علم نفس الطفل

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2024-09-23

2. علم نفس الطفل 

إني حامل في الشهر الثامن، انتظر بفارغ الصبر ولادة ابني أو ابنتي البكر. تزوجت منذ سنة وأنا لا أعرف شيئاً عن العلاقة الزوجية، وعن تربية الأطفال .. إنني متعلمة وحاصلة على شهادة البكالوريا. ولكن لا أملك الخبرة في تفهم نفسية (بكري - أي الابن الأول للمرأة) القادم.

أن حالتي تبدو عادية لكم، ولكنها حالة الملايين من أمثالي الذين لم يتثقفوا بالثقافة النفسية.

أرجو أن اقرأ تحليلكم

ميساء. خ

ما لفت نظري وأنا أتصفح مئات الرسائل التي انهالت علي بواسطة دار النشر عقب صدور كتابي (تحليل مائة نفسية) هو ما طرحه القراء بالنسبة لمشكلات الأطفال النفسية. وهو عكس ما قد يتصوره الفرد منا، من حيث أن الحالات التي يعرضها القراء يغلب عليها الطابع الجنسي، ولكنني فوجئت بعشرات الرسائل التي تطلب تحليل الجوانب الخفية من حياة الطفل. ولعل ذلك ناشئ من نقص هذه المواضيع في المكتبة العربية، أو لأمور أخرى نجهلها.

أما السؤال الذي طلبتي الإجابة عليه فإن عنوانه يندرج فيما يسمى (علم نفس الطفل). وقد أتى هذا العلم حين أصبحت الطفولة تدرس لذاتها كموضوع هام من موضوعات العلم، فتكون علم نفس الطفل بجانب علم النفس التربوي، وذلك في الربع الأول من هذا القرن، ومن البديهي أن يعتمد الثاني على الأول ......... كما تعتمد الفنون التطبيقية على العلم النظري. وقد أدت بحوث العلماء إلى توسيع آفاق علم النفس العام وتعديل بعض أساليبه وإعادة النظر في كثير من النتائج التي وصل إليها علماء النفس والفلاسفة عن طريق المشاهدة الذاتية أو ملاحظة الإنسان البالغ. فقد أبرزت دراسة الطفل قيمة المنهج الموضوعي أو منهج الملاحظة الخارجية الدقيقة بجميع مظاهر السلوك، وطبق هذا المنهج بنجاح عظيم في دراسة البدائيين المصابين بأمراض عقلية.

كما ألقت دراسات الطفولة ضوءاً جديداً على مشكلة أصل المعرفة وقيمتها ومشكلة صلة اللغة بالفكر، كما أدت المقارنة بين الحيوانات والطفل إلى تحديد طبيعة العقل الإنساني وتمييزه تميزاً جوهرياً من عقل الحيوان. والواقع أن جميع الوظائف العقلية من وجدانية وإدراكية وإرادية حللت تحليلاً دقيقاً خلال الدراسات السيكولوجية الخاصة بالطفل لأن عملية النمو نفسها هي بمثابة تحليل وتأليف في آن واحد وتحقق للعالم ظروفاً ملائمة لتتبع نشوء الوظائف من أبسط صورها إلى أعقدها حتى تتكامل جميعها في حياة البالغ السوى.

وفي هذه العجالة لسنا في حاجة إلى بيان ما أفادته التربية من علم نفس الطفل وما يمكن أن تفيده لأن التطبيق السليم المنتج يكون بمقدار قيمة الحقائق العلمية. فالتربية بما تشمله من مناهج تعليمية تعتمد على أساسين: دراسة شخصية الطفل كعملية تسير باطراد نحو تكامل مقوماتها ثم دراسة عملية التعليم وتكوين العادات. وقد خطت دراسة هذين الموضوعين خطوات واسعة بفضل علم نفس الطفل.

وقد قسم علماء النفس الطفولة إلى ثلاث مراحل رئيسية: الأولى من الولادة إلى سن ثلاث سنوات، والثانية من سن ثلاث سنوات إلى حوالي الثامنة، والثالثة تنتهي عند بدء المراهقة، ويفصل بين هذه المراحل تغيير واضح في النمو العقلي وفي تكوين الشخصية. وتحدث أزمة الشخصية الأولى عند انتهاء السنة الثالثة التي تظهر خلالها مقدرة الطفل على أن يميز ذاته عن الآخرين. وعند مطلع السنة التاسعة تقوى مدارك الطفل بحيث يتمكن من فهم المعنويات ويصبح قادراً على تقبل منطق الكبار وعلى التعاون ضمن نطاق المجتمع.

وعلى هذا يمكن تقسيم كل مرحلة رئيسية إلى مراحل فرعية، وخاصة المرحلة الأولى لأنها تمتاز بسرعة النمو الجسمي والعقلي بظهور عدد كبير من الوظائف الهامة ومن أساليب السلوك المختلفة التي ستتضح وتنضج في مراحل النمو التالية الموصلة إلى مطلع الشباب.

والملاحظ أنه من الخطأ أن نعلل مظاهر السلوك في السنوات الأولى كوقائع مستقلة دون الإشارة إلى الدور الذي تؤديه هذه المظاهر في تحقيق الغرض الذي يتجه إليه النمو. وعلى ذلك تكون المراحل الفرعية التي يمكن تحديدها بمثابة خطوات مؤدية إلى اكتمال الوظائف الحركية والعقلية. ويمكن تقسيم المرحلة الأولى الرئيسية التي تبدأ بالولادة حتى مطلع السنة الرابعة إلى المراحل الفرعية الآتية: أولاً من الولادة إلى انتهاء الأسبوع الثاني، ثانياً من الأسبوع الثالث إلى الشهر السادس، ثالثاً من الشهر السادس إلى آخر السنة الأولى، وأخيراً السنتان الثانية والثالثة.

ولعل أهم دليل على النمو العقلي للطفل اكتساب اللغة. فذكاء الحيوان محدود بعجزه عن التحرر من قيود المكان واللحظة الراهنة، فهو بمثابة وسيلة في خدمة حاجاته العضوية فحسب. وإذا كان ذكاء الطفل في مرحلته الأولى كبير الشبه بذكاء الحيوان، غير أنه لن يلبث طويلاً حتى يختلف عنه اختلافاً جوهرياً وذلك بظهور القدرة على فهم الرموز وخلق رموز جديدة. وليس فهم الرموز في الطفل نتيجة تدريبه فحسب، كما هو الحال في الحيوان، بل هو مظهر إيجابي لنشاط خاص، هو نشاط العقل الذي يمتاز قبل كل شيء بقدرته على التجريد والتعميم. نلاحظ في الإنسان فقط، دون سائر الحيوانات، أن الفكر، وإن كان في غالب الأحيان وسيلة من وسائل التكيف، في إمكانه أن يصبح غاية وأن يتناول موضوعات تسمو على العالم الحسي. ليس العقل نتيجة التدريب، حتى إذا وصل التدريب إلى تمكين الحيوان من أن يستجيب لبعض الرموز، بل هو في الإنسان الشرط الأول والضروري لاكتساب اللغة.

إن أكبر دليل على أن اللغة ليست إلا أداة اصطفها العقل نلمسه بكل جلاء في تتبع المراحل التي يقطعها الطفل في اكتساب اللغة. وتكون مرحلة فهم اللغة سابقة على استخدامها لأن الفكر هو رائد اللغة لا العكس، ويتناول فهم الطفل أولاً المواقف الإجمالية من حركات الوجه والايماءات وحركات انتقال الأشخاص من ذهاب وإياب ووقوف، ثم ينحصر الفهم في مواقف جزئية ويزداد تمييزاً للتفاصيل وأوجه التشابه والتقابل القائمة بينهما. ويفهم الطفل الحركات والايماءات قبل فهمه الكلام، وينفعل أولاً لنغمة الجملة وصفاتها الموسيقية قبل أن يفهم لفظاً منفرداً. فإذا وجه إليه أمر بلهجة ذات وتيرة واحدة وبدون توضيح الأمر بالإشارة فإنه لا يستجيب.

هذا ويتطور فهم الطفل للأوامر الموجهة إليه تبعاً لنظام معين يبين لنا مقدار ترقي نضوجه العقلي، فيفهم أولاً الأوامر المصحوبة بالإشارة، ثم غير المصحوبة بالإشارة، ويفهم أولاً الأوامر المتعلقة بحركات جسمه، ثم الأوامر المتعلقة بتحريك أشياء خارجية ومعالجتها باليد، وكذلك يفهم أولاً الأوامر الخاصة بمعالجة الأشياء الموجودة في المجال البصري الراهن، ثم الأشياء الموجودة خارج هذا المجال، وحينئذ تنضج قدرة الطفل على تصور الأشياء الغائبة وتذكرها.

وعندما يبتدئ الطفل في أواخر السنة الثانية بفهم ما يدور حوله من حديث، فإنه يفهم أولاً الحديث الذي يشير إليه أو إلى ما يعمله أو ما يجب أن يعمله، ثم يفهم بعض إشطار الحديث الذي يدور حوله حتى ولو لم يكن هو موضوع هذا الحديث، ولكن بشرط أن يتناول الحديث أمراً يثير اهتمامه وكثيراً ما يدفع إلى التدخل في الأمر من تلقاء نفسه.

إن سلامة المجتمع، بل الحضارة، لتتوقف على مدى التبصر بما لاختبارات الطفولة وأزماتها في تقرير الشخص الذي سوف يكون. وإن مجتمعنا الحديث ليحمل الطفولة أعباء ثقيلة من القلق والتوجس والخوف والكراهة وفقد الأمن وغيرها من بذور العلة والانحراف. فواجب الوالدين الانتباه إلى أهمية هذه السنوات التكوينية الحاسمة في حياة الإنسان، وليس أخلق بالذي يريد أن يتوقى العلة فيما بعد من أن يتوفر على تقصي أسبابها في الطفولة وبواكير الحياة حتى يمهد بذلك لنقل استبصاره من المعرفة النظرية إلى التطبيق العملي.

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا