حفار القبور 2 للكاتبة ليلى الرباح

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2021-10-17

- حسناً، ولكن لا توقف العداد حتى تستلم أجرتك! أنت تعرف التعليمات!

- نعم يا سيدي! أمرك يا سيدي!

قال السائق وهو يأتي بحركة بذيئة باتجاه لوحة القيادة، ثم استدار إلى الحفار فانتبه لفزعه ونظراته الزائغة وانفجر ضاحكاً..

- ألم تر جهاز لاسلكي من قبل؟

- جهاز ماذا؟

- لا سلكي، وأشار إلى شيء مربع الشكل وتشع منه أنوار زرقاء مثبت في لوحة القيادة على يمينه..

- إني أعمل في شركة للتاكسي وهذا اللاسلكي هو وسيلة الاتصال بيني وبين الشركة، إنهم يستخدمونه لمتابعة تنقلاتي وإحصاء الأجرة التي أجمعها كل يوم.

- وهل بإمكانهم رؤيتك؟

ضحك السائق مرة أخرى:- لا يا صديقي الأحمق! لكنهم يفتحون الخط بين حين وآخر لمحادثتي إذا كانوا يحتاجون لإرسالي لتوصيل راكب ما، أو للتأكد من أنني لا أستغل سيارتهم لنقل الركاب لحسابي الخاص.

استمر بصمته فلم يكن يعرف ما يقول، وكان يخشى أن يفضح ما يقوله جهله المخجل ويجعل السائق يضحك عليه من جديد.

- إنهم يحاولون أن يوهموني أنهم يعلمون كل ما أفعل، أكمل السائق:- فهم يحصون المسافة التي تقطعها السيارة كل يوم والمتبقي في خزان البنزين ويقارنون ذلك بالمبالغ التي أسلمها لهم، لكنهم يحلمون إن ظنوا أنهم يستطيعون التحكم بي، فقد تعلمت كيف أخدعهم بالتظاهر بأني أدور في الشوارع لساعات بحثاً عن زبائن وإعادة ملء خزان البنزين إلى الحد الذي يوهمهم بصدقي، في حين أني لا أدفع لهم إلا جزءاً زهيداً من المبالغ التي أجمعها، وإذا استمريت على هذا المنوال فسوف أتمكن من شراء بيت في بلدنا عما قريب.

- بيت! حقاً؟ شهق متعجباً..

- طبعاً! ماذا تظن إذن؟ أليس هذا ما جئنا هذا البلد لأجله؟ لنجمع كل ما نستطيع من مال ونعود إلى بلدنا أغنياء؟

لم يحر جواباً، فقد كانت أقصى أمانيه أن يتمكن من سداد ديونه والخلاص من إلحاح الدائنين على أهله الذي كان يسيطر على معظم أحاديثه القليلة مع أبويه وزوجته.

انشغل بتأمل الطريق ليخفي حيرته، وازداد إكباره للسائق، كان يظن أن عمله صعب، ولكن حديثه مع السائق جعله يدرك أن هناك أعمالاً أصب يقوم بها مواطنوه في هذا البلد، أعمال ربما لا يستطيع هو القيام بها، فلن يتمكن أبداً من قيادة السيارة بهذه المهارة والتعرف على هذه الطرق التي تبدو بلا نهاية والحديث والتدخين في نفس الوقت، وهذا عدا التمكن من خداع مخدوميه وإخفاء سرقاته كل يوم، لا عجب إذن أنه يجني أموالاً أكثر منه.

- هل كنت تعني ما تقول حين طلبت مني أن آخذك إلى مكان مزدحم بالناس؟ سأل السائق..

- نعم أرجوك، أريد أن أرى أكبر عدد ممكن من الناس، أشتاق إلى رؤية وجوه جديدة وسماع أصوات البشر.

أفلتت منه تلك الكلمات قبل أن يستطيع منعها فسأله السائق متعجباً:

- لكن لماذا؟ ألا ترى الناس حيث تعمل؟ وماذا عن سكنك؟ ألا يوجد من يؤنسك في بيتك؟ آه لقد نسيت أن أسألك ماذا تعمل؟

والآن ماذا يفعل؟ لقد أوقعه غباؤه ولهفته في المأزق الذي كان يحاول تجنبه! ماذا عساه أن يقول؟ هل يخبره بأنه يعمل حفاراً للقبور؟ وماذا ستكون ردة فعله؟ لا بد أنه سيشمئز منه مثل كل الناس وربما حتى ألقاه في الشارع! 

تلعثم محاولاً إيجاد الجواب:- أنا........ إني... إني أعمل في.... في..

فاجأته نوبة من السعال خلها ارتباكه لتنقذه من تلعثمه..

- لابد أنك تعمل في أحد البيوت التي وجدتك تسير قربها!

- أجل! أجل! هذا صحيح! رد بلهفة، وتصنع الاستمرار في السعال ليتهرب من أي تفاصيل أخرى لم يكن يعرف من أين يأتي بها.

- لا يمكن أن تكون تعمل سائقاً فمن الواضح أنك تجهل القيادة، أكمل السائق افتراضاته:- إذن لا بد أنك تعمل خادماً!

- هذا صحيح! هذا صحيح!

ابتلع ريقه وتنهد بارتياح وهو يحس بأنه خرج من المأزق.

- لقد فهمت الآن سبب لهفتك لرؤية الناس، لا بد أنك تتولى رعاية أحد كبار السن الذين لا يريد أهلهم تضييع وقتهم بالاعتناء بهم، وبنفس الوقت لا يريدون مواجهة انتقادات الناس لو رموهم في دار لرعاية المسنين.

كان قد قرر ترك السائق يسترسل في استنتاجاته الخيالية دون أي اعتراض فاكتفى بهز رأسه.

- هل تعيش لوحدك معه؟

هز رأسه ثانية...

- كيف هي صحة هذا المسن؟ هل هو ضعيف جداً؟

كان قد بدأ يضيق بكل هذه الأسئلة فحاول تغيير الموضوع بسؤال السائق عن الوقت المتبقي للوصول إلى المكان الذي يقصدانه..

- لقد وصلنا تقريباً، ولكنك لم تجبني! هل هذا المسن ضعيف جداً؟ هل هو قريب من الموت؟

وهنا كان بمكانه الإجابة بصدق:

- إنه قريب جداً.

- هل يستطيع التكلم أو التحرك بحرية؟

وأجاب بصدق ثانية:

- لا! إنه لا يتكلم ولا يتحرك أبداً.

- هل تعني أنه مشلول؟

كاد يصرخ بأن كل المسنين وغير المسنين الذين يتعامل معهم موتى، لكنه اكتفى بهز رأسه.

- هل يأتي أولاده أو أحد من أهله كثيراً لزيارته؟

- أحياناً، قال وهو يتذكر أيام العيد التي تزدحم فيها المقبرة بالزوار.

انتبه أن السائق قد توقف تماماً وأطفأ محرك السيارة، نظر حوله فوجد أنهم قد توقفوا قرب إحدى البنايات العالية التي تحيط بهم من كل جانب، وكان هناك العديد من الناس يسيرون على أقدامهم ويبدون كأنهم يتبادلون الدور للخروج والدخول من ممر ضيق بين البنايات..

- هل هذا هو السوق؟ سأل مستغرباً..

- هذا هو ما طلبت! قال السائق مبتسماً:- سوف تجد هنا بشراً لا يمكن عدهم! وسوف تسمع أصواتاً وأصواتاً ستصاب بالصداع من كثرتها!

- هل يمكنك أن تنتظرني هنا؟ سأل بتردد فقد كان يخشى أن لا يعرف كيف يعود إلى المقبرة:- وكم سيكلفني انتظارك؟

- لا تقلق! قال السائق:

- سوف أمشي معك لأرشدك، ثم إننا لم ننته من حديثنا بعد!

تبع السائق من خلال الممر الضيق الذي يزدحم عنده الناس فتفاجأ أنه يؤدي إلى ساحة واسعة تكاد تفيض بالبشر الذين كان معظمهم من الذكور، كان هناك مصطبات تتكوم عليها البضائع من كل نوع من الفواكه والخضروات وحتى المعلبات والألبسة والساعات والأجهزة الكهربائية، حتى الهواتف المتنقلة رأى العديد منها معروضاً، والبعض كان يعرض كل شيء في مكان واحد.

كانت الفوضى تعم المكان وصيحات الباعة تدوي من كل جانب منادية على بضاعتهم، ويقابلها أصوات جدال المشترين ومساوماتهم، كان الكل يصرخ بأعلى صوته، وكان يلتفت في كل الاتجاهات محاولاً متابعة ما يجري، ولكن انتباهه كان يتشتت كل لحظة لسماعه صيحة أخرى من اتجاه جديد، أحس برأسه يدور فقد كان معتاداً على الصمت والهدوء، وشعر ببعض الندم لطلبه الحضور إلى هذا المكان، كان عليه أن يبدأ بمكان أكثر هدوءاً وأن لا يفاجئ نفسه بكل هذا الزحام من المرة الأولى، فقد ازدادت ضربات قلبه وبدأ يحس بالصداع يزحف إلى رأسه وبشيء من الخوف يتسلل إليه.

انتبه وهو يجول بنظره إلى أن جميع الموجودين من باعة ومشترين كانوا يبدون كأنهم من بلده، فسحنتهم كانت مقاربه لسحنته، سأل السائق الذي كان يسير بقربه فهز رأسه مشيراً إلى أذنه أنه لا يسمعه، كرر ما قاله وهو يصيح بأعلى صوته:

- هل جميع هؤلاء من بلدنا؟

- لا أسمعك! انتظر قليلاً! ثم سحبه من يده إلى ركن هادئ بعض الشيء لرداءة البضائع المعروضة فيه.. – والآن، ماذا كنت تقول؟

أعاد طرح سؤاله فأكد له السائق صحة ما ذهب إليه، جال بنظره مفكراً، إذن هنا يتجمع أبناء جلدته ويتبادلون الأحاديث والبيع والشراء، في حين يمضي هو الليالي والأيام سجيناً لوحدنه.

ورغم القسوة التي صبغت ملامح المحيطين به، فقد أخذ يفكر بسعادة بأنه قد وجد مكاناً يذهب إليه ليسمع أصوات الناس الذين ليسوا فقط أحياء، بل إنهم أحياء من بلده، يشبهونه ويتحدثون بلغته ويفهمونه بدون أن يجاهد لإيضاح ما يقصده أو لإدراك ما يقال له.

سيجد هنا أحداً يتحدث إليه ليخرج من الصمت الطويل الذي يعيش فيه، وربما هنا سيكون بإمكانه أن يكون على طبيعته ولا يتصنع الذلة والمسكنة، ولابد أن يجد في هذا الزحام أحداثاً تسلي لياليه فقد مل من اختراع القصص حول الموتى الذين يدفنهم، وخاصة إذا لم يكن لموتي بذلك اليوم قصص يبني عليها خيالاته أو في الأيام التي لا يموت فيها إلا كبار السن أو الناس العاديون الذين يعيشون ويموتون بهدوء دون أن يعلم أحد، عدا خاصة أهلهم، بحياتهم أو بمماتهم.

  • الأسواق في هذه المنطقة التعيسة مقسمة بحسب الجنسيات، أكمل السائق: فهناك سوق لكل بلد من البلدان المجاورة لبلدنا إلا أهل ذلك البلد.
  • وماذا يحدث إذا حضر أحد من بلد آخر إلى سوق بلد غير بلده؟
  • لا يمكن أن يبيع في سوقنا أحدّ من غير أهل بلدنا فالويل لمن تسول له نفسه بذلك، فقد يتعرض حتى للموت لو تجرأ وحاول افتراش ولو شبر من الأرض ليبيع شيئا مهما تدنت قيمته، أما إذا كان قد حضر للشراء فقط فلا بأس، لكن عليه أن يكون حذراً ولا يكثر الجدال أو يتعرض بأي صورة للبلد التي يأتي منها أهل السوق، وإلا فكلمة واحدة من أي منهم، حتى لو كانت كاذبة، تكفي لجعل أهل السوق كلهم يتكالبون عليه ويشبعونه ضرباً، وربما حتى سرقوا أمواله وأخرجوه من السوق وهو لا يحمل إلا آثار الجراح.
  • ألا يخشون أن يذهب بعضهم إلى الشرطة ليشكوهم؟
  • حدث ذلك عدة مرات، وربما أستطاع من يرتاد أسواق البلدان الأخرى الحصول على حقه، ولكن في سوق بلدنا لا يجني من يشتكي من أي بلد آخر إلا الخيبة، فنحن دائماً نتحد في وجه أي غريب وننصر ابن جلدتنا ولو كان متلبساً بالخطأ من قمة رأسه إلى أخمص قدميه.

أكمل مبتسماً بخبث:

  • أنا نفسي قد شتمت مرة أحد مرتادي السوق بدون سبب عدا أنه من البلد الذي انفصلنا عنه ولم يعجبني وجهه، وقد حاول تجاهلي ليتجنب الشجار فاستمررت باستفزازه. ثم استدعيت أشقائي الثلاثة وانهلنا عليه ضربا وسط ضحكات أهل السوق.
  • وماذا حدث بعدها؟
  • ذهب وأحضر الشرطة، وحاول يائساً أن يجد من يشهد معه من الباعة أو مرتادي السوق فأنكر الجميع رؤية أي شيء، في حين لم أنكر أنا أني ضربته ولكني ادعيت بأنه كان البادئ في الشجار متظاهراً بالمسكنة والبراءة، بل إني انفجرت بالبكاء عندما أخذونا إلى مخفر الشرطة وأخذت معي أشقائي ليشهدوا بأنه هو من اعتدى علي، وأقسمت أنا وهم بأغلظ الأيمان بأننا لا نعرف بعضنا وأنهم قد تدخلوا في الشجار بدافع الشهامة فقط عندما رأوه وهو يضربني!
  • ولكن كيف لم يعرف الشرطة أنهم أشقاؤك؟
  • وكيف سيعرفون؟ فكما تعلم فإن أسماء أهل بلدنا تكون دائماً أسماء مركبة من اسمين أو ثلاثة، لذا فإن ما يقرؤونه في المستندات الرسمية ويظنون أنه الاسم كاملاً يكون غالباً اسماً واحداً، فمثلاً اسمي أنا هو نصير الدين شفيع الدين محمد، في حين أن اسم أخي الشقيق هو نور الحق ضياء الدين شهية، وأسماء باقي أشقائي مثل ذلك..

وأكمل ضاحكاً:

  • ثم إن تعلم اللغة العربية يفيد كثيراً، فقد كان ذلك البائس الذي ضربناه لا يجيد شيئاً منها، في حين اكتسبنا أنا وأشقائي اللغة بسهولة نظراً لتعلمنا للقرآن في صغرنا في بلدنا كما تعلم، وهكذا لم يصدقه أحد، بل اضطر أن يدفع لنا مالاً لكي لا يرمى في السجن لاعتدائه علينا، ولا أظن أنه سيطئ يوماً عتبة هذا السوق من جديد.

كان يفتح فاه مندهشاً من كم الخبث والمكر الذي يسيل من فم السائق، وكان أكثر ما يدهشه أنه يفتخر بقدرته على الكذب ويتباهى بها كأنها فضيلة لا مثيل لها، وتذكر بأسى ارتباكه وحيرته عندما حاول أن يتهرب من أسئلة السائق حول نوع عمله قبل قليل.

وأحس بالضآلة لأنه لن يستطيع أبداً أن يصبح بمهارة ذلك الرجل رغم أنهما من بلد واحد، وربما كان موظف المقبرة محقاً عندما نعته بالغبي، فهو لا يستطيع حتى أن يقول كذبة بسيطة بلغته ولرجل من أهل بلده، وربما لو لأجاد فيه ولا حسن استغلال الفرص وعرف كيف يتحدث مع الناس، وليس كما يحدث له عندما يخجل ويرتبك ويتلعثم، أو حتى يعرض نفسه لغضب الناس كما حدث يوم دفن ذلك الميت البدين.

كانا قد عادا إلى زحام السوق فحاول تمالك نفسه والتركيز على البحث عن شيء يشتريه، كان هناك بائع قد قلب صناديق الفاكهة والخضار ووضعها فوقها، مد يده ليتناول بعض حبات الخيار فغاصت أصابعه في لحمها المتهرئ، فصاح بالبائع:

  • ما هذا؟ كيف تبيع للناس بضاعة فاسدة كهذه؟
  • أليس لديك عينان في رأسك؟ لم لا تستخدمهما لتختار الجيد وتترك الرديء؟

صاح به البائع باستهزاء ..

  • ولكن لم تعرض بضاعة قديمة للبيع؟ ألا تخجل؟
  • وممن أخجل؟ منك أنت وأمثالك من الفقراء المعدمين الذين يأتون إلى هذا السوق بحثاً عن الأسعار المتدنية؟ أين تظن نفسك؟ إذا كنت تريد البضاعة الجيدة فاذهب إلى الأسواق الجيدة وادفع الثمن الذي تستحقه هذه البضاعة! لكن لا تأتى إلى سوق البؤساء هذا وتجرؤ أن تطالب بأحسن البضائع بأرخص الأسعار! هيا اغرب عن وجهي! ابتعد قبل أن أقذف هذا الخيار الفاسد في وجهك!

ارتفع الدم إلى رأسه وكاد يهجم علي البائع ليضربه وليحدث ما يحدث، ولكن السائق سحبه بعيداً وهو يحاول تهدئته:

  • هل أنت مجنون؟ لم حدثت البائع بهذه الطريقة؟
  • الم تر البضائع التي يعرضها؟ إنها قديمة وفاسدة!
  • إذن دعها وابحث عن غيرها، ولكن لا تتشاجر مع الباعة في مثل هذا المكان وإلا سيحدث لك ما لا تحمد عقباها!
  • ولكن لقد قلت لي أن هذا السوق هو لأهل بلدنا، فلماذا يريد واحد منا يغشنا ويبيعنا بضاعة فاسدة؟
  • يا لك من ساذج مسكين؟ وهل تظن أهل بلدنا ملائكة؟ إنهم يحاولون كما نفعل جميعاً استغلال أي فرصة تسنح لهم لجمع الأموال، فإذا تطلب ذلك خداع بعض الأغبياء أو السذج ممن قدموا حديثاً إلى هذه البلاد مثلك، أو ممن يعرفون كيف يتدبرون أمورهم ولا كيف يصلون إلى الأسواق التي يشترون حوائجهم، فسيستغلون هذه الفرصة بدون تفكير وبدون أي اعتبار لمسقط رأس من أمامهم!
  • لماذا أحضرتني إلى هذا السوق إذن ما دمت تعرف أن بضاعتهم سيئة؟
  • أنت طلبت مني أخذك إلى مكان مليء بالناس وهذا ما فعلته، ثم إنك أخبرتني بأنك قد قدمت حديثاً إلى هذه البلاد ففكرت بأنك قد تسعد بلقاء ناس من بلدنا وتذكر أسواقنا هناك، وعلى العموم حاول أن تهدئ نفسك وانظر حواليك، فأحياناً قد تجد أشياء هنا لن تجدها أبداً بهذا الثمن في أي مكان انظر مثلاً إلى هذه الثياب، ألم تقل لي أنك تريد شراء ملابس؟

مد يده ليتحسس أحد القمصان المعلقة فأعجبه قماشه، أنزله لينظر إليه جيدا فتفاجأ أن بعض أزراره مفقودة، أوشك أن يصيح بالبائع غاضباً، لكنه تمالك نفسه وتذكر نصيحة السائق فتكلم بصوت منخفض محاولاً أن يجعل نبرته هادئة ما استطاع:

  • هل لديك قميص آخر مثل هذا بأزرار كاملة؟
  • القمصان كلها معلقة أمامك فأنا لا أخفي شيئاً في جيبي، إذا لم يعجبك هذا فاختر سواه!

كاد الغضب يستولي عليه من جديد ولكن نظرة السائق المحذرة أسكتته، مد يده إلى قميص آخر فصفعت أنفه رائحة العرق النفاذة التي تنبعث منه، قلب بعض القمصان والملابس الأخرى فوجدها جميعها في حالة سيئة.

  • إنها تبدو مستعملة! قال للسائق..
  • طبعاً ألم تسمع ثمنها؟ ماذا تتوقع أن تشتري بمثل هذا الثمن؟
  • ولكنها قديمة جداً وبالية، دعنا نبتعد من هنا فلست أريد شراء شيء كهذا!
  • إنها أفضل مما ترتديه على الأقل!

صاح البائع من خلفه يودعه، استدار ليرد عليه فأوقفه السائق:

  • اسمع إن جميع ما يعرض في هذا السوق كاسد أو مستعمل أو مسروق فهمت؟ توقف عن اختلاق المشاكل في كل خطوة إذا لم يعجبك ما تري فاكتف بالتفرج ولا تشتري شيئا.

تنهد محاولاً ابتلاع غضبه واخذ يمشي بين الباعة مكتفياً بالنظر بدون أن يلمس شيئاً أو يساوم على شيء، ولكن بعض الهواتف النقالة معروضة للبيع لم يستطع تمالك نفسه وتوجه إليها، ولدهشته فقد وقف السائق أمامه ليمنعه..

  • كلا لا تشترى أياً من هذه الهواتف!
  • ولكني أحتاج إلى هاتف فلست أملك واحداً.
  • إن أردت فسوف آخذك لاحقاً إلى مكان آخر لتشتري هاتفاً جديداً، ولكن معظم هذه الهواتف مسروقة وقد يستدل رجال الشرطة عليك إذا تتبعوا رقمها التسلسلي، وعندها سيتهمونك، أنت بسرقتها. أو بما يعلمه الله من جرائم وتكون قد ارتكبت للحصول عليها!

ابتعد خائفا وحائراً، ما هذا العالم الذي دخله؟ انه يحس بالخطر حيثما استدار، وقد تعرض في أقل من ساعة لمعاملة سيئة من كل من رآه وكاد يتشاجر عدة مرات.

توقف عند رجل يبيع خردوات إذ أعجبته سكين حادة تطوى بلمسة واحدة لتوضع في الجيب، كان ثمنها معقولاً فاشتراها بدون أن يطيل المساومة حتى لا يعرض نفسه للسان البائع الذي كان وجهه مليئاً بالقسوة كباقي وجوه باعة هذا السوق، وبسرعة وضع سكينه الجديدة في جيب قميصه ومعها باقي النقود كي لا يضطر لتقديم تبريرات للسائق حول ما اشتراه أو الثمن الذي دفعه، لكن السائق لم يره إذ كان قد ابتعد ليرد على مكالمة وردته، وما إن عاد حتى قال له:

  • دعنا نخرج من هنا فقد اكتفيت من هذا السوق!
  • كما تشاء! لقد تلقيت الآن مكالمة مهمة، فقد وصلت بضاعة جديدة إلى أحد أصدقائي.
  • وما هذه البضاعة؟
  • سوف ترى، قال وهو يبتسم ابتسامة واسعة ويغمز له بعينه: -ستكون مفاجأة سارة لك تنسيك كل ما عانيته اليوم في هذا السوق:

تصور أن تكون البضاعة التي يتكلم عنها السائق عبارة عن هواتف نقالة فلم يلح بالسؤال، وظل صامتاً وهو يحاول أن يهدى ضجيج الأصوات التي ظلت ترن في رأسه حتى بعدما غادرا السوق وابتعدا بالسيارة عدة شوارع عن مكانه، السائق لم يتركه بسلام إذ عاود أسئلته حول ما افترض أنه المنزل الذي يعمل به، واستمر يسأله عن مساحته وعدد غرفه وفي أي غرفة يقيم المسن الذي يعمل لديه حتى انفجر به مستفسراً عن سبب كل هذه الأسئلة.

  • حسناً سأخبرك بصراحة! قال السائق: -إن لدي أصدقاء يحترفون سرقة المنازل الخالية أو التي لا يوجد فيها من قد يقاوم السرقة، وأحيانا نسرق منازل الأغنياء من الذين لكثرة ما لديهم لا يشعرون بالسرقة حتى يميز وقت طويل لا تستطيع الشرطة بعده تتبع أثرنا....
  • هل تعني أنك تريدني أن أساعدك في السرقة؟ ولكني لا..

قاطعه السائق قبل أن يتفوه باعترافه:

  • أنا لا أريدك أن تحترف السرقة، أريد فقط أن تسهل لنا الدخول إلى المنزل الذي تعمل به لتسترق ما نستطيع، وبالطبع سندفع لك مقابل ذلك، كما سيكون نصيب من قيمة بيع ما سنحصل عليه.
  • ولكني... حاول الكلام فقاطعه السائق ثانية..
  • وماذا ستخسر؟ فالمسن الذي تعمل عنده لا يستطيع الحركة أو الكلام وقد أخبرتني أن أهله لا يزورونه كثيراً، ولهذا فربما لن بشعر أحد بما فعلت!

حاول عدة مرات أن يخبره بأن من يراهم في عمله لا يملكون شيئاً من حطام الدنيا، بل لا يملكون حتى الكفن الذي يستر أجسادهم السائرة إلى الفناء بخطي سريعة، ولكن السائق استمر بمقاطعته وهو يسوق حججاً جديدة كل مرة حتى سئم واكتفي بالصمت وظن السائق أن صمته يعني القبول فتوقف عن الإلحاح.

  • ها قد وصلنا! قال السائق وهو يطفئ السيارة ويدفعه مبتسماً إلى داخل إحدى البنايات، ثم صعدا عدة سلالم مظلمة حتى توقفا أمام باب حديدي قديم، أجرى السائق مكالمة سريعة لينبئ أحداً ما بوصوله فانفتح الباب عن اثنين آخرين من أهل بلدهما استقبلاهما بابتسامة صفراء، وقبل أن يتسنى له الوقت ليطرح أي سؤال دفعه السائق إلى الداخل، وأسرع أحد الرجلين بإقفال الباب خلفهما.
  • إن البضاعة الجديدة في هذه الغرفة قال أحد الرجلين وهو يدخل مفتاحاً في قلب قفل حديدي كبير ويدفع بيده جانباً باباً من قضبان حديدية محدثاً صوتاً عالياً وهو يدفعه، ثم اخرج مفتاحاً آخر وفتح باباً خشبياً خلفه، وما أن انفتح ذلك الباب حتى فاجأته صرخات امرأة لم يتبين مصدرها حتى ولجوا إلى الغرفة ليرى أمامه منظراً أذهله، فأمامه وعلى السرير الذي يتوسط تلك الغرفة الضيقة كانت امرأة عارية تماماً، وقد أوثقت يداها ورجلاها إلى حديد السرير. وهي تصرخ بكل قواها وقد جحظت عيناها من الفزع..

انفجر السائق ضاحكاً من خلفه فأفاق شيئاً ما من صدمته واستدار إليه: مستفسرا فغمز له..

  • ها.. ما رأيك في هذه المفاجأة؟
  • لا أفهم! عن أي مفاجأة تتكلم؟ وماذا تفعل هذه المرأة هنا؟ ولم هي عارية ولماذا أوثقت يداها ورجلاها؟

وكان رد الرجال الثلاثة على تساؤلاته أن انفجروا بالضحك معاً، وقف مشد يقلب البصر بين المرأة المستمرة في الصراخ والبكاء وبين الرجال الذين بدت قهقهاتهم كأنها لن تتوقف أبداً، وبدأ الغضب يتسلل إليه فقد أحسن يستهزئون به، حاول دفعهم ليخرج فأوقفه السائق وهو لا زال يضحك..

  • حسناً، حسناً، لا تغضب! سأشرح لك قال السائق: - ثم استدار إلى الرجلين:
  • لا بأس! إنه جديد في هذا البلد! هز الرجلان رأسيهما بتفهم وتوقفا عن الضحك، ولكن نظرات الاستهزاء كانت لا تزال تطل من أعينهما..
  • حسناً اسمعني جيداً إن صديقي هذا وأشار إلى أحد الرجلين -هو سائق تاكسي مثلي، وأحياناً قد تسنح لنا فرص لكسب المال من طرق لا تتخيلها!

قاطعه غاضباً- وما شأن كسب المال بهذه المرأة؟

  • دعني أكمل فصديقي الآخر هذا يستأجر هذه الشقة المكونة من ثلاث غرف ويستخدمها لبيع المتعة للراغبين..
  • ماذا؟ صرخ مقاطعاً وقد ففر فاه من الدهشة..
  • كيف يعمل أحد من بلادنا بعمل كهذا؟ ألا تخجلون؟

اندفع الرجل المعني إليه شاهراً قبضته فأوقفه السائق صائحاً به..

  • قلت لك أنه جديد في هذا البلد! ثم انه قد يكون نافعاً لنا فهو يعمل لدي مسن مشلول من أهل البلد!

تراجع الرجل وشرارات الغضب لا تزال تتطاير من عينيه، امسك السائق بيد الحفار محاولاً تهدئته..

  • كل مرة تفتح فمك تكاد تتسبب في مشاجرة! ابق صامتاً!

سكت وقد عادت ذكريات الصفعة التي تلقاها من موظف المقابر وما تبعها إلى ذهنه، وعاد يقلب النظر بين الرجال الثلاثة والمرأة الموثقة التي لم تكف لحظة عن الصراخ..

  • لكن .. قال بصوت منخفض بعض الشيء: - إذا كان هذا عملكم فلماذا هي موثقة؟ ولماذا تصرخ؟
  • قلت لك إنها بضاعة جديدة، فلقد تمكن صديقي السائق من اختطافها هذا الصباح إذ كنا محظوظين لخروجها في ساعة مبكرة جداً وقبل حتى أن تشرق الشمس، كانت الشوارع خالية وكانت هي مشغولة بوضع الأصباغ على وجهها فلم تنتبه لتغييره الطريق حتى فوات الأوان..
  • إذن فهي هنا رغماً عن إرادتها ألا تخشون الشرطة؟
  • كما ترى فكل النوافذ والأبواب محصنة بالحديد لمنع النساء اللواتي نستخدمهن من الهروب أو إبلاغ الشرطة، قال الرجل الذي هم بضربه قبل قليل، ثم أكمل:
  • وهناك رجال في الشوارع المحيطة بنا عملهم هو تنبيهنا لدى اقتراب أي شرطي، ثم إننا لا نسمح بالدخول إلى هنا إلا لأبناء جلدتنا أو الدول المجاورة لنا، ولا تسمح أبداً لأي من مواطني هذه البلد بالاقتراب من هنا خشية أن يكونوا من رجال المباحث.
  • ألن ننتهي من تضييع الوقت؟ قال الرجل الآخر بنفاد صبر:
  • البضاعة أمامكم وقد تركناها عارية تماماً لتتفحصوها جيداً! والسعر عشرون ديناراً للساعة!
  • عشرون ديناراً ولم؟ إن التعرفة هي خمسة دنانير للساعة؟ قال السائق..
  • إنها عذراء! قال الرجل بابتسامة خبيثة..
  • أحقاً؟ قال السائق وقد جحظت عيناه..
  • هذا ما تصرخ به منذ الصباح وصديقك السائق هذا باعها لي بمئتي دينار بدل المئة والخمسين المتعارف عليها لهذا السبب؛ ولولا أنك صديقي لأخذت منك مبلغ أكبر.
  • عشرون دينارا مبلغ كبير! قال الحفار.
  • إذا أردت أن توفر نقودك فلدي امرأة أخرى في الغرفة المجاورة بالسعر العادي.

سكت وتقدم عدة خطوات من المرأة وأخذ يمعن النظر إليها، كان يحتاج إلى رفقة امرأة فلم يمس واحدة حية منذ سنوات، ثم إنه لم يجرب أي عذراء من قبل فقد تزوج أرملة لفقره، وعلى أي حال فإذا لم يأخذها هو فسيأخذها الذي يليه.

كان مستمراً في سوق التبريرات لنفسه فيما كانت المرأة ممعنة في البكاء وعيناها تفيضان بالتوسل، لم تتوقف عن الكلام للحظة ولم يكن يدري ما تقول ولكنه فهم من تعابير وجهها وعينيها أنها تستعطفه ليرحمها، كانت عيناها ضيقتين كباقي أهل الشرق الأقصى وقد احمر جفناها من البكاء فبدتا أكثر ضيقاً، وكان المخاط يسيل من أنفها الأفطس ويجري على شفتيها الضيقتين اللتين انفرجتا عن فم واسع مفتوح على آخره وتتوالى الصرخات منه بدون توقف، وأخذت خيوط اللعاب تتجمع ثم تتقطع عند أطراف فمها بفعل بكائها الهستيري.

خفض عينيه إلى جسدها العاري محاولاً أن يجد فيها ما يقنعه بدفع ذلك الثمن، كان لونها فاتحاً مما أعجبه ولكن صدرها كان مسطحاً كصدر الرجال، وحتى ذلك الميت البدين الذي عبث بجثته كان ثدياه أكبر من ثدييها..

كانت يداها الموثقتان خلف رأسها نحيلتين كالعصا وكانت عظام بارزة، اخذ يفكر كم سيكون لمس هاتين الكتفين مزعجا وكيف ستنخزه تلك العظام في وجهه عندما يضمها، خفض نظره الي بطنها فوجده مجوفاً كالحفرة وينتهي بعظمتين نافرتين من كل جانب، قلبها على جانبها فكانت مسطحة من الخلف كالأمام، لن يجد لحماً تستلذ أصابعه بالغوص فيه لدي هذه المرأة، ازداد نفوره بازدياد صراخها عندما لمسها، نظرا أخيرا إلى ساقيها القصيرتين النحليتين فاتخذ قراره..

  • لا أريدها! قال وهو يستدير إلى الرجال الثلاثة.
  • هل أنت متأكد! صاح به السائق:
  • إنها عذراء! نحن نادراً ما نحصل على مثلها وهذه فرصة ثمينة فلا تضيعها!
  • لم تعجبني، إنها قبيحة! قال بحزم: – لا أريد أن أدفع عشرين ديناراً كاملة لهذه!
  • سآخذها أنا إذن!

قال السائق والشهوة تتراقص في عينيه، ثم بدأ بفك أزرار قميصه وقد تسمرت عيناه على المرأة ونسى وجود من معه..

دفعه الرجلان الآخران خارجاً وأقفلا الباب ليكتما صرخات المرأة التي ارتفعت وتيرتها بجنون.

وضاعف صدى تلك الصرخات إحساسه بالوحشة وهو يقف وحده مع الرجلين الذين لا يعرف عنهما شيئاً، وأراد أن يقول أي شيء ليقطع صمتهما وتحديقهما المستمر به:

  • ماذا حدث للمرأة التي كنتم تستخدمونها سابقاً في هذه الغرفة؟ هل تركت العمل؟

ضحكا باستهزاء وتبادلا النظرات..

  • بل تركت الحياة! قال أحدهما ..
  • كيف؟
  • كنا نستأجر مكاناً أكبر من هذا، رد الآخر، ثم أكمل وهو يشعل سيجارة:
  • كان العمل جيداً والأموال كثيرة، لكن قبل بضعة أشهر خسرنا كل العاملات عندنا عندما قامت الشرطة بحملة مفاجئة وحرروا كل الموجودات، وحتى من كان يعمل معنا بإرادتهن ادعين أنهن مخطوفات ليهربن من العقوبة، لحسن الحظ فقد تمكنا من الفرار قبل قدوم الشرطة بدقائق معدودة، لكننا اضطررنا إلى البدء من جديد فقمنا بخطف امرأة من نفس جنسية التي رأيتها..

صمت لحظة ليمتص الدخان من سيجارته، فأكمل الرجل الأول:

  • في العادة فإن كل اللواتي نحضرهن إلى هنا يقاومن لفترة ويحاولن الهروب عدة مرات قبل أن يستسلمن، ولكن هذه لم تتوقف لحظة عن محاولة الهروب أو استعطاف الرجال الذين ندخلهم عليها لمساعدتها، وكانت ترفض الطعام وتبكي كل الوقت، وقد ضربتها كثيراً وكويتها بالنار عدة مرات دون جدوى، وقبل عدة أيام عندما اقتربت منها حاولت حرق يدي لتهرب مستخدمة ولاعة سجائر يبدو أنها وقعت من أحد الزبائن..

أشار له الرجل الآخر ليسكته فهز كتفه بدون اكتراث..

  • إنه شاب ساذج ولا خوف منه، قال للآخر ثم أكمل:
  • آلمني الحرق ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أنهال عليها ضرباً، ولم أتوقف حتى سحبني صديقي هذا بعيداً عن جسدها الخالي من الحياة.
  • أتعني أنها ماتت من الضرب! هل استخدمت شيئاً لضربها؟
  • لا!كنت ألكمها واركلها فقط، ولكن يبدو أن امتناعها عن الطعام وبكاءها المستمر قد اضعفا قواها، رمينا جثتها في الصحراء ولا بد أن الكلاب الضالة قد أكلتها الآن، قال وهو يلوي شفتيه بلا مبالاة.

كان الخوف قد بدأ يتملكه، فقد تركه السائق وحيداً مع هذين الرجلين اللذين يبدوان كأنهما لا يتورعان عن شيء في سبيل المال، فكر أن يرحل ينتظر السائق خارجاً، ولكنه خشي أن يثير غضبهما، ولا بد أن السائق لن يخرج حتى يستنفد كل الوقت المخصص له.

  • هل تريد أن ترى المرأة الأخرى؟
  • قال له أحد الرجلين وهو يفتح باب الغرفة المجاورة.

كانت الغرفة خالية إلا من سرير قديم، لم تكن المرأة موثقة ولكنها كانت تبدو بائسة ونحيلة، كانت ترتدي ملابس بالية تغطي رأسها وجسدها كله، نظرت إليه بضعف واستسلام فصاح بها الرجلان لتخلع ثيابها..

أحنت رأسها بدون أن تتكلم وخلعت غطاء رأسها، وكان ينتظر بصمت فقد كره منظرها من الوهلة الأولى، وعندما رأى رأسها الحليق ازداد نفوره.

لقد حاولت الهروب فحلقنا شعرها لمعاقبتها، قال له أحد الرجلين مفسراً: -كانت تعمل خادمة في بيت أحد أهل البلد وهربت منهم لتقع بين أيدينا!

عندما استكملت خلع ملابسها لم يعد يدري ماذا يفعل، كان خائفاً من الرجلين ولكن تلك المرأة لم يكن فيها ما يغرى لشدة نحولها ولونها القريب من السواد، وضاعفت نظرات الحزن والبؤس في عينيها من قباحة منظرها، التفت إلى الرجلين وهز رأسه بصمت..

  • ماذا؟ ألم تعجبك هذه أيضاً؟ قال أحدهما بصوت بدا فيه الغضب:
  • على ماذا تتوقع أن تحصل مقابل خمسة دنانير؟ على ملكة جمال؟
    • اهدأ قليلاً قال الرجل الآخر لزميله مبتسماً: -ربما يفضل النوع الآخر!

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا