اليوم الأول
قام الحاج بتعريف أدهم وأبرار سريعا ثم جلس على كرسي مكتبه بينما خرجت أبرار.
انتظر أدهم حتى أغلقت الباب ثم انبري قائلا:
"إيه يا بابا السكرتيرة دي؟ فين جيجي؟".
"جيجي إيه يا أدهم، هي مامتك دايما كده تبسني في ناس مالهمش ف الشغل، الحمد لله إني خلصت منها، أبرار دي خريجة تجارة إنجليزي وعندها خبرة كويسة، تبقى بنت الأستاذ كامل المصطفى، كانوا جيراننا أيام الحلمية، عمتك نادرة لسه على اتصال بعمتها وعرفت منها إنها سابت الشغل فاقترحت عليا تشتغل معانا، والصراحة لما قعدت معاها انبسطت وقلت هي دي...".
"دي محجبة يا بابا!"
"يابني أنت هتعمل زي أمك؟ هي تشتغل بشعرها ولا بمخها؟"
"أيوه ماما لو شافتها مش هيحصل كويس".
"ليه يعني؟ دي مش أول موظفة محجبة، ما عندك مايسة".
"موظفين ورا المكاتب حاجة وواحدة بتقابل العملا وواجهة للشركة حاجة تانية، أنت نسيت ماما عملت إيه ف عمتو لما اتحجبت؟".
"مش فاكر، فكرني".
"لما اتقابلوا في المول بالصدفة من كم سنة بعد ما عمتو اتحجبت على طول، وعمتو قالتلها وصليني في سكتك، فماما قالتلها بس تركبي ورا، ما ينفعش تركبي جنبي وأنت بالحجاب هيفتكروني مركبة الشغالة جنبي، قامت عمتو فتحت الباب اللي جنب السواق وقعدت، ماما قعدت تزعق وتقولها انزلي وإلا هانزل أنا، عمتو ما تحركتش من مكانها.. قامت ماما نزلت ورزعت الباب ومشيت.. خطوتين وسمعت صوت الموتور، بتبص وراها لقت عمتو دورت العربية وبتتحرك بيها، وأنت عارف عمتو ما بتعرفش تسوق، ماما شافت المنظر بقت هي اللي عمالة تصرخ وتجري ورا العربية، kant almrsids al e-class الجديدة.. وطبعا ف الآخر عمتو وقفت وماما ساقت من سكات وعمتو قاعدة جنبها".
قهقه الحاج بصوت عال متخيلا المشهد، واهتز جسده الممتلئ مع ضحكاته..
"مامتك دي عليها حركات".
"على ميين؟ دي برضه عمتو المعروفة بجبروتها".
"آه والله عندك حق".
قالها ضاحكا، ثم ظهرت أمارات الجدية:
"المهم أنت إيه اللي جابك عندي؟ مش ف مكتبك ليه؟".
"هو أنت مصدق يا بابا جو مكتبي ده.. ما أنت عارف إني قاعد فيه بس علشان أرضيك.."
"تاني يا أدهم، أومال يا بني هاسيب كل ده لمين؟ صدقني، لو اديت نفسك فرصة هتحب الشغل، أومال بيزنس إيه اللي انت درسته؟"
"بابا مش هنعيده تاني، أديني باحاول أرضيك وباجي الشركة كل يوم، المهم أنا جايلك علشان تكلملي عمو حسين لحسن الفتيس بتاع العربية علق".
"تااااني! مانا قلتلك بلاش العربية دي، الفتيس بتاعها سمعته وحشة، أنت اللي ركبت دماغك.. عموما حاضر يا سيدي، هاكلمهولك حالا، وممكن عشري يوديهالك، وخد أنت عربيتي من الجراج، ما وراييش مشاوير النهاردة وممكن أرجع البيت مشي.."
"حبيبي أنت يا بابا يا سيدي الكل.." قالها أدهم وهو يخرج من المكتب مبتسما..
تنهد الحاج وهو يفكر..
كان يأمل أن يدير أدهم أعماله، فشيري ابنته الصغرى مدللة لا أمل منها، والعمر يجري، ولا يعقل أن يترك كل أعماله في يد حسام زوج ابنته!
ولكن ها قد مرت سنتان على أدهم وهو في الشركة بلا أي جديد..
حتى بعد افتتاح الفرع الجديد للشركة منذ عدة أشهر ومحاولة الحاج ترقية ابنه ليكون مديراً للفرع متحججا بكبر سنه ورغبته في الراحة، إلا أن أدهم رفض..
"روح يا بني ربنا يكرمك وأشوفك ناجح ومرتاح البال يا رب". تمتم بها الحاج وهو يغلق ملف أدهم في عقله ويستعد لمتابعة أعماله.
قطع انهماكه في العمل صوت طرقات على بابه الذي انفتح ليطالعه وجه أبرار البشوش عادة، وهي عابسة في حيرة، تمسك بع الأوراق في يديها.
"خير يا بنتي؟".
نظرت أبرار إلى الأوراق وقلبتها بين يديها قائلة:
"الحسابات اللي جايه من عند مستر مهدي ملخبطة خالص، مش فاهمة منها حاجة".
"لااااا" قالها الحاج ضاحكا، ثم أردف قائلا:
"حسابات الحاج مهدي مش هيفهمها غير عبد الله مدير الحسابات، أومال أنا جبته معايا الفرع الجديد ليه، سيبهاله خالص وما تشغليش بالك بيها، أنا والحاج مهدي شركا من عشرين سنة، وعبد الله حافظ نظامه كويس.. المهم أنت تضبطيلي نظام الموظفين الجديد زي ماوعدتيني.."
"حاضر يا مستر، كلها كم يوم ويبقى شغال إن شاء الله".
خرجت أبرار إلى مكتبها لتجد أن الساعة قد تجاوزت الثانية عشرة بعد دقائق، لقد بدأت ساعة الراحة اليومية..
أمسكت بحقيبتها وأزاحت القرد المخملي الذي يتدلى منها مزينا، لتخرج منها كيسا به شطيرة صغيرة، بدأت تقضمها وهي تتأمل أركان المكتب.
تنهدت مبتسمة وهي تتذكر كيف كانت منذ أسبوع واحد جالسة تبكي على مكتبها القديم بعد أن كرر مديرها تجاوزاته غير الأخلاقية تجاهها بشكل أكثر فجاجة من كل مرة، فقررت التضحية براحتها في العمل وعزمت على الاستقالة، وقد شعرت وقتها بيأس شديد وهي تعلم أنه قد تمر عليها شهور حتى تجد عملا آخر مناسبا..
وبرغم أنها لم تكن تعمل من أجل المادة؛ إذ إن والدها ميسور الحال ويلبي طلباتها كافة، فإنها كانت تحب العمل وتكره ألا تكون منتجة.
عادت إلى منزلها مبكرا ذلك اليوم لتجد عمتها العزيزة هادية وقد أنتهم بالحمام المحشي بالفريك الذي يعشقونه من يديها.
لاحظت هادية على الفور عيون ابنة أخيها المنتفخة وما أن سألتها حتى انهارت أبرار في البكاء وهي تحكي لها عن تجاوزات المدير واستقالتها أخيرا.
أمسكت عمتها بهاتفها المحمول وضغطت أزراره ثم وضعته على أذنها منتظرة في صبر حتى قالت:
"نادرة حبيبتي ازيك.."
شعرت أبرار بغصة تعتصر قلبها عند سماع الاسم، ألا تعلم عمتها كم تكره نادرة؟
دلفت أبرار غرفتها وهي تشعر بمزيج من المشاعر المتلاطمة، بيد أنها ما لبثت أن استجابت لطرقات عمتها الرقيقة وأدخلتها الغرفة فبادرتها العمة بالكلام قائلة:
"عارفة إنك مش بتحبي نادرة، مع إن هي مالهاش ذنب في اللي ف دماغك، عموما أنت مش هيكون ليكي علاقة بيها، أخوها الحاج عبد اللطيف كان بيدور على مديرة شاطرة لمكتبه الجديد، وهو راجل كويس ومحترم، وبعدين الشركة في التجمع الخامس، على التسعين على طول، يعني أحسن من شركتك القديمة ومشوار الدقي ده. أنا أخدتلك ميعاد مع الحاج يوم الأحد الساعة 10 الصبح، وأول ما نادرة تبعتلي العنوان بالتفصيل هبعتهولك".
ثم اقتربت منها واحتضنتها:
"حبيبة عمتو أنت.."
وجدت أبرار نفسها ترتاح في حضن عمتها الذي أصبح بديلا لها عن حنان الأم منذ أن توفيت والدتها منذ عدة سنوات.
وها قد مر الأسبوع سريعا، وهي الآن جالسة في مكتبها الجديد
انتهت ساعة الراحة، وتلتها ساعات العمل حتى حان موعد الانصراف، لملمت أبرار أغراضها ونزلت إلى سيارتها ولكن المحرك أبي أن يدور. حاولت عدة مرات باءت كلها بالفشل. ترجلت من سيارتها وأغلقتها، ثم أخرجت هاتفها لكي تطلب سيارة أجرة.
"واقف لوحدك ليه يا جميل!".
عبست أبرار وأطلقت عيناها شذرا وهي تنظر اتجاه قائل العبارة
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا