- حسناً، ولكن لا توقف العداد حتى تستلم أجرتك! أنت تعرف التعليمات!
- نعم يا سيدي! أمرك يا سيدي!
قال السائق وهو يأتي بحركة بذيئة باتجاه لوحة القيادة، ثم استدار إلى الحفار فانتبه لفزعه ونظراته الزائغة وانفجر ضاحكاً..
- ألم تر جهاز لاسلكي من قبل؟
- جهاز ماذا؟
- لا سلكي، وأشار إلى شيء مربع الشكل وتشع منه أنوار زرقاء مثبت في لوحة القيادة على يمينه..
- إني أعمل في شركة للتاكسي وهذا اللاسلكي هو وسيلة الاتصال بيني وبين الشركة، إنهم يستخدمونه لمتابعة تنقلاتي وإحصاء الأجرة التي أجمعها كل يوم.
- وهل بإمكانهم رؤيتك؟
ضحك السائق مرة أخرى:- لا يا صديقي الأحمق! لكنهم يفتحون الخط بين حين وآخر لمحادثتي إذا كانوا يحتاجون لإرسالي لتوصيل راكب ما، أو للتأكد من أنني لا أستغل سيارتهم لنقل الركاب لحسابي الخاص.
استمر بصمته فلم يكن يعرف ما يقول، وكان يخشى أن يفضح ما يقوله جهله المخجل ويجعل السائق يضحك عليه من جديد.
- إنهم يحاولون أن يوهموني أنهم يعلمون كل ما أفعل، أكمل السائق:- فهم يحصون المسافة التي تقطعها السيارة كل يوم والمتبقي في خزان البنزين ويقارنون ذلك بالمبالغ التي أسلمها لهم، لكنهم يحلمون إن ظنوا أنهم يستطيعون التحكم بي، فقد تعلمت كيف أخدعهم بالتظاهر بأني أدور في الشوارع لساعات بحثاً عن زبائن وإعادة ملء خزان البنزين إلى الحد الذي يوهمهم بصدقي، في حين أني لا أدفع لهم إلا جزءاً زهيداً من المبالغ التي أجمعها، وإذا استمريت على هذا المنوال فسوف أتمكن من شراء بيت في بلدنا عما قريب.
- بيت! حقاً؟ شهق متعجباً..
- طبعاً! ماذا تظن إذن؟ أليس هذا ما جئنا هذا البلد لأجله؟ لنجمع كل ما نستطيع من مال ونعود إلى بلدنا أغنياء؟
لم يحر جواباً، فقد كانت أقصى أمانيه أن يتمكن من سداد ديونه والخلاص من إلحاح الدائنين على أهله الذي كان يسيطر على معظم أحاديثه القليلة مع أبويه وزوجته.
انشغل بتأمل الطريق ليخفي حيرته، وازداد إكباره للسائق، كان يظن أن عمله صعب، ولكن حديثه مع السائق جعله يدرك أن هناك أعمالاً أصب يقوم بها مواطنوه في هذا البلد، أعمال ربما لا يستطيع هو القيام بها، فلن يتمكن أبداً من قيادة السيارة بهذه المهارة والتعرف على هذه الطرق التي تبدو بلا نهاية والحديث والتدخين في نفس الوقت، وهذا عدا التمكن من خداع مخدوميه وإخفاء سرقاته كل يوم، لا عجب إذن أنه يجني أموالاً أكثر منه.
- هل كنت تعني ما تقول حين طلبت مني أن آخذك إلى مكان مزدحم بالناس؟ سأل السائق..
- نعم أرجوك، أريد أن أرى أكبر عدد ممكن من الناس، أشتاق إلى رؤية وجوه جديدة وسماع أصوات البشر.
أفلتت منه تلك الكلمات قبل أن يستطيع منعها فسأله السائق متعجباً:
- لكن لماذا؟ ألا ترى الناس حيث تعمل؟ وماذا عن سكنك؟ ألا يوجد من يؤنسك في بيتك؟ آه لقد نسيت أن أسألك ماذا تعمل؟
والآن ماذا يفعل؟ لقد أوقعه غباؤه ولهفته في المأزق الذي كان يحاول تجنبه! ماذا عساه أن يقول؟ هل يخبره بأنه يعمل حفاراً للقبور؟ وماذا ستكون ردة فعله؟ لا بد أنه سيشمئز منه مثل كل الناس وربما حتى ألقاه في الشارع!
تلعثم محاولاً إيجاد الجواب:- أنا........ إني... إني أعمل في.... في..
فاجأته نوبة من السعال خلها ارتباكه لتنقذه من تلعثمه..
- لابد أنك تعمل في أحد البيوت التي وجدتك تسير قربها!
- أجل! أجل! هذا صحيح! رد بلهفة، وتصنع الاستمرار في السعال ليتهرب من أي تفاصيل أخرى لم يكن يعرف من أين يأتي بها.
- لا يمكن أن تكون تعمل سائقاً فمن الواضح أنك تجهل القيادة، أكمل السائق افتراضاته:- إذن لا بد أنك تعمل خادماً!
- هذا صحيح! هذا صحيح!
ابتلع ريقه وتنهد بارتياح وهو يحس بأنه خرج من المأزق.
- لقد فهمت الآن سبب لهفتك لرؤية الناس، لا بد أنك تتولى رعاية أحد كبار السن الذين لا يريد أهلهم تضييع وقتهم بالاعتناء بهم، وبنفس الوقت لا يريدون مواجهة انتقادات الناس لو رموهم في دار لرعاية المسنين.
كان قد قرر ترك السائق يسترسل في استنتاجاته الخيالية دون أي اعتراض فاكتفى بهز رأسه.
- هل تعيش لوحدك معه؟
هز رأسه ثانية...
- كيف هي صحة هذا المسن؟ هل هو ضعيف جداً؟
كان قد بدأ يضيق بكل هذه الأسئلة فحاول تغيير الموضوع بسؤال السائق عن الوقت المتبقي للوصول إلى المكان الذي يقصدانه..
- لقد وصلنا تقريباً، ولكنك لم تجبني! هل هذا المسن ضعيف جداً؟ هل هو قريب من الموت؟
وهنا كان بمكانه الإجابة بصدق:
- إنه قريب جداً.
- هل يستطيع التكلم أو التحرك بحرية؟
وأجاب بصدق ثانية:
- لا! إنه لا يتكلم ولا يتحرك أبداً.
- هل تعني أنه مشلول؟
كاد يصرخ بأن كل المسنين وغير المسنين الذين يتعامل معهم موتى، لكنه اكتفى بهز رأسه.
- هل يأتي أولاده أو أحد من أهله كثيراً لزيارته؟
- أحياناً، قال وهو يتذكر أيام العيد التي تزدحم فيها المقبرة بالزوار.
انتبه أن السائق قد توقف تماماً وأطفأ محرك السيارة، نظر حوله فوجد أنهم قد توقفوا قرب إحدى البنايات العالية التي تحيط بهم من كل جانب، وكان هناك العديد من الناس يسيرون على أقدامهم ويبدون كأنهم يتبادلون الدور للخروج والدخول من ممر ضيق بين البنايات..
- هل هذا هو السوق؟ سأل مستغرباً..
- هذا هو ما طلبت! قال السائق مبتسماً:- سوف تجد هنا بشراً لا يمكن عدهم! وسوف تسمع أصواتاً وأصواتاً ستصاب بالصداع من كثرتها!
- هل يمكنك أن تنتظرني هنا؟ سأل بتردد فقد كان يخشى أن لا يعرف كيف يعود إلى المقبرة:- وكم سيكلفني انتظارك؟
- لا تقلق! قال السائق:
- سوف أمشي معك لأرشدك، ثم إننا لم ننته من حديثنا بعد!
تبع السائق من خلال الممر الضيق الذي يزدحم عنده الناس فتفاجأ أنه يؤدي إلى ساحة واسعة تكاد تفيض بالبشر الذين كان معظمهم من الذكور، كان هناك مصطبات تتكوم عليها البضائع من كل نوع من الفواكه والخضروات وحتى المعلبات والألبسة والساعات والأجهزة الكهربائية، حتى الهواتف المتنقلة رأى العديد منها معروضاً، والبعض كان يعرض كل شيء في مكان واحد.
كانت الفوضى تعم المكان وصيحات الباعة تدوي من كل جانب منادية على بضاعتهم، ويقابلها أصوات جدال المشترين ومساوماتهم، كان الكل يصرخ بأعلى صوته، وكان يلتفت في كل الاتجاهات محاولاً متابعة ما يجري، ولكن انتباهه كان يتشتت كل لحظة لسماعه صيحة أخرى من اتجاه جديد، أحس برأسه يدور فقد كان معتاداً على الصمت والهدوء، وشعر ببعض الندم لطلبه الحضور إلى هذا المكان، كان عليه أن يبدأ بمكان أكثر هدوءاً وأن لا يفاجئ نفسه بكل هذا الزحام من المرة الأولى، فقد ازدادت ضربات قلبه وبدأ يحس بالصداع يزحف إلى رأسه وبشيء من الخوف يتسلل إليه.
انتبه وهو يجول بنظره إلى أن جميع الموجودين من باعة ومشترين كانوا يبدون كأنهم من بلده، فسحنتهم كانت مقاربه لسحنته، سأل السائق الذي كان يسير بقربه فهز رأسه مشيراً إلى أذنه أنه لا يسمعه، كرر ما قاله وهو يصيح بأعلى صوته:
- هل جميع هؤلاء من بلدنا؟
- لا أسمعك! انتظر قليلاً! ثم سحبه من يده إلى ركن هادئ بعض الشيء لرداءة البضائع المعروضة فيه.. – والآن، ماذا كنت تقول؟
أعاد طرح سؤاله فأكد له السائق صحة ما ذهب إليه، جال بنظره مفكراً، إذن هنا يتجمع أبناء جلدته ويتبادلون الأحاديث والبيع والشراء، في حين يمضي هو الليالي والأيام سجيناً لوحدنه.
ورغم القسوة التي صبغت ملامح المحيطين به، فقد أخذ يفكر بسعادة بأنه قد وجد مكاناً يذهب إليه ليسمع أصوات الناس الذين ليسوا فقط أحياء، بل إنهم أحياء من بلده، يشبهونه ويتحدثون بلغته ويفهمونه بدون أن يجاهد لإيضاح ما يقصده أو لإدراك ما يقال له.
سيجد هنا أحداً يتحدث إليه ليخرج من الصمت الطويل الذي يعيش فيه، وربما هنا سيكون بإمكانه أن يكون على طبيعته ولا يتصنع الذلة والمسكنة، ولابد أن يجد في هذا الزحام أحداثاً تسلي لياليه فقد مل من اختراع القصص حول الموتى الذين يدفنهم، وخاصة إذا لم يكن لموتي بذلك اليوم قصص يبني عليها خيالاته أو في الأيام التي لا يموت فيها إلا كبار السن أو الناس العاديون الذين يعيشون ويموتون بهدوء دون أن يعلم أحد، عدا خاصة أهلهم، بحياتهم أو بمماتهم.
أكمل مبتسماً بخبث:
وأكمل ضاحكاً:
كان يفتح فاه مندهشاً من كم الخبث والمكر الذي يسيل من فم السائق، وكان أكثر ما يدهشه أنه يفتخر بقدرته على الكذب ويتباهى بها كأنها فضيلة لا مثيل لها، وتذكر بأسى ارتباكه وحيرته عندما حاول أن يتهرب من أسئلة السائق حول نوع عمله قبل قليل.
وأحس بالضآلة لأنه لن يستطيع أبداً أن يصبح بمهارة ذلك الرجل رغم أنهما من بلد واحد، وربما كان موظف المقبرة محقاً عندما نعته بالغبي، فهو لا يستطيع حتى أن يقول كذبة بسيطة بلغته ولرجل من أهل بلده، وربما لو لأجاد فيه ولا حسن استغلال الفرص وعرف كيف يتحدث مع الناس، وليس كما يحدث له عندما يخجل ويرتبك ويتلعثم، أو حتى يعرض نفسه لغضب الناس كما حدث يوم دفن ذلك الميت البدين.
كانا قد عادا إلى زحام السوق فحاول تمالك نفسه والتركيز على البحث عن شيء يشتريه، كان هناك بائع قد قلب صناديق الفاكهة والخضار ووضعها فوقها، مد يده ليتناول بعض حبات الخيار فغاصت أصابعه في لحمها المتهرئ، فصاح بالبائع:
صاح به البائع باستهزاء ..
ارتفع الدم إلى رأسه وكاد يهجم علي البائع ليضربه وليحدث ما يحدث، ولكن السائق سحبه بعيداً وهو يحاول تهدئته:
مد يده ليتحسس أحد القمصان المعلقة فأعجبه قماشه، أنزله لينظر إليه جيدا فتفاجأ أن بعض أزراره مفقودة، أوشك أن يصيح بالبائع غاضباً، لكنه تمالك نفسه وتذكر نصيحة السائق فتكلم بصوت منخفض محاولاً أن يجعل نبرته هادئة ما استطاع:
كاد الغضب يستولي عليه من جديد ولكن نظرة السائق المحذرة أسكتته، مد يده إلى قميص آخر فصفعت أنفه رائحة العرق النفاذة التي تنبعث منه، قلب بعض القمصان والملابس الأخرى فوجدها جميعها في حالة سيئة.
صاح البائع من خلفه يودعه، استدار ليرد عليه فأوقفه السائق:
تنهد محاولاً ابتلاع غضبه واخذ يمشي بين الباعة مكتفياً بالنظر بدون أن يلمس شيئاً أو يساوم على شيء، ولكن بعض الهواتف النقالة معروضة للبيع لم يستطع تمالك نفسه وتوجه إليها، ولدهشته فقد وقف السائق أمامه ليمنعه..
ابتعد خائفا وحائراً، ما هذا العالم الذي دخله؟ انه يحس بالخطر حيثما استدار، وقد تعرض في أقل من ساعة لمعاملة سيئة من كل من رآه وكاد يتشاجر عدة مرات.
توقف عند رجل يبيع خردوات إذ أعجبته سكين حادة تطوى بلمسة واحدة لتوضع في الجيب، كان ثمنها معقولاً فاشتراها بدون أن يطيل المساومة حتى لا يعرض نفسه للسان البائع الذي كان وجهه مليئاً بالقسوة كباقي وجوه باعة هذا السوق، وبسرعة وضع سكينه الجديدة في جيب قميصه ومعها باقي النقود كي لا يضطر لتقديم تبريرات للسائق حول ما اشتراه أو الثمن الذي دفعه، لكن السائق لم يره إذ كان قد ابتعد ليرد على مكالمة وردته، وما إن عاد حتى قال له:
تصور أن تكون البضاعة التي يتكلم عنها السائق عبارة عن هواتف نقالة فلم يلح بالسؤال، وظل صامتاً وهو يحاول أن يهدى ضجيج الأصوات التي ظلت ترن في رأسه حتى بعدما غادرا السوق وابتعدا بالسيارة عدة شوارع عن مكانه، السائق لم يتركه بسلام إذ عاود أسئلته حول ما افترض أنه المنزل الذي يعمل به، واستمر يسأله عن مساحته وعدد غرفه وفي أي غرفة يقيم المسن الذي يعمل لديه حتى انفجر به مستفسراً عن سبب كل هذه الأسئلة.
قاطعه السائق قبل أن يتفوه باعترافه:
حاول عدة مرات أن يخبره بأن من يراهم في عمله لا يملكون شيئاً من حطام الدنيا، بل لا يملكون حتى الكفن الذي يستر أجسادهم السائرة إلى الفناء بخطي سريعة، ولكن السائق استمر بمقاطعته وهو يسوق حججاً جديدة كل مرة حتى سئم واكتفي بالصمت وظن السائق أن صمته يعني القبول فتوقف عن الإلحاح.
انفجر السائق ضاحكاً من خلفه فأفاق شيئاً ما من صدمته واستدار إليه: مستفسرا فغمز له..
وكان رد الرجال الثلاثة على تساؤلاته أن انفجروا بالضحك معاً، وقف مشد يقلب البصر بين المرأة المستمرة في الصراخ والبكاء وبين الرجال الذين بدت قهقهاتهم كأنها لن تتوقف أبداً، وبدأ الغضب يتسلل إليه فقد أحسن يستهزئون به، حاول دفعهم ليخرج فأوقفه السائق وهو لا زال يضحك..
قاطعه غاضباً- وما شأن كسب المال بهذه المرأة؟
اندفع الرجل المعني إليه شاهراً قبضته فأوقفه السائق صائحاً به..
تراجع الرجل وشرارات الغضب لا تزال تتطاير من عينيه، امسك السائق بيد الحفار محاولاً تهدئته..
سكت وقد عادت ذكريات الصفعة التي تلقاها من موظف المقابر وما تبعها إلى ذهنه، وعاد يقلب النظر بين الرجال الثلاثة والمرأة الموثقة التي لم تكف لحظة عن الصراخ..
سكت وتقدم عدة خطوات من المرأة وأخذ يمعن النظر إليها، كان يحتاج إلى رفقة امرأة فلم يمس واحدة حية منذ سنوات، ثم إنه لم يجرب أي عذراء من قبل فقد تزوج أرملة لفقره، وعلى أي حال فإذا لم يأخذها هو فسيأخذها الذي يليه.
كان مستمراً في سوق التبريرات لنفسه فيما كانت المرأة ممعنة في البكاء وعيناها تفيضان بالتوسل، لم تتوقف عن الكلام للحظة ولم يكن يدري ما تقول ولكنه فهم من تعابير وجهها وعينيها أنها تستعطفه ليرحمها، كانت عيناها ضيقتين كباقي أهل الشرق الأقصى وقد احمر جفناها من البكاء فبدتا أكثر ضيقاً، وكان المخاط يسيل من أنفها الأفطس ويجري على شفتيها الضيقتين اللتين انفرجتا عن فم واسع مفتوح على آخره وتتوالى الصرخات منه بدون توقف، وأخذت خيوط اللعاب تتجمع ثم تتقطع عند أطراف فمها بفعل بكائها الهستيري.
خفض عينيه إلى جسدها العاري محاولاً أن يجد فيها ما يقنعه بدفع ذلك الثمن، كان لونها فاتحاً مما أعجبه ولكن صدرها كان مسطحاً كصدر الرجال، وحتى ذلك الميت البدين الذي عبث بجثته كان ثدياه أكبر من ثدييها..
كانت يداها الموثقتان خلف رأسها نحيلتين كالعصا وكانت عظام بارزة، اخذ يفكر كم سيكون لمس هاتين الكتفين مزعجا وكيف ستنخزه تلك العظام في وجهه عندما يضمها، خفض نظره الي بطنها فوجده مجوفاً كالحفرة وينتهي بعظمتين نافرتين من كل جانب، قلبها على جانبها فكانت مسطحة من الخلف كالأمام، لن يجد لحماً تستلذ أصابعه بالغوص فيه لدي هذه المرأة، ازداد نفوره بازدياد صراخها عندما لمسها، نظرا أخيرا إلى ساقيها القصيرتين النحليتين فاتخذ قراره..
قال السائق والشهوة تتراقص في عينيه، ثم بدأ بفك أزرار قميصه وقد تسمرت عيناه على المرأة ونسى وجود من معه..
دفعه الرجلان الآخران خارجاً وأقفلا الباب ليكتما صرخات المرأة التي ارتفعت وتيرتها بجنون.
وضاعف صدى تلك الصرخات إحساسه بالوحشة وهو يقف وحده مع الرجلين الذين لا يعرف عنهما شيئاً، وأراد أن يقول أي شيء ليقطع صمتهما وتحديقهما المستمر به:
ضحكا باستهزاء وتبادلا النظرات..
صمت لحظة ليمتص الدخان من سيجارته، فأكمل الرجل الأول:
أشار له الرجل الآخر ليسكته فهز كتفه بدون اكتراث..
كان الخوف قد بدأ يتملكه، فقد تركه السائق وحيداً مع هذين الرجلين اللذين يبدوان كأنهما لا يتورعان عن شيء في سبيل المال، فكر أن يرحل ينتظر السائق خارجاً، ولكنه خشي أن يثير غضبهما، ولا بد أن السائق لن يخرج حتى يستنفد كل الوقت المخصص له.
كانت الغرفة خالية إلا من سرير قديم، لم تكن المرأة موثقة ولكنها كانت تبدو بائسة ونحيلة، كانت ترتدي ملابس بالية تغطي رأسها وجسدها كله، نظرت إليه بضعف واستسلام فصاح بها الرجلان لتخلع ثيابها..
أحنت رأسها بدون أن تتكلم وخلعت غطاء رأسها، وكان ينتظر بصمت فقد كره منظرها من الوهلة الأولى، وعندما رأى رأسها الحليق ازداد نفوره.
لقد حاولت الهروب فحلقنا شعرها لمعاقبتها، قال له أحد الرجلين مفسراً: -كانت تعمل خادمة في بيت أحد أهل البلد وهربت منهم لتقع بين أيدينا!
عندما استكملت خلع ملابسها لم يعد يدري ماذا يفعل، كان خائفاً من الرجلين ولكن تلك المرأة لم يكن فيها ما يغرى لشدة نحولها ولونها القريب من السواد، وضاعفت نظرات الحزن والبؤس في عينيها من قباحة منظرها، التفت إلى الرجلين وهز رأسه بصمت..
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا