سفاح القرن العشرين لأبو طلال الحمراني

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2024-02-03

سفاح القرن العشرين 

لقد أصبح سفاح الستينيات حديث المدينة، وانتشرت أخباره في الأرجاء، حتى إن الكاتب الكبير نجيب محفوظ كتب عنه روايته الشهيرة (اللص والكلاب).

لم يكن يدور بخلد الطفل ذي السبع سنوات أنه سيكون يوما ما أشهر سارق وقاتل في مصر ولبنان.

ارتحل والد الطفل محمود أمين سليمان من صعيد مصر إلى بنان، وهناك بدأت حياة العائلة عندما تعرف والد محمود أمين سليمان على فتاة لبنانية، وكونا أسرة كبيرها قوامها ثلاثة أبناء وست بنات، كانت العائلة مستقرة وهادئة، لكن الابن الأكبر كان متمردا صعب المزاح، ذا طموح ومغامرات كبيرة على صغر سنه.

دفعته مغامراته في بداية العهد إلى سرقة والده المتخصصة بشحن الخضار والفواكه، ثم قام مرة أخرى بسرقة حلي أمه ومجوهراتها. اكتشف والده هذه السرقات فنصحه وحذره من تكرارها، لكن الطفل لم يصغ إلى كل ذلك، واستمر بسرقاته المحلية، إلى أن تطور الأمر لديه بسرقة إحدى البندقيات التابعة لمستودع الجيش البريطاني في لبنان، مما استدعى استنفارا أمني مكثفا، فوقع الطفل في قبضة الرجال الأمن، وأودع في سجن الأحداث، ولولا حداثة سنة لقضي كثيراً من سنين عمره خلف قضبان السجن، ولكنه نجا بنفسه بسبب كونه لا يزال قاصراً.

لم تكن فترة سجنه التي قضاها وراء القضبان حافزه له على التوبة، بل على العكس تمام، عززت لديه هذا الدافع، بعد أن قدم له هؤلاء الرفاق الجدد داخل السجن بعض الأفكار الإجرامية التي أتاحت له مزيداً من العمليات الإجرامية، آخرها أنه أقدم على سرقة شخصية هامة في المجتمع اللبناني، وهو الوزير كميل شمعون، أشهر سياسي لبنان في تلك الحقبة، فأودع في السجن المركزي هذه المرة، ليتشبع بأفكار أكثر خطورة. وساعدته الظروف في طريق الغواية، فقد هاجت الاضطرابات في لبنان، وضعفت القبضة الأمنية للدولة، مما جعل كثيراً من السجناء يهربون من سجنهم، وكان محمود أمين سليمان في طليعتهم؛ لأنه من شدة تمرسه للإجرام أصبح زعيما له مكانته في هذا العالم الأسود.

خرج محمود للبحث عن عائلته التي فقدها، وبعد علمه بنزوحهم إلى مسقط رأسهم (صعيد مصر) احتال ليسافر إليهم، وهناك التقى بعائلته، لكن في تلك الأثناء كان والده قد توفي، وترك ثروة ضخمة، فأخذ نصيبه من الميراث، ونزح إلى العاصمة حيث لا يعرفه أحد، وأنشأ هناك، دار نشر باسمه، كي تكون ستارا لجرائمه ونزواته، ووسيلة من وسائل احتياله بالتعرف على وجهاء العاصمة. وبالفعل حدث له ما أراد، فتعرف على ورثة الشاعر الكبير أحمد شوقي الذين مكنوه من بيت شاعر مصر وأمير شعرائهم، فسرق منه تمثالا مصنوعا من الذهب كان على شكل نخلة أهداه إياه أحد الأمراء العرب بعد مدحه إياه، وكذا بيت سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وبيت أغنى رجل في مصر صاحب شركة الغزل والنسيج آنذاك. بعد ذلك دخل محمود في مغامرات عاطفية، كان القصد من ورائها الاحتيال وكسب المال بطرق جديدة، فتعرف على فتاة تدعى عواطف تزوجها يومين وطلقها، وتعرف بعد ذلك على فتاة تدعى نوال عبد الرؤوف، كانت نوال تريد أن تتزوج بأحد التجار الموسرين في مدينة الزقازيق (عاصمة محافظة الشرقية), فقام محمود بإغرائها بالمال هي وعائلتها فألغت خطبتها بالتاجر وتزوجت محمود، ثم قرر أن يتزوج مرة ثالثة، فتعرف على فتاة أجنبية تدعى بيلا، علم أنها أتت من إحدى الدول الأوروبية محملة بالمجوهرات الثمينة، فقرر أن يتزوجها كي يسرقها، وبعد زواجه منها اكتشف أنها خدعته، وأن جميع المجوهرات التي كانت تلبسها ليست ذهبا أو ألماسا، بل هي مقلدة، فطلق محمود بيلا وتركها، لكن بيلا لم تترك محمود، فقامت بالبحث عنه واكتشفت حقيقة أمره، وما كان يخبئه عن الآخرين من كونه قاتلا وسارقا وهاربا من السجن أيضاً.

أرسلت بيلا تلك المعلومات إلى كبار مسؤولي الدولة كي يدققوا في أمره، ويبحثوا عنه، ويكشفوا حقيقة قصته، ويلقوا القبض عليه. وبالفعل تم القبض على محمود ثم أودع في السجن، فوكل أشهر محام موجود في مصر ليترافع عنه يدعى بدر الدين، دله على منزل نوال زوجته، وأخبره أنها سوف تقدم له المال الذي يريده، أخذ المحامي بدر الدين المال، وانتظر محمود أكثر من سنة ينتظر فيها خروجه، لكنه فوجئ أن المحامي بدر الدين على علاقة مع زوجته نوال، واستولى على ماله، فتوجه فوراً إلى أحد محلات بيع السلاح واشترى سلاحا. وكانت تسيطر عليه فكرة الانتقام من كل من تخاذلوا عن نصرته، وخانوه ولم يقفوا معه، فذهب أول ما ذهب إلى بيت زوجته نوال وأطلق النار عليها، ثم توجه بعد ذلك إلى بيت بيلا الخائنة وأطلق النار عليها فأرداها قتيلة، وكذلك قتل المحامي بدر الدين، تلك السلسلة من الجرائم العنيفة هزت المجتمع بأسره حتى باتت قضية محمود قضية رأي عام، مما استدعى استنفارا مكثفا في الداخلية المصرية.

وصل نبأ إلى الداخلية يفيد باختباء محمود في جبل معروف لديهم، تم تكليف الملازم صفوت بإلقاء القبض على محمود وعصابته الجديدة، وبدأ الملازم في فرض طوق أمني شديد حول الجبل الذي يختبئ فيه محمود وعصابته، وتبادل الطرفان إطلاق النار، وتمكنت القوات الأمنية من تصفية أفراد العصابة، ولم يبق منها سوى قائدها محمود، حاول الملازم صفوت أن ينصح محموداً بأن يسلم نفسه لكن محمود رفض، فقرر الضابط أن يهاجمه بنفسه، فاستطاع أن يقتل محموداً، لتنتهي قصة سفاح شغل الرأي العام فترة من الزمان تحت فكرة الانتقام والشر والقتل وترويع البشر.

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا