من رواية وهج البنفسج الجزء الأول 2 للكاتب أسامة المسلم

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2024-07-06

النافذة الصغيرة 2

مشت الاثنتان متجاوزتين البوابة والحراس، متوجهتين للمنزل الذي أغلق صاحبه أمس الباب في وجهيهما، وعندما استقرتا أمامه وضعت هياء السلة عند عتبة الباب ومسحت العرق عن جبينها، ومدت يدها لطرق الباب، لكن حليمة استوقفتها وقالت: يمكننا القدوم لهذا المنزل لاحقا يا سيدتي.

هياء باستغراب: لماذا

حليمة: ربما من الأفضل أن نبدأ بمنزل آخر فهذا الرجل يبدو فظا

هياء وهي تطرق الباب مبتسمة: لا تقلقي

فتحت الباب سيدة ممسكة بمنديل في يدها، ويبدو عليها أنها كانت تبكي لأن عينيها محمرتان ومحجريها متورمان ومبتلان ببقايا من دموع. ارتبكت هياء عندما رأت المرأة بتلك الحالة ولم يخطر ببالها شيء سوى مد يدها في السلة، وأخرجت كعكة مغلفة بورقة زهرية اللون: تفضلي نحن جيرانكم الجدد.. أرجو أن تقبلي منا هذه الهدية البسيطة

مدت المرأة يدها وأخذت الكعكة بيد وباليد الأخرى مسحت بمنديلها دمعت نزلت على خدها، وقالت: شكرا ثم أغلقت الباب بهدوء

حليمة: هيا يا سيدتي لنذهب للمنزل الآخر

هياء وهي تحدق بالباب متعجبة: لم كانت تبكي

حليمة وهي تحمل السلة: أسباب الحزن في هذه الدنيا أكثر من أسباب الفرح

طرقت هياء الباب مرة أخرى وحليمة خلفها تقول بتوتر: ماذا تفعلين يا سيدتي؟

لم ترد هياء عليها، وبقيت تحدق بالباب حتى فتحته المرأة مرة أخرى، وبمجرد أن رأتها سألتها: لم كنت تبكين

نظرت المرأة ل هياء باستغراب ولم ترد.

هياء: أرجوك أخبريني

تجهمت المرأة، وصفعت بدرفة الباب بقوة في وجه هياء التي وقفت مستغربة من ردة فعل المرأة، ثم أدارت نظرها نحو حليمة وقالت: ما بها

حليمة: يبدو أنها مستاءة من أمر ما

هياء: لم أغلقت الباب في وجهي؟.. كنت أريد مساعدتها.

حليمة: هيا يا سيدتي لنذهب للمنزل المجاور.. الحي كبير وسنحتاج وقتا طويلا لتوزيع جميع الكعكات

سارت هياء مبتعدة عن عتبة المنزل، وعلى وجهها تعجب شديد وهي تقول: لم كانت فظة معي؟.. أنا لم أفعل لها شيئاً

حليمة وهي تسير خلفها: لا تفكري بالأمر كثيراً يا سيدتي

الناس كالأزهار بعضها شائك وبعضها زكي الرائحة، وبعضهم يجمع الاثنين.. جميل الرائحة لكنه شائك

هياء تتوقف عن السير وتلتفت إلى مربيتها: وهل هناك من هم بغيضون بلا سبب

حليمة وهي تبتسم: نعم يا حبيبتي، وهناك أيضاً من هم جميلون بلا سبب

هياء بوجه متسائل وقلق: هل أنا بغيضة يا حليمة

حليمة: أنت أجمل شيء رأته عيناي يا صغيرتي

هياء: ماذا عن روحي

حليمة وهي تبتسم: ماذا تقصدين

هياء وهي تكمل المسير نحو المنزل الثاني: لا شيء هيا لننته من توزيع الكعك

وصلت الاثنتان لعتبة المنزل الثاني، وبمجرد أن طرقنا الباب فتح لهما، وخرج منه عدد كبير من الأطفال الذين بدؤوا بمحاصرتهما والصراخ والضحك حولهما، وبعضهم بدأ يشد شعر هياء وملابسها حتى تمزق أحد أكمامها. وعندما رأت حليمة ذلك المشهد وضعت السلة على الأرض وهرعت نحوها، وبدأت تبعد الأطفال عنها وهياء واقفة متسمرة من الخوف، لكن الأطفال استمروا بالقفز والصراخ حولهما لدرجة أن أحدهم سحب الوشاح الذي كانت حليمة تغطي به رأسها وربطه على خاصرته، وبدأ بالرقص حولها وهي تعانق هياء لحمايتها. سحبت طفلة من الأطفال القماشة الصفراء التي كانت تغطي سلة الكعك لتربطها هي الأخرى على خاصرتها وتشارك أخاها الرقص، لكن ما إن انكشف الكعك أمام الأطفال حتى رموا كل ما في أيديهم واندفعوا نحو السلة وبدؤوا بالتهام الكعك بشراهة

هياء وهي تراقب الأطفال: ما الذي يحدث يا حليمة؟

حليمة وهي تلتقط القماشة الصفراء التي كانت تغطي الكعك وتلفها على رأسها بدل وشاحها وتعود لمعانقة هياء: لننتظر حتى ينتهوا فقط

وصل الحراس عندما رأوا الأطفال بهذا الشكل حول هياء وحليمة لحمايتها، ففروا عندما شاهدوهم مقبلين نحوهم، وعادوا للمنزل وأغلقوا الباب بقوة تاركين هياء ومربيتها مصدومتين مما حدث

بقيت الاثنتان مدة وجيزة وهما تنظران للسلة المقلوبة على جانبها، وبقايا الكعك الذي داس عليه الأطفال، ثم قالت هياء: هل يمكننا العودة للقصر الآن

حليمة وهي تتوجه نحو السلة وترفعها: نعم يا سيدتي

هياء وهي تسير مبتعدة عن المنزل بتجهم: لقد نفذت ما طلبه مني أبي وأطعمت قبيلة كاملة من الأوباش المتوحشين

حليمة وهي لا تزال واقفة عند شرفة المنزل وتنظر داخل السلة: بقيت واحدة

هياء وهي تلتفت بعصبية: عن ماذا تتحدثين؟

حليمة تمد يدها داخل السلة وتخرج كعكة منها وترفعها أمام نظر هياء: بقيت كعكة محلاة واحدة

هياء بتجهم: وهل هذه الكعكة اليتيمة كافية لإطعام هذا الحي الراقي؟

حليمة تعيد الكعكة للسلة وتسير نحو هياء: كما تشائين يا سيدة هياء، سنعود للقصر

أطلقت هياء زفرة خالطتها زمجرة غاضبة أتبعتها بحركات تلويح بقبضتها، وبدأت السير نحو البيت الثالث وحليمة تتبعها مبتسمة. وصلت الاثنتان للمنزل الذي كان مختلفا عن بقية منازل الحي، فقد كان مصنوعا من الطين بعكس بقية البيوت الأخرى

هياء تتفحص المنزل بنظرها باستغراب: أمازالت هناك بيوت من الطين في هذا العالم

حليمة: يبدو أن أصحابه فقراء

هياء بسخرية: أو قد يكون أصحابهم من رافضي التطور.. هم هكذا في البداية لكن الدنيا تتغير وتغيرهم شاؤوا أم أبوا.. وسيهدم المنزل عاجلا أم آجلا

وقفت هياء أمام الباب وبدأت تطرقه بقوة وبطرقات متتابعة

حليمة: لا تطرقي الباب بهذا الشكل يا سيدتي، فقد تزعجين أصحاب المنزل

التفتت هياء إلى حليمة بنظرة غضب ت حولت فجأة لإحدى ابتساماتها المصطنعة، وعادت بنظرها نحو الباب وبدأت تطرقه برقة واستهزاء واضح

فتح الباب.

خرج منه رجل عجوز بلحية بيضاء كثيفة ونظارة بعدسات مربعة صغيرة. كان أصلع الرأس لكن شعر رأسه من الخلف كان طويلا بعض الشيء. كان يلبس منامة حمراء أنيقة كالمعطف الطويل، وكرشه المستدير يطل منها كانت رائحة ذلك الرجل زكية جدا وعبق عطره خرج قبله وأحاط ب هياء وحليمة الواقفة خفها. ابتسم واقل: تفضلي يا آنسة بماذا أستطيع خدمتك

تلعثمت هياء في البداية ومدت يدها خلفها ونظرها لا يزال يحدق بذلك الرجل المبتسم لها، وبدأت تقبضها وتبسطها أمام حليمة في إشارة لها كي تضع الكعكة فيها، لكن حليمة كانت تحدث بالرجل وسارحة في ابتسامته المشعة، ومسحورة بعطره النفاذ الذي حاصرها. التفت هياء إلى مربيتها، وعندما رأتها بتلك الحالة سحبت السلة من قبضتها وأخرجت الكعكة ومدتها للرجل وهي تقول: تفضل

الرجل المسن وهو يأخذ الكعكة من يدها مبتسما: شكرا لكرمك يا آنسة

هياء تبتسم وتهم بالرحيل

الرجل المسن بتعجب: إلى أين؟

هياء: سنعود للقصر

الرجل المسن يرفع نظره ويوجهه للقصر الكبير الواقع أمام منزله: أنتم جيراننا الجدد إذا

حليمة وهي لا تزال سارحة في الرجل: نعم

هياء تضع سبابتها على شفتيها في إشارة ل حليمة بالصمت، ثم تقول للرجل المسن: نعم.. نحن جيرانكم الجدد

الرجل المسن وهو يقبض الكعكة بيده: هذه البادرة الطيبة تدل على أنكم من عائلة كريمة تقدر الأصول

هياء بابتسامة صفراء: نعم.. نعم

الرجل المسن وهو يدخل منزله مبتسما ويترك بابه مفتوحا: يجب أن أهديك شيئاً بالمقابل

هياء بتوتر: لا .. لا.. نحن راحلتان

لم تستطع هياء إيقاف الرجل، وأخذت نصف خطوة داخل منزله، وبدأت تنادي بصوت مرتفع: لا داعي لذلك يا عم!.. نحن راحلتان

لم يرد الرجل المسن، فالتفتت هيا إلى مربيتها وقالت لها: هيا لنرحل

حليمة: لم الاستعجال؟ من غير اللائق أن نرحل هكذا دون أن نودعه

هياء: بتجهم: نحن هنا لتوزيع الكعك وليس لتبادل الهدايا

حليمة: لا ضير في الانتظار

هياء: أنا سأنتظر.. عودي أنت

حليمة: لكن

هياء بعصبية: عودي يا حليمة ولا تجادليني

حليمة: وماذا أقول للسيد الكبير

هياء وهي تمد السلة الفارغة لمربيتها: انتظريني عند الحارس، ولا تدخلي المنزل حتى أعود

حليمة وهي تأخذ السلة بحزن: أمرك

هياء باستغراب: ما بك

حليمة وهي تهم بالرحيل: لا شيء يا سيدتي

رحلت حليمة وبقيت هياء تنتظر الرجل المسن لتودعه بلباقة لكنه تأخر.. انتظرت مدة طويلة، وخلال ذلك الانتظار بدأت تتفحص بنظرها المنزل، فقد كان كالمتحف، ومعظم ما فيه من أثاث مصنوع من الخشب، ولفت نظرها أيضاً اللوحات الجميلة التي كانت معلقة على جدرانه، والسجاد الفخم المفروش على أرضيته، فبالرغم من صغر سنها إلا أن خبرتها في التحف كانت جيدة بحكم هواية أبيها في جمعها. كان يتوسط سقف المنزل ثريا كريستالية َ

ضخمة بالرغم من صغر المنزل نسبيا. بقيت هياء تحدق بتلك الثريا وهي مبهورة بها وبتلامع قطعها مع نور الشمس الذي اخترق باب المنزل المفتوح. قررت بعدها الرحيل، ولكن بعدما أخذت بضع خطوات مبتعدة عن المنزل تذكرت أنها لم تغلق الباب، فعادت أدراجها وأمسكت بالمقبض وبدأت تسحبه لإغلاقه، لكنها توقفت عندما سمعت ضحكات الرجل المسن آتية من غرفة في أقصى المنزل. كانت ضحكاته عالية وتدل على سعادة كبيرة. أثارت تلك الضحكات فضول هياء، لدرجة أنها تخلت عن حذرها وأخذت بضع خطوات داخل المنزل مرة أخرى، وعندما انتصفت في غرفة المعيشة، كررت نداءها للرجل وقالت: يا عم!.. هل أنت بخي

رد الرجل المسن بصوت مبتهج وقال: نعم يا عزيزتي!.. سأكون معك خلال لحظات

وقفت هياء متعجبة من الرجل ومن طريقته في الكلام

سمعت بعدها صوت باب يغلق، صادراً من المكان الذي سمعت فيه ضحكات الرجل. وبعد ثوان خرج أمامها وهو يحمل تحت إبطه كتابا ضخما، وفي يده الأخرى زهرة جافة. تقدم الرجل بضع خطوات نحو هياء التي شعرت بالارتياب والتوتر لسبب ما، لكن الرجل مر بجانبها وغمز لها بابتسامة عريضة وأكمل مسيرة نحو غرفة المعيشة، وجلس على كنبة كبيرة من الجلد، ووضع الكتاب على منضدة بجانبه ثم أشار لها بالاقتراب منه وهو يبتسم بوجنتيه الممتلئتين والمحمرتين. ترددت هياء في الاقتراب في بادئ الأمر، لكن كون الباب الرئيسي للمنزل مفتوحا بث ذلك شيئاً من الاطمئنان في صدرها، وتقدمت بخطوات حذرة نحو الرجل المسن ذي اللحية البيضاء والكرش المتدلي، وعندما استقرت أمامه قالت: أستأذنك بالرحيل يا سيدي

الرجل المسن وهو يضحك ويمد الزهرة البنفسجية التي كانت بيده: ألن تأخذي هديتك قبل أن ترحلي

مدت هياء يدها على استحياء وتوتر، وأخذت الزهرة من يد الرجل المسن

وقبل أن تشكره قال لها بصوت عال ومبتهج: استنشقي عبيرها

في تلك اللحظة بدأت هياء تشك بذلك المسن، فطلبه كان غريبا وغير مألوف، وشكت أن تلك الزهرة تحتوي على مادة مخدرة أو شيء سيلحق بها الضرر، لكن شكوكها تبددت عندما انحنى الرجل وألصق بتلات الزهرة الجافة بأنفه، وأخذ شهيقا قويا أتبعه بزفرة أقوى وهو مغمض العينين: لن تشمي عبيراً كعبيرها.. أعدك بذلك

ياء والارتياب لا يزال يعتريها: لا بأس سأستنشقها لاحقا.

الرجل المسن مبتسما: كما تشائين

قبضت هياء على الزهرة بيديها، وبدأت تراقب الرجل المسن وهو يضع الكتاب الكبير الذي أحضره معه في حجره، ويخرج منديلا قطنيا صغيراً، ويبدأ بالنفخ على نظارته ويمسحها بقطعة قماش، وخلال ذلك نظر الرجل المسن للعدسات التي كان ينظفها قائلا: يبدو أنك مرتابة مني

هياء بتوتر: لا، أبداً، لكني تأخرت ويجب أن أعود للمنزل

الرجل المسن وهو يلبس نظارته: هل يمكن أن تقدمي لي خدمة أخيرة قبل رحيلك

هياء بتوجس: ماذا تريد

الرجل المسن: وهو يشير لطاولة كانت على بعد يسير منه: هل يمكن أن تحضري لي الكعك التي قدمتها لي، لقد وضعتها على تلك الطاولة هناك

التفتت هياء حيث كان يشير الرجل المسن، ورأت الكعكة على الطاولة وقد كانت على صحن ومقطعة إلى أربع قطع، وبجانبها كوب يتصاعد منه بعض الأبخرة، توجهت للطاولة ووضعت الزهرة الجافة عليها، ثم أمسكت بالصحن وبمجرد أن رفعته سمعت الرجل المسن يقول من خلفها: وأحضري معها ذلك الكوب

هياء وهي تنظر داخل الكوب: ما هذا الكوب

الرجل المسن وهو يفتح الكتاب الذي كان في حجره: قهوتي الصباحية

أمسكت هياء الكوب، وبدأت تمشي تجاه الرجل المسن، وعندما وصلت إليه لم يرفع رأسه أو يحول نظره من صفحات الكتاب وقال: ضعيها على المنضدة بجانبي

نفذت هياء ما طلبه الرجل، وبعد انتهائها من ذلك قالت:

يجب أن أذهب الآن

الرجل المسن وهو يطالع الكتاب بتركيز: حسنا

أخذت هياء بضع خطوات نحو باب الخروج، لكن ما إن وضعت قدمها على عتبة الباب حتى توقفت للحظات، ثم عادت أدراجها نحو الرجل المسن الذي كان لا يزال يطالع الكتاب وقالت: الزهور الجافة لا تملك رائحة بالمناسبة

رفع الرجل المسن رأسه ونظر ل هياء ثم أنزل نظارته بسبابته وبدأ ينظر إليها بصمت

هياء وهي تستأنف حديثها: كنت أريد فقط أن أخبرك ذلك كي  تظن أني غبية

الرجل المسن وهو ينزل نظره للكتاب ويعود للقراءة: حسنا

وقفت هياء تراقب الرجل المسن وهو يتصفح لفترة قصيرة ثم قالت: ما الذي كان يضحكك

الرجل المسن وعينه على الكتاب: ألم تقولي إنك راحلة

هياء: بلى، لكن أريد معرفة سبب ضحكاتك المجلجلة منذ قليل

أغلق الرجل المسن الكتاب ووضعه على المنضدة، وأمسك بقطعة من الكعك المحلي ووضعها في فمه وبدأ يلوكها، ثم أتبعها برشفة من قهوته الساخنة، ثم قال: كنت سعيداً لأني وجدت شيئاً خلال بحثي عن هديتك.. شيئاً بحثت عنه لزمن طويل وظننت أني فقدته ولن أجده أبداً

هياء: ماذا وجدت

الرجل المسن وهو يضع كوب القهوة على المنضدة ويرفع الكتاب: وجدت كتابا

هياء باستغراب: كل تلك الضحكات والسعادة لأنك وجدت كتابا. يبدو أن حياتك فارغة تماما

الرجل المسن وهو يلبس نظارته ويفتح الكتاب ويمعن في صفحاته: ماذا تقصدين

هياء: أقصد أنه لا يوجد كتاب يستحق كل تلك السعادة، فهو مجرد بعض الأوراق التي تحتوي على كلمات

الرجل المسن وعينه على الكتاب: أفهم من ذلك أنك لم تستمتعي بقراءة كتاب من قبل

هياء وهي تتوجه للأريكة المقابلة للرجل وتجلس عليها: لو لم أكن مجبرة على قراءة كتب المدرسة لما قرأت كتابا واحداً

الرجل المسن وهو يقلب صفحة من الكتاب الذي كان بيده: ألهذه الدرجة تكرهين القراءة

هياء وهي تسند ظهرها إلى الأريكة وتضع كفيها خلف رأسها: وأكثر من ذلك. أخبرني الآن لم لا تتطور وتبيع هذا المنزل المهترئ؟ يمكنك الحصول على الكثير من المال مقابل بيعه، فهذا الحي لا يزال ذا قيمة عقارية بالرغم من قدمه.. هذا ما يقوله أبي

الرجل المسن وعينه على كتابه: لا رغبة لي بالمال

هياء وهي لا تزال تتفحص المكان بنظرها: الحياة لا طعم لها بلا مال؟.. لا شيء أجمل من المال.. صدقني

الرجل المسن وهو يقلب صفحة من الكتاب بين يديه: المال أحيانا غشاوة تعمينا على الجمال

هياء بسخرية: وما مصدر الجمال في حياتك؟.. لا أرى سوى جدران من الطين وأثاث يكسوه الغبار

الرجل المسن وهو يرفع نظره ل هياء متسما: لقد عشت في هذا المنزل ألف حياة وحياة.. ولا يوجد في حياتكم ما يبهرني أو يشد انتباهي

هياء بضحكة ساخرة: من قراءة الكتب فقط؟!.. يبدو أن حياتك فارغة بالفعل ولا تملك الكثير لتقوم به

الرجل المسن وهو يعود بنظره للكتاب: بل، لا أملك الوقت الكافي لأقوم بكل ما أريد القيام به

هياء: وقت ماذا الذي تريده؟!. أنت لا تقوم بشيء سوى الجلوس والقراءة واحتساء الشاي

الرجل المسن وهو يقلب الصفحة وعيناه على الكتاب: هذه قهوة وليست شاياً

هياء بتذمر: أيا كان! الخلاصة هي أنك رجل لا يملك حياة حقيقية، لذلك فضلت الهروب منها بواسطة بعض الكتب الفارغة

الرجل المسن: لا يوجد ك تب فارغة في هذه الحياة، إنما هناك عقول فارغة فقط

هياء بسخرية: الكتب للفارغين الذين لا يملكون حياة!

الرجل المسن وهو يرفع نظره ل هياء: كم كتابا قرأت في حياتك

الفتاة: إذا لم تحسب كتب الدراسة التي أجبر عليها.. فصفر

الرجل المسن يبتسم ويستأنف مطالعة الكتاب بصمت

بقيت هياء تحدق بالمكان وتتفحصه بنظرها خلال قراءة الرجل لكتابه، وبعد دقائق مد المسن يده وأمسك بكوب القهوة وأخذ رشفة أخرى منه، وقال: ألم تكوني على عجالة للرحيل.. لم لا تزالين ها

هياء وهي تحرك سيقانها للأمام والخلف من على طرف الأريكة وتنظر للسف: لا أعرف.. منزلك مريح للنفس

ابتسم الرجل المسن ولم يرد على هياء وأكمل القراءة

هياء وهي تحاول اختلاس النظر لمحتوى الكتاب بالرغم من بعد المسافة بينها وبين الرجل المسن: عن ماذا تقرأ

الرجل المسن وهو يقلب صفحة من الكتاب: لا يهم عن ماذا اقرأ، بل لماذا أقرأ

هياء: ولماذا تقر

الرجل المسن وعيناه على صفحات الكتاب: عندما كنت صغيراً أخبرت أبي يوما أني أ{يد السفر لبلاد أخرى كي أرى العالم.

هياء وهي تبتسم مبتهجة: أنا أعشق السفر!.. أبي يأخذني كل صيف لبلاد جديدة! كم بلداً زرت؟

الرجل المسن: أبي لم يكن ميسور الحال كأبيك، لكنه دلني على طريقة أسافر بها لأماكن كثيرة

هياء: بأن تأخذ قرضا من البنك بالطبع لأنكم فقراء

الرجل المسن: وهو يبتسم ويحدق بالكتاب بين يديه: أهداني كتاباً وطلب مني قراءته

هياء بوجه محبط: هل كان يعاقبك لأنك طلبت منه السفر

الرجل المسن وهو يقلب الصفحة: بل منحني حياة أخرى مازلت أعيشها إلى اليوم

هياء: كيف

الرجل المسن: القراءة غفوة كبيرة عن عالم اليقظة

هياء بسخرية: لا تبالغ

الرجل المسن وهو يغلق الكتاب ويوجه نظره للفتاة: ما اسمك

هياء: هياء.. ما اسمك أنت

الرجل المسن: الأمين

هياء: تقصد أمين

الرجل المسن: لا الأمين

هياء: أمين ماذا

الرجل المسن: أمين المكتبة

هياء: هذا لقلب وليس اسما.. هل كنت تعمل أمينا لمكتبة ما في السابق؟ هل هذا هو سر حبك غير المبرر لقراءة

الرجل المسن: كنت وما زلت

هياء: هل تمانع لو ناديتك ب أمين فقط

الرجل المسن مبتسما: لا بأس يا هياء

هياء وهي تبتسم: وأين مكتبك يا أمين

أمين مبتسما: كنت أظن أنك لا تحبين الكتب

هياء وهي تضحك: مازلت لا أحبها، لكني أريد أن أرى تلك المكتبة التي تمتلكها.. أنت تملك واحدة، أليس كذلك

أمين: نعم.. مكتبة ورثتها عن أبي وهو ورثها عن جدي.. فأنا مثل أبي وهو مثل أبيه من قبله نعاني مشكلة في قراءة الكتب العادية..

هياء: مشكلة؟.. مشكلة من أي نوع

أمين مبتسما: عندما كنت صغيراً تعرضت للمضايقة من زملائي في المدرسة بسبب القراءة

هياء وهي تضحك: ربما لأنك كنت دودة كتب مملة

أمين وهو يبتسم: ربما

هياء وهي تنظر حولها: لا أرى أي كتب هنا

أمين وهو يضع الكتاب الذي كان في حجره على المنضدة: مكتبتي ليست هنا

هياء وهي توجه نظرها نحو أمين: أين إذا

أمين: حيث كانت لسنوات.. في السرداب

هياء بقلق: سرداب

أمين: إذا وثقت بي يوما فسوف أريك إياها

هياء: ماذا تقصد: إذا وثقت أنا بك؟.. تقصد: إذا وثقت أنت بي

أمين: عندما تقبلين هديتك وقتها سأعرف أنك واثقة بي.

وجهت هياء نظرها للزهرة البنفسجية الجافة على الطاولة وبدأت تنظر إليها، وخلال نظرها طرق الباب تلاه صوت حليمة وهي تقول: سيدة هياء، لقد تأخرنا في العودة.. هل أنت بخير

هياء وهي تنظر ل أمين، وتقول بصوت مرتفع مسموع ل حليمة: أنا بخير يا حليمة، لا تقلي!.. عودي وسألحق بك بعد قليل

حليمة من عند عتبة باب المنزل: يمكنني الانتظار هنا لو رغبت

هياء وهي تمد يدها وتلتقط الزهرة البنفسجية الجافة وتستنشقها وعينها على أمين: لا!.. عودي لبوابة القصر وانتظريني هناك

حليمة وهي ترحل: أمرك يا سيدتي

أمين مبتسما: كيف وجدت عبقها

هياء وهي منبهرة: لم أستنشق عبيراً زكيا بهذا الجمال في حياتي.. كيف لزهرة جافة أن تحمل كل هذا الأريج

أمين وهو ينهض مبتسما: هل ترغبين في رؤية مكتبتي الآن

هياء وهي تضع الزهرة على الطاولة وتنهض مبتسمة: نظرة سريعة فقط

توجه الرجل المسن للمكان الذي أتى منه سابقا ولحقت به هيا

ء.؟؟؟.!!!؟.!.؟.؟.....؟ ؟.؟.؟.؟.؟.؟.؟؟..؟.؟...! أ؟؟..؟..؟ .!.......؟..؟.؟.؟..؟.؟؟؟...!.. ..؟..؟؟... .!.؟..!ر؟.؟!.؟!...!..!......؟.!..!؟....!.؟..!.!:..؟.!!..؟؟.؟.؟.... .؟..؟!.؟.....؟ 

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا