ععبير البرتقال
فتحت هياء عينيها بعد ثوان من زال وهج النور القوي لتجد نفسها في المقعد الخلفي من سيارة متهالكة يقودها رجل تظهر عليه علامات الإرهاق والتعب، يمسك مقودها بكلتا يديه ويحاول الإمعان في الطريق المزدحم أمامه. ثيابه مكرمشة ومبتلة، لحيته خشنة، وجبينه يقطر عرقا من حر الشمس الحارقة، تجلس بجانبه امرأة تنظر من النافذة المفتوحة وتحرك قطعة من الورق المقوي لتخفف من أثر الحر المحيط بها، وعلامات الضيق والسخط مرتسمة على وجهها وهي تشاهد المنازل من حولها تنحدر في الجمال والمستوى كلما تقدموا أكثر. يقفز الجميع فجأة من أماكنهم لتصرخ المرأة بعدما أسقطت قطعة الورق المقوي من يدها وتقول: انتبه أمامك! هل تحاول قتلنا؟
الرجل ببرود وهو لا يزال ممعنا النظر بالطريق أمامه: كانت مجرد حفرة في الطريق.. لا تنزعجي لهذا الحد.
التقطت المرأة قطعة الورق المقوي من بين رجليها بغضب، وبدأت تحركها بعصبية وهي تقول: لا أحد يجيد الوقوع في الحفر مثلك!
الرجل وهو يلتفت إلى المرأة: ماذا تقصدين يا زكية؟
زكية وهي تصرخ وتشير أمامها: انتبه!
قفز الجميع مرة أخرى في الهواء بعدما وقعت السيارة في حفرة ثانية، ما دفع المرأة للصراخ في الرجل: أبق عينيك على الطريق يا صالح!
صالح وهو يشد من قبضته على المقود ويركز أمامه: حسنا، حسنا.
زكية وهي تلتفت إلى المقعد الخلفي حيث كانت ياء جالسة وتقول مبتسمة: هل أنت بخير يا عزيزي؟
أدركت هياء سريعا الأمر، وأن هذه المرأة هي أمها أن ذلك الرجل في الأغلب أبوها، لأنها في ذلك الوقت قد اعتادت أن يزج بها في مثل هذه المواقف فجأة، وأصبحت سيطرتها على توترها أكبر من السابق، لكنها استغربت هذه المرة أن المرأة نادتها بـ عزيزي بل عزيزتي، لذا حاولت النهوض من مقعدها والنظر في المرآة الأمامية، لأنها تعلمت من خلال قراءتها لكتب أمين أنها يمكن أن ترى الشخصية التي تتقمصها من خلال انعكاسها في الماء أو في مرآة، وقبل أن تستطيع الوصول للمرآة للنظر لوجهها انتبهت إليها المرأة وقالت لها وهي تدفع صدرها براحة يدها: اجلس مكانك يا سامي!
جلست هياء بفم مفتوح عندما اكتشفت أنها حبيسة في جسد صبي صغير لم يتجاوز الخامسة من عمره لما تفحصت جسدها بيديها بعد سماع تلك المرأة تناديها باسم مذكر. قفز الجميع مرة ثالثة في الهواء وبمجرد هبوطهم بدأت زكية بضرب صالح على رأسه بغضب بقطعة الورق المقوي وهي تقول: كيف عن الوقوع في الحفر يا أحمق!
صالح وهو يقف السيارة: لقد وصلنا.
هياء وهي تخرج رأسها من النافذة وتحدث نفسها: وصلنا إلى أين؟
صالح وهو يخرج ذراعه من النافذة ويحدق بعمارة قديمة مبتسما: هذا منزلنا الجيد يا زكية.
زكية بتذمر: تقصد قبرنا الجديد.
صالح وهو يفتح الباب ويترجل من السيارة: هذا ما نستطيع تحمل تكلفته الآن.
زكية وهي تحرك قطعة الورق المقوي بعصبية أمام وجهها: لن أسكن في هذا المكان مهما حدث!
صالح وهو يفتح صندوق السيارة ويخرج حقيبة كبيرة يمكنك البقاء في السيارة لو أحببت. هيا يا سامي كي ترى غرفتك الجديدة.
فتحت هياء باب السيارة وبدأت بالنزل، لكن قدمها زلت لأنها لم تعتد جسدها الصغير بعد. صرخت زكية وخرجت من السيارة وهي تقول: ابني!
حملت زكية ابنها على كتفها وصفعت صالح على رأسه بالورقة المقواة وهي تقول: سوف تتسبب بأذية ابني الوحيد بغبائك!
صالح وهو يحمل الحقيبة الكبيرة ويسير بثقل نحو باب العمارة: هيا بنا.
زكية وهي تتقدم أمام زوجها وتتذمر: الحمد لله أنك لم تبغ أثاث منزلنا أيضاً، وإلا لكنا نمنا على الأرض الآن!
دخلت المرأة العمارة وهياء على كتفها تنظر نحو الأب الذي كان يسحب تلك الحقيبة الكبيرة بصعوبة، وخلال تحديقها به صرخت الأم وقالت: المصعد معطل!
صالح وهو يتجاوز مدخل العمارة ويجر خلفه تهلك الحقيبة الضخة والثقيلة: لا بأس، سنستخدم السلالم.
زكية تلتفت إلى زوجها وتشد بقبضتها على الورقة المقواة وتقول بتجهم: في أي دور نحن؟
صالح بقلق: الشقة 13 في الدور السابع.
صفعت زكية زوجها بتلك الورقة ثم رمتها على الأرض وبسطت يدها وهي تقول بغضب: ناولني المفتاح!
مد الرجل يده بانكسار في جيبهچا وأخرج سلسلة المفاتيح وبدأ يبحث عنه.
زكية وهي تخطف السلسلة من يده وتتوجه للسلالم: ألحق بنا!
بدأت المرأة بالصعود وهي لا تزال تحمل ابنها على كتفها، فقالت هياء بشكل عفوي: ألن ننتظر أبي؟
زكية بهدوء وحنان: لا يا حبيبي، أبوك يستطيع الاعتماد على نفسه.
هياء: أنزليني، أستطيع السير وحدي.
زكية وهي تضحك وتقبل ابنها على وجنتيه، وتطبع بعض أحمر الشفاه عليها، مازلت صغيراً كي أتركك تقطع كل هذه المسافة وحدك.
لم تنزل زكية ابنها إلا عندما وصلت للدور السابع، وتحديداً عندما وقفت أمام الشقة 13 وهي تتنفس بثقل وتقول: هذا ما جنيناه من حماقة أبيك.
هياء: لم تقسين على أبي هكذا؟
زكية وهي تجرب المفاتيح في الباب: أبوك خاطر بأمواله كلها في مشروع فاشل، وخسرها كلها دفعة واحدة وخسرنا معها حياتنا.
هياء: لم يقم بذلك إلا لنحظى بحياة أفضل.
زكية تدير قفل الباب وتلتفت إلى ابنها باستغراب: طريقة كلامك غريبة اليوم.
ارتكبت هياء وفتحت ذراعيها مبتسمة وهي تقول: احمليني يا أمي، فأنا متعب.
زكية وهي تحمل ابنها مبتسمة: أخبرتك بأنك لن تقوى على السير وحدك.
حملت الأم هياء ودخلت للشقة التي كانت ضيقة ومكتومة، والغبار متراكم على أرضياتها، ومعظم أثاث منزلهم السابق متكوم في منتصف غرفة المعيشة الصغيرة، فغطت زكية فمها وتوجهت لأقرب نافذة وفتحتها وهي تقول: إذا كان أبوك يتوقع أني سأنظف هذا المكان فهو يحلم!
نظرت هياء من النافذة وأحست بالرهبة من الارتفاع الشاهق الذي كانت تطل منه، وعانقت الأم بخوف صادق من ذلك المنظر.
زكية وهي تطبطب على ظهر ابنها مبتسمة: لا تقلق يا حبيبي، سوف تنام معي كل ليلة حتى تألف المكان.. هيا، لنر الغرفة التي سننام فيها.
أخذت المرأة تلف في الشقة وتستكشفها، ولم تر سوى مطبخ صغير وغرفة متوسطة الحجم تجاورها غرفة ص غيرة وضيقة جدا، تتوسطهما دورة مياه أصغر، كان سخطها يزداد شيئاً فشيئا كلما تحولت في الشقة وهي ترى الفرق الشاسع بينها وبين المنزل الشاسع الذي كانت تسكن فيه. تزامن دخول صالح من باب الشقة وهو يجر الحقيبة الكبيرة خلفه مع انتهاء تلك الجولة التفقدية لـ زكية في محل إقامتها الجديد، فاستقبلته بصياح ونياح هي تقول: هل تنوي حقا أن تبقينا في هذا المكان؟
صالح وهو يبحث عن النفس من تعب صعود الطوابق السبعة بتلك الحقيبة الثقيلة: مؤقتا فقط يا عزيزتي.
زكية بعصبية وصوت مرتفع: لم يأت بأحد لتنظيف المكان.. ولم حاجياتنا وأثاثنا متراكم في مكان واحد؟ هل تتوقع أني أنا من سيهتم بهذا الأمر
صالح وهو يجلس على الحقيبة ويضع يده على صره ويتنفس بثقل: لا يا عزيزتي، استريحي أنت وأنا سأقوم بكل شيء.
زكية بصوت مرتفع: وأين تتوقع أن أجلس؟ المكان كله متسخ بالأتربة!
رد صوت رجل من خارج الشقة التي ترك صالح بابها مفتوحاا وقال: يمكنكم البقاء عندي ريثما تنتهون من تنظيف المكان.
التفت صالح إلى مصدر الصوت ليرى رجلا في عمره تقريبا، يطل برأسه من باب الشقة، وقبل أن يسأله عن هويته سبقته زكية بالحديث وقول: من أنت؟ وهل كنت تتجسس علينا؟
الرجل وهو يأخذ خطوة داخل الشقة مبتسما: أعتذر على تطفلي لكن صوتكم وصل للطابق بأكمله.
صالح: نعتذر على إزعاجكم.
الرجل وهو يمد يده لـ صالح مبتسما: أنا مارد جاركم في الشقة المقابلة.
صالح وهو يبتسم خلال مصافحة جاره الجديد: تشرفت بك، وعذرا على إزعاجكم.
زكية بتجهم وهي تضع هياء على الأرض وتمسك بيدها: كف عن الاعتذار منه. نحن لم نرتكب جريمة! هو من كان يسترق السمع!
صالح: كفى يا زكية.
زكية بعصبية: أكف عن ماذا يا صالح؟ هل الحديث ممنوع في هذه العمارة التعيسة؟
مراد مبتسما: معك حق يا سيدتي؟ أنا من يعتذر، لقد كان خطئي أنا.
زكية بتجهم: أعرف واعتذارك مرفوض!
صالح وهو مغلوب على أمره: انتهى الموضوع يا زكية.
مراد وهو يضع يده على كتف صالح ويقول مبتسما: يمكنك يا سيدتي أن ترتاحي في شقتي، وأنا والسيد صالح سننظف ونرتب المكان.
زكية بتجهم: وماذا عن زوجتك؟
مراد: أنا أسكن وحدي.
زكية بعصبية: هل هذه العمارة تقبل بسكن العزاب؟
صالح وهو يقف يحاول سحب الحقيبة الكبيرة للداخل: لا!
لا! أقسم لك إنها عمارة للعائلات فقط.
مراد: لا توبخي الأستاذ صالح، فهو يقول الحق.. لقد توفيت زوجتي قبل أشهر.
زكية بتجهم: آسفة لخسارتك.
مراد وهو يحاول مساعدة صالح في سحب الحقيبة: لا بأس.
زكية بنظرة استحقار: لا تبدو حزينا على فراقها.
مراد وهو يسند الحقيبة للجدار: الحزن الخارجي زال، ولم يبق إلا حزن قلبي لا أشاركه أحداً.
صالح: زكية! هل ستحققين مع الرجل؟ يكفي أنه عرض علينا خدماته دون مقابل.. من الواجب علينا شكره لا توبيخه!
مراد مبتسما: نحن جيران ولا يوجد مجاملات بيننا. مسا عدتكم من دواعي سروري.
زكية وهي تحمل هياء وتقول بتجهم: أين شقتك هذه؟
مراد وهو يشير نحو باب الشقة: الشقة المقابلة لكم.. بابها مفتوح.
زكية وهي تسير مروراً بزوجها وجارهم: لا تتأخروا، أريد أن أرتاح!
خرجت زكية من الباب وهياء على كتفها تنظر للأب مع الجار، وهما يبدأن بالتنظيف.
دخلت الأم باب شقة مراد، وبمجرد دخولها وضعت يدها على أنفها وقالت: ما هذه الرائحة القوية؟
هياء وهي تستنشق عبق المكان: برتقال.
زكية وهي تتقدم لوسط الشقة وتتمعن في أثاثها بنظرات غطرسة: أثاث شقته أفخم من شقتنا.
هياء: أنزليني يا أمي.
زكية وهي تنزل ابنها: لا تكسر شيئاً يا عزيزي، وكن قريبا مني.
بدأت هياء تتجول في المكان الذي كان مرتبا ونظيفا بشكل لافت للنظر. وكانت التحف واللوحات الزيتية موزعة في كل زواياه وأركانه. لاحظت أيضاً أن ألوان قطع الأثاث كانت زاهية وملأى بالحياة، ولم يكن هناك قطعة تشبه الأخرى في الشكل ولا في اللون. رمت زكية بعد جولة قصيرة في غرفة المعيشة بكل ثقلها على إحدى الأرائك، وخلال ثوان غطت في النوم. لم توقظ هياء الأم النائمة وأمضت قرابة الساعة في التجول في الشقة وحدها، لكن لصغر حجمها لم تتمكن من استكشاف الكثير. استيقظت زكية مفزوعة من غفوتها وقالت: أين أنت يا سامي؟
هياء من على مسافة قريبة منها: أنا هنا يا أمي.
زكية وهي تزفر بارتياح: الحمد لله.
أخذت زكية تجوب بنظرها مرة أخرى في أرجاء الشقة ثم قالت:
ما هذا المكان الجميل؟
هياء: يمكنك أن تجعلي منزلنا هكذا يا أمي.
زكية وهي تسند رأسها للخلف وتحدق بالسقف: ومن أين لنا بالمال يا حبيبي؟
هياء: لا نحتاج المال لشراء الجمال.
زكية وهي تعود بنظرها بسرعة للأمام وتبدأ بالشم والاستنشاق بقوة: ما حكاية هذه الرائحة النفاذة والقوية؟
هياء: إنها رائحة برتقال يا أمي.
زكية وهي تنهض من مكانها وتشمشم في الهواء: أعرف يا عزيزي، لكنها قوية جدا ونفاذة بشكل مزعج.
هياء وهي تخو بقدميها الصغيرتين باتجاه زكية: ما بك يا أمي؟
زكية وهي تبحث بنظرها في المكان بانزعاج: لا أعرف، لكن تلك الرائحة توترني.
هياء: هل تريدين أن نعود لشقتنا؟
زكية وهي تنظر لـ هياء: لا يا عزيزي. فالشقة الآن بالتأكيد تعج بالغبار وأنت مصاب بالربو.
هياء مبتسمة: لم لا نبحث عن مصدر الرائحة إذا؟
زكية: تقصد رائحة البرتقال؟
هياء وهي تمد ذراعيها مبتسمة: نعم
زكية وهي تلتقطها من على الأرض وتضحك: أنت على غير عادتك اليوم يا سامي.
هياء بتوتر: أنا أحبك يا أمي.
زكية وهي تقبل ابنها وتطبع بعضا من أحمر الشفاه على خده: وأنا أحبك أكثر.
بدأ الاثنان باستكشاف غرف الشقة حتى وصلا إلى باب كانت رائحة البرتقال قوية جدا بالقرب منه، فقالت الأم وهي تحدق بالباب، يبدو أننا اقتربنا من مصدر الرائحة يا سامي.
هياء وهي تحدق مع الأم بالباب: افتحي الباب يا أمي.
وضعت زكية يدها على مقبض الغرفة، لكن وقبل أن تديره.
سمعت صوت مراد من شقتهم ينادي ويقول: يمكنك العودة الآن يا سيدة زكية.. لقد انتهينا!
أرخت الأم قبضتها عن الباب وقالت: يبدو أننا لن نلحق يا عزيزي.
عادت زكية أدراجها نحو شقتها وهياء تحدق من على كتفها بالباب الذي كادتا تفتحانه والفضول يزداد في قلبها مع كل خطوة. بعد عودتهما لشقتهما وتحديداً عندما خطت الأم خطوتها الأولى داخلها رأت هياء السعادة التي غمرت زكية، وهي ترى الشقة بحالة مختلفة تماما عما تركتها سابقا، فقد كانت نظيفة، وكان الأثاث مرتبا ومنسقا بشكل جميل. وخلال رضاها بما كانت تراه أمامها قال صالح مبتسما: ما رأيك يا عزيزتي؟
زكية وهي سعيدة بما تراه أمامها: لا بأس يا صالح.. لا بأس.
صالح وهو يضع يده على كتف مراد مبتسما: الفضل كله يعود لجارنا صاحب الذوق الرفيع واللمسة الذهبية.
مراد: لم أكن سأنجز شيئاً يستحق الذكر دون مساعدتك.
زكية بنظرة تهكم: هل انتهيتما من مغازلة كل منكما الآخر؟
أريد أن أرتاح من يومي الشاق.
مراد وهو يهم بالخروج مبتسما: عذرا على التطفل.. أراكما لاحقا.
صالح وهو يلحق بجاره ويرمق زوجته بنظرة تعجب: انتظر يا مراد، سوف أوصلك!
زكية وهي تدخل غرفة المعيشة وتنزل هياء على الأريكة: هذا ما كان ينقصنا. جار متطفل.
مضت الأيام وتدريجيا بدأت هياء تعتاد حياتها كطفل في الخامسة من العمر، بل إنها كانت تستمتع بها من وقت لآخر بسبب تدليل زكية لها بشكل مفرط لدرجة أنها كانت تبقيها معها في غرفتها وتنام معها بعدما ألزمت صالح بالمبيت في الغرفة الأخرى الصغيرة لحين أن يعتاد ابنهما على المكان كما قالت تغير رتم حياتهم يوما عندما استيقظت هياء ظهرا على صوت صياح وشجار قادمين من غرفة المعيشة، وكان الشجار يدور بين الأب والأم بالطبع الغلبة في علو الصوت وحدة الألفاظ كانت لـ زكية التي لم تدخر كلمة جارحة أو نابية إلا وقذفتها في وجه صالح المغلوب على أمره. نزلت هياء من السرير المرتفع بالنسبة لها، وتوجهت نحو باب الغرفة وأطلت برأسها وبدأت تسترق السمع في محاولة منها لفهم أسباب الشجار:
زكية بعصبية شديدة: ألن تخبرني أين كنت البارحة؟
صالح بحسرة: كنت نائما يا زكية.
زكية وهي ترفع سبابتها وتقول بصوت مرتفع: لا تكذب1
لقد عرجت على غرفتك فجراً ولم أجدك في فراشك.
صالح: ربما كنت في الحمام.
زكية بعصبية: مازلت تصر على المراوغة؟ أنا استيقظت من نومي للذهاب للحمام ولم أر سوى منظف المراحيض! إلا إذا كنت أنت وهو وأنا لا أعلم.
صالح بتجهم: لا تخاطبيني بهذه اللهجة!
زكية بعصبية: كن صادقا ولن أوبخك!
صالح: نعم خرجت! هل الخروج محرم؟
زكية: خرجت؟ وأين ذهبت في تلك الساعة؟
صمت صالح وكأنه يفكر في الرد.
زكية بغضب: لا تحاول اختلاق أكذوبة جديدة! فأنا أعرف أين ذهبت؟
صالح بتوتر: تعرفين؟
زكية: بالطبع! فرائحتك ورائحة ملابسك تفضحانك!
صالح بتعجب: رائحتي؟
زكية: نعم رائحتك التي تفوح عطورا نسائية لم أقنتها من قبل!
صالح وهو يبتسم بسخرية: هل تظنين أني كنت مع امرأة أخرى؟
في تلك اللحظة أحست هياء برغبة في التدخل ومقاطعة ذلك الشجار قبل أن يتطور الأمر أكبر، ففتحت الباب وتظاهرة أناه استيقظت للنور. جرت زكية نحوها والتقطت وهي تقول بتجهم: لقد أيقظت الصبي!
صالح وهو يهم بالخروج: ابقي معه إذا.
زكية وهي ممسكة بـ هياء: إلى أين؟
صالح وهو يغلب الباب: إلى جحيم آخر.
زكية وهي تزفر وتجلس على الأريكة: أحمق!
هياء وهي تحاول التخفيف عن زكية: أبي طيب.
زكية بعصبية: أبوك أبله!
رأت هياء في عيني الأم أنه لا فائدة من محاولة التخفيف عنها أو من حدة الموقف فآثرت الصمت. عاد صالح بعد ساعة من غيابه وبمجرد دخوله توجهت زكية نحوه بعدما وضعت هياء أرضا و بدأت تشم ملابسه.
صالح باستغراب: ماذا تفعلين؟
زكية وهي لا تزال تشم ملابسه: هذه المرة رائحتك مختلفة.
تبدو كرائحة الدخان.
صالح بتوتر: هل أصبحت علاقتنا مبنية على الروائح الآن.
رائحتك الآن بصل ولم أقل شيئاً.
زكية بعصبية: رائحتي هي بسبب الطعام الذي أعده كي تلتهمه، لكن ما تفسير رائحتك هذه؟ هل معشوقتك الجديدة تحب التدخين؟
صالح وهو يتوجه لغرفته متجاوزاً زوجته: لا وقت لدي الآن لحماقاتك.
زكية بعجب يخالطه السخط والتعجب: حماقاتي؟
صفع صالح باب غرفته بعد دخوله تاركا زكية خلفه تتوجه نحو بخطوات غاضبة والشر في عينيها.
مدت هياء يدها وأمسكت بلباس الأم وهي تقول أريد الحمام! أريد الحمام!
كانت هياء تتصرف بعفوية لمنع تفاقم المشاكل بين زكية وصالح خاصة بعد أن تقمصت دور الابن الصغير المدلل لهما.
وقفت زكية تحدق بباب غرفة زوجها الصغيرة وهي تتنفس بثقل كالثور الهائج، لكن إصرار هياء وتمسكها بملابسها غيراً من وجهتها إلى دورة المياه بعدما حملتها على أكتافها. بدأ الفضول والملل يتسلل إلى قلب هياء بعد أيام من التدليل والأكل والنوم، فهذه الحياة قد تروق لطفل في الخامسة، لكن ليس لروح عتيقة كروح هياء، لذا قررت يوما التعلق بـ صالح خلال خروجه الذي ازداد مؤخرا، وبالرغم من تمنعه في البداية ويقينه أن زوجته لن تسمح له بأخذ ابنه إلى أي مكان بدونها، إلا أنه فوجئ بأنها أيدت ذلك، بل أصرت على أن يصطحبه معه في مشواره:
صالح وهو يحمل هياء بتعجب: هذه أول مرة تسمحين لي بأخذ سامي معي بدونك.
زكية بهدوء غريب: الولد بدأ يكبر ويجب أن يتعلم مصاحبه أبيه.
صالح وهياء على كتفه: أنا ذاهب فقط لجارنا مراد.
زكية بنظرة خبث: أعرف.. هل يضايقك وجود ابنك معك؟
صالح بنظرة ارتياب وتوجس: لا .. لم يضايقني مثل هذا الأمر؟
زكية وهي تعود للمطبخ: جيد.. الغداء سيكون جاهزاً بعد ساعتين.. يمكنك دعوة صاحبك لتناوله معنا لو أحببت.
صالح وهو يهم بالخروج ويقول باستغراب: حسنا.
سار صالح في الممر بين شقته وشقة مراد وهو يكلم ابنه ويقول: ما بها أمك اليوم؟
طرق صالح باب جاره ففتح مراد الباب: وبمجرد رؤيته لـ هياء التقطها من ذراعي أبيها وهو مبتهج وسعيد قائلاك لقد أحضرت البطل الصغير أخيراً م عك!
صاح مبتسما: نعم، لقد تحرر من مخالب أمه اليوم ولأول مرة منذ ولادته.
مراد وهو يدخل شقته حاملا هياء بين ذراعيه: سوف نمرح كثيراً اليوم!
صالح وهو يدخل خلفهما ويغلق باب الشقة: ماذا سنفعل اليوم؟
مراد وهو يضع هياء على الأريكة: ما تحب.. أنت هنا حر.
صالح وهو يجلس بجانب ابنه: أحسدك على الحرية التي تملكها.
مراد وهو يجلس أمامهما ويخرج سيجارة ويمررها عند أنفه ويستنشقها: حريتي حصلت عليها ولم تأتني هدية.
صالح: ماذا تقصد؟
مراد وهو يمد السيجارة لـ صالح: خذ.
صالح: لا،لا كدت أن أنكشف آخر مرة، ثم هل يمكننا عدم التدخين اليوم لأن الصغير هنا.
مراد وهو يضحك ويعيد السيجارة لجيبه: حسنا لا بأس.
صالح: لم تخبرني.. ماذا كنت تقصد بأنك حصلت على حريتك ولم يهدها لك أحد؟
مراد وهو ينهض من مكانه ويتوجه للمطبخ: دعك من هذا الأمر الآن. لقد حصلت على روائح جديدة كي نستنشقها.
صالح وهو يحمل هياء المنصتة باهتمام للحوار ويضعها في حجره: ما حكايتك مع الروائح؟
مراد من المطبخ: وهل هناك أجمل من استنشاق الروائح؟
صالح: هوايتك هذه غريبة جداً.
مراد عائداً من المطبخ وهو يحمل مجموعة من القناني ويضعها على الطاولة بينهما: الروائح هي اقرب شيء للأحلام.
صالح مبتسما: لم تخبرني من قبل ما أحب رائحة مرت عليك.
مراد وهو يستنشق إحدى القناني: كل رائحة لها سحرها الخاص.
صالح: ربما.
مرا وهو يوجه نظره نحو صالح خلال استنشاقه للقنينة: ما أجمل رائحة بالنسبة لك أنت؟
صالح وهو يشير بسبابته لوجهه: أنا؟
مراد وهو يضع القنينة على الطاولة: نعم أنت.
صالح وهو في حيرة: لا أعرف.
مراد: فكر
صالح: ربما رائحة الفانيليا.
مراد مبتسما: اختيار موفق. لكن هل هناك رائحة أخرى أقل شيوعا تحب استنشاقها؟
صالح: مثل ماذا؟
مراد: رائحة تحرك إحساسك.. تدفعك لاستنشاق المزيد منها عندما تلامس أنفك.
صالح وهو يضحك: هذا يحدث معي عندما أشم رائحة البنزين عند محطة الوقود.
مراد بحماس: نعم! نعم. هذا ما عنيته!
صالح باستغراب: عنيت ماذا؟
مراد وهو متحمس: رائحة تبعث فيك الحياة بغض النظر إذا كانت زكية أم لا.
صالح يضحك.
مراد بتعجب: ما الذي يضحكك؟
صالح وهو يشوح بيده مبتسما: لا شيء، لكنك عندما قلت زكية انتفض جسدي فجأة.
مراد: هذا ليس بالأمر المضحك، بل هو شيء محزن.. أنت تذبل يوما بعد يوم وسوف تموت بحسرتك.
صالح وهو يبتسم بحزن: وماذا يمكنني أن أفعل؟
مراد ببرود وثقة لـ صالح: يمكنك فعل الكثير.
صالح وهياء يحدقان بنظرات مراد ويستمعان لكلماته بتعجب وتوجس.
مراد وهو يكسر جديته ويضحك قائلا: وما غير البنزين يثير مشاعرك؟
صالح: أخبرني أنت قبلها.
مراد وهو يزفر مبتسما: من أين أبدا؟ علاقتي مع الروائح قديمة منذ نعومة أظفاري. كنت أحب أن أستنشق كل شيء تقريبا.. أعتقد أن جميع حواسي اجتمعت في أنفي.. أحببت رائحة التبغ، وعشقت رائحة المطر، حتى الملابس التي تخرج للتو من مجفف الملابس كانت عالما آخر بالنسبة لي عندما أغص بوجهي في كومة ساخنة منها. الجلد المدبوغ وما أدراك ما الجلد المدبوغ.. ياه.. عالم من الجمال.
صالح إلى هذه الدرجة تحب الروائح؟
مراد ودمعة تلمع في عينه: وأكثر يا صالح.. وأكثر.
صالح وهو يبتسم: أحب نسيم البحر.. الحطب المحترق.
مراد وهو يضم كتفيه: روائح جميلة جدا
صالح: لكن أيها يأخذ نصيب الأسد من إعجابك؟
مراد دون تردد: رائحة البرتقال.
صالح بتعجب: البرتقال؟
مراد: نعم، فلا رائحة أقرب لقلبي من رائحته.
صالح: ولم البرتقال بالذات؟
مراد وهو يبتسم: تربطني به ذكرى جميلة أتذكرها كلما شممت رائحته.
صالح: هل يمكن أن أسأل ما هي؟
مراد وهو ينهض: قبل أن أخبرك، دعني أرك شيئاً.
توجه مراد لغرفته ودخل إليها، وبعد ثوان خرج وبيده زهرة بنفسجية جافة ومدها لـ صالح مبتسما وقال: خذ نفحة من هذه.
صالح وهو يمسك الزهرة وهياء تشاهد الزهر بتوتر: ما هذه؟
مراد وهو يجلس: قبل أن أقع في غرام رائحة البرتقال كانت هذه عشقي الأول بين كل الروائح.
صالح وهو يشم الزهرة: فعلا رائحتها جميلة.
مراد مبتسما: ألم أخبرك؟
صالح وهو يعيد الزهرة لـ مراد: لم أكن أعلم أن الزهور تحتفظ بأريجها بعدما تموت وتجف.
مراد وهو يمسك الزهرة: لكن هذه ليست كبقية الزهور.
صالح: كيف؟
انقطع حوارهما عندما سمع الجميع نداء زكية لـ صالح من الشقة الأخرى، فنهض وهو يحمل هياء ويقول مبتسما: يبدو أن لقاءنا انتهى لليوم.
مراد وهو يقف: لكنك لم تجلس سوى وقت قصير.
صالح: أخبرتك بأنها لا تطيق فراق ابنها.. سوف أزورك مرة أخرى بلا شك.
مراد مبتسما: لا بأس، رافقتك السلامة.
صالح: لم لا تنضم إلينا على الغداء اليوم؟
مراد وهو يضحك: لا، شكراً فزوجتك لا تتقبلني كثيراً.
صالح مبتسما: زكية هي صاحبة الدعوة وليس أنا.
مراد: على الأرجح أنها كانت تتهكم.
صالح مبتسما: أتفق معك، فنبرتها كانت تشير لذلك.
مراد وهو يقف ويضع يده على كتف صالح همك سينجلي قريباً.. أعدك.
ابتسم صالح باستغراب، لكنه لم يرد على جاره ورحل نحو شقته.
بعد تلك الزيارة بيومين فقط، وكما اعتادت هياء آخر اليوم المبيت مع زكية في فراشها بينما ينام صالح في الغرفة الصغيرة المجاورة لهما، أحست في منتصف الليل بحاجتها للذهاب لدورة المياه، فبدأت تهز كتف زكية لإيقاظها، لكنها لم تستيقظ، ومهما حاولت لم تستجب لها، فنهضت وبدأت تحرك وجهها بيدها وكانت صدمتها كبيرة عندما أشعلت النور ورأت عينيها مفتوحتين والزبد يخرج من فمها. صرخت هياء بقوة ليدخل صالح الغرفة على عجالة، ويرى زوجته متخشبة على فراشها بذلك المنظر البشع المرتسم على ملامحها.
أسرع صالح نحو هياء وحملها وقد بدأت بالبكاء، وخرج من الغرفة واتصل بالشرطة فورا. نقلت زكية للمستشفى بالرغم من أن الإسعاف أعلن وفاتها فور وصولهم والكشف عليها، ولم يبق سوى محقق مع شرطي كان يقف عند الباب.
المحقق: أقدر حزنك لخسارتك يا أستاذ صالح، لكن هناك بعض الأسئلة التي يجب أن نسألها الآن.
صالح وهو مشوش: حسنا، لا بأس.
المحقق وهو يشير لـ صالح بالجلوس: تفضل.
في تلك الأثناء كانت هباء مع صالح، وعند جلوسه للحديث مع المحقق أجلسها في حجره.
المحقق: لم اتصلت بالشرطة قبل الإسعاف؟
صالح بتوتر: ماذا؟ أنا
المحقق: لقد تأكدنا أنك اتصلت بنا قبل الإسعاف.. هل كنت تبلغ عن جريمة؟
صالح وتوتره بدأ بالازدياد: لم أفكر وقتها فقد كنت مصدوما، لكني اتصلت بالإسعاف.
المحقق: لكن ردة فعلك الأولى هي بمخابرة الشرطة، وهذا أمر غريب بل يدعو للشك.
صالح: الشك؟ هل تشك أني قتلت زوجتي؟!
المحقق: ومن قال إنها ماتت مقتولة؟ تقرير الطب الشرعي لم يصدر بعد.
هياء ترفع نظرها نحو صالح الذي بدأ جبينه يتعرق.
صالح ويداه ترتجفان: أنا.. أنا.
المحقق: أنت مقبوض عليك بتهمة الشروع في قتل زوجتك.
صالح: لا! أنا لم أقتلها!
المحقق وهو يشير للشرطي الذي كان معه: خذ الطفل منه.
صالح وهو يشد على هياء ويصرخ: أنا لم أقتلها!
المحقق وهو ينهض: لا تعرض ابنك للخطر! سوف تأتي معنا شئت أم أبيت.
صالح يخفف من قبضته على هياء وهو مكسور: وماذا عن ابني؟
المحقق وهو يمد يده ويسحب هياء بهدوء: لا تقلق، سنسلمه لأي قريب من أقربائك حسب رغبتك حتى ننتهي من التحقيق.
وما إن وصلت هياء للمحقق حتى انقض الشرطي على صالح، وكبله بالقيود وساقه للخارج بعدما أعطاهم رقم أخته كي يتصلوا بها لأخذ ابنه. خرج الشرطي مع صالح وترك المحقق مع هياء المصدومة مما يحدث.
المحقق مبتسما: لا تقلق يا بني، كل شيء سيكون على ما يرام.
خلال جلوسهم في انتظار أخت صالح تلقي المحقق اتصالا من المشرحة، وقد كان أوصاهم سابقا بأن يعلموه بأي شيء غريب يكتشفونه خلال التشريح فوراً، وعدم انتظار التقرير النهائي ولفت انتباه هياء عبار قالها المحقق وهو مندهش خلال حديثه عبر الهاتف وهي: ماذا؟.. برتقال؟ ماذا تعني أن الجثة تفوح منها رائحة البرتقال؟ حسنا! حسنا! إذا اكتشفت أي شيء آخر فاتصل بي.
أغلق المحقق الخط وحمل هياء وتوجه نحو غرفة النوم التي كانت الجثة فيها قبل أن يحملها الإسعاف، وبدأ يتفحص المكان بنظره من عند عتبة الباب. لم يكن بالمكان شيء غريب أو رائحة غريبة، ومع ذلك بقى المحقق بعدما أنزل هياء يبحث في المكان لشكه بأن هناك أمراً مريبا. كانت هياء تشارك المحقق شكه خاصة بعد سماعها كلمة البرتقال، التي لم تسمعها إلا عند جارهم مراد عندما كان يتحدث بشغف عن رائحة البرتقال.
قررت المجازفة ومحاولة لفت انتباه المحقق لشقة جارهم بقول: جارنا يحب البرتقال.
التفت المحقق إليها وقال باستغراب: ماذا؟.. ماذا قلت أيها الصغير؟
هياء وهي تحاول تقمص دور الطفل دون إثارة الشكوك: جارنا.. يحب البرتقال.
المحقق وهو يدنو بالقرب منها: وأين جاركم هذا؟
أشارت هياء بإصبعها تجاه الباب، فحملها المحقق وبدأ يسير معها حتى أوصلته لباب شقة مراد، ثم أخزلها وأبعدها قليلا وقال وهو يخرج مسدسه من جيبه: هل أنت متأكد أيها الصغير أن هذه شقة جاركم الذي يحب البرتقال؟
هياء تهز رأسها بالموافقة بصمت.
طرق المحقق الباب وباليد الأخرى حرر زر الأمان في مسدسه..
لم يجد المحقق رداً، فكرر الطرق مرة أخرى، وخلال طرقه بدأ الاثنان يشمان رائحة نفاذة من عبير البرتقال وقد كانت قوية.
المحقق لـ هياء: يبدو أنه كان معك حق أيها الصغير.
بمجرد أن قال المحقق تلك العبارة حتى فتح الباب أمامها فجأة، ليقفز مراد وهو شبه عار وينقض على المحقق ويبدأ بالصراع معه على الأرض، وهو مغطى بمادة صفراء لزجة تفوح برائحة البرتقال المركزة. سقط سلاح المحقق من يده فاضطر للمقاومة بيديه المجردتين من السلاح، لكن الغلبة لم تكن في مصلحته، فقد انهال عليه مراد باللكمات التي أدمت وجهه، فخارت قواه ولم يعد يستطيع المقاومة. بدأ مراد يبحث بنظره يمينا وشمالا عن المسدس، لكنه لم يجد سوى رصاصة منه تستقر في ظهره بعدما سمع دوي إطلاقها. وقف يترنح والتفت خلفه ليرى هياء ممسكة بالسلاح وفوهته يتصاعد منها سلسلة من الدخان. بدأ مراد الملطخ بتلك المادة الصفراء اللزجة بالتقدم نحو هياء وهو يمد يده لينزع منها المسدس، لكنه وجد رصاصة أخرى تخترق قلبه ليسقط بعدها على الأرض صريع. رمت هياء السلاح جانبا بعدما تيقنت من موته، وجرت نحو المحق الذي كان في حالة مزرية، لكن. وقبل وصولها إليه. ظهر وميض قوي في وجهها لتجد نفسها أمام أبيها في القصر، وهو مندفع باتجاهها ليأخذ الكتاب من يدها.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا