كتابات جون أربوثنوت عن الكذب السياسي
يمتدح جون أربوثنوت - في عمله الساخر عن الكذب السياسي - حزب الأحرار البريطاني لمحاولتهم أحياناً خداع الناس من خلال الأكاذيب العظيمة، وذلك على أساس أنه عندما تنطلي تلك الأكاذيب على الناس ولو لمرة واحدة، فإنهم سوف يصدقون كل ما يليها دون صعوبة.
من الأمور الجيدة أن تلك الممارسة قد أثمرت في مجال السياسة - راجع أكذوبة المقلاة الدافئة في عام 1688- أما عند سرد قصص الأشباح، فإن وجود خطة أخرى سوف يكون أمراً له مميزاته.
من الحكمة - فيما يتعلق بروايات الأشباح - أن نبدأ بالأماكن الشائعة والمألوفة، الأماكن ذات المصداقية، حيث من الأفضل أن نبدأ بإدخال الطرف الرفيع للإسفين، والذي سوف يسحب خلفه - فيما بعد الطرف السميك دون مشقة أو عناء.
وفي الواقع، فإن الراوي المتمكن من فنه سوف يبدأ السرد بما هو عادي، ثم ينتقل إلى غير العادي إلى حد ما، ثم ما هو نادر للغاية، وأخيراً ما هو مذهل وإن كان لا يمكن إنكاره، وهكذا يصل الراوي إلى الأمور التي يمكن للقارئ المتسرع - بدون هذا البداية المتدرجة - أن يرفضها ويعتبرها أكاذيب عظيمة، سواء كان رفضه لها قائماً على أساس عادل أو غير عادل. وقد جعلت طبيعة الأشياء والبشر - ولحسن الحظ - من هذه الطريقة المتدرجة أمراً سهلاً، وواضحاً وعلمياً في ذات الوقت.
حتى في مملكة الأشباح الخيالية، فقد صنفت الروايات في مجموعات تتصاعد تدريجياً في غرابتها وصعوبتها، مثلما هو الحال عند الشروع في تعلم العزف على الآلات الموسيقية، أو تعلم اللغات الأجنبية، إذ نبدأ بالأسهل فالصعب وأخيراً الأصعب.
وتأسيساً على ما سبق، فإنني سوف أبدأ بالتجارب التي لا تتطلب جهداً كبيراً لتصديقها، أو حتى تلك التي لا تتطلب جهداً على الإطلاق.
وقد لا يخفى على الكثيرين أن قراءة القصص السهلة أمر ممل، وغير جذاب ولا يشجع على المضي إلى نهاية القصة، وهنا يكمن أخطر عيوب المنهجية سابقة الذكر، ولكن كان يمكن للقارئ - على أية حال - تخطي مثل تلك القصص التي لا يصعب تصديقها، إذ إننا سوف نبدأ بالأحلام الشائعة التي قد تزورنا كل ليلة تقريباً.
من المسلم به أن الناس يحلمون، إلا إن قابلية تصديق الأحلام تتناقص كلما كانت الأحلام أقل شهرة أو أكثر غرابة، وإذا أمعنا التفكير للحظة، فإننا سوف نجد أن الأحداث المزعومة للشبح دوم - الذي يمثل جميع الظهورات من كل الأنواع - تكون متطابقة تماماً مع ظاهرة الأحلام التي نعايشها في كل ليلة تقريباً.
إن عنصري الزمان والمكان يتلاشيان تماماً في الأحلام، ففي الحلم يلتقي العاشقان في جو تغمره السعادة والرضا، بعد أن باعدت بينهما الأيام، أو فرق بينهما الموت.
إننا نرى ونعايش أحداث الماضي في أحلامنا، وذلك في خضم مزيج غير مألوف من الأمور التي نتذكرها، وتلك التي كنا قد نسيناها، إننا نرى ونعايش - في أحلامنا - أحداث الماضي وأحداثاً لم نكن قد مررنا بها، كأن نرى أننا قد شاركنا في معركة كولودن أو في حصار طروادة على سبيل المثال. إننا نعيش - في أحلامنا - في أماكن بعيدة، نرى الغائب، ونتحدث مع الموتى، كما قد يصل بنا الأمر - من خلال الصدفة - إلى التنبؤ بالمستقبل.
إن كل هذه الأمور - باستثناء الأخيرة - تعتبر من الأشياء المألوفة لكل من يحلم، ومن المؤكد أيضاً وجود بعض التجارب الخادعة المشابهة - ولكنها تكون أكثر وضوحاً - التي تحدث على لسان الشخص المنوم مغناطيسياً، في حالات الأشخاص الذين يخضعون لتأثير التنويم المغناطيسي، فقد يتناول الشخص المنوم مغناطيسياً الماء على أنه نبيذ، ومن ثم فإنه سوف يشعر بما يشعر به الشخص السكير الثمل.
يمكننا الآن القول إن الظواهر ذات الصلة بالأشباح لا تختلف، في قليل أو كثير، عن التجربة التي يمر بها الشخص - عندما يكون ذلك الشخص مستيقظاً، أو يبدو مستيقظاً - من خلال ظاهرة الأحلام التي قد نراها كل ليلة.
إن تجربة رؤية الشخص الغائب، التي يمر بها الشخص المستيقظ أو الذي يبدو أنه مستيقظ، تسمى "الطيف". أما تجربة رؤية الشخص الميت التي يمر بها الشخص المستيقظ أو الذي يبدو أنه مستيقظ فإنها تسمى "الشبح".
ومع ذلك - وكما يقول الأسقف أغسطينوس - فإن الشخص الغائب أو الميت ربما لا يعرف شيئاً عن تلك الرؤية، وقد لا تكون له أية علاقة، في التسبب فيها، أكثر من العلاقة التي للشخص الغائب أو الشخص الميت اللذين اعتدنا على رؤيتهما في أحلامنا العادية.
علاوة على ذلك، فإن الحالات النادرة نسبياً التي يدعي فيها البعض أن شخصين أو أكثر من المستيقظين قد شاهدوا - في الوقت نفسه أو في أوقات متباعدة - الشبح نفسه، فإن لتلك الحالات ما يماثلها في حالة النوم، إذ يحلم شخصان أو أكثر بالحلم نفسه في وقت واحد أو في أوقات متباعدة.
وفيما يتعلق بهذه الحقيقة المثيرة للاستغراب، دعونا نستعرض الرواية التالية، مع ملاحظة أننا لم نغير أي شيء يتعلق بالوقائع، بخلاف تغيير الأسماء لدواعي الحفاظ على الخصوصية
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا