الثلج الأبيض:
كانت الصبية (أفسار) ذات الأعوام السبعة تمشي مع أبيها في بستان أخضر كبير ممتلئ بالزهور البيضاء ومحاط بأشجار النخيل المثمرة، ممسكة بيده تتركها بين الحين والأخر لتجمع بعض تلك الزهور. وفي إحدي المرات التي أفلتت فيها (أفسار) يد أبيها وانشغلت بقطفها اقترب رجل منهما ومعه بنت صغيرة بأعين سوداء واسعة وبشرة كلون القمح وكانت في عمر (أفسار). بعد دقائق من حديث والدها معه قال الرجل للطفلة الصغيرة التي كانت مختبئة خلفه وتراقب (أفسار) بخجل:
اذهبي يا (دعجاء) والعبي مع (أفسار)..
خرجت (دعجاء) من خلف أبيها وجرت نحن (أفسار) وجلست أمامها وبدأت باللعب معها ولم تتبادلا الحديث بل اكتفتا بنظرات شاردة، توقفت (أفسار) عن اللعب بعد ما سمعت صرخة مفاجئة من أبيها فرمت ما كان بيدها من أزهار وتوجهت مسرعة نحوه لتجده غارقاً في دمائه والرجل يقف بجانبه ينظر إليها وقبل أن تصل يده التي امتدت نحوها صرخت بقوة لتستيقظ من نومها مفزوعة وهي امرأة قد ناهزت السبعين عاماً من عمرها بأنفاس ثقيلة وقطرات عرق ساخنة غطت جبينها المتجعد لتدرك حينها أنه كان مجرد ذلك الحلم الذي يزورها من وقت لآخر منذ مقتل أبيها قبل أكثر من ستين عاماً.
نهضت (أفسار) من فراشها وأشعلت الموقد القابع في زاوية غرفتها لشعورها بالبرد الشديد وأمسكت بمسبحة خشبية كانت آخر ذكري لها من أبيها (آشور) وخلال جلوسها أمام النار دخلت عليها (نازانين) مسرعة وقالت:
ماذا بك يا خالة؟!.. لماذا تصرخين؟!
سكتت (أفسار) ولم تجب أو تلتفت نحو (نازانين) القلقة بل ظلت تحدق في النار التي أشعلتها وتقلب في تلك السبحة الخشبية وهي تتنفس بعمق..
وضعت (نازانين) يدها على يد معلمتها وقالت:
انه الحلم نفسه مرة آخري أليس كذلك...؟
سحبت (أفسار) يدها من تحت يد (نازانين) ببطء وقالت بصوت يخالطه الحزن:
وهل هناك غيره...؟
نظرت (نازانين) لوجه معلمتها الحزين وقالت:
سنأخذ بثأر أبيك قريباً أعدك بذلك يا خالة..
ابتسمت (أفسار) وهي تدير وجهها عن النار نحو وجه (نازانين) وتقول:
عندما نقدم على ذلك يجب أن نكون متعقلين..
(نازانين}َ لا أعرف أعقل منك في هذه الدنيا يا خالة..
(أفسار}َ لن أدعي العقل فقمة العقل أدنى درجات الجنون
(نازانين}َ ...
(أفسار}َ أين أخواتك؟
(نازانين}َ كلهن نائمات ما عدا (أنمار) فهي متعد من زيارتها لساحر مدينة "تيرازيس"..
(أفسار) بغضب: كيف لم تعد حتى الآن؟! الفجر أوشك على الحلول؟!
(نازانين) بخوف: لا أعرف يا خالة..
نهضت (أفسار) من مكانها بسرعة وغيرت ملابسها وهمت بالخروج فأمسكتها (نازانين) من ذراعها و قالت:
إلى أين يا خالة؟!
(أفسار) بغضب: سأذهب إلى "تيرازيس"!!
خرجت (أفسار) من المنزل وبدأت بتمتمة بعض الطلاسم وخلال ثوان انتقلت من مدينتها "بستك" إلى "تيرازيس". توجهت فور وصولها لمنزل ساحر معروف في المدينة يعرف باسم (ليوش) وطرقت بابه عدة مرات بقوة لكن لم يستجب لها أحد فقامت بتحريك أناملها في لغرفة سمعت صوت صراخ يصدر منها فدخلت لتجد (أنمار) مقيدة وشبه عارية وعلى جسدها آثار للتعذيب القاسي ورأت حولها مجموعة من السحرة يتضاحكون وهم في حالة من السكر وبينهم الساحر (ليوشي) الذي رفع كاسه في وجهها وقال:
مرحباً بكبيرة السحرة في "بستك" وربما بلاد "فارس" كلها.. تفضلي..
(أفسار) بغضب:.. ما الذي فعلتموه بابنتي؟!
ضحك السحرة وقال أحدهم:.
لقد كنا نستمتع بها كما كان الاتفاق!
(أفسار) بغضب: بالاتفاق كان ل (ليوشي) فقط!!
(ليوش) وهو مخمور:
اخرجي من هنا أيتها العجوز قبل أن تنضمي إليها!
ضحك الجميع بقوة فسكنت (أفسار) وأدارت ظهرها تهم بالخروج فصرخت (أنمار) وقالت:
لا تتركيني يا خالة!!
(أفسار) بهدوء دون أن تلتفت إليها:
استعدي للرحيل من هنا يا (أنمار)..
2
خرجت (أفسار) لباحة منزل الساحر وأغمضت عينيها وبدأت بالتمتمة حتى ظهر أمامها مارد ضخم من الجن صرخ بقوة ثم قال لها:
ما هو طلبك الثاني يا (أفسار)؟
(أفسار}َ اقتل جميع من في هذا المنزل ما عدا الفتاة وأحضرها لي ثم اخسف بالمنزل وساوه بالأرض..
(المارد}َ هل بينهم عابد؟
(أفسار}َ لا..
صرخ المارد واختفي ليتبعه بعدها صوت صرخات آتية من داخل المنزل و(أفسار) تقف في الخارج تقلب سبحتها الخشبية وعلى وجهها ارتسمت معالم الغضب. بعد دقائق خرج المارد ووضع (أنمار) تحت أقدامها وهي في حالة أشبه بالاحتضار وقال:
"لم يبق بيننا إلا واحد".. ثم رحل..
حملت (أفسار) الفتاة بين ذراعيها وقالت:
لنعد ل "بستك" يا صغيرتي..
خلال ثوان كانتا عند باب منزلهما وكانت (نازانين) وبقية الفتيات بانتظارهما. تجمعت الفتيات الأربع حول (أنمار) وحملنها للداخل وتوجهت (أفسار) نحو غرفتها ولحقت بها (نازانين) بعد ما اطمأنت على حال (أنمار) واستأذنت بالدخول ثم جلست أمام خالتها وقالت:
ما الذي حدث يا خالة؟!
(أفسار) وهي تهم بالجلوس:
لقد خدعنا ذلك الساحر الخبيث وعبث بابنتي لكي تركته لحماً مفروماً للدود!
سكتت (نازانين) ثم قامت من أمام (أفسار) وتوجهت لغرفة (أنمار) التي كانت نائمة بعد ما نظف بقية الفتيات جروحها وتركنها لترتاح ما عدا (أرتميس) التي بقيت بجانبها تبكي بحرقة. اقتربت (نازانين) منها ووضعت يدها على رأسها ومسحت وقالت:
لا تبكي فالخالة أخذت بحقها منهم..
(أرتميس}َ وهي تبكي: وما فائدة ذلك بعدما شوهوا جسدها ووجهها بالكامل؟!
(نازانين}َ نحن عصبة ساحرات وهذا الشيء ليس غريباً علي حياتنا.. سوف تدركين ذلك مع مرور الأيام..
(أرتميس}َ لماذا كان يجب أن تذهب إلى ذلك الخبيث؟!
وضعت (نازانين) يدها على فم (أرتميس) وقالت:
لا تتكلمي بمثل هذا الكلام أبداً وخصوصاً أمام الخالة!
خرجت (نازانين) وتركت (أرتميس) واحدها مع (أنمار) و توجهت لباحة المنزل لتجد بقية الفتيات (جريرة) و(مهرناز) جالستين عند النافورة تتحدثان عما حدث فقاطعتها وقالت:
الحديث في هذا الموضوع انتهى والخالة تصرفت مع من اعتدى على (أنمار) لذلك لا تثيرا غضبها بالحديث أكثر في هذا الموضوع.
(مهرناز}َ حاضر..
(جريرة) وهي تضحك: لو كانت الحالة أرسلتني لما حدث كل هذا ف(أنمار) لا تعرف كيف تتعامل مع الرجال..
(نازانين}َ ما رأيك أن تخبري الخالة هذا الكلام بنفسك؟
(جريرة}َ ...
(نازانين}َ انتهى الموضوع إذاً
..
حل الليل وقد كان القمر مكتملاً والسماء شبه صافية لكن الجو كان بارداً جدا وكانت الفتيات الأربع مجتمعات حول النار التي أوقدنها في باحة المنزل بجانب النافورة وخالتهن في غرفتها و(أنمار) كذلك، دار الحوار التالي تحت ضوء القمر:
(نازانين}َ الجو جميل هذه الليلة.
.
(أرتميس}َ أجمل ما في الليل منتصفه وأجمل ما في النهار بدايته..
(نازانين}َ كيف حال (أنمار) الآن يا (أرتميس)؟
(أرتميس) بحزن: لم تفق بعد لكنها تبكي وهي نائمة أحياناً..
(جريرة}َ هذه الفتاة مدللة ولا تصلح أن تكون جزءاً من عصبتنا!
(نازانين}َ لقد كانت فريسة لمجموعة من السحرة وأي واحدة منا لم تكن لتستطيع ردعهم و مقاومتهم...
(أرتميس}َ دعيها وشأنها يا (جريرة) فكلنا يعلم بأنك تغارين منها!
(جريرة) بصوت مرتفع:
أنا أغار من تلك الساقطة.. هل جننت؟!
(نازانين}َ اخفضي صوتك كي لا تسمعنا الخالة وتكون عاقبتنا وخيمة!
(جريرة}َ اسكتي أنت! إنها مجرد عاهرة صغيرة لم يمض على انضمامها لنا إلا زمن قليل وتتحدثان عنها وكأنكما تعرفانها أو تعرفان مشاعري نحوها!
(أرتميس) بسخرية:
الحديث معك لا فائدة منه فيجب أن لا أتوقع حسن الظن من سيئ السمعة ثم إني لا أحتاج مدة طويلة لمعرفة أنك تغارين من (أنمار)
(جريرة) بصوت مرتفع: اخرسي قبل أن أقتلك!!
(مهرناز) بهدوء مخاطبة (نازانين}َ
ليس من عادة الخالة أن تبقى في غرفتها عند اكتمال القمر.. هذه أول مرة تفعلها ففي العادة تخرج لتتأمله..
(نازانين}َ لعلها ما زالت مستاءة مما حدث ل (أنمار)
(مهرناز}َ لا أعتقد.. الأمر يتعلق بشيء آخر..
انقطع حديث الفتيات بصوت (أفسار) وهي تناديهن:
تعالين يا بنات!
توجهت الفتيات إلى غرفتها وعندما دخلن أمرتهن بالجلوس حولها ثم قالت:
لقد حان الوقت..
(نازانين) و هي مرتبكة: هل تقصدين.؟
(أفسار) وهي تهز رأسها بالموافقة:
نعم يا مقرونة.. لقد حان وقت السفر إلى "عربستان"..
(نازانين}َ لقد جمعت كل المعلومات التي طلبتها عن ساحرة "عربستان" ولقد حددت مكان إقامتها أيضاً..
(أفسار}َ لم يبق لنا إذا سوى التحرك.. جهزي الفتيات للسفر غداً..
(نازانين}َ ماذا عن (أنمار)؟.. هل ستقوى على السفر؟
(أفسار}َ لا تقلقي بشأنها سوف أسقيها خليطا سيمكنها من تحمل مشقة الرحلة..
(نازانين}َ حاضر يا خالة..
كانت (أفسار) تدرك أن الساحرات عموماً في مجتمع السحرة ينظر لهن على أنهن فئة مستضعفة ولا يعطين قيمة أو وزناً وهن في الغالب هدف سهل ومحبب لكل ساحر يبحث عن التسلية لذلك بدأت بعض الساحرات بتكوين ما يعرف بال (عصبة) والتي في العادة تضم ثلاث ساحرات أو سناً أو أحد مضاعفاتها وكانت هذه العصب تتبع نظاماً صارماً في التسلسل القيادي فلا بد أن يكون لها قائدة مخضرمة ولها تاريخ في السحر كي تبدأ في إنشاء تلك العصبة لتتفادى هجوم السحرة الذكور على أعضاء عصبتها والذين في الغالب يسعون لتدمير هذه التجمعات لأنها تمنح الساحرات نوعاً من الاستقلالية والقوة عن نظرائهن الذكور.
بعد مقتل والد (أفسار) والذي كان هو بدوره ساحراً مخضرماً انتقلت للعيش مع عمها (مهربان) وهو أيضا كان ساحراً ذا شأن في بلاد "فارس" وبقيت معه حتى تجاوزات منتصف عقدها الثاني من العمر تعلمت خلالها الكثير من فنون السحر والشعوذة وعاشرت السحار والشياطين والجن بمختلف أشكالهم وطبقاتهم فتشربت الكثير من أسرارهم في المقابل.
كانت تتعلم كل شيء منهم وكان هدفها من هذا النهم في التعلم هو الانتقام من قاتل أبيها وهو آخر شخص رأته معه خلال سفرهما ل (جزيرة العرب) أو كما يسميها الفرس "عربستان" أي "أرض العرب" وكان أبوها قد اصطحبها في تلك الرحلة عندما قرر زيارة ساحر يسمى (وصبان) ليتعلم منه طلسم يختص به ويتقنه سحرة العرب وبعد وصولهما لمكان إقامته في شرق الجزيرة وتحديداً في إقليم الهجرة تقدم (آشور) للحديث مع (وصبان) وخلال حديثها وانشغال (أفسار) باللعب مع (دعجاء) سقط أبو (أفسار) غارقاً في دمائه مما جعلها تندفع نحوه وتعانق جثته باكية حتى الإغماء.
استيقظت بعدها (أفسار) لتجد نفسها على سفينة متجهة لبلاد "فارس" وبصحبتها رجل عربي غريب لم تره من قبل وكان ممسكاً بها بشدة وكأنه يخاف أن تطير من يده ولم تتذكر (أفسار) شيئا من ملامح ذلك الرجل عدا وشم ثلاثة شموس على ظهر يده. وصل الرجل لسواحل بلاد "فارس" وسلمها لعمها ورحل ولم تره مرة أخرى.
ومنذ ذلك الوقت و(أفسار) تنتظر اليوم الذي تعود فيه ل (عربستان) لتقتص من قاتل أبيها (وصبان) وتأخذ بثأرها منه وبعد مرور ما يقارب العشرين سنة من بقائها مع عمها قررت أن تبدأ في رحلة الانتقام بالتوجه ل (عربستان) فخرجت ليلاً دون أن تودع عمها أو عائلته التي كانت عائلتها طيلة السنوات الماضية وتوجهت لمنطقة تسمى "تخت سليمان" شمال غرب "فارس" وكان هدفها من هذه الرحلة هو الالتقاء بكبار السحرة الذين كانوا يستوطنون تلك الأنحاء من البلاد.
كان هدفها من اللقاء بهم هو اختبار قدراتها لأنها كانت تعرف أن (عربستان) تضم أعتى السحرة في العالم ولم تكن تريد أن تقع ضحية ولقمة سائغة لهم. وصلت (أفسار) ليلا للوادي المسمى ب "تخت سليمان" وبدأت بالبحث عن مكان تجمع السحرة حتى وصلت لبناء من طين تشتعل خارجه نار يجلس حولها ثلاثة رجال كهله.
تقدمت نحوهم بهدوء وقالت:
هل أجد بينكم من يرشدني لكبير السحرة هنا؟
فقال أحدهم:.. ومن الذي يسأل؟
(أفسار}َ (أفسار ابنة آشور)!
فرد آخر وقال: ابنة الساحر المغدور؟
(أفسار}َ نعم
فقال لها الأول: وماذا تريدين من كبيرنا؟
(أفسار}َ هذا شأني معه
فقام الثالث وقال: اتبعيني
تبعته (أفسار) لأسفل الوادي حتى توقف واستدار نحوها وقال: هل تدركين ما تطلبين؟
فقالت (أفسار) بثقة: نعم
فرد عليها وقال: عودي من حيث أتيت فمكانك ليس هنا!
غضبت (أفسار) من كلام الرجل ورمت متاعها على الأرض وصرخت فيه وقالت:
خذني إلى حيث أريد أو أقتلك حيث تقف!
فتبسم العجوز وقال: كما تشائين يا ابنة (آشور)..
وفي لمح البصر وجدت (أفسار) نفسها معلقة في الهواء تصطدم بين الأرض وأطراف الوادي بقوة وبسرعة أفقدتها الوعي ومزقت ملابسها وخلال تلك المعاناة مر الرجلان اللذان كانا جالسين مع الرجل وقالا له:
ألم تنته بعد؟
فرد وهو يبتسم: ليس بعد اسبقاني أنتما وسألحق بكما بعد ما أنتهي من هذه الساقطة..
استمر الرجل بتعذيبها حتى بعد أن فقدت الوعي ثم رمى بها بعيداً في قلب الوادي ومضى. استيقظت (أفسار) في الصباح وعظامها محطمة وجروحها النازفة قد جذبت إليها بعض الحيوانات المفترسة التي أحاطت بها وبدأت بالاقتراب منها لافتراسها. وقبل أن يهم أحد تلك الحيوانات بذلك صرخ رجل وقال:
ابتعدوا!.. ابتعدوا!
هربت الحيوانات من حولها واقترب الرجل منها وحملها على أكتافه وسار بها لمنزله الذي كان قريبا من الوادي وقبل أن تغلق (أفسار) عينيها انتهت لقطيع من الأغنام يسير خلفه فعرفت أنه راعي غنم كان يعبر الوادي مصادفة فاطمأنت. استيقظت (أفسار) في منزل الراعي ووجدت نفسها في سريره وهي مغطاة بلحاف من الصوف المتين لأن المنطقة كانت باردة جداً. وجدت بجانبها كذلك وعاء فيه حساء ساخن لكنها لم تر الراعي فنهضت وتناولت الحساء ولاحظت أنها تلبس أحد ملابسه وجروحها قد تم العناية بها وتضميدها.
عاد الراعي في المساء ليجد (أفسار) بانتظاره ومستعدة للرحيل لأنها قامت بخياطة ملابسها الممزقة وجلست خارج الكوخ تنتظره فتقدم إليها الراعي وقال:
لماذا تركت الفراش فأنت ما زلت متعبة وتحتاجين للراحة؟
(أفسار}َ شكراً على كل ما قدمته لي لكن يجب علي أن أرحل..
(الراعي}َ إلى أين؟
(أفسار}َ لا أعرف..
(الراعي}َ ما رأيك أن تدخلي وتخبريني بما يشغل بالك؟
دخلت (أفسار) مع الراعي لمنزله وحكت له قصتها حتى لحظة فقدانها الوعي في الوادي فقال لها:
عن من كنت تبحثين في هذا الوادي؟
(أفسار}َ عن كبير السحرة الذي يعيش هنا فقد سمعت عنه الكثير وأريد أن أتعلم منه ما يجعلني مستعدة لمواجهة قاتل أبي في (عربستان)
(الراعي}َ وهل تعرفين شكله أو حتى اسمه؟
(أفسار}َ لا
(الراعي}َ وهل تظنين أن السحرة هنا سيدلونك على مكانه بسهولة؟
(أفسار}َ لا أعرف.. لم أفكر كثيراً في الموضوع
(الراعي}َ لقد عشت هنا معظم حياتي ويمكنني أن أخبرك بكل ثقة أن ما تبحثين عنه مستحيل
(أفسار}َ لماذا؟!
(الراعي}َ السحرة هنا يشكلون عصبة قوية وقوتهم تكمن في قدرتهم على البقاء بعيداً عن أعين الناس وسوف يفعلون المستحيل كي لا يعرف أحد هويتهم وخصوصاً من هو سيدهم.
(أفسار). لكني أحتاج مقابلة كبيرهم ولا يمكنني الذهاب ل "عربستان" وأنا مجرد ساحرة بسيطة. يجب أن أصل لمرتبة عالية تمكنني من الانتقام لأبي فخصمي ليس بالساحر الهين.
(الراعي}َ ..
(أفسار) وهي تهم بالنهوض: لا أريد أن أثقل عليك أكثر يجب أن أرحل وأبحث عنه!
(الراعي}َ سيقتلونك!
(أفسار}َ يجب أن أجازف..
(الراعي}َ (أفسار).. سوف أساعدك في مسعاك لكن بشرط..
(أفسار}َ شرط؟.. ما هو؟
(الراعي}َ أن تبقي معي خمس سنوات تعملين فيها عندي في رعي الغنم وبعد انقضائها سوف أدلك على من يمكنه مساعدتك في إيجاد كبير السحرة في "تخت سليمان"
(أفسار}َ ولكن... خم
س سنوات مدة طويلة..
(الراعي}َ هذا هو شرطي ولو مضت الخمس السنوات وما زلت عازمة على مسعاك فسوف أرشدك لمن يحقق رغبتك.
(أفسار}َ حسناً أيها الراعي.. سأبقى عندك خمس سنوات
خلال تلك السنوات الخمس التي أمضتها (أفسار) مع الراعي تعمل معه وتعد له طعامه وتنظف بيته وتقوم بكل ما يطلبه منها كانت تعد الأيام والدقائق في السنة الأولى كالسجين الذي ينتظر الخروج من سجنه وكان الراعي الذي يرحل في الصباح ولا يعود إلا في المساء يعاملها بكل طيب ومودة بالرغم من أنها كانت جافة معه وتخرج لتنام مع الغنم لحظة وصوله للمنزل لكن مع دخول السنة الثانية بدأت تألف وجوده وتلين تجاهه وتعامله بلطف ونما بينهما علاقة حب ومودة ولم تمض السنة الثالثة حتى تقدم الراعي لها طالباً يدها للزواج فوافقت بالرغم من ترددها في البداية. مع نهاية السنة الرابعة بدأت (أفسار) بالتوقف عن حساب الأيام لأنها كانت تشعر بسعادة كبيرة مع الراعي لدرجة أن فكرة الانتقام لأبيها لم تعد تراودها كالسابق.
حل يوم ومرض فيه الراعي مرضا شديداً منعه من الخروج لرعي الغنم ذلك اليوم فاضطرت (أفسار) أن تخرج بنفسها للرعي في الأغنام ببطء وهم يبتعدون عنها شيئا فشيئا حتى اختفوا عن أنظارها لكنها كانت مطمئنة بأن الأغنام تستطيع العودة وحدها لبيت الراعي لذلك جلست لتستريح حتى يعود القطيع من الطريق نفسه وبينما كانت جالسة تتأمل في الطبيعة الخلابة التي كانت حولها ظهر رجل من خلفها وقال:
لو سمحت يا سيدتي هل أجد عندك ما يسد جوعي؟
(أفسار) وهي تلتفت نحوه: من أنت؟
(الرجل}َ عابر سبيل.
(أفسار}َ هل تعيش هنا؟
(الرجل}َ لا.. لقد أتيت من (شوشون) بحثاً عن رجل..
(أفسار}َ عن من تبحث؟
(الرجل}َ ألن تعطيني بعض الطعام أولا كي أقوى على الحديث؟
(أفسار}َ ليس معي سوى القليل من الخبز.. تفضل
(الرجل}َ شكراً..
4
تناول الرجل طعامه ثم أكمل حديثه بعد ما جلس بجانب (أفسار)..
(الرجل}َ أتيت هنا بحثا عن كبير السحرة في "تخت سليمان" لأني أريده في أمر ما
(أفسار}َ وهل وجدته؟
(الرجل}َ ليس بعد لكني اقتربت على ما أظن
(أفسار}َ وكيف ستتعرف عليه؟
(الرجل}َ لا أعرف عنه الكثير لكن بعض من أرشدني لهذا المكان قالوا أنه يسكن في هذه المنطقة في كوخ صغير ويرعي الغنم.
في تلك اللحظة بدأ قلب (أفسار) بالخفقان بقوة وأحست بدوخة واصفر وجهها وكاد يغمي عليها فلاحظ الرجل حالتها وقال:
ماذا بك يا سيدتي هل أنت متعبة؟
(أفسار}َ لا لكني مرهقة قليلا من المشي..
(الرجل}َ هل ترغبين بأن أساعدك في شيء؟
(أفسار}َ لا.. لكن أخبرني ماذا تعرف أيضا عن كبير السحرة في "تخت سليمان"؟
(الرجل}َ بصراحة لا أعرف عنه الكثير كما هو حال كل من بحث عنه فهو شخص غامض ومنعزل عن الناس حتى أتباعه لا يعرفون الكثير عنه فهو يلتقي بهم من وقت لآخر في تجمعات سرية في قمم هذه الجبال.
(أفسار}َ وماذا تريد منه أنت؟
(الرجل}َ أريد أن أقتله..
(أفسار}َ ...تقتله؟
(الرجل}َ نعم.. لقد تسبب هذا الساحر بالكثير من المصائب لأهل مدينتي ولن تزول عنهم هذه المصائب إلا بموته.
(أفسار}َ وهل تظن أن قتله أو حتى الاقتراب منه سيكون بهذه السهولة؟
(الرجل}َ أعرف صعوبة المسألة لكني بحثت حتى اكتشفت طريقة للقضاء عليه.
(أفسار) و هي تحاول خفاء مشاعرها: كيف؟
(الرجل}َ لو استطعت فقط أن أقابله وأكون أمامه وجها لوجه فسوف أستخدم طلسما حصلت عليه من ساحر كبير يريد التخلص منه أيضا وقد أكد لي أن هذا الطلسم كفيل بقتله لو قرأته أمامه؟
(أفسار}َ وما هو هذا الطلسم؟
(الرجل}َ ولماذا تهتمين؟
(أفسار}َ لأني أعرف طريقه وأريد مساعدتك..
(الرجل}َ صحيح؟!.. أين؟!.. أين هو؟!
(أفسار}َ أخبرني أولا بنص الطلسم بالكامل وسوف أخبرك
(الرجل}َ وكيف أعرف بأنك تقولين الحقيقة؟
(أفسار}َ الأمر يعود لك لتقرر..
فكر الرجل قليلا وهو ينظر بتمعن في أعينها التي بدأت تدمع والغضب ظاهر على وجهها ثم قال:
أنا لا أعرف من أنت لكن يبدو أننا نحمل الرغبة نفسها في قتله..
فأخبرها الرجل بنص الطلسم وبعدها قالت له:
عد من حيث أتيت أيها الرجل..
(الرجل}َ كيف؟!... كنت اعرف أنك تخدعيني!!
(أفسار}َ الساحر الكبير سيموت الليلة ولا داعي لوجودك بعد الآن..
(الرجل}َ هل أخذت الطلسم مني لتقتليه بنفسك؟
(أفسار) وهي تحيد بنظرها عن الرجل: نعم.. اذهب الآن
(الرجل}َ سوف أثق بك أرجو أن لا تخيبي ظني..
رحل الرجل وعاد من حيث أتى وبعد رحيله بدقائق عاد القطيع قبل غروب الشمس ومر حيث كانت (أفسار) جالسة فقامت ومشت معهم متوجهة نحو الكوخ. وصلت للكوخ بعد غروب الشمس بدقائق ودخلت على زوجها الذي كان على سريره وقد بدأت عليه علامات التحسن فاستقبلها بابتسامة وعناق وسؤال:
لاذا تأخرت يا عزيزتي؟
(أفسار) وهي تعلق وشاحها: لم أستطع الإسراع بالمشي وكنت أتوقف للراحة كثيرا..
(الراعي) مبتسماً: لا بأس.. أنا الآن بحال أفضل ويمكنني الخروج مع القطيع غداً
(أفسار}َ كما تشاء..
(الراعي}َ لم يبدو عليك الحزن والقلق هل حدث شيء معك اليوم؟
(أفسار) وهي تجلس: لا.. أنا متعبة فقط من الطريق وأقدامي متورمة من المشي..
بعد سماع هذا الكلام قام الراعي بحملها ووضعها على الفراش وبدأ بالمسح على قدميها وهو يقول:
حياتي بدونك لا معنى لها.. نظرت له بحزن وبدأت تقرأ الطلسم وعيناها غارقتان في الدموع وزوجها يقول:
ماذا تقولين يا عزيزتي أنا لا أفهم شيئا من كلامك؟
وبنطق الحرف الأخير من الطلسم سقط الراعي على الأرض جثة هامدة وظلت (أفسار) بعدها تبكي حتى الصباح. نهضت من فراشها الذي كان زوجها ملقى تحته وخرجت للخارج وحفرت حفرة لتدفنه فيها، وبينما كانت تحفر قبر الراعي ظهر الرجل الذي أعطاها الطلسم بالأمس من خلفها وقال وهو يبتسم:
لم أكن أظن أنك بهذه القسوة يا (أفسار)..
(أفسار}َ أنت؟!.. ماذا تفعل هنا؟!
(الرجل) مبتسماً: جئت لأحصل على ما أريد
(أفسار}َ لقد قتلت الساحر الكبير وحققت رغبتك ولا يوجد سبب آخر لوجودك هنا!
(الرجل) وهو يضحك بصوت مرتفع: هل صدقت فعلا أن هذا الراعي هو الساحر الكبير؟!
(أفسار}َ ما الذي تقوله؟!!
(الرجل}َ سيدي الساحر الكبير بصحة وعافية وقد كان يريد التخلص من هذا الراعي منذ زمن طويل لأنه يزعج سيدنا بصلواته لكن لكونه شخصاً عابداً وصالحاً لم نستطع التعرض له لذلك كان لابد أن يقتله شخص مقرب منه.. كزوجته مثلاً..
بعد سماع هذا الكلام سقطت (أفسار) على الأرض وبدأت بالبكاء والنحيب بينما دخل الرجل للكوخ ليفصل رأس الراعي عن جسده ليأخذه لسيده كإثبات على موته وليحصل على مكافأته في المقابل.
خرج الرجل وفي يده رأس الراعي وقال:
عودي من حيث آتيت يا امرأة فليس لك مكان بيننا...
رفعت (أفسار) رأسها ونظرت لرأس زوجها بيد الرجل وقالت:
أقسم بعدد النجوم في السماء وألسنة اللهب في جهنم أني سأمسك برأس سيدك كما تمسك برأس زوجي الآن!
ضحك الرجل ورحل عن المكان...
بقيت (أفسار) على الأرض تبكي حتى غلبها التعب ونامت. استيقظت في منتصف الليل وهي تحس بألم في رأسها فقامت وبمجرد أن نظرت للكوخ بدأت بالبكاء مرة أخرى. توجهت القطيع الغنم وأطلقت سراحه استعداداً منها للرحيل وبينما كانت الخراف تسير نحو الوادي عاد أحدها وقد انتهت للتو من دفن جثة زوجها ووقف أمام قبره ينظر لمكان الدفن فشاهدته (أفسار) وقالت:
لست وحدك الحزين عليه فقلبي لن يعود أبداً لمكانه بعد رحيله فرد عليها الخروف وقال:
"وكيف ستبرين بقسمك لذلك الرجل؟"
سقطت (أفسار) من الصدمة عندما سمعت الحروف يتكلم ولم تستطع النطق وخلال انبهارها قال:
"اذهبي لشخص يسمي (ياجوت) في جبل "آربان"
رحل الخروف ولحق بالقطيع الذي كان متوجهاً للوادي وبقيت (أفسار) مذهولة لما رأت وسمعت وبعد زوال الصدمة جمعت حاجياتها وتوجهت لجبل "آربان". وصلت (أفسار) للجبل بعد أيام من المشي والركوب مع بعض المارة وعند بلوغها لوجهتها لم تجد أحداً عند الجبل فجلست وأشعلت ناراً تفكر في خطوتها التالية. عند انتصاف الليل بدأ النوم يداعب جفونها فنامت وتوسدت خرقة ربطت فيها بعض ملابسها وخلال نومها استيقظت لتجد رجلا عجوزا بلحية بيضاء طويلة ولباس أبيض يقف فوق رأسها ففزعت منه وهمت بالهروب لكنه ناداها وقال:
"تعالي يا ابنتي ولا تخافي فلن أقوم بإيذائك.."
جلست (أفسار) على بعد من الرجل وقالت له بتوتر يخالطه شيء من الخوف:
من أنت وماذا تريد مني؟
(العجوز}َ أنت من يريد وليس أنا..
سكتت (أفسار) قليلا ثم قالت:
"لقد أتيت هنا ل.."
قاطعها (العجوز) وقال: أعرف حكايتك كلها وأعلم برغبتك في الانتقام من الساحر الكبير لخداعه لك بقتل زوجك..
(أفسار}َ نعم هذا ما أريد..
(العجوز}َ وهل تخليت عن رغبتك في الذهاب "عربستان " والانتقام لأبيك؟
(أفسار}َ... كيف تعرف كل هذا عني؟
(العجوز}َ أعرف عنك أكثر من ذلك بكثير يا (أفسار)..
(أفسار}َ ...
(العجوز}َ يمكنني مساعدتك في تحقيق كلا الأمرين لكن الثمن سيكون باهظاً
(أفسار}َ أنا لا أملك شيئا من المال.. لا أملك غير ملابسي
(العجوز}َ بل تملكين ما هو أغلى من المال..
(أفسار}َ ما هو؟
(العجوز}َ الطفل القابع في أحشائك والذي سيرى النور قريباً..
(أفسار}َ هل جننت؟!.. هل تريد مني أن أعطيك طفلي الذي لم أره بعد؟
(العجوز}َ هذا هو ثمن انتقامك من الساحر الكبير وساحر "عربستان" وعدا ذلك لن أقبل وبدون مساعدتي لن تتمكني من الوصول للمستوى الذي يجعلك قادرة على مطارحة هؤلاء السحرة الذين تريدين هزيمتهم.
(أفسار}َ لكن هذا الأمر صعب وشاق..
(العجوز}َ الإنسان بطبعه يجتهد كي لا يخسر ما جناه أكثر من اجتهاده ليجني ما يتمني لذلك لا ترين الكثير من العظماء في هذه الحياة..
(أفسار}َ وماذا ستفعل بطفلي؟
(العجوز}َ لن يكون طفلك بعد ما آخذه منك ولا شأن لك بذلك..
(أفسار}َ هل تمهلني وقتا للتفكير؟
(العجوز}َ لديك حتى الفجر وبعدها لن أعود أبداً..
رحل الرجل العجوز وترك (أفسار) تصارع أفكارها وحدها وعند حلول الفجر عاد ووقف أمامها ولم يجلس وقال:
ما هو قرارك؟
نظرت إليه بكل ثقة وقالت:
موافقة..
ابتسم العجوز وقال:
سوف تلدين الطفل بعد شهر وخلال هذه المدة سوف أجعل منك واحدة من أقوى ساحرات بلاد فارس..
بقي العجوز معها مدة شهر كامل وقام خلاها بتعليمها طلاسم لم تكن تسمع بها أو تتخيل أن لها وجوداً كما قام بإعطائها خاتماً ذا فص أخضر وقال لها:
"مارد هذا الخاتم يخدم من يلبسه ثلاث مرات فقط وهذا المارد سيد بين قومه لكنه مربوط بالخاتم ولن يتحرر إلا إذا حرره حامله فإذا فرغت منه فقدميه لمن يستحق"
نصحها العجوز بعد ذلك بعدم الذهاب ل (عربستان) قبل أن تصبح متمكنة من مهارتها أكثر لأن السحرة هناك أقوياء ولديهم تاريخ طويل أن يعدها للذهاب هناك فقال لها:
"إذا كنت مصممة على الذهاب ل "عربستان" يجب أن يكون لديك عصبة"
فردت عليه باستغراب وقالت:
ماذا تعني بعصبة؟
(العجوز}َ عصبة من الساحرات وتكونين أنت على قمتهن وبذلك تكون الغلبة لك في أي مواجهة
(أفسار}َ وكيف أقوم بتكوين هذه العصبة؟
(العجوز}َ خذي هذا الكتاب سوف يجيب على كل تساؤلاتك..
أخذت الكتاب وبعدها وقف العجوز وقال:
"سوف تدخلين المخاض الليلة.. استعدي لتسليم الطفل عندما أعود"
تغير وجهها ودمعت عينها ثم قالت:
هل لي بطلب أخير؟
(العجوز}َ .. لا
(أفسار}َ أرجوك.. أرجوك
(العجوز}َ ما هو طلبك؟
(أفسار}َ أن أختار اسم المولود..
سكت العجوز قليلا ثم قال: لك ذلك..
دخلت (أفسار) المخاض كما قال لها في منتصف الليل وبحلول الفجر أنجبت ابنتها الأولى وأسمتها (نزيم) وبعد ولادتها بدقائق ظهر (العجوز) ومد يده ليأخذها فقامت بالممانعة قليلا فقال:
"لا تجبريني على قتلك وقتلها!"
سلمته الطفلة وبدأت بالبكاء ورحل الرجل بعد ما قال لها:
"لا تفكري يوماً بالبحث عنها.."
أشرقت الشمس و(أفسار) تحدق في قرصها المتوهج خلف الجبل وتفكر في طفلتها التي لن تعانقها مرة أخرى لكنها سرعان ما قامت ونفضت حزنها عن صدرها وقرأت أحد الطلاسم التي تعلمتها من الساحر العجوز وانتقلت في ثوان ل "تخت سليمان".
سارت بعد وصولها نحو كوخ زوجها لتزور قبره ومكثت في بيتها السابق وقضت تلك الليلة في قراءة الكتاب الذي أعطاها إياه العجوز بعد ما انتهت منه نامت على فراشها للمرة الأخيرة. استيقظت قبل المساء وبعدها توجهت للوادي الذي قابلت فيه الرجال الثلاثة أول مرة أتت فيها للمكان. لم يمض وقت طويل حتى صادفت ذلك الكهل الذي عذبها وقد كان معه رفيقاه الآخران وبمجرد أن رأوها بدؤوا بالضحك والاقتراب منها بنية إيذائها وقبل أن ينطقوا بكلمة طارت رؤوسهم جميعا في الوقت ذاته وتدحرجت أسفل الوادي لتكمل (أفسار) طريقها نحو قمة الجبل.
قبل اقترابها من القمة كان الليل قد أوشك على الحلول والشمس بدأت بالمغيب وقبل أن يحل الظلام بقليل ظهر الرجل الذي خدعها وقطع رأس زوجها من خلفها وقال مبتسماً:
إلى أين أنت ذاهبة يا زوجة الراعي؟
لم تلتفت (أفسار) للرجل وتابعت المسير فغضب بشدة وبدأ بتمتمة بعض الطلاسم وقبل أن يكملها التفتت إليه فانقطع لسانه وبدأ الدم يثور من فمه وسقط على الأرض يصرخ من الألم. أكملت (أفسار) طريقها بعد ما قطعت رأس الرجل بحركة بسيطة من سبابتها. وصلت لقمة الجبل بحلول الليل ورأت تجمعا كبير السحرة وشياطين متشكلة وفتيات كن مقيدات بالحديد وشبه عراة وكان يبدو عليهن الخوف وأثر التعذيب فقام أحد السحار وقال:
"من أنت أيتها العاهرة وكيف وصلت إلي هنا؟!"
لم تجب (أفسار) على الساحر واكتفت بمسح الخاتم الذي أعطاها إياه العجوز فظهر المارد الكبير وبظهوره خلفها أثار خوف جميع من رأوه وخصوصاً الشياطين الذين عرفوا المارد وعرفوا شأنه ورتبته في عالمهم. دنا المارد منها وقال:
"لك ثلاثة.."
فقالت له: اقتلهم جميعاً ما عدا النساء وأبق على حياة واحد منهم فقط..
بعد دقائق من الصراخ وتطاير الأشلاء والدماء مات الجميع فيها عدا الفتيات وساحراً واحداً سقط على الأرض يبكى من هول ما رآه. دنا المارد من (أفسار) وقال:
"بقي لك اثنتان.. "... ثم رحل..
توجهت بعدها (أفسار) للساحر المتبقي والذي تغطت ملابسه بدماء أصحابه وقالت له:
أين كبيركم..؟!..
فقال الساحر بخوف وتوتر وبلا تردد:
إنه في الطريق إلينا الآن لأنه كان يريد الاجتماع بنا!
(أفسار}َ حرر الفتيات من قيودهن وأرجعهن لبيوتهن وسيكون ذلك مقابل تركي لك تتنفس..
قبل الساحر يد (أفسار) وحرر الفتيات ونزل معهن من قمة الجبل. جلست على عرش من الحجر المنحوت وهو المكان الذي يجلس عليه الساحر الكبير ليخطب في أتباعه، وبعد ساعة من الانتظار أقبل الساحر الكبير وقد كان يلبس عباءة سوداء ورأسه مغطى فلم تستطع رؤية ملامحه لكنها لم تهتم واندفعت لقتله ودخلت معه في معركة طاحنة تبادل فيها الطرفان كل قدراتها وطلاسمهما.
خلال المعركة أدركت (أفسار) أن ندها ليس بالهين وفكرت في استخدام الخاتم مرة أخرى لكنها كانت تريد أن تقتله بنفسها فاستمرت في مواجهته و القتال معه حتى الفجر. بعد نزال طويل استطاعت أن تضرب الساحر الكبير في مقتل وبدأت دماؤه بالنزول بغزارة فوجدت فرصتها لتوجيه ضربة قاتلة له لكنها عندما همت بذلك رفع الساحر الكبير يده الملطخة بدماء جرحه الغائر في وجهها طالباً منها التوقف فتوقفت مؤقتاً بنية الاستمرار لكنها ذهلت عندما رفع الساحر الكبير الغطاء عن وجهه وكشف عن هويته.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا