1. لعبة الاختباء
إهداء إلي.. من يخاف فيختبئ تحت الغطاء
كنت قد بدأت بالوضوء للصلاة حين لفتت نظري تلك العلامة الدائرية الحمراء على جلدي في منطقة الفخذ.. لم تكن موجودة هذا الصباح.. أخذت أتفحصها.. هل لها ندبة أم هل لها بروز.. أتفحص اللون لم تكن داكنة أو تميل للسواد.. بل كانت حمراء فاقعة.. تركت عملية إزالة الشعر بالحلاوة فهذا ما كانت تتركه بعد كل عملية تنظيف ولم أعمل على إزالته بالليزر مؤخرًا.. فليس هذا من أسبابها.. حاولت أتذكر إن كنت قد تعرضت لأي نوع من أنواع الخبط بباب أو دفة خزانة أو درج.. استبعدت كل أنواع الاصطدام واحترت..
قلت... لعلها مؤقتة ستزول في الغد وحاولت تناسيها.. لم أتحدث مع أحد.. لم أريها لأحد.. تجاهلتها تمامًا.. لكنها لم تتجاهلني.. تطل على عند كل وضوء تثير داخلي كذا علامة استفهام وتعبر بي لكذا سؤال.. شعرت بيني وبين نفسي ببعض الخوف.. هل هي علامة لمرض خبيث.. ضحكت على كمية الوساوس التي تعايشت معي بسلبية وسخرت من ذلك الخوف المخفي خلف راية سوء أو إنذار بسوء.. ونمت ليلتي قلقة.. لم أخبر ذاك النائم بجانبي.. لو أخبرت لهزأ مني وقال أوهامك أخذت منحى آخر.. دائمًا بنظره أنا متوهمة.. لم أتعود منه أن يخاف على أو يقلق من أجلي..
استيقظت باكرًا قبل موعد أذان الفجر.. تفحصت العلامة للمرة المليون مازالت في مكانها عابئة بأعصاب ومهيجة لخوف.. وضعت إصبعي عليها..
ضغطت.. لا تؤلم.. خفت أكثر.. المرض الخبيث لا يؤلم.. يتمكن حتى يسيطر وينهي الحياة.. ببطء في البداية.. بسرعة حين التمكن..
ذاك الراقد قربي.. نومه هادئًا.. مرتاحًا.. لن يتقبل لو أيقظته لأحدثه عن علامتي تلك.. مرت قرابة الساعة.. أسفت لم أستغل قيام الليل في قراءة أو دعاء.. كان الخوف قد تمكن وسيطر..
بعد الوضوء.. أسبغت الماء الكثير عليها.. أردت محوها بغسل واغتسال..
قلبتها.. ربما لون علق بي.. ربما من قلم الروج الذي لا يزول بسهولة.. حاولت الترفيه عن نفسي.. امتصاص الرعب من جوفي.. التوكل على الله فلن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا.. لمعت العلامة أكثر بعد دلق الماء عليها.. طلت على بعد خلع ثوب الصلاة تقول ها أنا ذا..
دقات قلبي تعلو خوفًا وترتعش خشية المرض والبلاء.. إيماني يتزعزع هذه اللحظة.. الإنسان أضعف مما يتخيل.. علامة تقتله وتضعفه وتجعله عرضة لعبث الشيطان الذي يمارس كل خبثه وتلاعبه ووسواسه القهري..
استيقظ الزوج الذي كان راقدًا بقربي.. لم يتساءل عن الحيرة التي ظهرت على وجهي.. لم يهمه شحوب الوجه أو رقعة القلب.. لم أهزه بكل المخاوف التي ظهرت على وجهي.. ألقى تحية الصباح وغادر.. ترك خلفه رائحة عطره القوية.. تدير رأسي مساندة للوسواس.
لم أملك الرغبة للذهاب للعمل.. قد أغادر للطبيب.. طالعت الساعة.. مازال الوقت باكرًا.. وضعت رأسي على الوسادة.. شعرت كأنها الوسادة الخالية في فلم عبد الحليم.. حملتها وضعتها على رأسي.. أخفي خوفي وحركة المخ والمخيخ.. أردت أن أخرس الصوت الداخلي الذي أخذ بالعلو.. الموت القريب والقادم على غفلة.. الموت المفاجئ وعلى غفلة.. الشيطان ينتصر.. صوته أعلى من صوت العقل أو أقوى من صدى الإيمان.. للشيطان مداخل.. رغم تديني قدر وانتصر.. رغم قوة إيماني ضعفت وقوي هو..
أرفع غطاء السرير.. أبعد ثوبي عن الفخذ.. تطالعني.. صار لها عيون تنظر لي وتسخر.. اللون هو اللون وإن امتدت وكبرت عن ليلة البارحة..
الساعة لم تدنو من الثامنة.. لن أنام.. لن أقدر على الاستسلام له.. سيعبث الشيطان في عقلي وينتصر على قلبي ويسلب النوم.. يغتال الحاجة للنوم..
أمسح الزبدة على قطعة الخبر.. الحليب يفور.. كم أكره تنظيف الحليب حين يفور على الموقد.. حملت المنشفة.. جففت بعض ما سقط من الحليب.. لابد من إزالته تمامًا فما ألعن من حليب جاف محترق.. رائحة كريهة والتصاق بغيض..
ّ
رفعت قطعة الخبز لفمي أردت أن أسد جوعًا وأرضي معدة.. لكن المعركة الدائرة داخلي من التساؤلات العنيفة لم تحقق للمعدة رغبتها ولم تنفذ حاجتها فلفظت الخبزة وامتنعت عن الطعام وألقيت الحليب الذي انسكب جزء منه في المغسلة..
ارتديت ملابسي على عجالة.. لست من النوع الذي يخرج دون تزين.. ولست من النساء المهملات في ملبس وشعر ورائحة لكنه الصراع مع الخوف شل كل شيء وأعماني عن كل شيء..
حين دخل على الطبيب.. كانت طبيبة ارتحت وزال جزء من التفكير الأرعن.. هي امرأة قد أتحدث دون حياء معها.. لن تنفر من مخاوفي كما قد تتقبل الوسواس الذي أعيش معه وبه دون أن تسخر من ناقصة العقل..
حدثتها بالتفصيل الممل واستمعت.. كلمتها عن كل ما مر في لعقلي وتقبلت بكيت أمامها فلم تتضايق أو تهزأ.. أحست بي وما زادها تعقلًا كبر عمرها ومن جنسيتي..
حين فرغت ما في جعبتي سألت: هل وقعت؟ من خلف الدموع أجبت.. لا.
أكملت.. هل ضربك شيء ما ربما نسيته؟؟ صمت فترة وأجبت بثقة..لا.
قالت.. هل أنت مصابة بداء السكر؟ طالعتها باستغراب متسائلة عن نوعية العلاقة.. ردت.. أن المصابين بالسكر تظهر عليهم مثل هذه الأعراض..
أجبت.. لا لست مصابة بالسكري..
رفعت ثوبي عني.. لمست العلامة.. ضغطت.. رفعت بصرها صوبي.. هل تؤلمك؟
هززت رأسي بالنفي..
... لا تخافي.. لا شيء يخيف أو يدعو للشك.. سأعطيك دهانًا ونتابع الحالة..
بعد يومان إن ظلت كما هي تعالي راجعيني..
ربما هدأت نفسي قليلًا.. سجلت الوصفة في الحاسوب الذي أمامها وطاولتني الورقة الصغيرة التي أراجع الصيدلية لصرف المرهم.. وقفت وأدرت ظهري أهم بالخروج..
قبل الوصول للباب سألتني.. هل هناك ما ضايقك في اليوم السابق لهذه العلامة؟
التفت مستغربة ورددت.. عفوًا.. عفوًا.. ماذا تقصدين؟
قالت: هل هناك ما أغضبك أو هل هناك ما أحزنك أو نمت على زعل؟
تنفست بعمق.. أدركت من خلاله الوضع فأجابت قبل أن أرد.. جداتنا يقولون أنه إذا ضايقنا شيء تخرج مثل هذه العلامات..
لمست استغرابي.. كيف يجتمع الطب والعلم مع حديث الجدات ومعتقداتهن..
قالت: لا توجد حقيقة علمية لذلك لكن هناك رابط عند بعض النسوة إذا ضايقها شيء ظهرت علامات على الجلد تعيها جيدًا..
أدرت ظهري وخرجت.. المرهم الذي استملته.. قرأت الورقة المرفقة معه جيدًا.. مجرد مهدئ يعمل على إزالة تلون الجلد حين الإصابات.. مسحت مكانه ووضعت كمية لا بأس بها على مكان العلامة وسرحت..
كلام الطبيبة حملني للماضي.. جدتي رحمة الله عليها.. تريني شيئًا شبيهًا لما أرى على جلدي.. كنت في العاشرة من عمري.. قالت: انظري هذه تظهر بفعل القهر والإحساس بالظلم.. كنت قد حضرت خناق الجد ذو العصبية معها ولم تكن ترد أو حتى تدافع عن نفسها رغم أن الحق معها.. مسكينة جدتي.. هزأت بيني وبين نفسي من علاماتها تلك ولم أعي المضمون..
قبل يومين مارس زوجي معي ما مارسه الجد.. كنت على حق ومع هذا لم أرد.. قالوا لا تقابلي عصبية الرجل بمثلها وإلا لاشتعلت نار لا يحمد عقابها.. كبت الغضب والإحساس بالظلم يولد الانفجار وتفاديًا له يمارس الجلد دفاعًا من نوع آخر عن طريق علامات تظهر عليه حمراء فاتحة أو غامقة.. أنا على شاكلة جدتي.. مسالمة..
أرفض الدخول في عراك مع الزوج.. معركة خاسرة.. النتيجة محددة مسبقًا.. هو على صواب وأنا على باطل رغم الحق.. وكبتي ولد قهرًا.. القهر برز بعلامة حمراء فيها تحد لي.. تقول لي.. تنفسي.. اليوم علامة جلدية لا ضرر ولا ضرار.. غدًا قد يكون مرضًا خبيثًا يندس في أعضائك أو علة في القلب.. تمامًا كما الجدة.. ماتت بمرض القلب..
لن تموتي مثلها.. نفسي عن غضبك ليس الداخل بل للخارج.. اغضبي منه وأوصلي غضبك له..
طالعت علامتي الحمراء.. تكلمت معها بصوتٍ عالٍ.. لن تكون هناك أخرى ولن أدعك تمارسي معي لعبتك.. الاختباء..
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا