البداية
جثا على ركبتيه يتفحص الجسد المنكفئ على أرض المكتب..
جثة رجل في العقد السادس من عمره، أو ربما السابع، ممدد على سجادة المكتب الحمراء السميكة. تخثرت الدماء على رأسه، ومن حولها، وإن تعذر تمييز لونها القاني على السجادة.
اقترب من رأس القتيل يتأمل الثقب الذي اخترق جمجمته، والجرح الظاهر على جبهته، وراودته الأسئلة المعتادة عن هوية المجني عليه، والجاني، والدافع.
صوت نهنهة مفاجئ استرعى انتباهه، رفع رأسه ناظراً إلى الثلة المحيطة به والذي كان قد صرفه عن جدهم صمتهم المطبق. مرر عيونه بهم في فضول؛ فتاة طويلة، رشيقة القد تقف بجوار الباب، يتجلى الهلع في عينيها الواسعتين وقد غطت فمها بإحدى كفيها، وإلى يسارها جلس شاب متوسط الطول، دفن رأسه بين كفيه وانخرط في بكاء صامت، وبجوارهما وقف رجل أربعيني ضئيل البنية، اجتمع في عينيه قليل من الحزن مع كثير من الحذر، ثم شاب في الثلاثينيات تبدو عليه أمارت الجدية والكفاءة، وقد لانت ملامحه بالتأثر، وأخيراً امرأة بدينة لمعت في عينيها إثارة جارفة طغت على أي شعور إنساني آخر قد يتناسب مع الفاجعة. تأملهم المقدم أحمد وتساءل في أعماقه:
ت رى، أي العيون تفصح عما بالقلب، وأيهم تزيفه؟
تفرس في وجوههم متحيرا، عله يخمن علاقة كل منهم بالآخر، أو علاقة أي منهم بالجثة المنكفئة.
"هنعرف.. هنعرف"
قالها لنفسه متصبراً، ثم أعاد ناظريه إلى الجثة يتأمل وضعيتها الغريبة: الرأس مائلة إلى اليمين، تكشف الجرح والثقب للعيان. نظر إلى المسدس الملقى بجوار الجثة ثم تأمل ثانية الثقب الدقيق الذي وصم الصدغ قبل أن يتساءل بصوت خافت:
"معقولة تكون انتحار؟".
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا