صفحات الألم وسطور الوجع
جرى الحراس نحو أمين الجالس على أريكته وأمسكوا به ورفعوه وبدؤوا يسوقونه خارج منزله وحليمة تحاول معانقة هياء، التي لم تفق ن صدمة العودة من صفحات الكتاب الصغير، لكن رؤيتها ل أمين وهو يساق بمهانة أخرجتها سريعا من حالتها لتدفع حليمة جانبا، وتصرخ في الحراس بالتوقف عن جره بتلك الطريقة وتركه فوراً.
حليمة باستغراب شديد: ماذا تفعلين يا سيدتي؟ هذا الرجل مجرد ويجب أن يحاسب.
هياء وهي تصرخ في حليمة: وبماذا أجرم؟
حليمة بتعجب من انفعال هياء: لقد
هياء وهي تتجاهل حليمة سخطها نحو الحراس الذين توقفا عن السير، لكنهم لا يزالون ممسكين بذراعي أمين بإحكام: أتركوه يا حمقى!
ترك الحراس أمين الذي مسح ساعديه بوجه متجهم، وعاد سائراً نحو أريكته. وعند مروره ب هياء قال لها بصوت خفيض مسموع لها فقط: هل يمكنكم المغادرة من منزلي لو سمحتم؟
هياء بحزن واستياء: أنا آسفة يا..
أمين وهو يجلس على أريكته ويقاطع حديث هياء: لا أريد اعتذارك، أريد فقط رحيلك مع أتباعك الذين اقتحموا منزلي.
هياء وهي تهز رأسها خجلا: أمرك يا سيد أمين.
التفتت هياء بنظرة سخط وغضب شديدة تجاه حليمة التي أحست بالخوف، وقالت للحراس وهي تسير نحوهم: هيا لنعد للقصر.
خرج الجميع عدا هياء التي كان لا تريد الرحيل دون أن تطمئن بأن أمين ليس غاضباً منها، فوقفت أمامه وهي تفرك يديها بقلق وتنظر إليه دون أن تتحدث. كان أمين في ذلك الوقت ينظر للأرض بنظرة غريبة، وكأنه مصدوم مما حدث ثم قال: يبدو أني أخطأت.
هياء بقلق: أخطأت في ماذا؟
أمين وهو يرفع نظره ل هياء: في محاولة مشاركة كتبي معك.
هياء وهي تجلس على الأرض عند قدمي أمين وتضع كفيها على ركبتيه وتقول بحن يخالطه بعض الدموع: أرجوك، لا تقل ذلك! لقد منحتني حياة ومشاعر جديدة لم أحلم يوما بالإحساس بها!
أمين: أهلك وجماعتك لن يسمحوا لك بأن تعيشي حياة أخرى ولو من خلال كتاب.
هياء وهي تدمع وتستجدي: لا عليك منهم، أنا سوف أتولى التعامل معهم، لكن لا تحرمني كتبك.
أمين وهو يبتسم: ما الذي تغير بك؟ لست مستاءة كما كنت في المرة السابقة عندما قرأت الكتاب الأول.
هياء وهي تمسح دموعها وتبتسم: لقد أحببت هذا الكتاب كثيراً بالرغم من الألم الذي أحسست به خلال قراءته.
أمين مبتسما وهو يشير للكتاب الصغير على الأرض: أحضريه كي أعيده لمكانه في الرف.
حبته ياء على ركبتيها وأمسكت بالكتاب، ثم استدارت وعادت حبوا تجاه أمين ومدت له الكتاب الذي أخذه بيد، وباليد الأخرى مسح على رأسها مبتسما وهو يقول: عودي للمنزل الآن.
هياء بوجه متحمس وصارم: أريد كتاباً آخر!
أمين: لكل شيء وقته.. ارتاحي أولا من هذا الكتاب.
هياء وهي لا تزال جالسة على ركبتيها: لم أمض سوى أيام قلائل في هذا الكتاب.
أمين وهو يبتسم وينظر للكتاب في يده قائلا: حياة الزهور قصيرة.
هياء: ما اسم الكتاب؟
لف أمين الكتاب نحو هياء لتقرأ عنوانه "أحلام الزهور".
ابتسمت هياء وهي تقرأ العنوان قائلة: كان كتابا جميلا بالرغم من قصره.
أمين وهو ينهض: عودي الآن للمنزل.
هياء وهي تقف وتقول بقلق: لكني أريد كتاباً آخر.
أمين وهو يغمض عينيه ويزفر: يجب أن تتعلمي كيف توازنين بين حياتك والكتب.
هياء وهي متوترة: سأفعل!.. سأفعل!.. لكن أريد كتابا آخر.. لا أريد العودة لحياتي الكئيبة الآن.
أمين وهو يلتفت إلى هياء ويضع يده على كتفها: لا يمكنك الهروب من حياتك للأبد.. يجب أن تبحثي فيها عن شيء يستحق البقاء.
هياء وهي تحدق بعيني أمين: أرجوك.
أمين: حسنا اتبعيني.
مشى أمين نحو باب السرداب وهياء تتبعه، ونزل الاثنان عبر السلالم المظلمة. وعند وصولهما للأسفل أشعل أمين بعض الشموع التي أنارت المكان، ثم أشار ل هياء بالجلوس على الكنبة الجلدية فجلست وهي تبتسم بحماس وتقول: أريد كتابا شائقا!
أمين وهو يتفحص الرفوف بنظره: ما رأيك لو تجربين شيئاً مختلفا؟
هياء والحماس يفيض منها: لا بأس أي شيء!
سحب أمين كتابا أسود، ووضعه على المنضدة المقابلة ل هياء وهو يقول: جربي هذا الكتاب.
هياء وهي تلتقط الكتاب بسرعة وتنظر لعنوانه بشغف بابتسامة عريضة وتقرؤه: العجز.
تغيرت ملامح هياء بعد قراءة العنوان وتحولت للتساؤل بشيء من القلق وقالت: العنوان غير مريح يا سيد أمين.
أمين: هل تريدين تغيير الكتاب؟
هياء وهي تضع الكتاب في حجرها وتنظر ل أمين: لا لكن..
أمين: لا تقلقي الكتاب جميل.
هياء: هل لديك كتب غير جميلة لتقول إن هذا الكتاب جميل؟
أمين وهو يضحك: سؤال وجيه.. أنا أرى أن كل كتاب مهما كان محتواه يحمل شيئاً من الجمال، لكن رؤية هذا الجمال تعود للقارئ.
هياء: صحيح أنني لست محبة للقراءة، لكني أسمع أن هناك كتبا تافهة وسيئة وخالية من أي جمال.
أمين: وما تعريف الجمال من وجهة نظرك؟
هياء: الجمال هو كل شيء يدخل الفرح والسرور على قلوبنا من مجرد النظر إليه.
أمين: لقد عرفت الجمال السطحي فقط.
هياء: ماذا تقصد؟
أمين وهو يومئ بنظره للكتاب في حجرها: هل أدخل هذا الكتاب الفرح والسرور في قلبك؟
هياء وهي تنظر للكتاب في حجرها: في البداية كنت مسرورة للحصول عليه، لكن بعد قراءة عنوانه لا أعرف.. تحولت سعادتي لحيرة وقلق.
أمين: لماذا؟
هياء وهي توجه نظرها ل أمين: لماذا ماذا؟
أمين: لم تغيرت مشاعرك فجأة نحو الكتاب بعدما كانت سعادة إلى شيء آخر؟!
هياء وهي تعيد نظرها للكتاب وتحديد العنوان: ربما بسبب العنوان.
أمين مبتسما: العنوان لا دخل له بالموضوع.
هياء وهي ترفع نظرها ل أمين: الكتاب يعرف من عنوانه كما يقول المثل الشائع.
أمين: لقد سمحت لغيرك بأن يفكر عنك.
هياء: ماذا تقصد؟
أمين: أقصد أنك وصلت لقناعة من خلال أقوال الناس وليس من تجربتك الخاصة.
هياء: الاستعانة بآراء الناس تختصر عليك الكثير من الوقت والمعاناة.
أمين: هل تستعينين بآراء الناس في اختيار ملابسك؟
هياء: شخصيا لا، لكن أعرف الكثير ممن يقوم بذلك.
أمين: أنا أتحدث عنك أنت.
هياء: أنا لا، أبداً، لا أثق برأي الناس في الملابس وخصوصا الأحذية.
أمين: ما الفرق؟.. ولم وثقت بآرائهم في ما يتعلق بالكتب وليس الملابس؟
هياء: لأني لا أعرف شيئاً عن الكتب، لكني أعرف الكثير عن الملابس، لذا يمكنني تحديد ما يناسبني بنفسي دون الحاجة للإصغاء لرأي الغير.
أمين: وكيف وصلت هذه المرحلة من الإلمام بما يناسبك من الملابس والأحذية هل ولدت هكذا؟
هياء وهي تبتسم: لا بالتجربة.
أمين: إذا، اجعلي من تجاربك الخاصة أساسا للحكم على الأشياء دون غيرها.
هياء: هل تعني أن رأى الناس غير مهم؟
أمين: رأيهم السلبي نعم، فالانقياد وراء الأذواق العامة قد يحرمك الكثير. لا مانع أن يكون لك أشخاص بحياتك تأخذين برأيهم من باب الاستشارة، لكن أن تجعلي الذوق العام بوصلتك فهذا أمر لا أتفق م عه نهائيا، خاصة لشخصية مميزة واستثنائية مثلك.
هياء وهي تبتسم بسعادة كبيرة، هل تظن حقا أني مميزة واستثنائية؟
أمين وهو يتوجه نحو السلم باسما: نعم، وسوف تصبحين شيئاً عظيما عندما تكبرين.
هياء بقلق: إلى أين أنت ذاهب؟
أمين وهو يصعد السلم للطابق العلوي: عندما تنتهين من الكتاب، الحقي بي فسوف أعد لك كوبا من القهوة.
هياء تراقب قدمي أمين وهما تختفيان صعودا وتبتسم: قهوة في الليل؟
أمين من الأعلى: لا تتقيدي بالذوق العام كما أخبرتك.
هياء وهي تمسك الكتاب وتستعد لفتحة: لنر ما الذي يحتويه هذا الكتاب.
فتحت الكتاب وخرج منه وهج قوي.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا