الفتاة التي قررت دفن قصتها
كان رجل أعمال مشهور وناجح، غير أنه كان مزواجاً مطلاقاً، يتواصل مع الحسناوات، ويتزوجهن سراً بمبالغ مالية كبيرة، لكن شرطه لذلك أن لا تنجب السيدة منه إطلاقاً، وقعت عيناه يوماً على فتاة بارعة الجمال، فتزوجها سراً بنفس الشرط، وأغدق على أهلها الكثير من المال، لكن الرجل تعلق بالفتاة، ورفض أن يطلقها كبقية نسائه، وبعد مرور ما يقارب العام على هذا الزواج أحست الزوجة بمظاهر الحمل، فخافت على نفسها وعلى جنينها، وأخبرت أهلها بالحمل، فطلبوا منها أن تكتم عن زوجها الخبر ريثما يتصرفون، وبالفعل مرت الأشهر التسعة عليها وهي في بيت أهلها، بعيدة عن زوجها، متعذرة بمرض معد أصابها، ولذا فإن الزوج ظل يحول لهم المصروف طوال الفترة، احتار الأهل ماذا يصنعون، وقد أنجبت ابنتهم طفلة جميلة، كأنها فلقة القمر؟ فاتصلوا بابنهم حمدان الذي يقيم في الكويت، وطلبوا منه زيارتهم، وفور وصوله أخبروه بالقصة، وبخوفهم من رجل الأعمال زوج أخته .. كان رأي الأهل أن يتخلصوا من الطفلة بأي طريقة، حتى ولو كان ذلك بقتلها ودفنها!!
حمل حمدان الطفلة بيديه، واستقل سيارته، وانطلق بها بهدف التخلص منها، لكنه حن عليها، وأشفق على براءتها وجمالها، فندم على نيته، وقرر أن يصحبها معه إلى الكويت، ويربيها كأحد أولاده، وهذا ما حدث بالفعل .. وبعد عودته إلى الكويت تفاجأت زوجته من البنت التي معه، فأخبرها بخبرها، وأنه أنقذها من الموت، فضمتها إلى أبنائها، وأطلقوا عليها اسم: "دلال"، وعاشت بينهم كأحد أفراد عائلتهم .. كان الحمدان طفل عمره 7 سنوات، أسمه فهد، و3 بنات، عاشوا جميعاً تحت سقف بيت واحد، لا يكاد يميز بينهم أحد، لكن بعد مرور الأيام بدأت تتضح الفروق الفردية بين البنات، فقد كانت دلال رائعة الجمال، ذكية، متفوقة في دراستها، على عكس بنات حمدان، وهذا ما أغاظ زوجته، فصارت تتأفف كلما سمعت إطراء لجمال دلال، أو أناقتها، أو قوة شخصيتها، أو ذكائها، أو تفوقها في دراستها .. ناهيك عن ملكة الشعر التي ظهرت مبكرة عليها، فصارت تلقي قصائدها الجميلة في المدرسة، وفي حفلات التفوق، وفي المسابقات .. كان فهد الابن الأكبر للعائلة يعرف قصتها، فأغرم بها، وأحبها، وسط رفض أبيه وأمه لهذه العلاقة .. وبعد نجاحها المميز في الثانوية العامة كانت تمنّي نفسها أن تدخل الجامعة، كغيرها من الفتيات، لكنها جوبهت برفض من قبل زوجة خالها ..
تقدم لها شاب كويتي، اسمه عزيز، فوافق حمدان فوراً، رغم وضع العريس السيئ، وعاش الزوجان سعيدان، يتبادلان الحب والاحترام، وأنجبت دلال من عزيز طفلا، ملأ حياتهما فرحاً غامراً وسعادة .. أما فهد، ابن حمدان، فقد استاء كثيراً من فقدان دلال، فقرر أن يترك الكويت، بعيداً عن عائلته، ويعود إلى بلاده، وهناك تورط في قضايا نصب واحتيال، فاضطر أبوه أن يسافر إليه ليساعده، ويكون بجانبه، أما أمه ففكرت أن تبعث برسالة استعطاف واسترحام للمتضررين من احتيال ابنها، وللضابط المسؤول عن القضية، ولما كانت "أخته" دلالي شاعرة، فقد كتبت قصيدة جميلة، تستعطف فيها الضابط، والمتضررين، بأسلوب رقيق وأخاذ ..
قرأ الضابط القصيدة، وكان مهتماً بالشعر والأدب، فتأثر بها كثيراً، وأعجبته كلماتها وأسلوبها، فوافق على المساعدة مقابل الزواج بصاحبة هذه الكلمات الرقيقة، ولما عرف أنها متزوجة في الكويت أخبرهم أنه يرغب بها إذا طلقت، فرحت زوجة حمدان بهذا العرض، فاجتمعت بدلال، وأخبرتها بأن طلاقها سوف يسهم بإخراج أخيها من السجن، وسيوفر لهم المال الكثير، والحظوة الاجتماعية، ويخلصها من حياة الفقر مع زوجها عزيز، رفضت دلال العرض؛ لأنها سعيدة مع زوجها وأبنائها، فاغتاظت الأم، وقررت أن تنتقم منها، فالتقت بعزيز، وأخبرته أن دلال زوجته ليست ابنتهم، وأنها ابنة حرام، أشفقوا عليها، وربوها بينهم ..
أحس عزيز بالخزي والعار، وركبه حزن عظيم، لكنه يحب زوجته، وليس لها ذنب فيما حصل، فلم يطلقها ويخرب بيته بيديه؟ اتفق هو ودلال أن يقطعوا علاقتهم بعائلتها، وأن يبدؤوا حياتهم من جديد، وهذا ما حصل بالفعل، وبعد مرور خمس سنوات كانت دلال قد أكملت دراستها، وأصبحت معلمة لغة عربية، ودخلت عالم السوشل ميديا، وأصبح لديها متابعون بمئات الألوف ..
وصلها اتصال من رقم غريب، كانت المتحدثة زوجة خالها حمدان، وهي تبكي، وتطلب منها أن تحضر إلى المستشفى؛ لأن حمدان بين الحياة والموت، ويريد مقابلتها، فأسرعت نحو المستشفى، فوجدت حمدان على سرير المستشفى، قد نال منه المرض .. اعتذر لها حمدان، واعترف لها بالحقيقة، وحكي لها قصتها كاملة، وطلب منها أن تسامحه وزوجته لاتهامها بأنها ابنة حرام .. توفي حمدان بعد أيام، أما دلال فقررت ألا تبحث عن والديها الحقيقيين، وأن تتابع حياتها مع زوجها وأبنائها، وأن تدفن قصتها إلى الأبد.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا