حفار القبور
رواية
ليلى الرباح
الفصل الأول
أحنى رأسه وابتعد بخطوات بطيئة والصراخ حوله ترتفع وتيرته كلما ابتعد أكثر، كأن غياب وجهه عن البصر يخفف ضغط الخوف على حناجر الموجودين ويمكنهم من رفع أصواتهم بشتمه ولعنه بألفاظ تزداد بذاءة كل لحظة..
استدار رغماً عنه عندما أصاب رأسه حجر قذفه أحدهم، فخرست جميع الأصوات حين واجههم، حاول تمالك نفسه واستجماع أفكاره ليقول شيئاً يحفظ له الهيبة التي أكسبته إياها هذه اللحظة ويوقف سيل الشتائم الذي سبقها:
- ما ذنبي أنا؟ إنني أؤدي عملي فقط!
هل أساء اختيار الكلمات؟ ربما، وربما كانت ارتجافة صوته هي ما فضحت هشاشة جوفه المرتعب، أم هل كانت الدموع التي تجمعت في عينيه أو لهجته المكسرة التي لم يتمكن قط من تحسينها لقلة اختلاطه بالأحياء، فقد عادت الشتائم تنهال عليه وأصبح الحجر الذي أصابه أحجاراً كثيرة تشارك جميع الموجودين في قذفها كأنما منح ضعفه وقوداً أشد لغضبهم الظالم عليه..
كان قد ابتعد عن مرمى غضبهم عندما لحق به الموظف المسؤول وأداره ليواجهه، ظن انه سيحاول أن يخفف عنه ويواسيه، فترك العنان للدموع التي كان يحبسها واستعد لبت شكواه عندما فاجأته صفعة ألهبت خده وأطارت ما بقي من كرامته، وقبل أن يفيق من صدمته تناثر رذاذ البصقة التي تبعتها على وجهه لتتحول برودتها إلى نار اشتعلت في جوفه..
- أيها الغبي الأحمق المتخلف! ألا تعرف كيف تخاطب الناس؟ لم لا تبقى صامتاً ما دمت لا تحسن انتقاء الألفاظ التي تستخدمها؟
- ما.. ماذا فعلت؟ لم أقترف أي ذنب!
- بل اقترفت ذنوباً كثيرة! كيف تخاطب أهل الميت هكذا؟
- ك.. كل ما.. ما قلت، ابتلع ريقه وهو يحاول بكل قواه أن يوقف تلعثمه وان لا ينخرط في البكاء كطفل صغير، ومسح البصقة التي تجمدت على وجهه بطرف كمه والغيظ والخوف يتصارعان بداخله..
- كل ما قلته هو أني أحتاج وقتاً أكثر!
- كلا! ليس هذا كل ما قلته! فقد تجرأت أن تقول أنك تحتاج لحفر قبرين وليس واحداً فقط!
كان جرح كرامته ينزف ولهيب الشمس يبدو كأنما تجمع كله في مكان الصفعة التي تلقاها، آه لو استطاع أن يمسك بخناق الموظف الهزيل الذي أمامه ليشبه صفعاً ولكماً حتى تنطفئ النار التي تشتعل في أحشائه..
خفض رأسه ليخفي الحقد الذي يستعر في عينيه وهو يقول:
- سيدي، ألم تر حجم هذا الميت؟ لا يمكن أن يتسع قبر عادي له!
- وما شأنك أنت؟ لم تطفلت بالحديث ولم يسألك أحد؟
- سمعتكم تقولون أن الدفن سيكون بعد ساعة، وأحتاج وقتاً أكثر لأوسع القبر ليكفيه.
- ومن طلب منك أن توسعه؟
- لكنه لن يكفي للميت!
- إذن دعهم يكتشفون ذلك بأنفسهم!
- ولكن هذا هو عملي يا سيدي، عملي أن أحفر القبور وأهيئها لدفن الموتى!
- إذن التزم بعملك ولا تنطق بأي كلمة لأحد ما لم يوجه لك سؤالاً مباشراً!
- وماذا سيحدث حين يتجمع المعزون وتنتهي الصلاة ويحاول أهل الميت أن ينزلوه القبر؟ إن حجم القبر الذي تعودت أن أحفره لن يكفي الميت لوحده فكيف سيكفي من سينزل معه؟ وعندها سيلوموني أنا ويتهموني بالتقصير!
- ألم أقل لك أنك غبي! من هذا الذي سيلومك؟ من يعلم بوجودك أصلاً ليلومك؟ هل سبق أن وجه أحد من أهل الموتى لك الكلام؟
طأطأ رأسه بمذلة وهو يتذكر الصمت الذي يعيش فيه بين القبور، والذي لا يقطعه إلا حضور أحد الموظفين ليلاً لفترة قصير ليحدد له مكان وعدد القبور المطلوب حفرها، وأحياناً إذا كان عدد الموتى قليلاً يكتفي الموظف بإبلاغ حارس المقبرة بالعدد المطلوب دون أن يكلف نفسه عناء الدخول والحديث معه..
حتى العمال المكلفين بتنظيف المقبرة كانوا يرفضون الحديث معه ويطردونه كلما حاول الاقتراب منهم، فقد كانوا من بلد مختلف عن بلده وبين البلدين مشاحنات سياسية، وذلك عدا نفورهم الغريزي من العمل الذي يؤديه.
كان شعوره بالوحدة قد غلبه في هذا الصباح فتسلل قرب المتجمعين الذين حضروا باكراً مع الموظف ووقفوا يتحادثون عند القبر الذي حفره بالأمس، وقد تدخل بالحديث ظاناً أنه سيفيدهم بخبرته.
- لا يا سيدي، رد مرغماً..
- هل سمعتني أنا أنطق بحرف؟
- لا يا سيدي، كرر الحفار، ولكني ظننت...
- لا تظن! لا تفكر! لا تنطق ولا تظهر وجهك لأحد! ألا تعلم أنهم يتشائمون منا وينفرون من رؤيتنا؟ وخاصة من رؤيتك أنت!
- ولكن لماذا يا سيدي؟ إني أعمل بجهد لأوفر لميتهم المدفن الملائم وأخلصهم من جثمانه الذي لا يطيق بشر رائحته بعد يوم أو يومين! ثم إني أبقى دائماً بعيداً حتى تستدعوني لأهيل التراب على الميت ولا أكلم أحداً حتى أنتهي من عملي وأبتعد!
أكمل وقد استسلم للحزن وترك الدموع تسيل على وجنتيه:
- أنت تعلم يا سيدي أن هذا هو الميت الوحيد الذي سيدفن هذا الصباح، وقد صادف أن دخلت غرفة تغسيل الموتى فطلب مني المغسلون مساعدتهم ورأيت ضخامة جسده، ولهذا فكرت..
- ألم أقل لك ألا تفكر؟
قاطعه الموظف وقد بدأت الشفقة تخامره على الحفار عندما رأى دموعه وأحس أنه قد قسا عليه..
- اسمع! سأسدي لك نصيحة أحفظها جيداً، اعمل كل جهدك لتبقى بعيداً عن أهل الميت، وحتى إذا اضطررت فإن عليك في كل الظروف ألا تكثر الحديث مع أهل الميت ما استطعت!
- ولم ذلك يا سيدي؟
سأل الحفار وقد شجعته نبرة صوت الموظف التي داخلها بعض التعاطف.
- إن الذين يحضرون الدفن يكونون عادة أحد ثلاثة، إما أن يكون يكره الميت فتراه يفتعل المشاكل ليغطي فرحته بموته، وإما أن يكون قد حضر لأداء واجب فقط ولا يعنيه الميت بشيء، فهو يتحين الفرص ويتصنع الاهتمام بأصغر الأمور حتى ينتبه الجميع لوجوده ما دام قد تجشم عناء المجيء..
- والصنف الأخير، أكمل الموظف وهو يستدير ليرحل:- فهو من كان يحب الميت فعلاً، فهو إما أن يعميه الحزن عند رؤيته يوسد القبر فتراه ينفجر في وجه من يدفنه إذا استشعر ولو قليلاً من عدم الاكتراث في وجهه أو تصرفاته، وإما أن يكون حزنه قد أنهكه فترك الأصناف الباقية تفعل ما تشاء دون أن يقوى على الاعتراض، ولهذا ففي جميع الأحوال يكون المعزون أشبه بالفتيل الجاهز للانفجار عند أول شرارة، فابتعد عنهم ما استطعت!
ظل وحيداً فأخذ يفكر فيما قاله الموظف، ولم يتسن له الوقت ليمعن التفكير، فكما توقع ما إن حاول أهل الميت السمين دفنه اتضح لهم استحالة إدخاله القبر ولو رموه فيه رمياً، وجاء الموظف إليه وهو يخفي ابتسامته، وتبعه أهل الميت..
تهيأ للقيام ليباشر عمله بصمت وهو يحاول ألا ينظر إلى وجه أحد، لكنه فوجئ بأهل الميت وهم يمسكون به ويتوسلون إليه، بل إن بعضهم قاد بدس بعض المال في يده وهم يرجونه أن ينقذهم من الإحراج الذي وجدوا أنفسهم فيه أمام جموع المعزين..
نظر إلى تلك الوجوه التي كانت مليئة بالاحتقار قبل قليل وإلى الأفواه التي كانت تقذفه بالشتائم، وأذهله التغير الذي طرأ عليها، فقد تحول الاحتقار إلى توسل وانقلبت الشتائم إلى استعطاف، وملأه الفخر وهم يحيطون به ويشجعونه وهو يقوم بتوسعة القبر غير عابئين بالتراب الذي يتناثر عليهم..
أمسك أحدهم بيده المتربة عندما توقف عن الحفر:
- هل تظن أن القبر سيكفي الآن؟ أرجوك هل أنت متأكد؟
هز رأسه بالتأكيد لكن ذلك الرجل لم يفلت يده:
- لا تذهب! ابق قريباً فربما احتجناك!
عاود هز رأسه بالموافقة وقد أحس بأهميته لأول مرة بعد وقت طويل، وخاصة أن القبر الذي قام بتوسعته قد احتوى بنجاح جسد ميتهم من أول مرة بفضل خبرته..
وما إن تنفس أهل الميت الصعداء حين انتهت هذه الأزمة حتى تقدموا إليه ليهيل التراب على ذلك الجسد البدين..
- ألن تقرأوا له الدعاء؟ قال متعجباً..
- فيما بعد، فيما بعد، هيا غطه بالتراب بسرعة!
- ولكن يجب أن يكون أهل الميت هم أول م ينثر عليه التراب وهم يدعون له، وأستكمل أنا تغطيه بالتراب فيما بعد!
تنهد الرجل الذي كان يمسك يده باستسلام وفعل ما قاله له بعقل غائب وتبعه بعض الموجودين، ثم دسوا مزيداً من المال في يده وهم يمسحون كتفه وظهره بحنو وابتعدوا مسرعين، وتبعهم باقي المعزين.
وخلال لحظات وجد نفسه وحيداً أمام ذلك القبر الواسع، أخذ يهيل التراب على الميت حتى غطاه تماماً بعد أن أنهكه الجهد، وجلس ليستريح قليلاً فانتبه أن التراب قد أخذ ينحسر عن بطن الميت الضخمة ويتساقط عن جوانبها تاركاً ذلك البطن بارزاً فيما باقي الجسد لا يزال تحت التراب، نهض ليستكمل عمله والعرق يتصبب منه ولم يتوقف حتى ساوى القبر تماماً بالأرض ونثر عليه بعض الماء.
عاد إلى غرفته البائسة ليأخذ قسطاً يسيراً من الراحة قبل أن يعود لحفر قبور أخرى للموتى الذين سيدفنون عصراً، ونسى ما حدث في غمرة انشغاله.
ولكنه لم يستطع النوم في تلك الليلة رغم تعبه الشديد، فقد كانت ذكريات ذلك اليوم الحافل بالأحداث تمر تباعاً أمام عينيه كلما أغمضها لتقض مضجعه.
نهض يائساً ليغسل وجهه للمرة المائة في ذلك اليوم ولكن دون جدوى، فقد ظل يشعر ببرودة تلك البصقة على وجهه كلما جف الماء عنه، حدق في المرآة محاولاً بجهد أن يقنع نفسه بأن وجهه وقد أصبح نظيفاً فوجد نفسه يحدق في أثر أصابع اليد التي صفعته، والذي بدا كأنه يمد لسانه له مستهزئاً به ومذكراً إياه بالذل الذي تجرع مرارته في ذلك اليوم.
عاد إلى فراشه الذي أصبح كأنه مصنوع من الشوك وترك الذكريات تتوالى أمام عينيه..
- يا وجه الشؤم!
- يا بومة الخراب!
- أيها الغراب الأسود!
- أبعد وجهك المشؤوم عنا! ابتعد يا وجه النحس!
- أيها القبيح البغيض! كيف يأتي الخير من وجه كهذا الوجه الكريه؟
تحسس أثر أول حجر تلقاه في رأسه والمرارة تعتصره، فقد كان جسده مليئاً بآثار الحجارة التي رماه بها أهل الميت البدين في ذلك الصباح، والتي تكاتفت مع ذكريات شتائمهم لتحرمه النوم.
ولكن أشد ما يؤلمه كان مذلة ما لقاه من الموظف، وفرك وجهه بعنف بيده، ثم بالوسادة ثم بطرف اللحاف حتى كاد الدم يطفر منه، قفز من فراشه وأخذ يفرك وجهه بالأرض ودموع الهوان تسيل على وجهه، ولكن كل ذلك الألم الذي أحدثه لم يفلح في تخفيف نار عجزه وذله بل زادها اشتعالاً..
تمنى لو كان يستطيع نزع جلده أو محو تلك الذكرى من ذهنه ودفنها في غياهب النسيان كما يدفن الموتى، ولكن كيف وهو لم يأخذ بثأره؟ فقد انتهى ذلك اليوم والموظف الذي سامه الذل يطبطب على كتفه ويبتسم له ويسدي له مزيداً من النصائح كأن شيئاً لم يكن، وبمرارة تذكر فرحته وهو يشرب كل كلمة وكل لمسة عطف بكل عطش وحدته الطويل وجوع قلبه إلى أي صوت بشري يبدد بذكراه ظلام ليل المقابر الصامت المخيف.
وحتى أهل الميت لم يعد يستطيع أن يستمر في الحقد عليهم، فقد بدوا حقاً نادمين على ما بدر منهم وغمروه بالعطف وأعطوه الكثير من المال، نهض عن الأرض واتجه إلى ملابس العمل المعلقة على مسمار على الحائط قرب سريره، أخرج النقود التي جمعها وأخذ يعدها محاولاً أن يغير مجرى أفكاره ويشغل نفسه عل الغضب والحقد اللذان يشتعلان في جوفه يخف أوارهما.
كان المبلغ لا يستهان به، بل كان يفوق بكثير راتبه الضئيل الذي يبعث معظمه إلى أهله في بلده كل شهر، فقد كان لا يحتاج إلا لإنفاق القليل لو اشتهى طعاماً غير ما يصرف له في المرات النادرة التي يخرج فيها من المقبرة، وكان في تلك المرات يرتدي الثياب التي جاء بها من بلده حتى لا يفزع الناس بمرأى ثياب عمله، وليتجنب الإهانات التي قد يتلقاها ونظرات الاشمئزاز التي لم يحاول أحد قط إخفاءها.
لم تدم فرحته إلا ثوان معدودة، فهو لا يعرف أحداً في هذا البلد ولا يدري كيف يصرف هذه النقود التي دفع ثمنها غالياً من عزة نفسه وكرامته، أعاد عد النقود متأملاً أن يستعيد إحساس الفرحة أو أن ينسى للحظة فقط اللهيب الذي يشتعل في قلبه، ولكن غضب الإهانة جعل تلك الأوراق كالجمرات في يده فألقى بها أرضاً وبصق عليها، ثم اتجه إلى المرآة وأخذ يبصق على صورته فيها ويلعن نفسه لأنه ظن ولو للحظة أن تلك النقود قد تداوي جرح كبريائه المهزوم.
لم يعد يدري ما يفعل ليطفئ اللهيب الذي يستعر في صدره ويزداد اشتعالاً في كل لحظة، خرج من غرفته وأخذ يجول بين المقابر عسى أن يهدأ نسيم الليل غضبه، ولكن الصمت والظلام اللذان أحاطا به كانا يبدوان أشد وطأة في تلك الليلة، وكان صوت خطواته بين القبور يرن في أذنيه كمطارق تضرب رأسه المتعب وتؤجج ناره أكثر فأكثر.
ودون أن يدري وجد نفسه أمام قبر ذلك الميت البدين، واشتعلت نار الحقد في قلبه عليه، هو السبب! إن حجمه الهائل هو الذي جلب له كل تلك الإهانات بالأمس، فلو كان ميتاً عادياً لما وجد نفسه مضطراً إلى الكلام مع أهل الموتى ولما ناله منهم ومن الموظف.
أعماه الغضب فوقف القبر الطري وأخذ يكيل الإهانات للميت، كان يعلم أنه لا يستطيع سماعه ولكنه كان يأمل أن تهدأ نار غضبه ولو قليلاً:
- أيها الخنزير القذر! أيها النهم الجشع! كم ابتلعت من الطعام أيها الثور الغبي؟ هل ظننت أن أطنان الطعام التي تلتهمها ستطيل عمرك؟ لكن كنت تسمن نفسك أيها الأحمق؟ ها أنت قد أصبحت وجبة دسمة للدود الذي لا بد أنه يقيم عيداً الآن احتفاءً بك وبلحمك الشهي وشحمك الوفير الذي سيكفيه لأسابيع عديدة!
كان صدى صوته يتردد في هدوء المقبرة في تلك الساعة المتأخرة من الليل، وكان يعلم أن أحداً لن يسمعه فليس حوله إلا الموتى وغرفة حارس المقبرة كانت بعيدة جداً.
لم تهدأ نار غضبه فأخذ يقفز فوق القبر ويركل التراب بكل قوته، ثم بصق عليه، ثم أنزل بنطاله وتبول عليه، وعندها ارتاح قليلاً فاتخذ طريقه عائداً إلى غرفته وقد هدأ لهاث أنفاسه بعض الشيء.
دخل غرفته واستلقى على فراشه وحاول النوم من جديد، ولكن الذكريات الأليمة عادت تراوده، وأخذ يحاول هزيمتها بتذكر ما فعله بالقبر وتدنيسه له، ولكن ذلك كان يبدو هزيلاً بالمقارنة بما سببه له ذلك الميت من ذل وإهانة، أخذ يتقلب في الفراش محاولاً بيأس إغماض عينيه اللتين جعلهما الغضب تجحظان من محجريهما وصور ما تعرض له في ذلك اليوم تدور أمامه كأنما حفرت حفراً في عينيه وعقله.
استدار إلى الحائط ففجأة منظر الرفش الذي يستخدمه في الحفر المسند إلى الحائط كأنه يراه لأول مرة، ولمعت في ذهنه فكرة مجنونة جعلت فمه يلتوي بابتسامة شيطانية..
لم يدم تردده سوى لحظة، قفز بعدها من الفراش وحمل الرفش وانطلق خارجاً بأقصى ما في قدميه من سرعة، وقف أولاً عند نافذة غرفة الحارس وتأكد أنه يغط في نوم عميق، ثم جرى إلى قبر ذلك الميت وجنون الغضب يكاد يوقعه أرضاً في كل خطوة..
توقف لحظة عند القبر ليسترجع أنفاسه، ثم أخذ يغرز رفشه في التراب ويرميه إلى جانب القبر، وأخذ التراب يرتفع والقبر ينخفض شيئاً فشيئاً، ندم لأنه أحسن تغطية القبر في الصباح، فقد استغرقت إعادة حفره وقتاً وجهداً أكثر مما توقع، وازداد حقده على ذلك الميت محملاً إياه حتى جريرة التعب الذي كان عليه تحمله ليحصل على الانتقام الذي تاقت نفسه إليه..
برزت بطن الميت فوق التراب ثانية فضربها برفشه بكل قوته..
- خذي أيتها البطن التي لا تشبع! كم احتويت من الأطايب في حياتك! وكم تحكمت في صاحبك الغبي الذي لم يكن له شاغل غير ملؤك بكل ما يشتهي! خذي هذه وهذه! اشبعي ضرباً الآن كما شبعت طعاماً في حياتك! هل اكتفيت أم لا زلت كما كنت دوماً ترغبين في المزيد ولا يكفيك كل ما كان يقذف فيك كأنك بئر بلا قرار، ها أنت قد بلغت القرار وسوف يجول الدود في أحشائك المنتنة ويصول، لولا نهمك الذي لا ينتهي لما حل بي كل هذا!
وعندما اكتفى من ضرب بطن الميت أخذ يكشف التراب عن وجهه، توقف لحظة ليتأمل ذلك الوجه السمين، ثم صفعه بكل ما في قلبه من غيظ فارتجت وجنتاه المكتنزتان من أثر الصفعة، أعاد الكرة مرات ومرات حتى هدأت النار التي كانت تشتل في وجنته وأحس بلهيب أثر الأصابع عليها وقد خفت وطأته بعد أن نفس قليلاً عن غضبه..
جلس قليلاً ليرتاح على حافة القبر، ثم عاوده الغيظ فهبط القبر ثانية وصفع الميت من جديد، كان رنين الصفعات التي استمر يسددها للميت ينزل برداً وسلاماً على قلبه المشحون بالحقد..
تعبت يداه فتوقف لحظة، ثم تذكر باقي الإهانات التي تعرض لها فبصق على وجه الميت عدة مرات، أدار ذلك الوجه البغيض وبصق عليه من جميع جوانبه ولم يتوقف حتى اكتفى، وكان طوال ذلك الوقت يسب الميت ويصفه بأقذع الأوصاف:
- هيا! قل شيئاً! دافع عن نفسك! لا بد أن حجمك الكبير كان يخيف الناس في حياتك ويجبرهم على تجنب غضبك! ماذا سيفيدك حجمك الآن؟ إنك تستطيع حتى مسح بصقاتي عن وجهك!
استنفد قواه فوقع جالساً على بطن الميت، وفاجأه أن تلك البطن انخفضت تحت ثقله فاختل توازنه ووقع على وجهه ليصبح بمحاذاة وجه الميت، لم يكن يدري هل انخفض البطن بتأثير الضربات العديدة التي وجهها له بالرفش أم بتأثير الموت، لكن ما حدث أعاد إشعال نار غضبه فأخذ يضرب الميت على وجهه وصدره وكل ما طالته يداه ورجلاه..
استند على حائط القبر ليرتاح من الجهد الذي بذله، ورغم كل ما فعله فقد كان يحس أن بركان الغضب في صدره لم يخمد بعد، أزاح الكفن عن جسد الميت وأخذ يصيح به:
- انظر إلى نفسك! لقد نبت لك ثديان كأثداء النساء من فرط نهمك!
وأخذ يضغط حلمتي صدره ويشدهما بقسوة محاولاً اقتلاعهما، وعندما لم يفلح عاود الصراخ:
- حتى معالم رجولتك قد اختفت تحت وطأة الشحم الذي يغطيك! لا بد أنك مت وحيداً فلا توجد امرأة تقبل بالزواج من خنزير مثلك! وربما لم ترغب أنت بالنساء أبداً فقد كان كل همك هو التهام الطعام!
واخذ يضرب أسفل بطنه بكل قواه وهو يكرر:
- هل تشعر بهذا؟ هل ندمت الآن لأنك لم تستغل جسدك إلا للطعام؟ لو كنت حياً لفقدت الوعي من الألم! ولكنك ميت الآن كما كنت ميت القلب في حياتك!
حول غضبه إلى رأس الميت وانهال عليه ضرباً وهو يصرخ:
- لو كنت قد استخدمت عقلك البليد هذا لفكرت ولو للحظة في العذاب الذي وضعت أهلك فيه، لقد انقطعت أنفاسهم وكادوا يفقدون الوعي من التعب وهم يحملونك، وما كادوا يسترجعون قواهم بعد الصلاة عليك حتى أغرقهم الخجل عندما لم يكفك القبر الذي يكفي ويزيد للبشر الطبيعيين!
- لهذا شتموني وضربوني عندما ذكرتهم بما كانوا يحاولون تناسيه! أنت السبب! أنا لست غراباً ولا بومة بل أنت الغراب! وجهك السمين هذا هو وجه الشؤم وليس وجهي الذي لم أفسد ملامحه بالإفراط في الطعام حتى ضاعت معالمه مثلك!
وفجأة هدأ غضبه تماماً وتوقف عن ضرب البيت، لقد اكتفى أخيراً واستوفى ثأره، قفز من القبر وجلس على حافته يتأمل ما فعله، كان جسد الميت قد امتلأ بالضربات وازرق وجهه من أثر صفعاته، ولم تستعد بطنه حجمها الأول بل ظلت منبسطة منذ جلس عليها، نهض والتقط الرفش وأوشك أن يبدأ بردم القبر عندما تذكر شيئاً آخر لم يفعله..
هبط القبر من جديد وقلب الميت على وجهه، ثم أخذ يصفع مؤخرته السمينة وهو يقهقه بالضحك لمنظرها وهي تترجرج كلما صفعها، وأطفأت ضحكاته بقايا غضبه فخر من القبر والدموع تسيل على وجنتيه، ولم يحاول منعها فقد كانت دموع الفرح والسرور وليست دموع القهر كالتي ذرفها في ذلك الصباح.
ردم القبر كما كان ثم عاد إلى فراشه ونام قرير العين دون أن يعكر صفو أحلامه ولا للحظة أي شعور بالذنب أو خوف من العقاب، وممن سيخاف وكل من كان حوله موتى لا حول لهم ولا قوة ولا يستطيعون الكلام.
ظل هادئ النفس ولم يتوقف عن الابتسام لعدة أيام بعد ذلك، كانت المرة الأولى التي ينفس فيها عن غضبه بأحد الميتين أو حتى يلمس فيها ميتاً لغرض عدا تغسيله أو دفنه، وتركته تلك التجربة مفعماً بالشعور بالقوة والسطوة..
أجل! إنه قوي الآن ولن يسمح لأحد كائناً من كان أن يؤذيه أو يسيء معاملته، وغن تجرأ أحد وفعل ذلك فالويل له من انتقامه الرهيب، وكم سيستمتع بإلحاق أقصى العقوبة بكل من يجسر على التعرض له، فلا زال يجد في فمه طعم الانتقام اللذيذ كلما تذكر خنوع جثة ذلك البدين بين يديه وزنين صفعاته على وجهه العاجز السمين.
لن يتذلل بعد ذلك لأحد أو يتسحب مطأطأ الرأس قرب أهل الموتى ليتسول بنظراته فتات أموالهم، سيؤدي عمله ويبقى بعيداً ما استطاع كما نصحه ذلك الموظف الذي أصبح بعد تلك الحادثة أكثر قرباً منه، فلم يعد يلقي إليه بالأوامر على عجل ويرحل سريعاً، بل أصبح يقف بقربه أحياناً ليثرثر معه عن الميت القادم وكم كان عمره وكيف مات.
وبحسن نية كان الموظف يزوده بمعلومات مهمة عم مدى ثراء الميت أو فقره ومكانته الاجتماعية، وفي ضوء تلك المعلومات كان يحدد الموتى الذين يستحقون المخاطرة بالاقتراب من أهلهم أو الاكتفاء بأداء واجبه من بعيد لفقرهم، فقد أنساه الطمع بعد عدة أيام فقط وعوده لنفسه أن يحفظ كرامته ولا يتسول المال من أحد.
وما الضرر الذي قد يصيب كرامته من هؤلاء الأغراب الذين ربما لن يراهم مرة أخرى في حياته إلا جثثاً هامدة ربما تولى هو دفنهم تحت التراب وأصبحت أجسادهم تحت رحمته؟ لقد حصل في يوم واحد على ما يفوق راتبه لشهر كامل، فأهل هذا البلد أغنياء وإذا أحسن اختيار الوقت والأشخاص فسيحصل على الكثير من المال.
لقد كان في السابق ذليلاً ومنكسراً حقاً، ولكنه الآن أصبح قوياً ولم تعد تلك المسكنة التي كانت تصبغ تصرفاته كلها إلا ذكرى من الماضي، احتفظ منها فقط بقناع يرتديه على وجهه عندما يحتاج لذلك، فليظنه الناس مسكيناً، ما المشكلة؟ المهم أن يحصل بفضل ذلك الانكسار الذي يتصنعه على المال من زوار المقبرة وعلى العطف وحسن المعاملة والمعلومات التي يحتاجها من موظف المقبرة.
وأصبحت تلك المعلومات وما يراه من تصرفات أهل الموتى والمعزين وقوداً لتخيلاته وأحلامه والقصص التي ينسجها حول الموتى ليتسلى بها في ليلي المقبرة الطويلة الصامتة، ولم تعد وحدته مؤلمة كالسابق، وفهم أخيراً كيف استطاع حارس المقبرة المسن البقاء في ذلك العمل الموحش كل تلك السنين وكيف يمضي الأيام دون أن يفتح فاه بكلمة إلا إذا اضطر لذلك.
لم ينس يوماً غضبه من ذلك الميت الذي غير حياته، فقد استمر بنبش قبره بين حين لآخر ليتمتع بمنظر جحافل الدود وهي تخرج وتدخل من عينيه وفمه ومن فتحات أخرى صنعتها بمرور الوقت في جسده الضخم، والذي كان يتضاءل أكثر فأكثر كل مرة يفتح فيها القبر، حتى لم يبق منه إلا هيكل عظمي فارغ من أي مزعة لحم، وعندها بصق عليه لآخر مرة وهو يقول له باحتقار أنه أصبح أخيراً بحجم الناس الطبيعيين.
دفع بالعظام إلى جانب القبر وردم باقي القبر ليصبح جاهزاً لساكن جديد ما أن يمر بعض الوقت وينسى الموظف وحارس المقبرة لمن كان هذا القبر، ولم يكن يحمل هماً لأهل الميت فلم يأت أحد لزيارته منذ أودعوه التراب، كأنهم قد تخلصوا من حمل ثقيل بفراقه، أو ربما أرادوا أن يطووا صفحة تلك الذكرى المحرجة وينسوا كل ما حدث في يوم الدفن المشؤوم ذلك.
الفصل الثاني
استيقظ في صباح أحد الأيام وهو يحس بالملل والسأم، لم يكن هناك موتى لدفنهم هذا الصباح، وحتى من سيدفنون بعد صلاة العصر كان عددهم ثلاثة فقط، لذا لم يكن لديه ما يفعله، قرر أن يخرج من المقبرة ويذهب للتسوق في السوق المركزي الذي يبعد قليلاً عن المقبرة.
لم يكن يحتاج شيئاً كما أنه يكره إنفاق المال، وخاصة الآن وقد اقترب من جم المبلغ الذي يحتاجه لسداد ما استدانه من كل من قبل إقراضه من بلده ليستطيع القدوم إلى هذا البلد، كان يرغب فقط في رؤية الأحياء، رؤية ناس يمشون ويأكلون ويتسوقون ويعيشون حياتهم، وكان يتمنى أن يسمع كلاماً، أي كلام كان، لا يدور حول الموتى أو الموت.
ارتدى ملابسه وأقفل غرفته وخرج، وعندما وصل إلى سور المقبرة نظر إليه الحارس بتساؤل..
- لن أتأخر! قال له:- سأعود بعد صلاة الظهر.
هز الحارس رأسه بدون أن يتكلم كعادته فودعه وانطلق في طريقه، مشى لبعض الوقت حتى ابتعد قليلاً عن سور المقبرة، كان ينظر بفضول إلى البيوت المجاورة للمقبرة وهو يتساءل كيف يعيش هؤلاء الناس حياتهم، وهل وجودهم بهذا القرب من القبور يجعلهم يمتنعون عن ارتكاب الخطايا أو على الأقل يترددون قبلها، هل يحوم طيف الموت فوق رؤوسهم وهم يأكلون وينامون ويربون أطفالهم، أم هل جعلهم قربهم من الموت يندفعون لتحقيق كل ما تصبو إليه أنفسهم، والاستمتاع بكل لحظة من حياتهم بدون اكتراث للعواقب، ما دام مآلهم إلى تلك المقبرة الموحشة قربهم.
كان قد اقترب من الشوارع الرئيسية عندما أخرجه من أفكاره بوق سيارة توقفت قربه فجأة..
- هل تريد تاكسي؟ سأله السائق بلغة عربية مكسرة..
استدار ليرفض بدون تفكير، فلم يكن يدري إلى أين يذهب بالتاكسي فهو لم يخرج قط من هذه المنطقة، ولكنه عندما رأى وجه السائق تردد، فقد كانت ملامحه قريبة من ملامحه هو، وفكر أن هذا السائق قد يكون من بلده فرد عليه بلغة بلده بالرفض ليتأكد..
- يا صديقي! صاح السائق بلغة بلدهما وقد أضاءت ملامحه السمراء ابتسامة واسعة:- أنت إذا من بلدي! لماذا تريد أن تركب معي إذن؟
- أنا جديد في هذا البلد ولا أدري أين أذهب، قال له كاذباً، فقد أمضى عدة سنين في هذا البلد، ولكنها كانت كلها عدا ساعات قليلة داخل سور المقبرة.
- اسمع، إن العمل قليل في هذه الساعات من الصباح، فلا يوجد الكثيرون ممن يخرجون على أقدامهم في هذه الشمس المحرقة، سوف أعطيك سعراً خاصاً لأوصلك إلى حيث تريد، هيا إذن! إلى أين تريد الذهاب؟
- لا أدري، أريد أن أذهب إلى مكان مزدحم بالناس.
قهقه السائق متعجباً:
- أنت أول شخص يطلب مني هذا الطلب، كل الناس يريدون الهروب من زحام الناس وأنت تبحث عنه؟
ارتبك وتدافعت الأفكار في رأسه، كيف يجيبه؟ هل يخبره عن لياليه الموحشة؟ عن الصمت الذي يعيش فيه بين القبور؟ عن الأيام الطويلة التي يمضيها بدون أن يتبادل الحديث مع أحد أو حتى يسمع صوت بشر؟ عن الفرحة التي تغمره في هذه اللحظات وهو يسمع من يسأله عما يريد لأول مرة منذ عدة سنين، وحتى لو كان السائق يفعل ذلك من أجل المال فقط، فما المانع من أن يدفع ثمناً زهيداً مقابل سعادة كهذه؟
أحس السائق بارتباكه، وكانت أبواق السيارات تدوي من خلفه..
- اسمع! اركب الآن وسنتحدث في الطرق!
صعد السيارة وهو يتصبب عرقاً، لم يكن معتاداً بعد على ركوب السيارات فلم يكن هناك الكثير منها فر قريته، نظر إلى السائق بإكبار وهو يشق طريقه بين زحام السيارات ويمسك مقود السيارة بيد واحدة فيما اليد الأخرى تمسك بسيجارة كادت تنتهي.
كان ينظر إلى السيارات حوله بشيء من الفزع، فقد كانت وجوه قائدي المركبات من حوله تزدحم بالانفعالات، كان أغلبهم عابساً فقد كان الحر شديداً، ولكن حتى عبوسهم كان مختلفاً عن عبوس الوجوه التي تعود رؤيتها في المقبرة، فهؤلاء كانوا عابسين لما يعلمه الله من هموم معيشتهم، أو لضيقهم بزحام الطرق وتعجلهم للوصول إلى أعمالهم، أما عبوس زوار المقابر فقد كان مبعثه حزن النهاية، لوعة الفراق الذي لا لقاء بعده في هذه الدنيا وهم تحمل كل المسئوليات التي خلفها الميت وراءه، وحتى م كان الفرح يتراقص في أعينهم لفراق الميت، وخاصة إذا كان ثرياً وبخيلاً، كانوا يحاولون بجهد رسم قناع من الحزن والعبوس على وجوههم.
- هل قررت إلى أين تريد الذهاب؟
أخرجه سؤال السائق من تأملاته فرد بتمهل إذ كان رنين صوته داخل تلك السيارة المغلقة يبدو له غريباً: - خذني إلى السوق.
- أي سوق؟
- لا أدري! أريد أن أشتري بعض الملابس.
كان هذا كل ما استطاع أن يفكر به، وكان يعمل فكره لتخيل سؤال السائق القادم وإعداد الرد المناسب في الهدوء الذي تبع جوابه الأخير.
وفجأة قفز من الخوف حين خرج صوت بشري من مكان ما أمامه..
- أين أنت الآن؟ صاح ذلك الصوت بلغة عربية ولكن لكنتها كانت غريبة على مسامعه.
- في الشارع القريب من المقبرة!
صاح السائق مجيباً وهو ينظر إلى لوحة السيارة أمامه.
كانت عيناه تدوران من الفزع وهو ينقل بصره بين السائق ولوحة القيادة التي أمامه، من أين يخرج هذا الصوت؟ وكيف يسمع ما يقوله السائق له؟ إنه يعرف الهاتف النقال فقد رآه كثيراً من قبل، لم يكن يحمل شيئاً في يده..
- هل معك راكب؟ صاح ذلك الصوت.
- معي راكب واحد التقطته قرب المقبرة.
- لمَ لم تشغل العداد إذن؟
- لقد صعد لتوه، سأشغله حالاً يا سيدي!
- إلى أين تأخذه؟
- إنه يريد الذهاب إلى المنطقة المجاورة فقط، قال وهو يغمز بعينه إليه:
- سيكون مشواراً قصيراً لكني لم أجد راكباً سواه.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا