دعجاء هجر وزرقاء اليمامة من سلسلة بساتين عربستانالجزء الأول 4 للكاتب أسامة المسلم

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2024-07-04

دعجاء هجر وزرقاء داليمامة
رسول يجري مسرعاً على ظهر جواده المرهق من السفر.. يحاول الوصول لمشارف واحة "هجر" قبل حلول المساء.. ثلاثة خيول في الاتجاه المعاكس تقابله وتقطع طريقه وتأمره بالوقوف فوراً..
(الفارس الأول),َ توقف!.. إلى أين تتجه؟ 
(الرسول),َ لأرض النخيل! 
(الفارس الثاني),َ عد من حيث أتيت فأنت غير مرحب بك! 
(الرسول),َ كيف علمتم بقدومي؟ 
(الفارس الأول),َ (دعجاء) أخبرتنا بقدومك! 
(الرسول),َ إذا فيما سمعته كان صحيحاً؟ 
(الفارس الثالث),َ وماذا سمعت؟
(الرسول),َ أن (دعجاء ابنة وصبان) صاحبة نبوءات..
(الفارس الأول),َ وما شأنك أنت بذلك؟ 
رمى الرسول كيساً من القطع الذهبية على الأرض وقال: 
خذوني إليها وإلي حاكمكم ويصبح هذا الكيس لكم 
أخذ الفرسان الكيس وتشاوروا فيما بينهم وقرروا أخذ الرسول للحاكم. بعد مسيرة نصف يوم وصلوا ل "هجر" وفتحت لهم أبوابها المؤصدة وقاد الحراس الرسول لقصر الحاكم ودخلوا عليه وقالوا: 
رسول يطلب مقابلتك يا مولاي.. 
(الحاكم),َ ومن يكون هذا الرسول ومن أرسله؟ 
(الرسول),َ أسمح لي بالحديث يا سيدي
(الحاكم),َ أذنا لك.. تكلم 
(الرسول),َ أنا رسول من (حمير) ونريد أن نستعين ب (دعجاء" خادمتكم المطيعة لنصرتنا على قوم (جديس)
(الحاكم),َ وما الذي يمكن أن تقدمه (دعجاء) لكم يا بني (حمير)؟
(الرسول),َ بنو (جديس) يرون من يغزوهم على بعد مسيرة ثلاثة أيام مستعينين ب(الزرقاء) لذلك فشلت كل محاولاتنا للهجوم على قلاعهم وقد سمعنا أن (دعجاء هجر) تملك قدرات خاصة وصاحبة نبوءات وكنا نريدها معنا في غزوتنا التالية لترصد لنا تحركات ال (زرقاء) 
(الحاكم),َ أليس بنو (جديس) هم من يحكمون ال "اليمامة"؟ 
(الرسول),َ بلى يا سيدي. 
(الحاكم),َ بيني وبينهم عهد لا يمكن أن أنكثه مهما كان الثمن... 
(الرسول),َ وماذا عن عهدكم وولائكم لبني (حمير)؟ 
(الحاكم),َ باقٍ وسيبقى.. نحن شعب مسالم نعادي من يعادينا فقط
(الرسول),َ ولكن يا سيدي.
(الحاكم). انتهى الحديث.. أنت ضيفي ما بقيت في "هجر" وغير ذلك فلا تطلب!
(الرسول),َ أمرك..
خرج الرسول من قصر الحاكم وخيبة الأمل مرتسمة على وجهه وركب جواده مستعداً للرحيل فناداه أحد الحراس وقال له: 
"إلى أين.. لقد وصلت للتو من رحلة سفر طويلة ويجب أن ترتاح قليلا والحاكم عرض عليك الضيافة في قصره؟"
(الرسول),َ ليس لدي وقت أضيعه في الراحة فقبيلتي تنتظر رداً مني وكنت قد وعدتهم ب (دعجاء هجر) وأنا لأن سأعود خالي الوفاض..
(الحارس),َ هل تملك مزيداً من الذهب الذي أعطيت منه للفرسان؟ 
(الرسول),َ هل تنوي سرقتي؟ 
(الحارس),َ وهل جننت كي أسرق ضيف الحاكم؟ 
(الرسول). لماذا تسأل إذاً؟ 
(الحارس),َ بمقابل معقول من الذهب يمكنني أن أرتب لك لقاء مع (دعجاء) لكني لا أعدك بشيء 
نزل الرسول عن صهوة جواده بسرعة وأخرج كيساً من الذهب من متاعه المعلق علي سرج الحصان ومد الكيس وقال:
خذني إليها! 
أخذ الحارس الكيس ووضعه في جيبه بسرعة وهو يتلفت يميناً ويساراً وقال بصوت منخفض:
كن هنا الليلة وسوف آخذك إليها! 
فرح الرسول وعاد للقصر وأقام في أحد الأجنحة الملكية التي أعدت له. حل المساء وتوجه للمكان المتفق عليه وانتظر هناك لدقائق قليلة حتى ظهر له الحارس وأشار له بيده كي يتبعه، مشى الاثنان بين الأزقة المظلمة مسافة طويلة أخذتهما بعيداً عن القصر مما جعل الرسول يتوجس ريبة منه وعن ما إذا كان يريد سرقة ما معه من ذهب لكن شكوكه تبددت عندما وصلا لبيت قديم من طين فتحه الحارس وأشار له بالدخول وقال:
السيدة (دعجاء) تنتظرك بالداخل..
دخل الرسول في باحة المنزل وسمع نداء يأتيه من إحدى الغرف المجاورة والتي كانت مضيئة. توجه للغرفة بحذر ليرى أمامه فتاة في أول العشرين من عمرها شديدة الجمال واسعة الأعين حادة الخطوط والملامح تلبس رداء أسود مطرزاً بالذهب وقد كان يغطيها من رأسها إلى أخمص قدميها بالرغم من أن أغلب صدرها كان مكشوفاً له. بلع ريقه وجلس أمامها وقال:
هل أنت (دعجاء)؟
(الفتاة),َ وصلت.. ما هو مرادك؟
(الرسول),َ ...
(دعجاء),َ ما بك.. تبدو مرتبكاً أيها الرسول؟
(الرسول),َ بصراحة لم أتوقع أن تكوني بهذا العمر أو بهذا الجمال.. 
(دعجاء) وهي تبتسم: وماذا توقعت؟
(الرسول),َ توقعت عجوزاً شمطاء تتكئ علي عصا خشبية.
ضحكت (دعجاء) بصوت عال وقالت: 
ليست كل الساحرات كما تتصور.. أفصح عن ما عندك فليس لدي وقت كثير ويجب أن أعود لقصر الحاكم قبل الفجر. 
حكي الرسول الغرض من زيارته وحكي لها عن (زرقاء اليمامة) وعن قدرتها التي منعتهم من الانتصار علي بنو جديس فقالت: 
أستطيع مساعدتكم لكن بطريقتي وشروطي.. 
(الرسول),َ أطلبي ما تشائين من الأموال!
(دعجاء),َ لا أريد مالاً. 
(الرسول),َ ماذا تريدين إذاً؟!..
(دعجاء),َ قبل أن أخبرك بها أريد يجب أن تدرك أن المسألة ستستغرق عاماً كاملا فهل لديك أنت وشعبك هذا الصبر؟
(الرسول),َ نحن نحاول غزو بني (جديس) لثلاثة أعوام دون نتيجة ولا أظن أن عاماً آخر سيضرنا لو تحقق النصر
(دعجاء),َ بعد انقضاء العام سوف أرشدكم للسبيل للتغلب على (زرقاء) وقومها لكن مكافأتي يجب أن تحضرها لي بنفسك بعد انتصاركم ودخولكم "اليمامة".
(الرسول),َ وما هي هذه المكافأة؟ 
(دعجاء),َ عيناها على طبق من فضة.. 
(الرسول),َ عيناها؟ 
(دعجاء),َ نعم.. هل هناك مشكلة؟ 
(الرسول),َ لا أبداً.. اتفقنا
(دعجاء),َ ارحل من "هجر" الليلة وبعد عام من اليوم قابلني خارج أسوار المدينة عند الغروب وسوف أخبرك بطريقة النصر على قوم (جديس).
خرج الرسول من المنزل متوجها للقصر ليستعد للرحيل من المدينة وتبعته بعدها (دعجاء) للقصر..
رحل الرسول عائداً لدياره مع بزوغ الفجر وبعدها بأيام استأذنت (دعجاء) للدخول على الحاكم فأذن لها وقال:
"ما خبرك يا (دعجاء)؟" 
(دعجاء),َ سيدي الحاكم أريد أن أستأذنك بالرحيل لمدة عام 
(الحاكم),َ إلى أين يا (دعجاء)؟
(دعجاء),َ كما تعرف أنا هنا في "هجر" منذ نعومة أظافري وبعد وفاة أبي لم أتواصل مع أهلي ولم أرهم وقد زاد علي الحنين لهم لذا أستأذنك في زيارتهم والعودة بعد عام.
سكت الحاكم قليلاً ثم قال: 
هل لرحيلك علاقة بزيارة رسول (حمير)؟ 
(دعجاء),َ المعذرة يا مولاي.. عن ماذا تتحدث؟ 
(الحاكم),َ أذنت لك بالرحيل يا(دعجاء) ولكن لو زدت على العام يوماً واحداً فلن يكون مرحباً بك في "هجر"..
(دعجاء),َ عام واحد فقط..
(الحاكم}َ لك ذلك..
 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا