حب الطفولة أقوى من الموت لأبو طلال الحمراني

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2021-09-27


في سبعينيات القرن الماضي شهدت الكويت قصة حب غريبة، أصبحت حديثاً وأخباراً يتناقلها الناس فيما بينهم .. قصة حب بين طفلين بريئين: غادة اللبنانية، وعبد الله الكويتي ..
حكى لي صديقي، وهو شقيق عبد الله، صاحب القصة، فقال: كان أخي يبلغ من العمر 5 سنوات عندما تعرفنا على جيراننا، وهم من الجالية اللبنانية، وأصبحت بيننا علاقة وثيقة، وزيارات عائلية، وكان عندهم طفلة صغيرة، اسمها غادة، تبلغ من العمر 5 سنوات كذلك، وبحكم الجيرة والصلة الوثيقة كان الطفلان لا يكادان يفترقان، يدرسان معاً صباحاً في الروضة، ويلعبان معاً في البيت، في براءة طفولية لطيفة، وتوطدت العلاقة بين الأسرتين أكثر فأكثر .. وبعد تخطي الطفلين مرحلة الروضة كان عليهما أن يفترقا، ولكن أخي عبد الله رفض رفضاً قاطعاً أن يفارق غادة، وأصر أن يكون معها في المدرسة، وهذا ما حصل بالفعل، رغم رفض والدي لهذا السلوك، لكن بسبب إصرار الطفلين رضخت العائلتان، وتابع عبد الله وغادة علاقتهما بعفوية وبراءة طفولية في مدرسة واحدة، وفصل واحد .. لم يكن هذا النوع من التواصل الدائم يروق لوالدي؛ لأنه يريد لابنه أن يكون رجلا في تصرفاته ومواقفه وإن كان صغيراً في عمره، وربما كان والد غادة يميل لهذا الرأي كذلك ..
انتهت المرحلة الابتدائية، وبدأت المرحلة المتوسطة، وما زال الطفلان مرتبطين ببعضهما أشد الارتباط .. وفي الصيف، قررت عائلة غادة السفر إلى لبنان لقضاء إجازة نهاية العام الدراسي، وهنا بدأت مشكلة عائلتي مع أخي الصغير .. لم يتحمل عبد الله فراق غادة، وأخذ يبكي، وتعكر مزاجه، وانكسر خاطره، ومال للعزلة والانطواء، وقد حاولت والدتي ووالدي التخفيف عنه وتشجيعه، لكن دون فائدة، وبعد قرابة الشهرين رجعت عائلة الفتاة ففرح أخي، وتحسنت حاله، وتغير مزاجه.
أصبحت غادة شابة جميلة فاتنة، وانغمس أخي أكثر فأكثر في حبها، يغار عليها من كلام الناس، ويغضب إن تحدث أمامه أحد عن جمالها وفتنتها، لقد تحول الأمر من حب طفولي بريء، إلى حب عذري عاصف .. ومرت الأيام، وما زالت العلاقة بينها تزيد وتتوطد، حتى اقتنع الجميع بأن الشابين العاشقين في طريقهما للزواج فور تخرجهما من الثانوية ..
كان عبد الله وغادة متفوقين في دراستهما، ومنضبطين في حياتهما، وهذا ما أكدته نتيجتهما في الثانوية العامة، فقد حققا الامتياز في النتيجة النهائية للثانوية، مما أهّل عبد الله للدخول إلى كلية الضباط، واضطر للسفر إلى إحدى دول الخليج لأخذ دورة هناك، وبعد انقضاء الدورة وتخرجه عاد إلى الكويت تملأه السعادة، ويقوده الشوق إلى حبيبته، وأخذ ينسج أحلاماً وردية عن أول لقاء بينهما بعد هذا السفر، وكيف أنه سيتقدم طالبا يدها للزواج، وكيف سيبدأ أن حياتهما السعيدة تحت سقف واحد .. لكن الذي حصل في الواقع غير ذلك تماماً .. فور وصوله إلى الكويت أقام والده حفل عشاء كبير بمناسبة تخرجه من الكلية، واجتمع الأهل والأحباب سعداء بالحفل، غير أن عبد الله كان ينتظر انتهاء الحفل على أحر من الجمر ليلتقي بغادة، ويخبرها بما عزم عليه من أمر الزواج، وهذا ما حصل فعلاً، فطارت الفتاة فرحاً، وأخذت تغزل أحلامها الجميلة عن حياتها الرغيدة بجانب حبيبها .. عاد عبد الله إلى منزله، والتقى بوالده يخبره بما عزم عليه من زواجه بصديقة العمر، لكنه فوجئ برفض غير متوقع من الأب، ليس هذا فحسب، بل أمره أن يتزوج من ابنة عمه، وينسى قصة غادة إلى الأبد .. كان قرار الأب صدمة عظيمة، لم يستوعبها عبد الله، ولم يتفهم أبعادها .. أصابه حزن كبير، وتملكه هم عظيم، حاول أن يستفسر عن سبب رفض الأب، وأن يبين وجهة نظره، لكن لم يجد من أبيه إلا أذناً صماء، وإصراراً عجيباً .. كاد أن يتشاجر مع والده، ويرفع عليه صوته، لكن الأب حلف يميناً بالطلاق إن لم يتزوج ابنة عمه. وقع الفتى في حيرة: زواجه من حبيبته سيكون سببا لطلاق أمه .. استعان بإخوانه وأعمامه، ليتوسطوا له مع والده، حتى إن عمه والد الفتاة التي يرغب أبوه بزواجه منها حضر إلى الأب، وقال له: ابنتي لا ترغب بابنك زوجاً، وأنا لا أريد تزويجها كذلك .. لكن كل ذلك لم ينفع مع عناد الأب وإصراره ..
وافق عبد الله على الزواج بابنة عمه، حتى لا يكون سبباً في خراب بيت أسرته وطلاق أمه، ولكنه وقع في حيرة: كيف سيخبر غادة بهذا الأمر؟ وكيف سيكون ردها؟ ترك الأمر للزمن، وتواصلت أمه مع أم غادة تطلب منها أن تبتعد ابنتها عن عبد الله في هذه الفترة، دون أن تخبرها بالحقيقة .. وفي الطرف الآخر بدأت تجهيزات العرس، وأضاءت الزينة أرجاء المنزل، وفي اليوم المحدد حضرت أم غادة تشارك في فرحة أهل عبد الله، ولم تكن تعلم أنه عرس حبيب ابنتها، وكم كانت صدمتها كبيرة عندما عرفت الحقيقة .. تركت العرس، ورجعت حزينة كئيبة إلى ابنتها: كيف ستخبرها الخبر؟ وكيف سيكون وقعه عليها؟ وبالفعل، ما إن عرفت غادة بالخبر حتى أصابتها نوبة بكاء، وسيطر عليها الحزن، ودخلت في حالة كآبة، ولم تعد تأكل، أو تشرب شيئاً، وبعد فترة نقلها أهلها إلى المستشفى بعد أن غابت عن الوعي، واضطر الأطباء لإدخالها إلى العناية المركزة بعد أن ساءت حالتها .. سمع عبد الله بحالتها، فهرع إليها، ورابط أمام غرفتها في المستشفى ينتظر خبراً أو كلمة من الأطباء، وهو صامت ساكت شاحب اللون، حتى جاءه الخبر الذي هز كيانه، وصدمة صدمة عظيمة: لقد توفيت غادة، ولم يتمكن الأطباء من إنقاذها .. وقع الخبر عليه كالصاعقة، وأصابه بذهول عظيم، فاعتزل الناس، وحبس نفسه في غرفة، وابتعد عن زوجته وأهله، وسيطر عليه البكاء والحزن والاكتئاب .. وأصاب أهله من الحزن مثل ما أصابه لشدة خوفهم عليه، وندم أبوه أشد الندم على ما فعل .. أما زوجته فقد كانت تنتظر مولودها من عبد الله، ولا تعرف كيف ستكون ردة فعله إن علم بذلك .. مرت الأيام سريعة وأدخلت زوجته مستشفى الولادة .. دخلت أمه عليه، وكلمته بلطف ومحبة، وأخبرته أن زوجته الآن في المستشفى تنتظر مولودها، وأنه سيكون أباً بعد قليل، لم يرد عليها عبد الله، ولم يلتفت إليها لحظة، فخرجت حزينة كسيفة لما آل إليه حال ابنها .. ذهب الجميع إلى المستشفى ليكونوا مع الزوجة، وكم كانت مفاجأتهم عظيمة عندما رأوا عبد الله يدخل عليهم باب الغرفة ويتوجه إلى زوجته يطمئن عليها، ويحمد الله على سلامتها .. ثم حمل طفله بين يديه وسط فرح وذهول الجميع ..
لم ينس عبد الله غادة، بل كان دائم الذكر والدعاء لها، لكنه بدأ حياته من جديد .. وهكذا دائماً، سوف تستمر الحياة، وعلينا نسيان بعض المنغصات؛ لكي تعيش بسلام.

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا