قبل البداية
دفع أدهم الباب الزجاجي للشركة وهو يرفع صوته قائلا:
"صباح الخير جيجي"..
جفل أهم حينما اصطدمت عيناه بشخص آخر!
"صباح النور يا فندم"، قالتها فتاة مختلفة تمام الاختلاف عن جيجي، تحتل مقعدها في بهو الشركة الصغير.
نظر لها أدهم بارتباك، فقالت بابتسامة واثقة:
"جيجي مشيت وأنا هنا مكانها".
لاحظت حيرته فأردفت:
"أنا أبرار، مديرة مكتب مستر عبد اللطيف الجديدة.. أساعد حضرتك ازاي؟".
"مستر! رمضان بطيخة بقى مونامور" تمتم أدهم لنفسه، ثم، وإزاء نظراتها المتسائلة استدرك قائلا بصوت مسموع:
"يعني أنت السكرتيرة الجديدة؟".
"لا أنا مديرة مكتب، فيه فرق، كل وظيفة ليها مهام مختلفة.."
"فعلا!" عقب أدهم ساخرا، واتجه نحو باب مكتب رئيس مجلس الإدارة بثقة، فعاجلته أبرار قائلة بارتباك:
"مستر عبد اللطيف مش موجود دلوقت".
"واله هاستناه في المكتب..".
ثم أردف مجيبا نظراتها المتسائلة:
"أنا أدهم ابنه"
قالها بطريقة مسرحية وهو يحني قامته قليلا، ثم دلف إلى المكتب وترك الباب يرتد خلفه في هدوء.
جلس على الكرسي المواجه لمكتب والده، وأخرج هاتفه وضغط بعض الأزرار وانتظر لحظة ثم قال:
"شيري، صباح الفل، أنت لسه نايمة، الساعة 12 الضهر، والله حسام ده غلبان معاكي.."
"..."
مش هتصدقي إيه اللي حصل فـ الشركة، بابا مش جيجي وجاب مكانها سكرتيرة جديدة.. محجبة"..
"قولنا اسمها مديرة مكتبه"
انتفض أدهم إزاء الصوت الذي همس بتلك العبارة ليجد أبرار أمامه!
"باي يا شيري دلوقت".
قالها أدهم وهو يدس هاتفه في جيبه بارتباك.
نظر حوله ليجد أبرار قد أولته ظهرها وانهمكت في البحث عن شيء ما في المكتبة.
تأملها..
طويلة، رشيقة القد، ذات ظهر مستقيم أوحى إليه بالثقة والاعتداد بالنفس، ترتدي زيا أنيقا، أشعره بتأنيب الضمير إزاء ما أوحى به لشيري عنها. كانت ترتدي سروالا فضفاضا من قماش أسود هفها، يعلوه قميص حريري أبيض ذو ياقة مربوطة على شكل (فيونكة) كبيرة، وكانت تغطي شعرها بـ (إيشارب) منقوش ذي ألوان ربيعية، ربطته حول رقبتها في عقدة محكمة جعلته يتدلى على ظهرها ويتحرك مع حركتها، هو والعقد ذي الأحجار السوداء اللامعة الذي زينت به جيدها.
استدارت أبرار لتكمل بحثها في الأوراق الموجودة على سطح المكتب، فأنزل أدهم عينيه من عليها وانشغل بنفض ذرة غبار وهمية وعلى سرواله..
كانت أبرار تبحث في انهماك وتؤدة متجاهلة وجوده تماما، فلم يملك سوى النظر إليها مجددا، وقد أتاح له السطح اللامع المصقول للمكتب، تأمل ملامحها..
كانت خمرية البشرة، ذات وجه بيضاوي ووجنتين ممتلئتين قليلا، وذقن مستدقة توحي بقوة الشخصية، وأرنبة أنف أكبر قليلا من المعتاد.
عيونها سوداء واسعة، مسحوبة إلى خارج وجهها، تظللها رموش ساحرة..
أهذه هي العيون الكحيلة التي يتغنون بها؟ تساءل في نفسه.
رفعت رأسها ونظرت إليه بابتسامة جانبية، أظهرت صفا من الأسنان البيضاء الكبيرة التي زادت وجهها جاذبية.
فتحت فمها لتتكلم ولكن الباب فتح، ودخل منه الحاج عبد اللطيف.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا