جريمة في ليلة ممطرة 4 لنهى داوود

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2024-01-29

حنين 

ارتبك أدهم إزاء نظرة أبرار النارية فرفع كفه اعتذاراً وهم بغلق نافذته سيارته، حينما لمح شبح ابتسامة في عيونها الكحيلة.

تسمر إصبعه على زر غلق الزجاج وابتسم لها ابتسامته الطفولية الساحرة التي جعلتها تبتسم ابتسامة واسعة رغما عنها.

"آسف جدا، أنا فعلا بأسألك واقفة ليه لوحدك؟ لو تحبي أوصلك؟".

"العربية مش راضية تدور فطلبت أوبر".

تأمل أدهم سيارتها وهو يقول ضاحكا:

"ما هي الصراحة عربية قديمة قوي".

"بحبها". ردت أبرار بحدة رافعة كتفيها باعتداد.

فارتبك أدهم مجددا:

"آه طبعا طبعا، طب اتفضلي لحد ما أوبر يجي".

"لا، شكرا مافيش داعي".

"هو أنت على طول بتتعاملي رسمي كده؟".

"رسمي ازاي؟".

نظر إليها أهم للحظة محاولا فك شفرتها، ثم قال:

"شكلك كده عايشة دور السترونج اندبندنت وومن، مش بيعجبوني البنات اللي بيعيشوا الدور ده.."

"مش لازم يعجبوك على فكرة.."

قالتها أبرار بصوت جليدي، وهي تشير لسيارة توقفت لتوها أمامهما..

"ميري قوي.. أوبر جه".

ابتعدت أبرار بينما ضرب أدهم مقود السيارة بكفه قائلا في حنق:

"إيه اللي باقوله ده".

انطلق صوت نفير السيارة عاليا، فهب حارس أمن العقار من مكانه ملبيا..

"أؤمر يا أستاذ أدهم".

"معهلش يا محروس الكلاكس اتضرب بالغلط".

راقب أدهم الحارس الأسمر النحيل وهو يعود إلى مقعده بمدخل المبنى ويمسك ببهاتفه المحمول ويضع فيه وجهه

"محروس ده مش هيبطل لعب جيمز غير لما الحاج يرفده خالص، واضح إن لفت النظر ما حوقش فيه" فكر أدهم، ثم زفر منفسا عن التوتر غير المبرر الذي يكتنفه منذ الصباح.

نظر إلى المبنى الإداري الفاخر الذي يضم فرع الشركة الجديد، كان لا يزال تحت الإنشاء، ولكن والده أصر على افتتاح الفرع حتى يتسنى له إدارة أعماله بالمقر القريب من المنزل بدلا من قطع المسافة كل يوم لفرع الشركة الرئيسي بالعباسية.

فمنذ انتقالهم إلى الفيلا الجديدة بمنطقة التجمع الخامس والتي تقع على شارع التسعين مباشرة، أصر الحاج على تأجير مقر جديد للشركة في المبنى الإداري المواجه للفيلا، وعندما تعثر مالك المبنى في الانتهاء من التشطيبات، قرر والده افتتاح الفرع ومباشرة الأعمال منه متجاهلا أي معوقات.

حاول أدهم أن يندمج في عمله مع والده بلا فائدة، فهو لم يستطع أن ينسى حلمه بدخول كلية الهندسة ودراسة ميكانيكا السيارات إلا أنه يعترف أنه كان "لعبي" ولم يكن يطبق الدراسة والمذاكرة، فخانه المجموع ولم يؤهله لبوابة أحلامه، وعليه فقد درس على مضض إدارة الأعمال إرضاء لوالده.

إنه على عكس حسام، زوج أخته شيري، وابن الحاج مهدي شريك والده، فحسام يعشق العمل، حتى أن شيري دائمة الشكوى منه، فلا تكاد تراه، اجتماعات وأسفار عمل متواصلة، وفي خلال زمن يسير أصبح حسام يدير أغلب أعمال الشركة، وأصبح والده يثق به ثقة عمياء، ولا يفوت فرصة دون أن يشكر فيه ويعدد مناقيه.

كان أدهم يخطط لتمضية باقي اليوم مع أصدقائه، ولكنه شعر بملل مفاجئ، فقرر أن يعود إلى المنزل مبكرا على غير عادته.

انطلق أدهم بسيارة والده، فدامه حنين جارف لعمته نادرة، حنين عميق وغير مبرر جعله يغير اتجاهه، وينطلق نحو الحلمية، والبيت القديم.

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا