(كامل)
نظرت كوثر في ساعتها للمرة العاشرة، تأخرت سلوى عن موعدها، استعاذت بالله وهي تحاول ألا تفكر في أفكار خبيثة لكن شيطانها كان أقوى منها، ملأ رأسها بعشرات الاحتمالات المخيفة، كادت تتصل بزوجها أكثر من مرة على هاتفه المحمول، لولا أنها خشت ثورة غضبه، لعلها تلعب مع صديقاتها، استعاذت بالله مرة أخرى.
بعد مرور بضع دقائق رن هاتف المنزل، عدت تجاهه كالملسوعة وهي ترفع السماعة في سرعة هاتفه بلهفة: "سلوى"
أجابها صوت مكتوم بسخرية: "لست سلوى.. ولكني أتصل بشأنها"
شعرت بالخوف يعتريها وهي تسأل: "من أنتَ(، أين سلوى(، هل حدث لها مكروه لا قدر الله؟"
سمعت صوته يقول بصرامة: "سلوى بخير.. أريد عشرين ألف جنيه بالغد وإلا سأقتلها.. لا مهلة.. لا شُرطة.. لا ضجة.. هل تفهمين؟"
صرخت بلوعة: "من أنت(، أين سلوى؟"
سمعت صوته يردد بصرامة: "عشرين ألف.. لا شرطة.. تليفونك مراقب وسأقتلها إن اتصلت بأحد"
انقطع الخط وساد الصمت، سكت العالم بأكمله وتوقفت عقارب الساعة عن الحركة، توقفت الكرة الأرضية نفسها عن الدوران في نظرها، تركت سماعة الهاتف تسقط من يدها وهي شاغرة الفاه كالمجذوبة، ظلت ثابتة للحظات غير مصدقة ما سمعت قبل أن ينهار عالمها بأكمله وتنهار معه وهي تسقط فاقدة للوعي.
حين عاد مدحت من عمله مرهقاً تعجب من الصمت الذي يسيطر على داره بأكملها، عادةً يسمع صوت صرخات أو ضحكات المجنونتين اللتان تعيشان معه، مط شفته بدهشة، ربما خرجتا لقضاء بعض الحاجيات، دخل للدار وهو يتنهد براحة، لكن مرأى زوجته الساقطة أرضًا جعله ينتفض وهو يعدو إليها، رفعها عن الأرض برفق وحاول أن يفيقها لكن باءت محاولاته بالفشل، خلع دبوساً من ملابسها، عادتها السخيفة أن تضع دبوسًا في كم قميصها كي لا يطول فيعيقها نفعته، وضع الدبوس تحت ظفرها وضغط بقوة فشهقت وهي تعود لعالمنا، نظرت له بألم وهي تقول له: "سلوى.. عشرون ألف.. غدًا.. أنجدني"
حاول أن يهدئ من روعها كي يفهم كلماتها، ولكن حزنها كان ضخماً وفرض سيطرته التامة على الموقف، من بين دموعها بدأت تقص وبدأ يسمع وقلبه ينخلع من مكانه، انتهت من حديثها وهي تسأله: "ماذا سنفعل؟"
قال لها بحزن وعجز وهو يقول: "لن تبلغ الشرطة... سنتصرف بالمبلغ وسننتظر منه مكالمة أخرى كي نعرف ماذا سنفعل"
لطمت وجهها بهلع، حاول منعها إلى أن استكانت وبكت بين ذراعيه، حضنها حتى هدأت قليلاً، تسلل للغرفة وأتى بحبة منوم ووضعها في قليل من العصير وطلب منها أن تشربه، شربته على مضض قبل أن تنام كالأطفال.
مدحت محبب بين رجال القرية، لذا لم يكن صعباً عليه أن يتدبر أمر المال، اختلق قليل من الكذبات واخترع القليل من الخدع وفي النهاية عاد لمنزله بعد بضع ساعات وبصحبته المبلغ كاملاً، انتظر بجوار زوجته النائمة لساعات وساعات وهو يفكر في عشرات الاحتمالات، أخيرًا رن هاتف المنزل في التاسعة مساءً، رفع سماعة الهاتف سريعاً قبل أن تستيقظ زوجته، سمع صوتاً مكتوماً يقول بلهجة آمرة: "الساعة الثانية عشر ظهرًا.. محطة مترو الشهداء.. ستضع الحقيبة على الرصيف.. اتجاه الجيزة.. بمجرد اختفاء الحقيبة عد لمنزلك وانتظر.. ستجد ابنتك تطرق الباب
حاول أن يتحدث لكن المتصل لم يعطيه فرصة ليرد، وضع سماعة الهاتف قبل أن يستجمع مدحت شتات نفسه.
وساد الصمت على المكان بأكمله إلا من نهنهات ألم صادرة من مدحت، حاول منعها جاهدًا إلا أنه لم يستطع
موجة عارمة من الكادحين نزلت من عربة المترو، ساعة ذروة وآلاف المواطنين يريدون ركوب المترو ليذهبوا لقضاء أعمالهم أو ليذهبوا لبيوتهم بعد يوم عمل سخيف، حاول مدحت أن يركز نظراته على الحقيبة، كان يقف على الرصيف المقابل مختبئاً بين جموع المنتظرين، لكن حركة موجة البشر منعته من الرؤية بوضوح.
اختفت الحقيبة.. شعر بقلبه ينقبض لكنه تجاهل هذا الشعور وهو يستعد للرحيل.. دعا الله في سره أن يخيب ظنه
* *
خبر في جريدة الأهرام.. صفحة الحوادث
عثرت أجهزة الأمن بالجيزة، على جثة فتاة ممزقة ل 6 أشلاء على حافة ترعة في قرية ؟...), التي تقع بمحيط منطقتي ؟...) و؟...), وأكدت مصادر أمنية بالإدارة العامة لمباحث الجيزة، وقسم شرطة ؟...), أنه تم العثور على أشلاء لجثة فتاة مجهولة الهوية في الحادية عشر من عمرها، مقطوعة الرأس والقدمين واليدين، ملقاة على حافة ترعة ؟...), وتم تجميعها ونقلها إلى المشرحة، وانتدبت أجهزة الأمن المعمل الجنائي، لرفع البصمات، وأمرت النيابة العامة بنقل الأشلاء إلى المشرحة لتشريح جثتها بمعرفة فريق الطب الشرعي، وطالبت المباحث بالتحريات وسرعة كشف هوية صاحبتها.
وأمر اللواء رفعت القاضي مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة، بفحص بلاغات التغيب، وكذلك فحص الكاميرات القريبة من موقع الحادث، وجمع التحريات ورفع البصمات للوصول لهوية القتيلة في أسرع وقت، وجارى استكمال التحقيقات للوقوف على ملابسات الحادث.
* *
بعد مرور أسبوع:
خبر في جريدة الأهرام.. صفحة الحوادث
كشف ضباط البحث الجنائي بالجيزة، ملابسات واقعة العثور على جثة فتاة 11 سنة، طافية بمياه ترعة ؟...) بالجيزة.
تلقى اللواء عبد الله جلال مدير المباحث الجنائية بمديرية أمن الجيزة، إخطاراً من اللواء رفعت القاضي مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة، مفاده تلقيه بلاغاً بالعثور على جثة فتاة طافية بمياه ترعة ؟...), وتبين أنها "سلوى. م. م" 11 سنة، مقيمة ب ؟...) في الجيزة
وبدأ فريق البحث في فحص منطقة الحادث وخط سير المجني عليها في وقت معاصر لارتكاب الواقعة، وفحص علاقاتها بمحيط محل إقامتهما، وفحص القاطنين بمنطقة الحادث وصولاً لتحديد خط سير احتمال لقدوم وهروب الجاني، ومحاولة للتوصل لشهود رؤية لهم، وفحص الأشقياء الخطرين وذوي السمعة السيئة والمفرج عنهم حديثاً والمشهور عنهم ارتكاب مثل تلك الوقائع.
ومازال لغز مقتل سلوى قائماً حتى الآن.
(حسا
استلزمه الأمر حوالي يوم كامل، يمر على بيوتهم ويطرق الأبواب، يشعر بعض الناس بالدهشة لرؤيته، حسّان يتجنبهم كأنهم مجموعة من الزومبي وهم يتجنبونه كأنه مريض بالجذام، تخيّل أن تكون في بيتك تجلس أمام التلفاز بملابسك الداخلية التي تغيّر لونها بسبب البطيخ الذي تُحب تناوله ثم تجد مجذومًا يطرق الباب ويطلب مقابلتك، شعروا جميعًا بالقلق لكن حين يدخُل حسّان لمنزل الضحية يغير من أسلوبه ومن طريقته، يصبح شخصاً لطيفاً ساحرًا يخلب الألباب بلباقته وحُسن حديثه.
دخل لمنزل الحاج نبيه الذي كان يجلس كعادته يتابع واحداً من البرامج الحوارية باهتمام، دخلت عليه ابنته الصغيرة وهي تقول له أن هناك من يدعي حسّان ينتظره على الباب، ظهرت الحيرة على وجهه وهو يردد: "اللهم اجعله خيراً
كان يجلس على الأرض فهو لا يُجب أن يجلس على الأرائك ولا يرتاح سوى في الجلوس على الأرض فقط، وقف وهو يقول لابنته أن تهبط لعم إسماعيل البقال لتأتي بزجاجة من المياه الغازية للضيف وأن تدخله لينتظره في الصالون حتى يغيّر ملابسه ويصبح مستعدًا للقياه.
ارتدى جلبابه وهو يدخل للصالون ليجد حسان في انتظاره وهو يتأمل محتويات الشقة، وقف حسّان احترامًا حين دخل نبيه للصالون، ابتسم نبيه كما تقتضي أصول الواجب وهو يقول مرحباً بضيفه: "أهلاً.. أهلاً.. منورنا والله يا دكتور حسان".
أجابه حسّان: "البيت منورّ بأهله يا حاج نبيه".
دخلت الصبية الصغيرة وهي تحمل كوباً من المياه الغازية ووضعتها أمامه باحترام قبل أن تسأل أبيها: "هل تريدون شيئًا آخر"
ابتسم الأب وهو يمسد شعرها برفق: "شكرًا يا نجوى، ادخلي إلى غرفتك الآن وإذا احتجنا شيئًا آخر سأناديك"
جرت وهي تبتسم نحو غرفتها، رشف حسّان رشفة من الكوب وهو يقول جملته التي قالها في العديد من البيوت من قبل: "سأدخل في الموضوع مباشرةً يا حاج نبيه، وقتي ووقتك لا يسمحان بغير ذلك، عرفت أنك مريض بمرض مزمن ولا تستطيع أن تعالجه وتكتفي فقط بالعلاج المسكن
صمت ينتظر رد فعل لم يأتِ، الحاج نبيه يعرف جيداً أن الحدأة لا ترمي الكتاكيت وأن مثل حسّان لا يفعل الخير، عرفها نبيه من خبرته الحياتية التي عاشها من قبل، سأله حسّان باهتمام: "أعرف كغيري أن هذا البيت ملكك بعد أن ورثته عن والدك، سامحني في سؤالي.. لكن لماذا لا تبيعه وتخضع للعلاج اللازم في أحد المستشفيات الخاصة أو حتى تسافر للعلاج بالخارج"
اعتدل الحاج نبيه على الأريكة وهو يشعر أن حسّان يتدخل في خصوصياته دون وجه حق قبل أن يقول: "كما قلت البيت ميراث أبي ولي أخوة يشاركوني فيه ولا أستطيع أن أبيع سوى الجزء الذي يخصني فقط وإذا بعته فرضًا فأين سأذهب أنا وأسرتي؟"
هرش حسان رأسه وهو يقول: "حسناً.. إذا أخبرك أحدهم أنك ستعالج في واحدة من أكبر المستشفيات الخاصة دون أن تدفع مليماً واحداً.. ماذا ستفعل؟"
وقف نبيه وقد بدأ الغضب يظهر جليًا على ملامحه وهو يقول: "هل جئت لتسخر مني؟.. وفي عقر داري؟"
ابتسم حسان محاولاً تلطيف الأجواء قليلًا وهو يقول: "استهدَ بالله يا حاج نبيه، اجلس واستغفر ربك وأنا سأشرح لك كُل شيء وبالتفصيل"
جلس نبيه وما زالت علامات الضيق تبدو على وجهه، بدأ حسّان يشرح ما يقصد: "صلِ على حضرة النبي يا حاج نبيه".
هدأ نبيه قليلاً وهو يقول بخشوع: "عليه أفضل الصلاة والسلام
"الموضوع وما فيه أن دكتور سامي مدير المستشفى وأحد أكبر وأهم وأنبغ الأطباء في مصر.. لا، لا، ليس في مصر فقط بل في الوطن العربي بأكمله كان معتادًا أن يقوم بفريضة الحج كل عام ابتغاء مرضاة
الله عز وجل"
أجابه نبيه: "ونعم بالله"
"هذا العام ظروفه لم تسمح له بالسفر وهو يشعر بالضيق والحزن، لذا قدر قيمة المبلغ الذي كان معتادًا أن يسافر به وقرر أن يعالج العديد من المحتاجين والغير قادرين على مصاريف عملياتهم الجراحية وأنا أعرف بحكم جيرتنا أنك مريض وأعرف حالتك الصحية جيدًا لذ اقترحت اسمك ضمن مجموعة من المرضي القاطنين بالحارة معنا، كُل ما أريده هو نسخة من ملفك العلاجي، شامل كل المعلومات وسيتم عرضها على إدارة المستشفى لتختار من الملفات واحداً سيكون سعيد الحظ الذي سيتكفل دكتور سامي بمصاريف علاجه وعمليته بنفسه ومن يعرف.. ربما كنت سعيد الحظ هذا يا حاج"
سأل نبيه بتشكك وعدم الاقتناع يسيطر على مشاعره تماماً: "ولماذا لا يكفل يتيماً أو يطعم مساكيناً أو حتى يُرسل بأحد العاملين عنده لقضاء فريضة الحج؟
سؤال ذكي كاد يُباغت حسّان الذي شعر أنه كالفأر الذي وجد نفسه مُحاصراً فجأة دون أن يستعد، تظاهر بارتشاف رشفة أخرى من مشروبه ولكن هذه المرة شرب بتمهل شديد، لمعت الإجابة في رأسه فأجابه فورًا: "كما تعرف فالعديد من الشحاذين والفقراء يدعون الفقر وتحولّ الأمر لمهنة، يريد الرجل أن يضع ماله في خير يشرف عليه بنفسه، ثم من نحن لنحاسبه، الرجل سيعالج العديد مجانًا، أكثر الله من خيره
ظهرت علامات الاقتناع على وجه الرجل، هم ليُنادي زوجته ليطلب منها الملف الذي يحتفظون فيه بصور كُل التحاليل والأشعة والمعلومات الطبية اللازمة عنه، ناداها بصوت عالٍ: "يا أم نجوى.. من فضلك أعطيني ال...".
قبل أن يستكمل جملته كانت تفتح الباب وتخرج تحمل الأوراق قائلة: "جاهز يا نبيه.. جاهز"
سألها الرجل باستنكار: "هل كنت تنصتي السمع يا امرأة؟"
احمر وجهها وهي ترفع يديها متظاهرة بالدعاء: "عل الله يجعله من حظك ومن نصيبك"
ردد هو وحسان في صوت واحد: "آمين"
ودعهم حسان بابتسامة وهو يعود لبيته، كان نبيه آخر المرضى وسيقضي ليلته في دراسة ملفاتهم الطبية كي يصطاد فريسته الجديدة...
* *
"حسان لدينا تطابق.. نبيه وجيه الهاشمي"
* *
للمرة الثانية في يومين متتالين يطرق حسان باب الحاج نبيه، هذه المرة كان قلبه يدق وهو يحاول إخفاء توتره، ابتلع ريقه بصعوبة وهو يمسح عرقه البارد بمنديل ورقي شارف على التهتك، عدّل من وضع قميصه، هذه المرة فتح له الحاج نبيه الباب بنفسه وعلى عكس العادة كان قلقاً فهو ينتظر خبرًا سيغير من حياته.
ابتسم حسان وهو يخفي توتره، كان شريرًا مقبولاً لكنه كان مُمثلاً بارعاً، تنفس الحاج نبيه الصعداء حين لمح ابتسامة حسان وبادره بلهفة: "بالله عليك قُل لي أنك أتيت لتفرح قلبي"
ابتسم حسّان وهو يقول: "أبشر يا حاج نبيه.. علاجك سهل وبسيط، دكتور سامي وافق بنفسه على إجراء عمليتك الجراحية في مستشفاه الخاص"
احتضنه الحاج نبيه وهو يحمد الله بصوت عالٍ ملئ بالراحة قبل أن يبتعد عنه قليلاً وهو يسأله بشك: "مجانًا.. أليس كذلك؟"
حافظ حسان على ابتسامته وهو يطمأنه، ارتفع صوت "زغرودة" من أحد الغرف الداخلية، دعاه الحاج نبيه للدخول لكنه اعتذر منه بلباقة وهو يطلب منه أن يكون جاهزاً في تمام الثامنة صباحًا كي يتوجها سويًا للمُستشفى كي يجروا بعض التحاليل والفحوصات اللازمة للتأكد من بعض الأشياء، ظهر القلق على وجه الحاج نبيه قبل كل شيء لم يكن مستعد نفسيًا لإجراء الأمر بهذه السرعة، لكن خوفه من ضياع الفرصة التي تأتي مرة واحدة في العُمر منعه من الاعتراض، ابتسم بقلق وهو يعده أن يكون جاهزاً منذ السابعة صباحًا لو أراد
وقد كان...
في تمام الساعة الثامنة صباحًا كان الحاج نبيه منتظراً تحت بيته، مر حسان ليجده واقفاً فابتسم وهو يحييه قبل أن يستقلا سيارة أجرة إلى المستشفى، وصلا بعد حوالي ساعة ونصف ودخلا إلى المشفى، انهمك حسان في ملئ بعض الأوراق والاستمارات بينما كان نبيه في عالم آخر وهو يتأمل المستشفى الفاخر وديكوراته التي تخلب الألباب، كان فاخراً حتى إن نبيه لا يجرؤ أن يمر من أمامه ولو بالخطأ.
أفاق من خيالاته على صوت حسّان وهو يسأله: "هيا يا بطل؟
ظهرت علامات التوتر على محيا نبيه وهو يمشي خلف حسّان متوتراً، استقلا المصعد للدور الرابع، أشار له حسّان أن يدخل لتلك الغرفة ويبدل ملابسه بمعطف مفتوح من الخلف سيجده على الفراش وأن ينتظر الأطباء والممرضات، فقط عليه ألا يسأل عن شيء مهما بدا له بالغ الغرابة، كُل هذه الفحوصات والتحاليل ستفيده في مشواره خصوصاً وأن الدكتور سامي متعجل للقيام بالعملية قبل سفره لألمانيا في مؤتمر طبي والتأجيل مخاطرة لأن دكتور سامي من الممكن أن ينسى الأمر ويذهب الأمر أدراج الرياح.
هز نبيه رأسه متفهماً، خلع ملابسه حتى صار عارياً كما ولدته أمه، أمسك المعطف بيده كي يغلقه من خلفه بإحراج، بعد حوالي عشرين دقيقة سمع طرقات خافتة على الباب فاعتدل وهو ينظر للباب بتوتر، دلف طبيب صغير سناً لكن تبدو على ملامحه علامات الذكاء، ابتسم وهو يقول لنبيه بأدب: "سنقوم بعد إذنك ببعض التحاليل اللازمة.. أستأذنك في البداية سنقوم بعمل تحليل لفصيلة الدم وهو تحليل بسيط للغاية لا يتطلب سوى جرح بسيط في إبهامك فقط ستقوم به الممرضة سهام سريعاً"
سلمها نبيه يده وتابع نقطة الدم وهي تنام منبسطة على لوح زجاجي مربع الشكل صغير الحجم، تتابعت التحاليل والحاج نبيه لا يفهم شيئًا من حات الطبية والكلمات الإنجليزية التي يمطره بها الطبيب alîab", (HLA antigen Cross مّاتچهينگ0ة ، "تحليل سيولة"، "تحليل فيروسات"، "صورة دم كاملة"، " ةرِّنال بّيىپسئ0ة
التحليل الأخير هو أكثر ما لفت نظر نبيه، فبغض النظر عن الألم الذي شعر به وتلك الإبرة تخترق جانبيه من الخلف إلا أنه سمع الطبيب يقول في خضم حديثه: "عينة من الكلية
كاد يسأل الطبيب عن أهمية عينة من الكلية رغم أن مرضه هو مرض صدر! لكنه تذكر تحذير حسّان فالتزم بالصمت التام.
انتهى الطبيب والممرضتين من التحاليل والفحوصات اللازمة وودعاه بأدب جم، أخبره الطبيب أنه من الممكن أن يرتدي ملابسه لكنه سيقضي ليلته في المستشفى اليوم وبالغد من الممكن أن تجري العملية ونبه عليه بنبرة صارمة أنه ممنوع الزيارات العائلية سوى بعد إجراء العملية، هز رأسه متفهماً وهو يدعو الله أن تمر الأمور على خير.
دخل حسّان إلى الغرفة بعد القليل من الوقت وهو يحمل بين يديه ملف به عدة أوراق، ابتسم وهو يقول له: "أنا آسف لكنك تعرف الإجراءات الورقية السخيفة المملة".
ابتسم نبيه بصدق وهو يقول بلطف: "لا عليك يا دكتور حسان.. جميلك هذا لن أنساه ما حييت".
حاول نبيه أن يقبل رأس حسّان لكن حسان منعه وهو يشكره على شعوره النبيل، جلس بجواره وأعطاه القلم، بدأ نبيه في تصفح بعض الأوراق قبل أن يبدأ حسّان حوارًا جانبيًا عن الحارة وأهلها، كثرة الأوراق والحديث الشيق الذي أجاد حسّان حبكته أفقداه التركيز قبل أن ينهي إمضاء التقارير والأوراق اللازمة.
صافحه حسّان وهو يخرج من الغرفة وينصحه أن ينام جيدًا، غدًا يوم حافل
! " " * * "" " ." " ن) : * :* . " .
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا