خرجت (دعجاء) من القصر وامتطت جوادها الذي أعدته للرحيل قبل دخولها على الوالي وخرجت من "هجر" متوجهة لأرض "اليمامة".
بعد أيام من المسير وصلت لوجهتها وقبل أن تدخل العاصمة باعت حصانها على الباعة الواقفين خارج السور والذين كانوا ينتظرون الإذن بالدخول مع القوافل الوافدة للمدينة واشترت بعض الملابس وقرأت طلسماً مكنها من تجاوز أسوار المدينة بسهولة.
عندما دخلت للمدينة اختارت ركناً في السوق ونامت فيه حتى الصباح ولم تستيقظ إلا على صوت الباعة والإبل المحملة بالبضائع والتي بدأت بالتوافد على المدينة من خارج السور وخلال دقائق اكتظ السوق بالناس وأصبحت تراقب المارة وتنصت لكلامهم وهي متخفية بهيئة امرأة فقيرة تشحذ في السوق. ظلت على هذا الحال لمدة أسبوع تقريباً حتى تمكنت من تحديد مكان (زرقاء) وأوقات خروجها للسوق مع بعض الحراس الموكلين بحمايتها من الحاكم ولاحظت أنها تسكن وحدها وأنها امرأة كبيرة في السن ناهزت الثمانين من العمر.
وفي اليوم الذي قررت فيه تنفيذ خطتها قامت (دعجاء) برمي نفسها تحت أقدام (زرقاء) وتبعها شخص استفزته قبلها بدقائق فقام بضربها أمامها فغضبت (زرقاء) وأمرت الحراس بإبعاد الرجل عنها فوجدت (دعجاء) فرصتها وأخذت تبكي وتقبل وتعانق (زرقاء) وتشكرها وقالت لها:
"أرجوك يا عمة اجعليني خادمة عندك أرد لك الجميل"
لم ترد (زرقاء) عليها لأنها لم ترد أن تكسر بخاطرها لكنها في النهاية وافقت على طلبها وأخذتها معها لمنزلها. خلال الطريق قالت (زرقاء}َ ما هو اسمك يا صبية؟
(دعجاء}َ.. (روضة) يا سيدتي..
(زرقاء}َ من أين أتيت يا (روضة)؟
(دعجاء}َ أتيت من شمال الجزيرة..
(زرقاء). ولكن المسافة طويلة من هنا إلى الشمال.. كيف وصلت ل "اليمامة"؟!
(دعجاء}َ كنت مع قافلة متوجهة إلى "اليمامة" وقد هجم علينا بعض قطاع الطرق ونهبوا القافلة وقتل الكثير ولم يبق منا إلا القليل تفرق أكثرهم في الصحراء.
(زرقاء}َ يمكنك البقاء معي لو أحببت وسأعتني بك..
(دعجاء) وهي تقبل يد (زرقاء}َ شكرا لك يا عمة
دخلت (دعجاء) لمنزل (زرقاء) وانبهرت لحجمه الكبير وفخامته لكنها تفاجأت بعد ذلك عندما اكتشفت أن (زرقاء) لم تكن تنام في أي من غرفه وكانت تقيم في غرفة بسيطة وصغيرة في الطابق السفلي. حينها أدركت أن (زرقاء) لها شأن عظيم بين قومها وكانت من الأثرياء لكنها لم تكن تحب العيش المرفه ولم تكن متزوجة أو لها أولاد لذلك كان من السهل عليها التقرب منها خلال فترة إقامتها معها وكسب ثقتها في وقت قصير. كان المنزل مليئاً بالحراس لكنه كان خالياً من النساء فلقد كان الخدم جميعهم من الرجال والغلمان ومع مرور الوقت زادت ثقة (زرقاء) بها وأخذت ترسلها إلى السوق لقضاء حاجيات المنزل وبدأت شيئا فشيئاً تسلمها أمور قصرها بالكامل بما في ذلك توجيه الحراس والخدم.
مضت الأيام والأسابيع والأشهر وأصبحت (دعجاء) المسئول الثاني في المنزل وتتحكم وتحدد من يدخل ويخرج منه و(زرقاء) كانت سعيدة جداً بها وباهتمامها بها وبشؤونها وشؤون المنزل وحرصها الدائم على إرضائها بأي شكل. بعد مضي ما يقارب نصف العام على بقاء (دعجاء) في المنزل دخلت (زرقاء) عليها في غرفتها يوماً وجلست بجانبها وأمرت حراسها بالخروج ثم قالت:
"اقتربي مني يا (روضة).."
دنت (دعجاء) منها وقالت: نعم يا عمة..؟
(زرقاء),َ أريد منك أن تأخذي هذا المال وتذهبي به إلى السوق وتأخذيه إلى تاجر مجوهرات يدعى (قبرص) وتدفعي له هذا المال وسوف يعطيك شيئا في المقابل ستحضرينه إلي.
(دعجاء),َ حاضر يا عمة..
توجهت (دعجاء) للسوق ومعها المال وقبل أن تصل لمحل التاجر (قبرص) وضعت بعض المال من جيبها الخاص مع الأموال التي أعطتها إياها (زرقاء) وعندما وصلت للمتجر سلمته المال كما طلبت منها (زرقاء) ثم مد لها كيساً كان يحتوي علي بعض المجوهرات وقال لها:
"هذه هي الأمانة لسيدتك"
همت بعدها بالرحيل فناداها التاجر وقال:
"انتظري هنا المال الذي أعطيتني إياه أكثر من الذي طلبته من السيدة (زرقاء).. تعالي هنا وخذي الفائض من المال"
(دعجاء),َ يبدو أن سيدتي فعلا بدأت تتقدم في العمر..
(قبرص),َ ماذا تقصدين؟
دعجاء),َ سيدتي تعاني منذ فترة من فقدان لذاكرتها بشكل متقطع وكذلك تتوهم رؤية أشياء ليس لها وجود
(قبرص),َ هذه أول مرة تخطيء فيها السيدة (زرقاء) في الحساب.. يبدو أن السن قد لحق بها وبدأت تعاني من الشيخوخة والخرف.
(دعجاء),َ التقدم في العمر لا يفرق بين أحد أيها التاجر.. عمت مساءً
رحلت (دعجاء) متوجهة للمنزل وعلى وجهها ارتسمت ابتسامة خبيثة. بعد وصولها مباشرة سلمت سيدتها المجوهرات التي أحضرتها من التاجر وقالت لها:
"أتفضلي يا عمة.."
(زرقاء),َ هل فتحت الكيس يا (روضة )؟
(دعجاء),َ لا..
(زرقاء),َ افتحيه واختاري لك شيئا منه..
ابتسمت (دعجاء) وفتحت الكيس ومدت يدها داخله واختارت خاتماً من ذهب ذا فصص أحمر..
(زرقاء),َ اختيارك جميل يا (روضة).. هذا الخاتم هدية مني لك.
(دعجاء) وهي تعانق (زرقاء}َ شكراً!
بعد تلك الحادثة أصبحت (دعجاء) تنشر الإشاعات عن تدهور صحة سيدتها وقللت عدد الزوار لمنزلها بهذه الحجة لدرجة أنها أمرت جميع الحراس داخل المنزل بالحراسة من الخارج وقلصت عدد الخدم ولم تبق إلا على عدد قليل من الغلمان. انتشر الخبر بين الناس خلال أيام أن (زرقاء) بدأت تفقد حواسها وقدرتها على التركيز مما جعل الناس يشفقون عليها ويدعون لها بالشفاء، وكل ذلك كان يحدث دون علم سيدتها التي لم تكن تخرج للناس كما كانت في السابق بسبب تلبية (دعجاء) لكل طلباتها وقضاء أمور يومها مما سهل عليها نشر تلك الشائعات وتأكيدها بين الناس. وعندما كان الناس يسألونها عن (زرقاء) كانت تقول:
"ما زالت على حالها فهي تفقد التركيز يوماً بعد يوم وأصبحت هذه الأيام تهذي بأمور غير صحيحة وأصبحت ترى وتتكلم عن أمور لا وجود لها.. ادعوا لها بالشفاء".
وعندما تمكنت من ترسيخ فكرة أن (زرقاء اليمامة) لم تعد كما كانت في السابق وأن الشيخوخة أثرت عليها وعلى عقلها قررت التحرك في خطتها التي رسمتها وهي فهم قدرة (زرقاء) على كشف الغزاة فتوجهت لغرفة سيدتها واستأذنت بالدخول عليها فأذنت لها وقالت:
"تعالي يا (روضة) واجلسي بجانبي.."
فجلست عند أقدام سيدتها وبدأت تمسح عليها وتقول:
أخبريني يا عمة.. كيف تستطيعين رؤية الغزاة القادمين إلى اليمامة) قبل أيام من وصولهم؟
(زرقاء),َ لم تسأليني من قبل هذا السؤال يا (روضة`ءء؟
(دعجاء) وهي مبتسمة وتدعك على قدم (زرقاء),َ
هذا السؤال يدور في خلدي منذ زمن طويل يا عمتي لكن لم أعد أستطيع أن أقاوم فضولي.."
(زرقاء) وهي تبتسم وتمسح على رأس (دعجاء),َ
هذه القدرة ورثتها عن أفي وأمي ورثتها عن جدتي من قبلها فنحن نستطيع أن نرى مسيرة ثلاثة أيام ولذلك تجديني أراقب المدينة كل يوم من سطح منزلي في الاتجاهات الأربعة وعندما أستشعر بالخطر أحذر أهل المدينة وتحديدًا قائد الجيش الذي يتولى مباغتة الغزاة قبل وصولهم لنا.
(دعجاء),َ ولكن كيف تستطيعين مراقبة الحدود من جميع الجهات طيلة اليوم ليلا ونهارًا أليس هذا الأمر شاقًا عليك؟
(زرقاء),َ لا أحتاج لذلك.. فأنا لا ألقي بنظري للأفق إلا مرة واحدة كل صباح وبهذه الطريقة أصيب تحركات الغزاة دائما لأن أغلب الجيوش لا تتحرك في الليل.
(دعجاء),َ اشرحي لي أكثر يا عمة..
(زرقاء),َ عندما أستيقظ فجرًا أوجه نظري للشمال وأحدق فيه لفترة ثم أوجه نظري للجنوب ثم الشرق ثم الغرب وأكرر هذا الأمر ثلاث مرات وبذلك يصعب على أي من الغزاة القادمين أن يصلوا إلى المدينة قبل ثلاثة أيام من مشاهدتي لهم مهما كانت سرعة سيرهم.
(دعجاء),َ معنى ذلك يا عمة أنك يجب أن تستيقظي كل صباح للقيام بهذه المهمة؟
(زرقاء),َ نعم بالتأكيد فأنا لم أفوت مراقبة منذ أربعين عامًا ولم أخطئ مرة واحدة..
بعد هذا الحوار قررت (دعجاء) في الصباح التالي الخروج بحثا عن المكان الذي يقيم فيه قائد الجيش وعندما حددت موقعه طلبت الإذن بالدخول عليه فدخلت ودار بينهما الحوار التالي:
(دعجاء),َ أرجو منك يا سيدي السماح لي بالحديث..
(قائد الجيش),َ ومن أنت؟
(دعجاء),َ أنا (روضة) خادمة السيدة (زرقاء)..
قائد (الجيش),َ وما الذي تريده السيدة؟
(دعجاء),َ أرسلتني سيدتي لأخبرك بأنها رصدت اليوم مجموعة من الغزاة قادمين من الغرب باتجاه المدينة وهم على بعد أيام من "اليمامة".
(قائد الجيش),َ متى أخبرتك بذلك؟!
فقالت: منذ قليل.. وقد أمرتني أن أحذرك فورًا..
فأمر قائد الجيش أن يتحرك فريق من المدينة لمواجهة القادمين من الغرب..
شكر القائد (دعجاء) وأمرها بتوصيل سلامه وشكره وتقديره لسيدتها فقالت:
"أمرك أيها القائد.."
رحلت بعد ذلك متوجهة لمنزل (زرقاء`ءء
في اليوم التالي توجه قائد الجيش إلى منزل (زرقاء) وطرق الباب ففتحت (دعجاء) واستقبلته وطلب منها مناداة سيدتها للحديث معها فاعتذرت من قائد الجيش وقالت له:
"سيدتي مريضة ولا تستطيع لقاءك الآن.."
قائد (الجيش),َ إذا ما سمعته كان صحيحًا؟
(دعجاء),َ ماذا سمعت؟
(قائد الجيش),َ سمعت أنها قد أصيبت بالوهن والشيخوخة وبدأت تفقد عقلها
(دعجاء),َ هذا هراء سيدتي سليمة وعقلها سليم!
(قائد الجيش),َ والدليل على ذلك أننا خرجنا بالأمس في الصحراء نبحث عن سراب
(دعجاء),َ ماذا نقصد؟
(قائد الجيش),َ الغزاة الذين شاهدتهم سيدتك يبدو أنهم في رأسها الخرف!
(دعجاء),َ أرجوك لا تقل هذا الكلام عن العمة (زرقاء)
(قائد الجيش) بغضب بعد ما وقف مستعدًا للرحيل: هذه هي الحقيقة وأنا كنت أتوقع حلول هذا اليوم!
خرج بعدها قائد الجيش من المنزل غاضبًا تاركاً وراءه (دعجاء) مبتسمة..
بعد مرور أيام بدأ الناس يتحدثون عن ما حدث بين (زرقاء) وقائد الجيش وقامت (دعجاء) بتأكيد القصص لمن سألها وأخذت تشرح لهم كيف أن سيدتها فقدت تركيزها وكيف أن الشيخوخة تمكنت منها وأن كلامها لم يعد موزونًا وعندما تيقنت بأن الناس اقتنعوا بكلامها وفقدوا الثقة ب (زرقاء) قررت الرحيل عن "اليمامة" لأن مهلتها مع حاكم "هجر" شارفت على الانتهاء. جمعت (دعجاء) حاجياتها وواعدت قافلة استعدادًا للرحيل. توجهت لخيمة (زرقاء) وقالت لها:
سيدتي (زرقاء) أرغب في الرحيل عن أرض "اليمامة".
(زرقاء),َ لماذا تريدين الرحيل يا (روضة)؟
(دعجاء),َ اشتقت لأهلي في الشمال وأريد زيارتهم وقد جمعت ما يكفي من المال لذلك واستأجرت قافلة لهذا الغرض.
(زرقاء),َ يعز على فراقك لكن إذا كانت هذه رغبتك فلن أمنعك.. لكن هل ستعودين إلى "اليمامة"؟
(دعجاء),َ نعم يا سيدتي فأنا لا يمكنني الاستغناء عنك...
عانقتها (زرقاء) وقالت لها:
"أتمنى لك رحلة موفقة وأن تصلي لأهلك سالمة وتكاليف قافلتك ستكون هدية مني لك"
توجهت (دعجاء) لبوابة المدينة وركبت مع القافلة المتوجهة ل"هجر"..
سارت القافلة بضعة أيام في اتجاه الشرق وكانت القافلة مكونة من فرس تركبها (دعجاء) وثلاثة جمال مزودة بالمؤن يقودها بعض العبيد. كانت القافلة تسير بعجالة حيث إن (دعجاء) كانت تملك وقتًا محدودًا لبلوغ "هجر" قبل انتهاء المهلة التي حددها الحاكم لها وعندما انتصف بهم الطريق سمعت صوتا يأتيها من الخلف يقول:
"توقفوا..!!"
وقبل أن تلتفت (دعجاء) لمصدر الصوت أصيبت الفرس التي كانت تمتطيها بسهم مما أدي لوقوعها ووقوع (دعجاء) على رأسها وفقدانها للوعي. استيقظت بعدها بفترة وجيزة لتجد بعض قطاع الطرق ينهبون القافلة بعد ما قتلوا العبيد وربطوها وكمموا فمها مما منعها من استخدام طلاسمها عليهم وبعد ذلك اقتادوها معهم لمنتصف الصحراء وقاموا بضربها حتى أغمي عليها لأن العرب في تلك الفترة كانوا يتشاءمون من قتل النساء في الصحراء لذا تركها قطاع الطرق بهذا الحال لتموت واحدها. رحل الرجال عند الغروب تاركيها مربوطة ومكممة ومصابة بالرضوض والجروح جراء الاعتداء عليها ومع تقدم الليل بدأت تسمع أصوات دواب الصحراء التي جذبتها رائحة الدم وهي تقترب لافتراسها.
خلال انتظار (دعجاء) لحظات الموت الشنيعة أغمضت عينيها في لحظة استسلام ويأس من النجاة عندما أدركت أن نهايتها قد حانت واقتربت لكنها سمعت صوتاً خافتاً يقول:
"هل استسلمت يا ابنة وصبان؟"
فتحت (دعجاء) عينيها لكنها لم تر شيئا فظنت أنها بدأت تتوهم ودخلت في سكرات الموت فأغمضت عينيها مرة أخري فتكرر الصوت نفسه وقال:
"هيا يا (دعجاء).. ما زال أمامك الكثير لتقومي به"
فتحت عينيها مرة أخرى لكن هذه المرة تيقنت أنها لم تكن وحدها وحاولت البحث بنظرها في الظلام الدامس عن مصدر الصوت لكنها لم تستطع رؤية شيء خاصة وأن إحدى عينيها قد تورمت جراء ضرب الرجال لها خلال الاعتداء عليها. حاولت النهوض والجلوس كي تركز وتمعن النظر في المكان حولها وخلال نهوضها أحست بيد تساعدها على النهوض مما جعلها تفزع وتتلفت حولها يمينًا ويسارًا بحثا عن من يحوم حولها. وفي النهاية ظهر لها رجل وجلس أمامها مبتسمًا يحدق بها، وبعد فترة وجيزة تكلم وقال:
"يبدو أنك تحتاجين لمساعدة.."
ثم مد يده ونازع الكمامة التي كانت تسد فمها وبمجرد نزاعها تكلمت (دعجاء) وقالت:
من أنت وماذا تريد منى؟!
فلم يرد الرجل وظل يحدق بها مبتسمًا..
فقالت له: من تكون وكيف وصلت إلى هنا؟
ظل الشخص صامتًا لفترة يراقبها ويراقب جروح جسدها والحالة التي كانت فيها ثم خرج عن صمته وقال:
ألا ترغبين بالعودة إلى "هجر" فالوقت يمضي ولم يبق معك إلا أيام معدودة؟
(دعجاء}َ ماذا تريد مني؟
(الرجل}َ بل أنت ماذا تريدين مني؟
(دعجاء),َ أن تحرر في طبعا وتطلق سراحي
(الرجل),َ وما هو المقابل؟
(دعجاء),َ ماذا تريد؟... هل تريد جسدي؟ أنا لا أملك سواه..
فضحك (الرجل) بقوة وقال:
لو كنت أريد جسدك لما طلبته منك وأخذته عنوة!
(دعجاء),َ ماذا تريد إذًا؟
(الرجل),َ أريد منك معروفًا..
(دعجاء),َ وما هو هذا المعروف؟
(الرجل),َ لن أطلبه اليوم ولكني سأطلبه منك يوماً ما وعندما أطلبه سوف تنفذينه دون سؤال.. هل أنت موافقة؟
(دعجاء) دون تردد: لك ذلك..
قام الرجل بفك قيودها وتحريرها وبمجرد أن انتهى وقف على قدميه ورحل..
بقيت (دعجاء) وحدها في الصحراء بلا طعام أو ماء أو دابة لتركب عليها وخلال ساعات أشرقت الشمس وبدأت حرارة المكان في الازدياد. تمكن التعب والإرهاق والإعياء منها فسقطت على الأرض وغطت في نوم عميق. استيقظت بعدها عند المغرب على صوت يخاطبها ويقول:
"هل استسلمت يا ابنة وصبان؟"
فتحت (دعجاء) عينيها لتجد الشخص نفسه الذي حررها ليلة البارحة يجلس أمامها مبتسمًا ويقول:
"هيا يا دعجاء.. ما زال أمامك الكثير لتقومي به"
نهضت ووضعت عينها في عين الرجل المبتسم وقالت له والإعياء قد تمكن منها:
من أنت؟
فقال (الرجل) مبتسمًا: أنا هنا لأساعدك...
(دعجاء),َ كيف ستساعدني هذه المرة؟
(الرجل),َ أنت تحتاجين للماء والطعام ودابة تعودين عليها ل"هجر"..
(دعجاء),َ يا ليتني أتقنت طلاسم الانتقال وقتها لم أكن لأحتاج أحدًا..
ضحك (الرجل) بقوة وقال: هل تريدين مساعدتي أم لا؟
(دعجاء). وطبعا هذا المعروف لن يكون بالمجان؟
(الرجل),َ سيكون المقابل معروفا آخر أطلبه منك عندما أشاء.. فقالت: لك ذلك..
أشار الرجل بإصبعه للأفق وقال:
"امشي في هذا الطريق مسيرة نصف يوم يا ابنة وصبان وستجدين واحة من النخيل وفيها فرس بيضاء.. اشربي من مائها وكلي من بلحها وامتطي الفرس وعودي ل "هجر"
تحركت (دعجاء) بالاتجاه الذي أشار إليه الرجل وبحلول الصباح وجدت الواحة كما أخبرها فاندفعت نحو الماء واغتسلت وشربت منه ثم تناولت من ثمار نخيلها وتزودت منها ما يكفي لرحلتها وبعد ذلك توجهت للفرس البيضاء التي كانت تقف في الواحة بلا سرج وأمسكت بها وركبت عليها وبدأت بالتوجه نحو "هجر".
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا