دموع التماسيح
25/10/1994م
بلدة يونيون
شمال كارولينا
فظهرت الأم تصرخ باكية تخاطب العامة والصحافة والشرطة تستجدي عواطفهم من أجل أطفالها المختطفين وتخاطبه الخاطفين مستنجدة.
لكن أخطاء بسيطة كشفت كذبها وجرمها الذي أذهل الجميع
جريمة هزت المجتمع الأميركي واستقطبت اهتمام الجميع بمن فيهم الرئيس
الواقعة الفظيعة التي تركت ندوبًا لا تمحى على حياة البلدة الصغيرة وسكانها الذين عاش غالبيتهم على صناعة النسيج.
فمن هي هذه الأم؟
وما حكايتها؟
بدأت الحادثة حين ادعت الأم سوزان سميث 23 عامًا للشرطة أن شابًا أسود البشرة اختطف طفليها مايكل 3 سنوات وأليكس 14 شهرًا وفر بهما إلى جهة مجهولة.
زعمت أن المجرم اقتحم سيارتها عنوة لدى وقوفها أمام إحدى إشارات المرور وأمرها بمتابعة القيادة إلى بقعة بشبه مهجورة حيث ألقى بها خارج السيارة ومضي بالصغيرين.
خيم الحزن على البلدة
وبكى الجميع مع الأم الشابة التي ظهرت على شاشة التلفزيون تتوسل إلى الخاطف بصوت متهدج كي يعيد إليها طفليها.
حشدت سلطات الشرطة كل إمكاناتها للعثور على الطفلين وانطلق المتطوعون يبحثون عنهما.
ولم يتركوا جزءًا من ريف البلدة إلا وجابوه على متن خيولهم أو سيرًا على الأقدام من دون أن يعثروا على خيط يدل عليهم.
ومع مرور الوقت أخذ الأمل باستعادة الطفلين يخبو
وبدأ الشك يخامر سلطات الشرطة بسلامة الرواية التي سمعوها من الأم.
وحسمًا للشك تقرر اختبار صحة أقوالها بواسطة جهاز كشف الكذب.
فجاءت نتيجة اختبارين متتاليين في غير مصلحة الأم!
بالإضافة لوجود ثغرات عدة شكك بها رجال الشرطة منها:
ادعاءها لحظة اختطاف طفليها بأن الإشارة كانت حمراء في ذلك التقاطع من الطريق لكن النظام الآلي يقضي بأن تظل الإشارة خضراء دائمًا.
الثغرة الثانية كانت من خلال الساعات الطويلة التي قضتها سوزان مع رجالي التحقيق والخبراء تكلمت أكثر من مرة عن أطفالها بصيغة الماضي ولفتت أنظار الكثير إذ تكلمت كما أنها فاقدة الأمل تمامًا في استعادتهما أحياء، أما آخر الثغرات فكانت بكاءها الدائم بلا دموع وهذا ما لاحظه الخبير الذي تولى إدارة أمر جهاز كشف الكذب.
وتعززت القناعة بأن سوزان تخفي بعض الحقيقة خاصة حين وجد المحققون في شقتها بمحض المصادفة رسالة من صديق ارتبطت به بعد انفصالها عن زوجها يبدي فيها استعداده للعيش معها بشرط أن يخلو البيت من الأطفال!
وبعد عشرة أيام والضغط الشديد انهارت الأم واعترفت بذلك السر الرهيب.
فقد اعترفت بقتل طفليها اللذين ذرفت عليهما دموع التماسيح مرات عدة على شاشات التلفاز ودلت المحققين إلى مسرح الجريمة والمكان الذي أغرقت فيه السيارة وعلى متنها مايكل وأخيه أليكس!
وفعلًا استطاع رجال الضفادع البشرية من العثور على السيارة وبداخلها الطفلان.
اعترفت المجرمة أنها قادت سيارتها في الطرق الريفية المؤدية للبحيرة بصحبة طفليها اللذين كانا بالمقعد الخلفي وحين وصلت للبحيرة قامت بقيادة سيارتها إلى الرصيف المائل والمخصص لإنزال القوارب في الماء.
وتذكرت الخطاب الذي تلقته من عشيقها الذي أبلغها بأنه سوف يقطع علاقته بها التي استمرت عامًا كاملًا.
كانت سوزان قد بدأت عملها الجديد في الشركة التي يملكها والد صديقها ونشأت بينهما علاقة آثمة حيث إنها كانت لا تزال متزوجة من والد طفليها دافيد.
بدأته هذه العلاقة بالخروج لتناول الطعام والذهاب إلى السينما وانتهت إلى علاقة حميمية خلال فترة قصيرة فقد كانت تطمع خلالها للزواج منه وتحلم بالانتساب لأسرته البالغة الثراء.
تلقت سوزان هذا الخطاب منذ أيام وقد أخبرها توم في خطابه أنه لا يستطيع الارتباط بامرأة لديها طفلان وأنه يريد تكوين أسرته الخاصة دون أن يتحمل عبء تربية أبناء رجل آخر.
كانت السيارة تقف الآن في منتصف الرصيف عندما خرجت سوزان منها ونظرت بتبلد إلى الطفلين البريئين النائمين في المقعد الخلفي وبطريقة آلية مثل الرجل المنوم مغناطيسيًا تحركت بيدها الآثمة وأطلقت فرامل السيارة وأغلقت الباب بهدوء.
بدأت السيارة بالانحدار ببطء وشرعت في الدخول إلى مياه البحيرة الداكنة، أما سوزان فوقفت تشاهد هذه المأساة بعيون جامدة ووجه خال من التعبيرات حتى انقلبت السيارة فجأة رأسًا على عقب، وبدأت تغوص في الأعماق واختفت تمامًا عن نظرها.
لتبدأ واحدة من أشهر المآسي حين حطمت تلك الأم إحدى أقوى الروابط المقدمة الموجودة بين البشر عندما خانت الثقة الفطرية الوراثية التي تربط الأم بأطفالها.
وعند الانتهاء من جريمتها الفظيعة هرعت مسرعة لتقرع باب أحد البيوت القريبة من البحيرة وتطلب المساعدة وتحكي قصتها الكاذبة أن رجلًا أسود قام باختطافهما.
ادعت الأم المجرمة أنها كانت تنوي الانتحار معهما لولا أن إرادتها ضعفت.
فحاولت عبثًا إيقاف السيارة قبل فوات الأوان فلما لم تفلح أحست بمرارة وندم قاتلين يجعلانها عاجزة عن تفسير ما حصل!
تحول قلق الآلاف في البلدة وخارجها إلى غضب جارف.
وطالب أبناء البلدة رجال الشرطة أن يتركوا سوزان وشأنها كي تلقى القصاص العادل على أيدي الأمهات اللواتي احتشدن قرب المحكمة حيث اقتديت المجرمة للاعتراف رسميًا.
وانهالت عليها الشتائم حال ظهورها وسط حراسة مشددة.
إذ نادى بعضهم بضرورة معاقبتها بالموت بالطريقة ذاتها التي قتلت بها طفليها البريئين.
بينما تعالت أصوات أخرى مطالبة بإعدامها بعد أن حاولت أن تبعد عنها أصابع الاتهام عن طريق الكذب وبث الفرقة في المجتمع الذي خانته، إذ زعمت أن المجرم كان أسود البشرة فكانت تزكي نار فتنة عنصرية وتؤلب أهل البلدة من بيض وسود البشرة بعضهم على بعض.
طفولة القاتلة كانت في بيت مزقته الخلافات بين والدة متقلبة المزاج ووالد ضاقت به السبل فأطلق على نفسه رصاصات الخلاص أمام طفلته سوزان التي لم تكن قد أكملت عامها الثالث.
وعلى الرغم من حياتها المشحونة بالقلق والضياع تمكنت سوزان من كسب ثقة رفيقاتها وفازت بجائزة أكثر الفتيات مودة حين كانت في المدرسة.
وحازت بعد سنوات قليلة إعجاب زميلاتها في الشركة حيث عملت سكرتيرة تميزت بخفة الدم.
إلا أن مزيدًا من التنقيب في ماضي سوزان سميث من شأنه أن يسلط الضوء على حياة قاتمة ازدادت توترًا بعدما تعرفت على دايفيد 24 عامًا. والد الطفلين الذي ربطتها به علاقة وهي طالبة مراهقة.
ومع أن علاقتهما انتهت بالزواج فإن المشاكل عصفت بحياتهما من جديد فانغمس كل منهما في حياة مستقلة بعيدًا عن الآخر وظلا يعيشان تحت سقف واحد.
فانفصلا قبل أشهر من المأساة وشرعا بالإعداد للطلاق حتى وقعت المأساة.
حكمت المحكمة على سوزان بالسجن المؤبد تحت صرخات واعتراضات زوجها دايفيد الذي طالب بالحكم عليها بالإعدام.
النهاية
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا