذا الكتاب. وأنا آمل أن أميز، على امتداد صفحات هذا الكتاب، بين المقاربات المختلفة، وأن أصف بدقة القضايا الأساسية، وأقدم أمثلة سينمائية موحية. وفي كل الحالات، لا تهدف تلك النظرة الشاملة إلى أن تكون نهائية وقطعية؛ فهي تتوخى، بدل ذلك، تقديم بعض المفاتيح التي تساعد في إجراء المزيد من البحث والاستقصاء.

يتوجه هذا الكتاب في المقام الأول إلى جمهور قراء قوامه الطلاب وغير المتخصصين من عشاق السينما وأأو علم النفس. لهذا، فهو يخلو نسبيّاً من المصطلحات المتخصصة، وفي الحالات التي سأضطر فيها لاستخدام بعض المصطلحات التقنية، سأتوقف لتوضيحها. إن جميع التقاليد البحثية التي يناقشها هذا الكتاب تضرب بجذورها في ظواهر إنسانية جوهرية ذات صلة بالسينما، فضلاً عن كونها مثار فضول الكثير من الناس. وتتمثل مهمتي في استجلاء تلك النقاط، التي تحظى بافتتانٍ واسع المدى، للجمهور العريض. والكتاب، علاوةً على ذلك، قد يكون ذا فائدة لمن لديهم اطلاع جيد على جوانب معينة من علم نفس الأفلام. فمن خلال عقد صلات بين مجالات بحثية متنوعة، يتم اقتراح مسارات بديلة للبحث قد تحمل بعض الإرشادات حتى للمتخصصين. فهدفي، في نهاية المطاف، هو مساعدة أكبر عدد ممكن من الناس على تذوق الأفلام معنا على نحوٍ أكثر اكتمالاً.

لقد أهلتني خلفيتي الشخصية والمهنية جيداً لهذه المهمة، وفوق ذلك كله عشقي للسينما. فمنذ تلك الرحلات التي كنت أقوم بها مرتين أسبوعيّاً إلى دار العرض الكئيبة الكائنة في إحدى القواعد العسكرية الأمريكية بألمانيا التي نشأت عليها، وقعت في غرام السينما. وعند عودتي إلى الولايات المتحدة وأنا في العاشرة من عمري تقريباً، اكتشفت أعاجيب ثورة الكبل المتنامية باطراد، والتي أتاحت مشاهدة عدد كبير من الأفلام. وفي سنوات مراهقتي، شكلت الرحلات إلى دار العرض ومحلات تأجير شرائط الفيديو جزءاً أساسيّاً من حياتي الاجتماعية وأوقات اختلائي بنفسي. وتعلمت أن أحب كل أنواع الأفلام - الأمريكية والأجنبية، الجماهيرية والفنية، الجديدة والقديمة - بيد أنني شغفت على نحوٍ خاص بهيتشكوك، وأفلام التشويق بوجهٍ عامًّ، والكوميديا الساخرة السوداء.

لقد كان هذا الشغف بالسينما هو ما قادني إلى العديد من الاختيارات الدراسية عند التحاقي بالكلية. وباعتباري طالباً في جامعة ميامي (أوهايو), اخترت علم النفس كتخصص رئيسي، ودراسات السينما كتخصص فرعي، فضلاً عن كتابة مقالات نقدية عن الأفلام لمجلة الكلية. وقدمت أطروحة بحثي عن تجربة طلاب الكلية مع مشاهد العنف في الأفلام، واستخدمت فيها فيلم "القطيفة الزرقاء" (بلو فيلفت) الذي كان يعرض وقتها في دور السينما، كمحفز أساسي.

وفيما بعد، اخترت أن أنجز مشروع تخرجي في جامعة كلارك، في ورسستر، بماساتشوستس؛ نظراً لمكانتها الفريدة في تاريخ علم النفس الأمريكي؛ إذ شارك في تأسيسها عالم النفس الأمريكي الرائد الشهير جي ستانلي هول، كما حظيت بشرف أنها المكان الوحيد في أمريكا على الإطلاق الذي تحدث فيه فرويد. كذلك تأثر الطابع الفكري للجامعة تأثراً عميقاً بعد أن استقر فيها هاينس فيرنر، المتخصص في علم النفس التطوري، بعد فراره من ألمانيا النازية. اعتبر هاينس أن "التطور" هو "مفهوم" موجه يأخذ في الاعتبار معنى أن يحرز البشر تقدماً باتجاه نقطة نهائية متخيلة (مثل النضج، التسامي، التنوير، السعادة، إلخ). وقد تميزت مقاربته بكونها أكثر انفتاحاً على التفكير المتعدد الاختصاصات مقارنةً بالجزء الأكبر من التيار السائد في علم النفس الأمريكي؛ حيث جمعت أعماله بطبيعة الحال بين التطور عند الأطفال، وعلم الإنسان، وعلم النفس الإكلينيكي، والفلسفة. كانت تلك الروح الطليقة في أوج ازدهارها أثناء دراستي بالكلية في التسعينيات، حين تدربت كعالم نفس إكلينيكي، لكن هذا لم يمنعني من الانهماك في مطالعة فروع أخرى من علم النفس (مثل علم النفس التطوري، وعلم النفس الثقافي، وعلم النفس السردي، وعلم النفس العصبي), فضلاً عن تأثري بمجالات بحثية متداخلة الاختصاصات مثل الفلسفة التأويلية والدراسات الأدبية. وانتهى بي المطاف بالحصول تقريباً على تعليم جامعي ليبرالي كلاسيكي. وفي ظل هذا المناخ الخصب، واصلت متابعة اهتماماتي في مجال علم نفس الأفلام.

عندما حان وقت الانخراط في الحياة العملية، انجذبت بطبيعة الحال إلى كليات العلوم الإنسانية. فهذه النوعية من الكليات (الصغيرة عادةً) تتبع منهجاً في التعليم يتميز بالشمولية وتعدد الاختصاصات، وتسعى إلى تعليم طلابها مهارات ذهنية أساسية؛ مثل الكتابة، والتفكير النقدي، والقدرة على المشاركة في حوار عقلاني. أعمل حاليّاً أستاذاً في قسم علم النفس بكلية هانوفر في ولاية إنديانا منذ 15 عاماً؛ حيث أقوم بتدريس مقررات ذات منحى إكلينيكي؛ مثل الاضطرابات السلوكية والاستشارة والعلاج النفسي، بالإضافة إلى مقررات محببة إليَّ مثل علم نفس الأفلام. كما أنني أمارس أيضاً علم النفس الإكلينيكي برخصة مزاولته.

ساعدني العمل بالتدريس في كلية للعلوم الإنسانية في الإعداد لكتابة هذا النص؛ فقد أمضيت آلاف الساعات على مقربة شديدة من الطلاب، ما بين إلقاء محاضرات لمجموعات صغيرة، ومناقشة الأفكار في حلقات دراسية، والجلوس مع الطلاب وهم يعملون في مشروعات مستقلة. وكثيراً ما كنت أستعين بالسينما، والموسيقى، وغيرهما من الوسائل الرمزية كوسائل تعليمية. وطلابي إجمالاً أفراد أذكياء، لديهم حب استطلاع، لكنهم لا يشاركون أساتذتهم اللغة نفسها على الدوام. ربما كان هذا شيئاً جيداً؛ فعندما يقضي المرء وقتاً أطول مما ينبغي بصحبة "خبراء" آخرين، يكون من السهل أن يتوه بين المصطلحات والتفاصيل التقنية وينسى الافتراضات الأساسية التي تشكل قوام الميدان البحثي. ومن ناحية أخرى، يميل الطلاب الجامعيون إلى طرح الأسئلة الأساسية التي لا تكون ساذجة مطلقاً، وإنما كثيراً ما تتوجه إلى صلب الموضوع. وأريد لكتابنا هذا أن يركز بالمثل على صلب الموضوع.

مثلت نوعية الدراسة المتوقعة في كلية للعلوم الإنسانية مزية في عملية تأليف هذا الكتاب. ففي بعض الأحيان، يشار إلى كليات العلوم الإنسانية على أنها "كليات تدريس"، مما يدل على القيمة الرفيعة التي تسبغها تلك المؤسسات على التدريس وتعليم الطلاب. فالأساتذة في معظم تلك الكليات لا يعملون بمنطق "النشر أو الهلاك" الذي يسم قسماً كبيراً من التعليم المعاصر. ورغم أنني نشرت أعمالاً في مجال علم النفس والسينما، إلا أنني كان لدي مطلق الحرية للقيام بأبحاث حول قدرات الحفظ عند الطلاب، وحتى عن موسيقى بوب ديلان.

وفي المقابل، أصبح الكثير من الأكاديميين المعاصرين شديدي التخصص، لدرجة أن الباحثين كثيراً ما يعملون في مجالات بحثية فرعية ذات أقسام فرعية، لا تسمح إلا بالحد الأدنى من التواصل مع الأفراد من خارج تخصصهم، حتى المنتمين منهم إلى المجال البحثي ذاته. أما فلسفة العلوم الإنسانية المطبقة على الدراسة، فتتطلب منهجاً تكامليٍا متعدد الاختصاصات. ومن هنا، يضم هذا الكتاب نطاقاً واسعاً مصمماً لتغطية العديد من التقسيمات الفكرية الراهنة، ونتيجة لذلك سيكون - كما نأمل - حافزاً للقراء الذين يتمتعون بانفتاح عقلي يهتم بكل ما يخص السينما وعلم النفسا

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا