الأمير الأزرق
الجن الأزرق شعب معروف بين قبائل الجن بمقدرتهم العالية على إيجاد المفقودين وتحديد أماكن من يهرب أو يختفي بلا أثر وكان السحرة يستعينون بهم كثيرا لهذا الغرض على مر التاريخ حتى أن بعض قبائل أين تستعین مهم للغرض نفسه لکن خدماتهم لیست بلا مقابل فهم شعب فخور بعرقه وسلالته النقية ولم يخالطوا أعراقا أخرى من الجن لنسب أو غيره.
كان زعيم هذه القبيلة يسمى (وندل) وكان له من الأبناء ثلاثة وهم (فردك) الابن الأكبر و(أزرق) الابن الأوسط و(قيرن) الابنة الصغرى وكان أبوهم فخوراً بأبنائه جداً ويعتز بولائهم له ويتفاخر بهم أمام شعبه دائما. وفي قمة مجد مملكة الجن الأزرق تواصل أحد السحرة من أهل "بابل" وكان يدعى (عقربة) مع الزعيم (وندل) وهذا لا يحدث إلا مع السحرة المسموح لهم بذلك والذين لهم شأن كبير، وطلب الساحر من (وندل) إيجاد شخص مفقود وسوف يقدم له الساحر كل ما يطلب لإيجاده ولأن (عقربة) مقرب من الزعيم (وندل) قرر إرسال ابنه (أزرق) في هذه المهمة كي يضمن نجاحها بأسرع وقت فلقد كان (أزرق) أفضل من في شعبه في هذه الأمور. توجه (أزرق) لمنزل الساحر فوراً بعد تلقيه الأمر من أبيه وحضر أمامه وقال:
من هو الشخص الذي تريد مني إيجاده يا (عقربة)؟
(عقربة): تاجر أقمشة معروف في "بابل" اختفى منذ شهر في ظروف غامضة وعائلته وبالرغم من كل وسائل البحث عنه لم نجد له أثراً..
(أزرق): هل أحضرت أثره؟
(عقربة) وهو يمد قطعة من ملابس التاجر: نعم..
(أزرق): خلال ساعات سيكون التاجر عندك
(عقربة) وهو يبتسم: أنا واثق من ذلك يا ابن (وندل)
اختفی (أزرق) وکما قال وخلال ساعات عاد ومعه التاجر ووضعه بين يدي الساحر وقال:
هذا هو التاجر المفقود..
(عقربة): أحسنت يا (أزرق) لم تخب ظني
(أزرق): اصرفني كي أعود لقبيلتي
(عقربة) مبتسم بخبث: ولم العجلة؟
(أزرق): لقد أتممت مهمتي ويجب أن أعود
(عقربة): أحتاجك لأمر آخر..
(أزرق): ليس من حقك أن تطلب منى طلباً آخر.. إذا كنت تريد شيئاً آخر فيجب أن تأخذ الإذن من أبي
(عقربة): ومن قال إني أحتاج لأبيك؟
وبدأ الساحر يتمتم بطلاسم قوية ربطت أزرق في مكانه وأنزلته على رکبه...
(أزرق): ماذا تفعل أيها الأحمق؟!.. ألا تعرف أنا ابن من؟!
(عقربة): ابن (وندل) زعيم الجن الأزرق والذي يفخر بأنه لم يفشل في مهمة من قبل..
(أزرق): وهل أنت مجنون لتنقلب على الجن الأزرق؟!
(عقربة): بل أنت من سينقلب عليهم..
أخرج (عقربة) خنجراً من جيبه وطعن التاجر وقتله..
(أزرق): ماذا تفعل أيها الساحر المجنون؟!
(عقربة) وهو يمسح الدماء من على السكين: لا تقلق كل شيء يسير على ما يرام..
قرأ (عقربة) طلاسم أفقدت (أزرق) وعيه..
استیقظ (أزرق) لیجد نفسه في کهف عمیق وهو مکبل بقیود مسحورة لا يمكنه الإفلات منها فبدأ بالصراخ لكن لم يستجب له أحد. بقي (أزرق) في الكهف أعواماً طويلة يزوره الساحر (عقربة) فيها بين فترة وأخرى ليلا ليرمي له بعض العظام والماء ويفك بعض قيوده ليمكنه من الأكل والشرب ومهما حاول الحديث مع الساحر إلا أن الساحر لم يكن يرد عليه ويكتفي بالابتسام. وفي يوم كان القمر فيه مكتملاً دخل الكهف شاب صغير لم يتجاوز عمره الاثنتي عشرة سنة فصرخ (أزرق) وقال له:
"خلصنی یا فتی ولك ما شئت!!!"
لكن الفتى هرب من شدة الخوف ولم يعد إلا بعد أيام فعاود (أزرق) نداءه للفتى الذي خاف مرة أخرى لكنه لم يهرب وقال:
من أنت..؟
(أزرق): أنا (أزرق ابن وندل) أمير من أمراء الجن الأزرق ومحبوس هنا منذ أعوام وأريد الخلاص..
(الفتى): وما هو الجن الأزرق؟
(أزرق): خلصني یا فتی ولك ما شئت...!
(الفتی): کیف أخلصك؟
(أزرق): اقرأ طلسم التحرير على قيودي..
(الفتی): ما معنی طلسم؟
(أزرق): هل أتيت هنا وحدك؟
(الفتی): نعم
(أزرق): هل مدينتك قريبة؟
(الفتی): نعم
(أزرق): اذهب لمدينتك وأحضر لي أي ساحر!
(الفتی): ساحر؟
(أزرق): نعم ساحر.. ألا تعرف ما هو الساحر؟
(الفتی): بلی أعرف معنی ساحر لکن مدینتنا لیس بها سحرة
ضحك (أزرق) وقال: كل مدينة فيها سحرة..
(الفتی): وکیف أجده؟
(أزرق) وقد بدت عليه خيبة الأمل: لا أعرف.. لا أعرف
(الفتى): سأحاول من أجلك
(أزرق): شكرا أيها الصبي.. وتذكر أن لا تقوم بزيارتي عند اكتمال القمر
(الفتی): لماذا؟
(أزرق): لأن الساحر الذي قيدني يأتي مرة في الشهر عند اكتمال القمر
(الفتی): لماذا؟
(أزرق): أكون فيها في أضعف حالاتي..
(الفتي): حسناً.. سوف أبحث لك عن ما تريد ولن أعود إلا ومعي ساحر ليحررك
خرج الصبي من الكهف وغاب عدة أشهر ثم غاب لسنوات وحينها بدأ اليأس يدب في قلب (أزرق) وأدرك أن الصبي لن يعود. وفي ليلة من ليالي اكتمال القمر دخل الساحر (عقربة) الكهف وبدأ كعادته برمي العظام ووضع الماء بجانب (أزرق) حينها صرخ بقوة شديدة وقال:
لماذا لا تقتلني يا(عقربة)؟!
ولأول مرة منذ سنوات يرد الساحر ويقول:
ولماذا أقتلك؟.. أنت مفيد لي ما دمت حياً
(أزرق): ماذا تقصد؟
(عقربة): أظن أنني يمكن أن أخبرك اليوم عن ما حدث فلقد تحقق ما أريد ومضت سنوات طويلة على الأمر..
(أزرق): أخبرني.. لماذا فعلت بي ذلك؟
(عقربة): شعبکم تسبب لنا نحن السحرة بالكثير من المشكلات وثقة الناس بکم جعلتهم یتعلقون بکم دون غیرکم من شعوب الجن والشياطين لذلك كان لابد من ضرب هذه المصداقية والثقة في عقر دارها كي يخاف الناس من التعامل معكم وتعود الهيبة لبقية شعوب الجن والسحار.
(أزرق): ما هذا الكلام الفارغ؟
(عقربة): كلامي الفارغ جعل أهل وعشيرة التاجر الذي قتل وتعلق دمه برقبتك تشحذ كل طاقتها وأموالها لتسخير أقوى السحرة والشياطين لضرب بني جنسك والانتقام له.
(أزرق): ماذا تقصد؟
(عقربة): بعد مقتل التاجر أخذت جثته لأهله وأخبرتهم أن الجن الأزرق قتلوه فطلبوا مني الانتقام له وزودوني بكل الأموال التي كنت أحتاجها لحشد جيش من السحرة والجن والشياطين لإبادة عرقكم بالكامل.
(أزرق): وكيف لم يجدني شعبي هنا؟.. نحن متخصصون في إيجاد كل مفقود؟
(عقربة): لقد نشرت خبر هروبك واحتمال موتك وخبأتك في هذا الكهف وربطت مدخله بطلسم لا یقوی أی فرد من شعبکم علی اختراقه أو معرفة ما فيه.
(أزرق): ولماذا لم تقتلني وتتخلص مني؟.. لماذا أبقيتني حيا؟
(عقربة): صدقني كنت أتوق لذلك لكن قبائل الجن رفضت التعرض لأفراد الأسرة الحاكمة في قبيلتكم واكتفت بإبادة شعبكم فقط.
(أزرق): هل تقصد أن شعب الجن الأزرق أبيد؟
(عقربة): لم يبق منكم إلا من استطاع الهرب وأبوك (وندل) وإخوتك في الأسر.
(أزرق): وأين هم مأسورون؟
ضحك (عقربة) وقال: لن تعرف ولن أخبرك وعلي أي حال جنسكم أصبح عملة نادرة وذا قيمة عالية، أنا أنوي بيعك قريبا لأحد السحرة
(أزرق): أنا لست بعبد!!.. أنا أمير عشيرة الجن الأزرق!!
(عقربة): عشيرتك انتهت وما تبقی منکم مطارد کي یؤسر ویسخر لخدمة من يدفع أكثر وأنت يا (أزرق) الأفضل بينهم.
(أزرق): لو تحررت فسوف أقتلك!
(عقربة): لن تتحرر أبداً وسوف تكون تحت رحمة طلاسمنا مدى حياتك.. يقال إن الجن الأزرق يعمر أكثر من غيره من بني الجن.. سنری کم من العمر ستبقی..
خرج (عقربة) من الكهف وترك (أزرق) حزيناً على حاله وحال شعبه المنكوب، وخلال حزنه دخل شاباً في العشرين من عمره للكهف وقال:
کیف حالك یا ازرق؟
(أزرق): من أنت؟
(الشاب): أنا الفتى الذي وعدك بأن يحررك..
(أزرق) وهو یبتسم: لقد كبرت كثيراً يا فتي..
(الشاب): أعتذر يا (أزرق) لأني غبت طيلة العشر السنوات الماضية لكني لم أستطع أن أجد لك ساحراً يصدق كلامي ويأتي معي بل إن بعضهم اتهمني بالكذب وقال إن الجن الأزرق انقرضوا جميعا لكني لم أنس وعدي لك!
(أزرق): واليوم؟.. هل وجدت من يحررني؟
(الشاب): نعم..
(أزرق): أين هو؟ لا أرى معك أحداً؟!
(الشاب): أنا من سيحررك
(أزرق): أنت؟.. لكنك لست بساحر
(الشاب): لقد بدأت بتعلم السحر منذ خمس سنوات لأجلك وقد تعلمت طلسم التحرير منذ وقت قريب
(أزرق): لماذا فعلت ذلك بنفسك؟
(الشاب): فعلت ماذا؟
(أزرق): تدخل عالم السحرة وترمي بحياتك بين الشياطين
(الشاب). سوف أتخلى عن هذا العالم بمجرد تحريرك
(أزرق): هذا العالم لا يمكن الخروج منه بسهولة
(الشاب): هل تريد أن أحررك أم لا؟
(أزرق): حررني..
بدأ الشاب بقراءة طلسم التحرير الذي تعلمه على القيود لكنها لم تنفك فوقف مستغرباً وقال:
لا أفهم ما يحدث يبدو أني أخطأت في الطلسم..
(أزرق): الطلسم صحيح لكنه ليس قوياً بما يكفي لتحريري فطلاسم التحرير كثيرة وقيودي تحتاج لطلسم أقوى من هذا..
(الشاب): وأين أجد مثل هذا الطلسم؟
(أزرق): سافر لجنوب البلاد. أقصى الجنوب.. وستجد مبتغاك..
(الشاب): أعدك يا (أزرق) أني سأعود بطلسم تحريرك يوماً ما..
(أزرق): أشكرك أيها الفتی...
رحل الفتى ومضى شهور على رحيله وفي ليلة كان القمر فيها مكتملا دخل (عقربة) الكهف ومعه ساحر آخر وقال:
انظر بنفسك.. جني أزرق حقيقي وبصحة كاملة تعجب الساحر الأخر وقال:
فعلا.. كنت أظنهم انقرضوا
ضحك (عقربة) وقال:
هل اتفقنا؟ مد الساحر الآخر يده وصافح (عقربة) مبتسما وقال: اتفقنا!
بدأ بعدها بقراءة طلاسم أفقدت (أزرق) وعيه..
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا