النوم الأسود 16 للكاتب مروة جوهر

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2024-07-18

(16) 

الحياة لا تتوقف رغم قسوة الأحداث واختلاف الظروف، استمرت ساعات التدريب على ألحان وأغان مختلفة، إذ أراد يونس أن أتعلم تنظيم النفس أثناء العزف، كان يتعامل معي أثناء التدريب بشكل محترف يجعلني أنسى كل ما بيننا، فكان في كل مرة يجلب لحنا قديما صعبا لم أتدرب عليه من قبل، ثم تناثرت الأقاويل عن حدوث بعض المواقف المريبة مع بعض الزملاء، بالطبع كنا مؤهلين في كل مرة لحدوث أي شيء لكنه لم يحدث! كما أن الأحلام توقفت معي كأنني كنت أهذي من الأساس!

وفي ليلة مقمرة كنت أتدرب على الغناء دون عزف لأغنية "يمامة حلوة".. لحن قديم وكان مشروع تخرج حنين، غنيت فأغمض يونس عينيه لتتذوق أذنه صوتي، فهو فنان بالفطرة، انتهيت فصفق لي يونس وكانت المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك، ثم أشار لي قائلا:

الآن يا فريدة تعود إلى النوتة الموسيقية الخاصة بحفل تخرجك.. لنعود إلى "النوم الأسود".

فرحت لكنني شعرت بالقلق أيضاً منها فواصل حديثه..

أريدك أن تستشعري المعنى قبل أي شيء، أن تتوحدي مع البيانو كأنه حليفك الذي سوف يظهر حقيقة الكلمات، هل تفهمين ما أطمح إليه؟ أريد لإحساسك أن ينمو ليشعر به حتى النبات في الأرض والجماد حولنا وأنت تعزفين:

أدخلت كلماته علي الكثير من الحماس والبهجة وأنستني الخوف فقلت..

أنتظرها منك منذ أيام.. أخيراً ترضى عن أدائي..

أحضرت النوتة القديمة التي اكتملت من حقيبتي ووضعتها على حامل النوتات، نظرت إلى احتراق أطرافها في حيرة ثم أغلقت عيناي لثوان وأخذت نفسا عميقا، فتحت عيني على النافذة فوق البيانو فوجدت اليمامة واقفة، ها قد أتت مرة ثانية، ابتسمت وبدأت بالعزف كأني أعزف لها هي..

وعندما وصلت للجزء المعتاد في النوتة فتح باب غرفة العزف مرة واحدة بشدة، وطارت اليمامة كأنها ذعرت أو هكذا خيل إلي، توقفت عن العزف ونظرت إلى الباب ورائي.. لم يكن أحد هناك! نظرت إلى يونس فوجدته في شدة الهدوء! كأنه كان يتوقع ما يحدث وكأنه جهز نفسه لذلك! نظر إلي وقال في حزم:

إياك أن تخافي..

كنت مرتعبة لكنني أومأت له بنعم، اقترب يونس من الباب في حذر وبطء، وعندما عزم على الخروج من الغرفة ليرى من بالخارج.. انغلق الباب من تلقاء نفسه بنفس القوة التي فتح بها! حاول يونس فتحه فلم يستطع كأنه قد أغلق من الخارج بمفتاح! 

ينما قمت من مكاني في ذهول واقتربت من يونس، فنظر إلي ثم إلى جدران الغرفة وقال:

تماسكي يا فريدة، لن يهزمنا ما لا نراه أبداً، لا تخافي.. هذا ما يريده بالضبط.. تذكري الله في نفسك.

أخذت أردد آية "الكرسي" في نفسي وأكبر ما استطعت، حاولت أن أرددها بصوت عال لكن صوتي تحشرج ولم يعل أبداً! أدركت أنني إما أن أتغلب على خوفي الآن أوي غلبني هو إلى الأبد، لكنني لم أستطع أن أبتعد عن يونس ولو قليلا، وفجأة تحرك الكرسي الذي كنت أجلس عليه منذ لحظات للأمام قليلا! ثم عزفت أصابع البيانو من تلقاء نفسها نفس النوتة الموسيقية! نعم رأينا أصابع البيانو وهي تعزف "النوم الأسود" بكل دقة وتمكن بداية من المقطع اللعين الذي تبدأ عنده كل الأحداث المريبة!

حينها أمسك يونس بيدي وجعلني أقف خلفه بالقرب من الباب، بقينا ننظر إلى أصابع البيانو وهي تتحرك في ذهول، صفحات النوتة الموسيقية تقلب تبعا للعزف! دقائق قليلة تمر كالأيام، انتهى اللحن وسكنت أصابع البيانو، دقائق قليلة تمر كالأيام، انتهى اللحن وسكنت أصابع البيانو، حينها فعل يونس شيئاً أخافني.

فجأة، صفق لمن لا يراه وبدأ يتحدث إلى الخواء قائلا:

العزف أكثر من رائع، يجب أن أعترف أنني لم أسمعك مثله من قبل، لكن الفنان لا يتصرف هكذا ويخيف زملاءه، ألا تتفق معي؟

نظرت إلى يونس وللحظات خفت منه، فقال وهو ينظر في جميع الاتجاهات:

الآن يجب أن نخرج من الغرفة.. يجب أيضاً أن نأخذ النوتة الموسيقية إذا سمحت.

أمسك يونس يدي كي لا أفارقه، وراح يقترب من النوتة الموسيقية في حذر شديد ويردد:

سوف آخذها: لأننا نحتاجها في العزف، أنا لا أضايقك.. أنا فقط أحتاجها.

بالفعل أخذ النوتة الموسيقية، ويا للعجب فتح الباب من تلقاء نفسه سامحا لنا بالخروج كأنه قد أجاب طلب يونس، ضغط على يدي برفق في إشارة لنسرع بالخروج من الغرفة، فحملت حقيبتي سريعا، عندما خرجنا كان الطابق الثالث خاويا إلا منا، هبطنا الدرج في سرعة وخرجنا من المبنى كله، عندما ركبنا سيارته انفجرت في البكاء رغم محاولات يونس في تهدئتي.

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا