هياء وهي تقف وتسير تجاه طاولة الرؤوم: سنرى.
الفتاة وهي تلحق بـ هياء بقلق: لكن حاولي ألا تستفزيها.
هياء وهي تصل إلى طاولة الرؤوم: وما الغرض من السؤال إذا؟
رفعت الرؤوم رأسها ونظرت لـ هياء وهي تقف أمامها مبتسمة.
هياء: هل يمكنني أن أسألك سؤالا أستاذة الرؤوم؟
الرؤوم وهي تعيد نظرها لصفحات الكتاب الذي بين يديها: يمكن توجيه سؤالك خلال المحاضرة.
هياء: قد لا تتاح لي الفرصة لذلك أريد أن أسألك الآن.
الفتاة بتوتر: لنذهب الآن ولنترك الأستاذة براحتها.
هياء: أنا لست خائفة منها مثلكم.
الرؤوم ترفع نظرها و تحدق بـ هياء بصمت.
هياء وهي تبتسم: هل ستجيبينني عن سؤالي؟
الرؤوم تخرج زهرة بنفسجية من حقيبتها وتضعها في وسط الكتاب وتغلقه ثم تقول بعدما رفعت كوب قهوتها لتأخذ رشفة منه: كيف أجيب عن سؤال لم أ سمعه بعد؟
هياء سارحة في طرف الزهرة البنفسجية المطل من صفحات الكتاب المغلق.
الفتاة تهز كتف هياء وتقول: هيا اسألي!
هياء وسرحانها ينقطع: سؤالي.
الرؤوم وهي تضع الكوب على الطاولة: هل ستضيعين الكثير من الوقت؟
في تلك الأثناء بدأت الحاضرات بالتجمع حول طاولة الرؤوم يراقبن ما يحدث باهتمام، لأنه لا امرأة في العادة تجرؤ على الحديث معها خلال فترات الاستراحة، وكسر هياء لذلك العرف كان لافتا للانتباه.
هياء وق بدأت بالتوتر عندما لاحظت أعين الناس من حولها وهي تراقبها: أنت جيدة بالكلام، لكن هل أنت جيدة بالحوار مع من لا يتفق معك؟
نظرت الرؤوم لـ هياء باستخفاف ثم قالت: هل هذا هو سؤالك؟ لم لا تجربين؟
هياء بتوتر: ماذا تقصدين؟
الرؤوم بصوت مسموع لمن حولها: لنر قدرة لهذه الفتاة في محاورتي.
هياء وهي تجلس أمام الرؤوم وتقول بهدوء: أنت تعتمدين على إثارة الجماهير كي يبدو كلامك منطقيا وذا معنى، لكن الحقيقة هي أن كلامك في أغلبه خاو.
الرؤوم تبتسم وتقول: هل لديك كلام آخر؟
هياء: نعم لدي سؤال.
الرؤوم مبتسمة بسخرية: تفضلي
هياء: هل أنت أم؟ًَْ.
الرؤوم: الأمومة شعور لا مثيل له، ولمن لن يحس به أي رجل! ولا يحق لأي رجل أن يصف أو يحاول وصفه، فهو شرف وتشريف للأنثى التي أوكلت لها مسؤولية رعاية كل نفس عند دخولها لهذه الدنيا حتى تستطيع الاعتماد على نفسها أو يستطيع الاعتماد على نفسه، وفي المقابل ومن منطلق الحسد والغيرة لهذا الشرف ابتدع الرجل مصطلح الأبوة فقط كي يجاريها وينافسها في ذلك الشرف.
هياء وهي تبتسم بتهكم: ما هذه الإجابة النموذجية المنمقة؟
شعرت وكأني أتحدث مع آلة ليس إنسانا يحمل مشاعر.. ثم ما دخل الرجل في الموضوع؟ لم تقحمينه في كل كلامك؟
الرؤوم بتجهم: الأبوة التي تذكر صفا بصف مع الأمومة لا تعادل عشر ما تشكله الأمومة من تضحيات وسمو في المشاعر والحب غير المشروط، فليس من المستغرب أن يهجر الأب أطفاله سواء كان حيوانا أم بشرا، لكنه من الغرائب النادرة أن تجد أما تهجر أطفالها لأغراض دنيوية!
هياء وهي تضحك: هل أنت جادة؟ ألا تستطيعين الحديث دون إقحام حياتك الشخصية في الموضوع؟
الرؤوم بتجهم: حياتي الشخصية؟
هياء: نعم، فمن الواضح أن حديثك كله نابع من معاناة شخصية عانيت منها أنت وليس معاناة كل النساء. أنت إنسانة مكسورة أو صاحبة تجربة سيئة مع رجل، وربما لعدم قدرتك على الاقتصاص منه قررت الأخذ بثأرك من كل الرجال.
الرؤوم وهي تضرب براحة يدها بقوة على سطح الطاولة: كلام فارغ!
هياء بابتسامة خبيثة: هل تتمنين أن تكوني رجلا؟
الرؤوم بغضب ونبرة صوت ساخطة ومرتفعة قليلا: ماذا؟
أنا لست حمقاء كي أتمنى ذلك! قد تقع بعض النساء ضحايا لهذه الفكرة الغبية لاقتناعهن بأنهن أقل شأنا من الذكور حولهن، وذلك من باب الارتقاء، غير مدركات أنه لو حدث ذلك فعلا فسيكون تطوراً للأسفل! فكريا وعقليا وعاطفيا على أقل تقدير. المرأة تتعامل غالباً مع الرجل كالطفل ليس غباء منها، لكن تفهمها لسطحيته، فهي وبسبب تطورها العقلي مزودة بقدرات على التعامل مع التقلبات المزاجية والقرارات الارتجالية التي يتخذها الرجل بحقها وبحق نفسه كل يوم. لذا كانت هي الطرف المتنازل معظم الوقت، وقد فسر الرجال بسطحية تفكيرهم هذا الرقي الفكري على أنه ضعف وهوان، واختارت المرأة بسبب تفوقها العقلي على الرجل ألا تفسر له الحقيقة لأنه لن يفهمها حتى وإن فعلت!
هياء: لم أنت غاضبة هكذا؟
الرؤوم بتجهم: أنا لست غاضبة!
هياء: تحملين في صدرك هما كبيراً يؤجج كلما تحدثت.
الرؤوم: وهي تعتدل في جلستها وتدفع نظارتها بسبابتها للوراء محدقة بـ هياء قائلة: هل انتهينا؟
هياء: لا أعرف. هل يمكنك احتمال المزيد؟
الرؤوم بوجه ساخط: احتمال المزيد؟ عن ماذا تتحدثين؟
هياء: من الواضح أنك تعانين في كل مرة تجيبين فيها عن سؤال من أسئلتي.
الرؤوم تضحك بسخرية: لا تعطي نفسك أكبر من حجمك! من الواضح أنك من النسوة اللاتي يرين أنهن أقل من الرجل، لذلك لا أستغرب طريقتك المهزومة في الكلام!
هياء وهي تسند ظهرها للكرسي: أكمل إذا؟
الرؤوم: لدي محاضرة أريد إكمالها، لذا لا تطيلي بالأسئلة.
هياء: لا تقلقي لقد حصلت على الإجابة التي أريد، لكن بقى سؤالان فقط.
الرؤوم: قوليهما كي ننتهي.
هياء: من يجيد اختيار شريك حياته أكثر. الرجل أم المرأة؟
الرؤوم بتهكم: الرجل بكل سذاجة يمكن أن ينجذب لأي امرأة ذات مظهر خارجي لافت، لأن عقله السطحي يكتفي بالقشور الخارجية ويمكن أن يقرر الزواج بها دون أن يتحدث معها مرة واحدة فقط، لكونها تحمل صفات جسدية راقت له، لكن المرأة السوية لا تفعل ذلك بتاتا، بل تأخذ وقتها حتى تشعر بالحب تجاه أي رجل ومدة أطول كي تتخذ قراراً مصيريا كالزواج. لكن بالطبع وللأسف هناك استثناءات فبعض النساء مسخن ليفكرن كالرجال وينجذبن مثلهم للمظهر الخارجي فقط، وهن في الأغلب من ترينهم ينخن بسبب الهجر أو الخيانة، وأعتقد أنك واحدة منهن!
هياء: وهل بكيت ونحبت عندما هجرك زوجك؟
الرؤوم: بنظرة مفاجئة وعينين اتسعتا دهشة: ماذا؟ .. زوجي؟
هياء: نعم.. زوجك الذي هجرك وحولك للمسخ الذي أنت عليه الآن.
الرؤوم: وهي تبتسم بسخرية: وهل هذا هو الاستنباط الذي خرج به عقلك الصغير؟
هياء: كلامك كله يصب في المجرى نفسه، ومن السهل أن أرى أن حنقك وحقدك على الرجال عامة لم ينبعا إلا من تجربة شخصية مريرة، وتحاولين جر هؤلاء النسوة معك للهاوية، لأنك لا تريدين السقوط وحدك، فالرجال ليسوا دائما أساس مشاكل المرأة، وإن كانوا كذلك فالحل لا يكون بالصدام وشن حرب عليهم.
الرؤوم: وهل كل من يطالب بحقوقه يصبح ضحية أو يغرر بغيره؟
هياء: بالطبع لا.. لكن في حالتك نعم.
الرؤوم وهي تقف وتحمل الكتاب الذي كان معها: أنت اخترت الوهم وقررت العيش فيه. هذا من حقك، لكن لا تحاولي أن تمنعينا من السعي وراء حقوقنا.
هياء وهي تقف وتقول بصرامة: لا احد يعيش الوهم سواك!
معظم النساء هنا لا يتفقن معك!
الرؤوم: أنت تتكلمين جزافا وتعممين حسب أهوائك، لكني لست مثلك وسوف أثبت لك ذلك؟
هياء بسخرية: هل ستغرقيني بخطبة من خطبك المنمقة؟
الرؤوم بصوت مرتفع موجه لمن تجمعن حولهما: من تتفق مع هذه الفتاة في كلامها فلتبق هنا، ومن ترغب في إكمال المحاضرة فلتتبعني!
مشت الرؤوم بخطوات واثقة وثابتة نحو باب القاعة الكبيرة وسار خلفها كل النساء الموجودات في المقهى عدا الفتاة التي كانت تجلس مع هياء سابقا، والتي وقفت أمامها بابتسامة يخالطها الحزن وقالت: أنا أتفق م عك، لكني لا أستطيع التخلي عن المجموعة.
هياء بسخرية: ستسيرين مع القطيع إذا؟
الفتاة بابتسامة حزينة: وما العيب في ذلك؟
هياء بغضب: ستكونين مسلوبة الرأي ولا يمكنك التحكم بحياتك!
الفتاة: أن تكوني جزءاً من منظومة تحت لواء قائد مستنير شرف وغنيمة لا تتاح للجميع.
هياء بسخرية: تتحدثين وكأنك جندي في كتيبة عسكرية وأنت لست سوى شاة في قطيع كبير من النعاج.
الفتاة وهي تسير مبتعدة عن هياء: وأنت ذئبة تبحث عن فريسة، لذا يجب أن أعود لقطيعي قبل أن تفترسيني بأفكارك الملوثة.
بقيت هياء تراقب بعجب الفتاة وهي تسير عائدة للقاعة حتى دخلت وأغلقت بابها الكبير خلفها، ليخرج، بعدها وميض قوي من أسفله غطى بنوره بصرها.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا