11)
(بسنت)
بعد أسبوعين من مقابلتهما الأخيرة:
كافتيريا صغيرة هادئة تطل على مشهد خلاب لنهر النيل، منضدة صغيرة في ركن الكافتيريا عليها شاب وفتاة في سن صغير منهمكان في حديث كالهمس، يدور كيوبيد ملاك الحب حولهما مستمتعاً برميهما بأسهمه المغموسة أطرافها في حب صادق، أصاب قلب الفتاة مرارًا وتكرارًا لكن شيئًا غامضًا منعه من إصابة قلب الفتى وكأن شيطاناً خفيًا يحرص على حماية قلبه.
مد الفتى ذو العيون الخضراء يده ليمس يدها برفق، كادت تجذب يدها بعيداً في خجل لولا أن تمسك بها فاستسلمت قانعة راضية، كاد ضميرها أن يشك لولا أن قلبها ضربه على أم رأسه ليخر مغشياً عليه مؤقتاً، فلتعش هذه اللحظات السعيدة الآن وليؤلمها ضميرها فيما بعد.
صوت زقزقة العصافير كان كالموسيقى التي يرقص عليها قلبها المحب ولعاً، نسمة هواء باردة خففت من حدة وهج نار حبها،
حمرة وجنتيها التي أضافت على المشهد لونًا يخطف الأعين، ولأننا في دنيا الواقع لسنا في أحد القصص الرومانسية فيجب أن يكون هناك ما يعكر صفو هذه اللحظة الجميلة، في الواقع هناك شيئان، أولهما نظرة الخبث التي التمعت في عيني الفتى دون أن تلحظها الفتاة الغارقة في بحور الحب ثانيهما هو لمعة خاطفة لعدسة كاميرا من إحدى المناضد القريبة منهما...
أمسك حامد يدها برفق وهو يتأمل أصابعها برفق قبل أن يقول لها: "أتعرفين أنني منذ رأيتك وقلبي بحوزتك؟"
نظرت أرضًا في خجل وهي تقول في دهشة: "لماذا أنا يا حامد.. أنا.. أنا.. أقصد أنني لست جميلة؟" قال لها محرفًا أحد أبيات الشعر الشهيرة: "وهل للقلب من سلطان إذا ما الهوى أغواه"
كانت تعرف بيت الشعر الأصلي لكنها منه كأنها تسمعه للمرة الأولى وكأنه كتبه لها خصيصًا، احتضن يدها بيده وضغط عليها برفق، غلبها الحب فرفعت عينيها وتأملت عينيه وهي تسأله: "لم تجب سؤالي.. لماذا أنا؟"
ابتسم وهو يضع يده على قلبه قائلاً بابتسامة ساحرة: "لو أنا هذا الوغد رأى من هي أجمل منك فلربما ذاب فيها عشقاً، لكنه لم ير سواكي ولا يريد أن يرى سواكي"
كان كعادته ساحرًا يتلاعب بالكلمات كي يذيب قلبها ولهاً وعشقاً وكعادتها كانت مستسلمة ومستمتعة، أمسك بيدها وقربها من شفتيه برفق وهو يطبع عليها قبلة دافئة، غلبتها مشاعرها ونحت خجلها جانبًا وهي تحتضن يده وتقربها من شفتيها لتطبع عليها قبلة مليئة بالحب، تائهة في شوارع الحب، حائرة في خرائط الهوى غير منتبهة لعدسة الكاميرا التي تلتقط لها عشرات الصور خلسة.
لكن التفاتة من الفتى تجاه المصور مصحوبة بابتسامة خفية دامت للحظات كانت كافية، الفتى يعرف جيداً أنهما مراقبان بل يبدو من ابتسامته أنه على علم بهوية المصور المجهول!
* * *
كل ما تبحث عنه أي فتاة هو حب دافئ وقلب مُحب ووعد صادق، لا تريد سوى هذا بالإضافة لبيت صغير يغلق بابه عليها هي وشريكها ليعيشا حياتهما سويًا، بينما أغلب الفتيان يبحثون عن أشياء مختلفة، يبحثون عن حضن مختلس، قبلة مسروقة أو لمسة شهوانية أولاً.
وللأسف أن أغلب الفتيات تعشن في عوالم رومانسية غير واقعية وللأسف الشديد أن أغلب الفتيان يعرفون هذا جيدًا وللأسف الشديد للغاية أن نسبة كبيرة منهم يعرف كلمة السر الأسهل للولوج لقلب أي فتاة:
"هل تتزوجيني؟"
قالها حامد وهو يقترب من بسنت، صمم أن يدخلا سينما في هذا اليوم، أعطى العامل ورقة مالية كبيرة قبلها منه مقابل تجاهلهما، نظرت له بسنت بدهشة وهي تسمع منه الكلمة للمرة الأولى، لم تتوقعها، وضع يده على كتفها، مازال سنهما صغيراً، تحركت يده إلى ظهرها، هل يستطيع أن يتزوج ويصبح مسئولاً عن بيت(، جذبها تجاهه، هل ستستطيع أن تتزوج في هذا السن الصغير، اقترب منها، كانت أضعف من أن تقاومه وكان أذكى من أن يسمح لها بالمقاومة، الأمر بقبلتين إحداهما على شاشة السينما والأخرى في الصف الأخير من مقاعد السينما ولسوء حظها كانت كلتا القبلتين مصورة، إحداهما بعلم فريق العمل والممثلين أما الثانية فكانت مسروقة بخبث لا حد له!!
ابتعدت عنه ونظرت له بلوم، توقع أن تصفعه أو أن تسبه، توقع أن تقطع علاقتها به أو أن تجري خارج السينما لكنه لم يتوقع أن ترتمي في أحضانه مستسلمة، كانت تعرف أن ما تفعله خاطئ ولكننا بشر وكل البشر خطائين ولو أرادنا الله ألا نخطئ ما خلق المعصية أو هكذا أقنعها شيطانها.
تلاقت شفتيها مع شفتيه في حوار ساخن شيق تمنت لو أنه لا ينتهي، كان الفتى لبقاً محاورًا بارعًا واستطاع أن يدير حوارًا مطولاً بين شفتيهما، انتهى الفيلم وأنارت قاعة السينما لكن قطعة من روحها أظلمت وهي تخرج من بين أحضانه وتحاول أن تخفي خجلها، ابتسمت له برفق ولطف وهي تسرع بالخروج من دار السينما سريعاً، تريد أن تنفرد بنفسها كي تسترجع ذكريات هذا اللقاء الممتع.
لم تنم ليلتها، ولم ينم قلبها العاشق، الوحيد الذي نام ليلتها كان ضميرها الذي انتحى جانبًا وحيداً يندب فتاة مهذبة حولها الحب لفتاة لا تعرف للأدب معنى، كانت تغلق عينيها محركة شفتيها كأنها تقبل الهواء، تتذكر دفء أنفاسه ومذاق شفتيه، تستدعي إحساس الخدر الذي سيطر على جسدها بأكمله حين تلاقت شفتيهما في رقصة من نوع خاص، هامت في بحور الهوى دون طوق نجاة، تركت أمواج العشق تراقص قلبها ورياح العشق تناجيه، لكنها لم تنتبه لشيطان ينتظر اللحظة المناسبة ليغدر بها، ليطعنها في قلبها الذي سلمته بيديها بكامل إرادتها.
* * *
نظرت له بدهشة وهي لا تكاد تصدق ما يقول، كانت نظرة التساؤل في عينيها واضحة تكشف دهشتها، كرر عليها قوله برفق: "أخاف أن يرانا أحدهم وأنت في أحضاني.. أنا أحبك وأخشى عليك من النسيم يا زوجتي الجميلة"
كررت كلمته بغير تصديق: "زو.. زوجتك!"
ابتسم وهو يضمها لصدره هامسًا بحب: "نعم زوجتي.. أشهد الله أني أعاملك كزوجتي وإلا لم أكن سألمسك مطلقاً"
كان يتعمد أن يشنف آذانها بالكلمات التي ستروي أرض لتزدهر ورود الهوى، وكانت تصدقه.. تصدقه حد الإيمان.
كانت في دنيا غير الدنيا وهي تردد كلماته: "تخاف علي من نظرات الناس؟"
ابتسم وهو يقبل جبينها قائلاً: "أخاف عليك بالطبع فأنتِ زوجتي.. شرفي وعرضي"
كانت كلماته ككرات النار التي تهد حصون امتناعها عنه هداً، سبق وأن سمحت له أن يستبيح شفتيها ونهديها والآن هي على وشك أن تمنعه حق التحكم في جسدها لولا بقية خجل يحاولون صد هجومه الشرس، أجابته بصدق: "أنا أيضًا أخجل من قبلاتنا المسروقة وأخشى أن يرانا أحدهم".
ابتسم وقد تأكد أنه أجاد العزف على الوتر المناسب فكفاءه الوتر بسماع النغمة التي أرادها، ظهرت على محياه علامات التردد وهو يقول: "هناك حل واحد لكن...."
ظهرت اللهفة في عينيها وهي تسأله: "ولكن ماذا؟"
أجاب وهو يصطنع الرفض: "لا.. مستحيل"
سألته بلهفة عاشقة: "ما هو المستحيل يا حامد؟"
ظهرت عليه علامات الرفض وهو يقول: "لا.. يبدو أنني أخطأت حين فكرت في هذا الأمر".
أمسكت يده برفق وهي تقول: "ألست زوجتك(، اقترح علي الأمر واترك لي الرفض من عدمه".
احتضن يدها وهو يقول: "هناك حل وحيد.. أن نتقابل بعيداً عن الأعين.. نتقابل في شقتي"
جذبت يدها من يده بصرامة وتبدلت ملامحها ليظهر الغضب على وجهها وهي تقول: "أنت سافل.. تريدني أن أقابلك في شقتك"
حاول أن يمسك يدها ليهدئ من روعها لكنها ابتعدت عنه وهي تقول له: "اسمع يا حامد.. أنا فتاة محترمة.. تجاوزت معك بعض الحدود لأنني أحبك ولأنك وعدتني بالزواج ليس إلا.. لكن حد الله أن نتقابل بمفردنا في شقة مغلقة قبل أن تتزوجني"
ابتسم وهو يقول: "سأتزوجك.. صدقيني سأتزوجك"
خطت خطوة للخلف وهي تحمل حقيبتها وتهم بالرحيل قائلة بغضب: "حين تتزوجني سآتي إلى شقتك".
همت بالرحيل وتجاهلت ندائه، كانت تشعر بالغضب يعتمر بداخلها، يملأ قلبها فتغلي الدماء في عروقها، يبدو أنها أخطأت للمرة الأولى يتسلم ضميرها زمام الأمور ويقسو في عتابها للغاية، أدركت خطأها وأدركت كم سمحت له بتدنيس طهرها، أدركت أنه مثله كمثل غيره لا يهتم سوى بشيء واحد.. جسدها!
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا