بقولكم قصة لفارس عاشور القصة الأولى

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2023-12-07

شربتوا ماي؟؟
يلا نبدأ
لحم الشباب
صورة
نانمين قرية صغيرة بالقرب من مدينة جينتشنغ في الصين.. قرية بدائية يعمها الهدوء والسكينة، سكانها البسطاء يعملون لكي يعيشوا، فليس لهم أي طموح يذكر لتحقيقه في اليوم التالي، يأكلون ما تجنيه أيديهم من حقولهم ويبيعون الفائض لكي يوفر باقي مستلزمات معيشتهم من ملبس وغير ذلك من احتياجات. 
سكان هذه القرية يعيشون كأنهم خلية نحل، يعملون في النهار ويعودون في المساء لوقت راحتهم، ولهذا السبب تجد أن غالبيتهم لا يعرفون من الذي يقطن بجوارهم؛ لأنهم لا يمتلكون الكثير من الوقت للقاء الجيران أو مجالستهم. وحين يفقد شخص أو يقتل فلا أحد يعطي أهمية كبرى لذلك، خصوصاً إذا كان هذا الشخص ليس من أفراد أسرته، فالفقر والعمل المرهق المستمر جعلهم لا يفكرون كثيراً بما يحدث حولهم.
حتى شرطة المنطقة كانت تغط في سبات عميق، كأنها تطبعت بطباع أهل المنطقة، حيث عدم الاهتمام والاكتراث بأي شيء يكاد يكون سمة عامة. خصوصاً وأن العائلات تقود أحياناً بالتبليغ عن حادث ما، لكنها لا تعود مرة أخرى لمتابعة بلاغها؛ لآنها ليس لديها وقت. ولهذا تجد الشرطة تكدس البلاغات في الأدراج حتى يعلوها الغبار. فهي شرطة كسولة اعتادت الروتين الممل، ولا ننسى أثر الفساد الإداري والمالي أيضاً. فتلك المناطق النائية بعيدة عن أنظار الحكومة المركزية في بكين، وكما يقال: "إذا غاب القط.. العب يا فآر"!.
هذه المنطقة الهادئة ذات الحياة الرتيبة حيث كل إنسان مهتم بنفسه فقط كانت بيئة خصبة لمجرم قصتنا، تشانغ يونغ مينغ الذي ولد عام 1956 ونشأ وترعرع في تلك الأصقاع.
العصبي المجنون: 
عرف عن تشانغ في شبابه بأنه شديد الانفعال وعنيف ومندفع. ذات يوم حصلت مشاجرة بينه وبين أبن عمه فلم يكن أمامه غير سكين صدئة كانت بالقرب منه فاستلها وحاول نحر أبن عمه ولكن العناية الإلهية أنقذت أبن العم من بين يديه في آخر لحظة بتدخل والد تشانغ وعمة، وتم طرد تشانغ من المنزل. 
صورة
أصبح تشانغ أكثر حرية الآن وطغت عليه ميوله الإجرامية، أصبح كأنه حيوان بشري يدور في الغابة ليقتل ويشرح ضحاياه أمام المارة ولا يجد من يردعه؛ لأنه يعرف جيداً المكان الذي يقطنه، لكن في يوم من الأيام عام 1979 قبض على تشانغ بالجرم المشهود بعد أن تشجع أحدهم وأبلغ عنه، وكانت هناك جثة مراهق ممددة بين يديه ومقطعة من مفاصلها، وكان يهم بنقلها من المكان الذي شرحها فيه، لكن في تلك الأثناء قبضت عليه الشرطة التي كانت لا تريد التحرك ولا تريد مشاكل، ولا تريد فتح أي قضية حتى لا يتم لفت الانتباه للفساد الذي ينخر بالمنطقة ويضعها تحت المجهر. 
تم إيداع تشانغ السجن وحكم عليه بالإعدام، لكن بعد فترة ليست بالطويلة، وبعد أن نسي أهل القرية أو بمعنى أدق تناسوا ما حدث، تم تغيير الأدلة في ملف جريمته ليتحول حكم اعدام إلى سجن مدى الحياة. وفي عام 1997 فوجئ سكان القرية بالإفراج عن تشانغ واعطائه قطعه أرض ومبلغاً من المال لكي يكون مواطناً صالحاً ويندمج مع المجتمع. 
تشانغ أشترى منزلاً منزوياً في تلك القرية وبدأ بزراعة أرضه، فكان من الحقل إلى المنزل ومن المنزل إلى الحقل. ولا يتحدث نهائياً مع أي شخص، لكن بين الحين والآخر كان يعرض بعض اللحوم المجففة للبيع في مركز للمواد الغذائية متواجد في نفس القرية التي يقطنها، وكان يخبر زبائنه آن تلك اللحوم هي لحوم طائر النعام. 
صورة
طبعاً أهل البلدة الفقراء ثم يكونوا قد غادروها يوماً ولا يعلمون أصلاً ما هو النعام، لكنهم كانوا يشترون ذلك اللحم بسبب سعره المناسب، وكانوا فرحين لوجوده في قريتهم وتوفره بشكل دائم تقريباً، وطبعاً يعود الفضل في ذلك إلى تشانغ الذي لم يكن أحد يعلم من أين يأتي بتلك اللحوم سوى الله. 
الجامعات الجديدة واختفاء الطلبة: 
في تلك الفترة كانت تحدث تغييرات كبيرة في الصين. تلك التغييرات التي حولتها من بلد خامل وكسول إلى مارد صناعي ومالي على مستوى العالم أجمع. ومن بين هذه التغييرات بناء العديد من المدارس والجامعات، وبعض تلك المدارس والجامعات بني بالقرب من القرية الصغيرة التي يسكن فيها تشانغ، فكان الطلاب يأتون من كل حدب وصوب للالتحاق بتلك الجامعات، كما أن سكان القرية أرسلوا أولادهم إلى تلك المدارس الجديدة. 
ومع ازدياد المدارس واعداد الطلبة كانت تأتي بين فترة وأخرى بلاغات للشرطة بشأن اختفاء أحد الطلبة، وجميع المختفين كانوا في سن المراهقة والشباب، ما بين 16 - 22.
صورة
لكن الشرطة طبعاً لم تكن تريد أن تعمل، ولا تريد أن تلفت الانتباه للقرية، فكانت تضع الأعذار وتبرر اختفاء الطلبة على أنها حالات فرار من الفقر وضيق العيش، لا بل كانت تهدد أسر الضحايا أحياناً لكي يغلقوا الموضوع، وكان هذا بالفعل يلجم الألسنة. 
مزاح سمج:
في ذات يوم من عام 2011 كان هناك شاب مراهق يمر بالقرب من منزل تشانغ يونغ مينغ وإذا به يباغت الشاب من الخلف ويحاول خنقه بحزام جلدي، تشانغ شد الحزام بكلتا يديه بقوة، لكن صراخ الشاب في فترة راحة المزارعين جعلهم يهرعون إليه ليروا تشانغ يحاول سحب الشباب بالقوة نحو منزله. وبعد أن رأى تشانغ أهل القرية وقد تجمعوا حوله بادر إلى الضحاك زاعماً أنه يمزح وترك الشاب يذهب إلى حال سبيله. 
أهل القرية ذهبوا على الفور لإبلاغ الشرطة ليقبض عليه في الحال، لكن لم تمر سوى سويعات قليلة حتى أفرج عنه. ضابط المخفر قال: "لقد كان يمازح الشاب ولكن أنتم يا أهل القرية كنتم متسرعين بالحكم عليه!" فلم يجد أهالي القرية ما يقولونه وعادوا إلى منازلهم. 
وبعد تلك الحادثة بشهر نفس الشاب الذي تم خنقه اختفى نهائياً، ولم يعلم أحد عنه شيئاً. 
سلسلت الاختفاء لم تتوقف، ولحوم النعام أغرقت السوق! أما الأهالي المساكين فكانوا يعيشون على أمل عودة أبنائهم، بينما الشرطة تنعم بالأمن الكاذب الذي يغطي سماء تلك القرية المشؤومة. 
لكن لكل قصة من قصص هذا العالم نهاية، وقصة هذا المجرم، هذا الحيوان البشري، كان لابد أن تصل إلى نهايتها. 
الأخبار تصل بكين: 
ففي 25 أبريل 2012 اختفى المراهق هان ياو ويبلغ من العمر 19 عاماً، وكان يدرس إدارة أعمال في جامعة يوننان الواقعة بالقرب من هذه القرية المشؤومة. احتفاء هذا الطالب كان بوجود شهود،
صورة
فلقد كان موجوداً في الليلة السابقة مع أصدقائه وودعهم في مفترق الطريق ليعود إلى منزله على أمل اللقاء بهم في اليوم التالي. لكن هذا الشاب المسكين اختفى من القرية بالكامل كان الأرض انشقت وابتلعته. فلم يجدوا له أي أثر، ولم يفلح تبرير الشرطة بأنه هرب من الفقر بتخدير أسرته؛ لأن عائلته ميسورة وهو متفوق في تعليمه وودع أصدقاءه على أمل لقائهم اليوم التالي، فلم تكن أسرته مثل بقية الأسر ولم يوقفها تهديد الشرطة أبداً، وبدأت البحث بشكل موسع، مما أثار أقلام الصحافة، فبعد اختفاء أبنهم بــــــ 15 يوماً ظهرت عدة أخبار في الصحف المحلية بأن الشرطة تغط في سبات عميق ولم تحرك ساكناً مقابل عناء الأسرة في البحث عن أبنهم. 
فكانت هذه الأخبار كالقنبلة نزلت على أهل القرية المفقود أبناؤهم منذ سنوات، وهم يعانون ألم الصمت فهم أيضاً انفجروا وذهبوا للصحافة لحكاية قصص اختفاء أبنائهم. 
فكانت هناك قصص يدمى لها الجبين ولا يصدقها العقل. 
من بين تلك القصص: طفل يبلغ من العمر 12 عاماً كان مع أبويه في الحقل يساعدهم في حصاد المحصول، وفي فترة الغداء عاد مع جدته للبيت، وكان يسير أمام ناظريها في حقل الذرة، وما هي إلا لحظات حتى اختفى الطفل فجأة ولم تجد له أثراً. واعتقدت عائلته أن هنالك سحراً أخفى أبنهم من أمام ناظريهم. 
وهناك طفل آخر كان مع والده وجده في الحقل وأيضاً اختفى فجأة، وكانوا يعتقدون أنه ذهب لدورة المياه ولكن غيابه قد طال فلم يعد أبداً. 
وطفل آخر عائد من المدرسة.. وآخر كان يمر من خلال الشارع.. وآخر وآخر 
قصص كثيرة كانت كوجبة دسمة للصحافة وقنبلة مدوية هزت الأمن العام في بكين والشرطة في هذه القرية.
قامت وزارة الأمن العام في بكين بإرسال فريق للتحري والتحقيق. وبعد وصول فريق التحقيق إلى نانمين وجدوا سكان المنطقة المساكين في حالة من الذعر، وبدأ الأهالي يتوافدون على فريق التحقيق بقصص اختفاء أبنائهم ويتذكرون قصصاً من الماضي إلى أن وصلوا إلى ماضي تشانغ. 
تفاجأ واندهش فريق المحققين كيف أن حوادث الاختفاء هذه كلها ظلت طي الكتمان مع أنها تحدث من سنوات طويلة مضت. وفتح تحقيق نموذجي وبشكل سري، وأفرج عن بعض المعلومات للصحافة في 23 مايو 2012، وتم الاعلان عن أن رئيس الشرطة في جينتشنغ مع قائد الشرطة و12 من رجال الشرطة فصلوا: لأنهم لم يجروا أي تحقيق في عدد المفقودين الهائل مع كثرة وجود البلاغات، 
التحقيقات تتواصل: 
استمر تمشيط المنطقة مدة أسبوعين من قبل محققي بكين ليتفاجأ سكان القرية بتحويط منزل تشانغ يونغ مينغ بالشريط الأصفر، حتى لا يمر السكان من هناك، ولعدة أيام يدخل المحققون منزله ويخرجون منه بأكياس كثيرة لا يمكن إحصاؤها، الأهالي باتوا أكثر رعباً من أن هذه الأكياس لها علاقة باختفاء أبنائهم وكثرت الأقاويل بأنهم رأوا عظاماً بداخلها.. 
وبدأت الصحافة تلتقط بعض الأخبار وتكتب في الصحف أن الشرطة الصينية تخشى أن القاتل آكل لحوم بشر. وأنه أكل وباع لحوم قرابة 20 شخصاً من المفقودين، وأنه تم اكتشاف حمام دم رهيب في منزله في مقاطعة يوننان، ثم أصبحت الصحف أكثر تحديداً، فقالت إنه جرى مؤخراً القبض على رجل يبلغ من العمر 56 عاماً أسمه تشانغ يونغ مينغ وأتهم بأنه مسئول عن اختفاء ما لا يقل عن سبعة أشخاص فقدوا في الآونة الأخيرة. وعثرت الشرطة في منزله على مقل عيون وضعت في زجاجات وغطيت بالكحول السائل، وعثروا على شرائح لحوم مملحة ومعلقه في أرجاء المنزل لتجفيفها ويعتقد أنها بشرية، وعثر أيضاً على أكوام من العظام البشرية، ويبدو أنه كان يغذي كلابه من بقايا الأجساد البشرية. 
وذكرت وسائل الإعلام أن 20 شخصاً من الشباب اختفوا على بعد كيلومترات من منزل المشتبه به، كما عثر على وثائق تعود إلى هان يو في منزل تشانغ. 
ما كشفته الشرطة الصينية هز البلاد، فحالات الاختفاء لم تكن حالات خطف عادية. بل كان وراءها سفاح مريع وآكل لحوم بشر. 
في تلك الإثناء الحكومة الصينية حاولت بشتى الطرق التستر على القضية حتى لا تروع سكان المنطقة وتشوه سمعة المنطقة للسياح وطلاب الجامعة. وفي اليوم التالي من نشر الصحف لأخبار السفاح أمرت الحكومة الصينية على الفور بإزالة جميع التقارير والأخبار المرتبطة بالقضية من شبكه الانترنت. لكن بعد أربعة أيام ونظراً لتداعيات القضية قررت الصين كسر حاجز الصمت ونشرت وكالة الأنباء الرسمية في الصين شينخوا معلومات حول هذه القضية كالآتي: (ذهب فريق من المحققين من بكين لتولي التحقيق في اختفاء المراهقين في منطقة يوننان، وقبض على المتهم تشانغ يونغ مينغ من قرية نانمين حيث وجدنا كمية كبيرة من الأدلة المادية في منزله وتم مقارنتها بالحمض النووي للضحايا، تم ربط المتهم بقتل أحد عشر ضحية. ووجد بأن المتهم يستخدم العديد من الأساليب لإخفاء آثار جرائمه. فهو يقطع أوصال ضحاياه ويدفن ويحرق ما تبقى ليدمر الأدلة). 
آكل لحوم البشر موضوع حساس في الصين، فهناك عادات ومعتقدات عنها في الصين، ولقد كان أجدادهم في السابق وقت المجاعات يأكلون لحوم البشر، أما الآن فقد أصبح من المحرمات لديهم فكانت هذه القضية قبل أن تخرج للإعلام تخضع للرقابة. 
شانغ يونغ مينغ كان كالأخرس لم يتحدث ولم يقر ولم يعترف بأي شيء، لكن جميع الأدلة والقرائن وماضيه الأسود كان يشهد عليه. فكما ذكرت سابقاً فإنه كانت له سوابق في قتل البشر وتشريحهم عام 1979، لكنه على ما يبدو غير أسلوبه وأصبح أكثر تكتماً من السابق وحرصاً على اخفاء آثار جرائمه. فالمجرمون لا يتغيرون كثيراً عبر السنين، فهو مثل الذئب يتربص بضحاياه الذي يرميهم حظهم العاثر في المرور بالقرب من منزله، فيستخدم حزامه لخنقهم حتى تنقطع أنفاسهم فيجرهم إلى داخل منزله ليقطع أوصالهم ويفرق اللحم عن العظم، ويخرج مقل عيونهم ليجمعها في القناني المليئة بالكحول. والعظام يضعها في أكياس ويدفنها في فناء منزله الخلفي. ويأكل بعض اللحم ويعطي كلابه التي يربيها أيضاً من هذه اللحوم، فهو يمتلك ثلاثة كلاب وباقي اللحم يملحه ويعلقه على حبل حتى يجف متل ما تجفف الأسماك، وبعد ذلك يبيعها في السوق المحلي في المنطقة واصفاً إياه بأنه (لحم نعام). وربما بعض الأجزاء غير النافعة للأكل يحرقها مع بعض متعلقات الضحية. 
السلطة الصينية رفضت التصريح أين باع اللحوم خوفاً من نشر الذعر أكثر مما هو عليه بين السكان. 
محاكمه آكل لحوم البشر: 
في 28 يوليو 2012 بدأت محاكمة السفاح، رفض تشانغ الإقرار بجرائمه ورفض الاعتذار لأسر الضحايا ولم يبد أي أسف أو ندم على ما فعله. 
صورة
محاميه أدعى أنه يعاني اضطرابات عقلية. لكن المحكمة وجدته عاقلاً وحكم عليه بالإعدام، وأدين بقتل 11 من ضحاياه الذين تم إثباتهم من خلال الحمض النووي. 
الشرطة والمحكمة لم ترد على الأسئلة التي أثيرت حول دوافع القتل. 
تنفيذ حكم الإعدام:
في يوم 10 يناير 2013 أعدم سفاح الصين وتم اصطحابه إلى مكان تنفيذ جرائمه ونفذ فيه الإعدام. 
انتشرت أقاويل بين سكان المنطقة أنه كان يعيش على معتقدات آبائهم وأجدادهم بأن لحوم الشباب تجدد الشباب كون جميع ضحاياه من الشباب المراهقين. 
أعدم هذا الحيوان البشري بعد سنين طويلة من حياة الافتراس ولكن القرية لاتزال تعيش الصدمة حتى يومنا هذا.

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا