أبواب الحسد
كلّ شيء يصرخ بي: أنتِ أنثى. لعنةٌ هو الجسد الأنثويّ حين تحُطّ عليه عيون الصّقور والثعالب فلا ترى فيه غير مواقد اللّهب، ولا تأبهُ أن تبحث عن مواطن الجمال في العقل والروح. لذلك، ورغم اعتزازي بما وهبني الله من جمال بدأتُ ألعنُ جسدي الجميل. وأتمنذى لو نت رجلاُ تُفتحُ ليَ الأبواب دون أن تُهرسَ إنسانيّتي من أجل مكان أحقّق من خلاله طموحاتي وأحلامي، وأؤكّد قيمتي كفردٍ كفءٍ قادرٍ على الفعل والعطاء.
حين انطلقت زغاريد أمي في لحظة تخرّجي. لمعتْ أمامي ألفُ نجمة وأنا أحصدُ ثمرة سهري وجهدي. وبدأتُ أحيك لأكبر الأحلام أن أحظى بوظيفة تتناسب والنجاح الذي حققته.
بدأتُ أطرق أبواب الشركات، فإذا بكل باب يُفتح لي ويستقبلني أصحابه بوجوه مُتهلّلة وعيون مبهورة تفور بالرّغبة. كانوا يقدّمون صَكّ القبول قبل النظر إلى شهادتي أو السؤال حتى عن اسمي.
صدمني هذا الواقع. وعزّ عليّ أن أكون لقمة سهلة للطّامعين، كنتُ أحسّ بسهم يخترقني من أخمص قدميّ حتى قاع عيني فأبكى وألعنُ جمالي الذي يفتح لي الأبواب بسهولة ولا يفتح لهم باب عقلي ليتعرّفوا على مقدار وعيي وعلمي. كنت أغلقُ تلك الأبواب وأبحث عن غيرها على أمل أن أجد باباً شريفاً وعادلاً يهتمّ بأوراقي لا بجمالي. لكنّ الأبواب كلها تشابهت.
ابتلعُ حسرتي. انزويتُ في البيت. لاحقتني أمي بأسئلتها، حسبتْ أنني لم أحظ بالقبول فعرضت عليّ أن نلجأ إلى بعض المُنقذين ليتوسّطوا لي عند أصحاب رؤساء الشركات الكبيرة.. لم تدرك أمي أنني أملك أكبر الوساطات، أعني - جمالي - فأشفقتُ عليها، ولم اشأ أن أفجعها بالواقع المُر.
ماذا لو أنني أستغليّتُ هذا الجمال؟ إنه بالتأكيد سيحقق لي المرتبة العالية والرّاتب السّخيّ، لكنه سيكون الجحيم الذي أسقط فيه لقمة سهلة للذئاب التي ستنهش لحمي، وتحطّ من كرامتي. كان لا بد أن أبحث عن طريقة أدفن بها جمالي لتكون شهاتي وحدها بواّبة عبوري إلى الوظيفة التي أستحقها.
تفاجأت أمي في الصباح حين رأتني أرتدي العباءة، وأستر وجهي بالنقاب. احتدّت، اعترضت، لكنني تمسّكتُ بقراري، وخرجت ساعية إلى تلك الأبواب التي رحّبت بي من قبل، ففوجئت بها تغلقُ في وجهي. لم أيأس ظللتُ أطرق أبواباً أخرى مؤمّلة أن أجد باباً عادلاً يتأمّل أوراقي قبل أن يتأمّل وجهي وجسدي. لكن الأبواب كلها تشابهت وما زال بحثي مستمراً.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا