أين ذهب الجميع؟ من كتاب قهوة باليورانيوم للدكتور أحمد خالد توفيق

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2024-08-07

أأين ذهب الجميع؟
المنطقة 51.. مخلوق روزويل.. دوائر المحاصيل.. الاختطاف.. الأطباق الطائرة.. مسدسات الليزر..
هذه هي مفردات ثقافة الفضاء التي يحملها كل منا في عقله منذ بداية القرن العشرين تقريباً، وهي ثقافة صارت مجسدة جداً وقوية جداً. عام ۱۸۹۸ كتبه. هـ. ج. ويلز قصته (حرب العوالم) فصار الأمر مفروغاً منه، وصار الناس يرون الكائنات الفضائية في كل مكان. انتشرت مجلات الخيال العلمي وقصص الخيال العلمي، وسادت ثقافة الأطباق الطائرة. سوف يأتون من المريخ بالذات.. سوف يكون لونهم أخضر ولهم ثلاث أعين وهوائي على رأسهم ومسدسات تطلق عصارة خضراء.. إنهم أوغاد يريدون احتلال الأرض لأن مواردنا ما زالت بكراً بالنسبة لمواردهم..
ظهرت مجلات سوبرمان ومعها صار الكون يعج بالكواكب.. هذا كوكب زوس وهذا كوكب بلغور وهذا كوكب يوتان.. هذا كوكب سكانه غير مرئيين وهذا كوكب سكانه يطيرون.. وهذا كوكب سكانه يتنفسون النوشادر.. الخ.. كل الكائنات الفضائية كانت تراقبنا بجهاز الراصد ولهذا كلهم يجيدون لغتنا (أي لغة؟.. طبعاً هي الإنجليزية).. استكملت أفلام الخيال العلمي المهمة، ثم بدأ كثيرون يلتقطون صوراً لأطباق طائرة، وبدأ الفضائيون يخطفون البعض.. البعض الذين يعودون ليحكوا عن أجهزة غريبة وحقن عجيبة اخترقت أجسادهم. في الوقت نفسه راح الفضائيون يرسمون دوائر محاصيل لا يعرف أحد الغرض منها..
ًفيما بعد اجتاحت مسلسلات ستار ترك وغيرها أذهان الناس.. عملية غسيل مخ دامت عقوداً حتى صارت الكائنات الفضائية في كل مكان، ثم جاءت أفلام حرب الكواكب.. معها صار كل طفل يعرف تاريخ الإمبراطورية والقوة ولوك سكاي ووكر ودارث فيدر. هذه شخصيات واقعية أكثر مننا جميعاً..
هكذا ومع الوقت كون البشر فكرة عامة عن الكائنات الفضائية القادمة.. في الغالب سوف يكونون أشراراً وأوغاداً يريدون الحرب.. في حالات نادرة يكتشف الفضائيون أنا كوكب عدواني فيرحلون. هناك حالات نادرة أخرى مثل الكائن الفضائي الرقيق صغير الحجم (إي تي) الذي وجد نفسه على أرضنا فراح يفر مذعوراً وأمله العودة لموطنه.. لكن دعني أؤكد لك أن إي تي ليس كالآخرين.. لا تثق في أي كائن فضائي آخر فهم سفلة.
لم يكف العلماء عن النظر للسماء بحثاً عن هؤلاء الأوغاد جيراننا في الكون. أين هم؟.. لا يمكن أن يكون الكون لنا فقط.. لكن أين هم؟.. لماذا لا يظهرون؟.. إنها وقاحة.. عندما تتوقع قدوم ضيف وتنتظر فلا يحضر.. هذه قلة تهذيب لا شك فيها..
صوب العلماء مكبرات الصوت للمجرة يبحثون عن أصوات، وهناك قصة كاملة لكارل ساجان عن هذا. إنه برنامج SETI الشهير الذي يبحث في نهم عن ذكاء خارج الأرض. وازداد الفضائيون عنفاً في أفلام هوليوود، وقد رأينا الطبق الطائر يحرق البيت الأبيض بالكامل في فيلم (يوم الاستقلال).
مع الوقت بدأ الناس يقلقون لهذا التأخير.
الناس تحلم بكائنات فضائية شريرة تأتي من المريخ وتدمر كوكبنا وتحتله.. منذ مئة عام يداعبون هذا الحلم ويداعبهم وينتظرونه، واليوم بدا واضحاً أن هذا الحلم كلام فارغ.. لسان حال الناس يقول: لماذا لا يفعل الفضائيون هذا كله؟. يا لهم من كسالى.!..
هكذا فتح أحد العلماء فمه في حذر وقال:
"هناك احتمال قوي أننا وحيدون في الكون.. وأنه لا توجد كائـ..".
هنا هوى أحد الناس على رأسه بزجاجة، بينما دس آخر حذاءه في فمه، ووجه ثالث ركلة لبطنه. لا يمكن أن يكون المرء بهذه القسوة وينزع من الناس حلمهم.. أن تقول إنه لا توجد كائنات فضائية اليوم يشبه أن تنكر معلوماً من صحيح الدين كما يبدو.
هناك فريق علماء يرى أن فرص اللقاء عالية جداً وسوف تحدث حتماً، ومن هؤلاء العالم البريطاني العظيم المشلول (ستيفن هوكنج). هذا رجل عبقري وكلامه لا يستهان به. وهو يرى أن اللقاء سيكون مثل لقاء كولومبوس بالهنود الحمر أول مرة.. طبعاً نحن سنكون الهنود في هذا اللقاء، وسوف نُباد عن بكرة أبينا. لهذا ينصحنا بعدم إرسال إشارات للفضاء لأن هذا سيغري الفضائيين بنا. أبقوا رءوسكم خفيضة وصلوا.
هناك فريق آخر يرى أن فرص اللقاء عالية، لكنها سوف تكون مع كائنات وحيدة الخلية أو بلا خلية أصلاً. أي أن أول لقاء مرتقب سيكون - عدم المؤاخذة - مع فيروس أو بكتريا صورة محبطة، لكن هناك من زعموا أن فيروس الإيدز يمثل اللقاء الأول فعلاً..
فريق من العلماء يرى أننا وحيدون في الكون فعلاً ولا يوجد سكان للكواكب الأخرى. طبعاً هذا رأيي منذ زمن بعيد، وقبل أن تتهمني بالحمق وحدي أرجو أن تقرأ آراء بعض العلماء المهمين في هذا الصدد، وعلى فكرة اعتمدت في هذا على كتاب سوفييتي عن الفضاء، مع مقالات في مجلة بريطانية مع القليل من ويكيبديا..
من أصحاب الرأي القائل بأنه لا يوجد شيء، أستاذ الفلك في هارفارد (هوارد سميث)، وهو يرى أن كواكب كل الأنظمة الشمسية التي تم رصدها قريبة جداً أو بعيدة جداً عن شموسها. هذا يلغي احتمال وجود حياة.. حياة سوف تحترق أو تتجمد..
المشكلة قديمة، وقد ناقشها عالم الطبيعة الشهير إنريكو فيرمي. لهذا يطلق العلماء على القضية اسم (تناقض فيرمي).. الشمس نجم صغير ومثلها بلايين في الفضاء. هناك 80 بليون مجرة في الكون.. بالتأكيد حول هذه الشموس كواكب لا بد أنها مرت بظروف الأرض. وبالتأكيد استطاع بعض سكان هذه الكواكب السفر عبر الفضاء بأساليب تفوق خيالنا. إذن كان يجب أن نجد سكان الفضاء حولنا ولو مرة.. لهذا تساءل فيرمي: "أين ذهب الجميع؟".
هذا السؤال المفجع ظل يتردد منذ عام 1950 حتى اليوم...
معادلة دريك التي يعود عمرها لعام 1961 تحاول حساب عدد الحضارات المتقدمة في مجرتنا. لن أشرح المعادلة لأنها معقدة.. لكن من الواضح أنها تعطينا رقماً عالياً جداً. إذن أين هم؟ الاحتمال الأول انه لا توجد حضارات أصلاً.. الاحتمال الثاني أن هناك حضارات تقدمت جدا لدرجة تدمير نفسها (وكارل ساجان يؤمن بهذا)..
أحد العلماء قال ببساطة إنه لا توجد كائنات فضائية. والدليل؟.. لأنهم لو كانوا موجودين لكانوا هنا بالفعل في هذه اللحظة!.. دعك من أن موجات الراديو تعبر الفضاء بانتظام منذ مئة عام. هناك حول الأرض نطاق من الموجات الكهرومغناطيسية سمكه 200 عام ضوئي.. لا بد أن أي حضارة قد توصلت لصنع موجات الراديو الخاصة بها. وهناك في مجرتنا حضارات عمرها عشرة بلايين سنة. معنى هذا أننا كنا سنسبح في الموجات الكهرومغناطيسية القادمة من حضارات أخرى.. كنا سنجلس مساء لنشاهد مسلسلاتهم العاطفية بدلاً من المسلسلات التركية..
غزو المجرة كلها بالنسبة الحضارات كهذه يحتاج لخمسة ملايين سنة.. وهذا شيء بسيط بالنسبة لعمر المجرة كلها. إذن أين هم الآن؟
هناك عدة نظريات تحاول تفسير تناقض فيرمي الغريب.. بعض العلماء يرون أنه ربما كانت هناك كائنات فضائية لكنها لم تتقدم علمياً لدرجة الاتصال بنا. هناك من يعتنق نظرية حديقة الحيوان.. أي أن هذه الكائنات ترانا وتراقبنا لكنها لا تتدخل في شئوننا وتترك لنا فرصة التطور والنمو كاملة.. أي أننا كالقردة في قفص نمارس حريتنا تحت عيون لا تنام.
هناك من يرون - كما قلنا - أن هذه الحضارات العظيمة قد دمرت نفسها في النهاية.. وهو المصير السعيد الذي ينتظر حضارتنا لو نشبت حرب نووية أو تزايد التلوث. هذه الصورة حفرت في أذهان الناس مع صورة انفجار كوكب كريبتون الذي ولد فيه سوبرمان، أي أنه كانت هناك حضارات لكننا اليوم وحيدون.
ثمة رأي آخر هو أن الكوارث الطبيعية تدمر الحياة في النهاية. لقد شهدت الأرض فتاء الديناصور بطريقة مماثلة، وهذا يحدث في الكون كله بلا توقف.
هل توجد كائنات فضائية لكن الاتصال بها مستحيل؟. ربما هي على موجة أخرى تماما أو تستعمل موجات راديو لا نعرفها ولا نستطيع التقاطها، أو هي غير راغبة في الاتصال بنا. هناك من يرون أن هناك كائنات لكنها لن تصل لنا، والسبب أن السفر أسرع من الضوء مستحيل.. أي أن وصولها لنا مستحيل.
من الممكن أن يكون البشر لم يبحثوا في الفضاء بما يكفي.. إن التنصت على أصوات الفضاء بدأ فقط عام 1936، ولهذا قد يجدون شيئاً عما قريب.
ثمة احتمال أن يكون سكان الفضاء غرباء جدا أكثر مما توقعنا.. ربما هم أقرب للأميبا أو الأطياف.. ربما يتكلمون ببطء شديد فيبدو كلامهم ضوضاء.
هناك نظرية المؤامرة المحببة لدى المواطن الأمريكي: "هم لا يخبروننا بما يعرفون". وهذا يعني أن الحكومة الأمريكية تلقت إشارات فضائية وربما التقت بفضائيين لكنها تخفي ذلك، وهو تقريباً الموضوع الدائم لحلقات ملفات إكس، وسر اهتمام المواطن الأمريكي بالمنطقة 51. وهناك نظرية (إنهم بيننا فعلاً لكننا لا نعرفهم) وهي نظرية مخيفة تناسب أفلام (رجال بثياب سود) و(خاطفو الأجساد)... الخ.. أنا شخصياً مستعد أن أعدلك عشرين شخصاً في مصر أشك في أنهم كائنات فضائية، بل إن هذه النظرية تحاول تفسير نشأة الأديان على أنها لقاءات مع كائنات فضائية اعتقد القدماء أنها قوي علوية وملائكة..
الاحتمال الأخير لتفسير تناقض فيرمي، والذي أميل له شخصياً هو (نظرية الأرض الفريدة).. لا توجد حضارات أخرى.. نحن وحيدون تماماً. ظروف الأرض كانت استثنائية وأدت لنشأة الحياة والحضارة وهذا يصعب أن يتكرر أو لم يتكرر قط..
تخيل الحياة من دون كائنات فضائية ولا أطباق طائرة.. لكم تغدو مملة.. وحدة مؤسية جداً..
هذه فكرة قاسية لكني أراها خطوة مهمة للنضج البشري. منذ مئة عام كان العالم يتحدث عن الجنيات ذوات الأجنحة.. وكتب أديب مهم مثل أرثر كونان دويل كتاباً اسمه (قدوم الجنيات) تكلم فيه عن خواصها وعاداتها، وتمنى كل الناس أن يتحقق هذا الكلام.. اليوم نعرف أنه كلام فارغ.. كان هذا قاسياً وقد أحبط أحلام كثيرين، لكن علينا أن نعترف بأن معظم صور الأطباق الطائرة التي لدينا إما مزيفة عمدا أو هي خطأ ضوئي حدث بسوء نية. ولنتذكر أن فيلم تشريح الكائن في روزيل ملفق واعترف صانعوه بذلك..
لقد أقنعت نفسي منذ زمن أنه لا توجد كائنات على كواكب أخرى وأننا وحيدون معزولون تماماً. هذا يريحني وقد بنيت حياتي على هذا وكففت عن قراءة الأخبار السخيفة عن دوائر المحاصيل واختطاف الفتيات إلى المريخ، وظهور طبق طائر فوق إسبانيا. أؤمن أن البشرية تقدمت وهذا سوف يجعلها تلقي بقصص الأطفال التي تزين أغلفتها رسوم أطباق طائرة من النافذة وتتفرغ لشأنها الخاص. فقط لو نزل طبق طائر في شارعنا وخرج منه رجال خضر لهم هوائي واختطفوني لكوكبهم، عندها سأعرف أنني كنت مخطئاً لكن على الأقل لن أكون هنا لأعتذر!

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا