مراحل نمو الإنسان قبل الولادة

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2023-11-04

أ. مرحلة النطفة: 

ورد ذكر النطفة في القرآن الكريم في أثنى عشر موضعاً على ثلاث معانٍ - كما ذكرنا - هي: النطفة المذكرة والنطفة المؤنثة والنطفة الأمشاج وهي النطفة المختلطة من الحيوان المنوي والبويضة عندما يتم الإخصاب. والمعنى الثالث هو الذي يمثل المرحلة الأولى من تكوين الجنين ونموه وتطوره.

وتشير الآيات القرآنية الكريمة إلى الدور الحاسم للوراثة مع التكوين الأولى للنطفة. ويعبر القرآن الكريم عن الوراثة بتعبيره البليغ "التقدير" يقول الله تعالى:

 {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ. مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ. مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} [عبس: 17-19].

وهذه الحقيق لم يكتشفها إلا علم الأجنة والوراثة الحديثين. فلم يتأكد دور "الجينات" - وهي أجزاء صغيرة من الخلية الحية - إلا عام 1912 حين أثبت مورجان أن هذه الجينات تنتقل عبر الحيوان المنوي الذكر والبويضة الأنثوية.

ومن حقائق الوراثة أيضاً التي أشار إليها القرآن الكريم أن الذكورة والأنوثة في الجنين إنما تكون تابعة لماء الرجل. قال تعالى:

{وَأَّنَهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} [النجم: 45-46].

والنطفة التي تمنى هي نطفة الرجل لا ريب إذ ليس للمرأة منى ولا هو من خصائصها.

وتوجد إشارة قرآنية أخرى إلى ذلك. يقول الله تعالى:

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى. ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى. فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [القيامة: 36-39].

والضمير في كلمة (من) يرجع إلى المني وهو للرجل وليس للمرأة. وهذا حقيقة علمية مؤكدة في علم الوراثة الحديث سنوضحها بالتفصيل فيما بعد (في الباب الثاني).

ب. مرحلة العلقة:

ورد ذكر العلقة في القرآن الكريم في خمسة مواضع. ويحدد علماء الأجنة المحدثون هذه المرحلة بالفترة التي تعلق فيها الكرة الجرثومية بجدار الرحم وتنتهي بظهور الكتل البدنية. والتعبير القرآني عن هذه المرحلة بكلمة "علقة" هو أفضل وأدقة وصف لها. وهذا ما سنفصله فيما بعد عند تناولنا لهذه المرحلة في نمو الجنين.

ج. مرحلة المضغة:

ورد ذكر المضغة في القرآن الكريم في موضعين أحدهما في سورة "الحج" والآخر في سورة "المؤمنون". والمضغة في علم الأجنة الحديث هي مرحلة يشبه فيها الجنين في مظهره لقمة ممضوغة وتظهر فيها بالفعل ما يشبه آثار أسنان مغروزة. ومرة أخرى فإن التعبير القرآني عن هذه المرحلة بكلمة "مضغة" لا يطابق فقط الوصف العلمي لها في علم الأجنة بل يتفوق عليه. وسوف نفصل ذلك عند عرضنا لهذه المرحلة في الباب الثاني من هذا الكتاب.

ويذكر القرآن الكريم أن هذه المضغة قد تكون مخلقة أو غير مخلقة.

ويفسر بعض العلماء المعاصرين ذلك (عدنان الشريف، 1987 - 1988) بثلاثة معانٍ هي:

1. خلال مرحلة المضغة يكتمل تكوين الأغشية والحبل السري وجزء من المشيمة وهي أجزاء من المضغة تحيط بالجنين وتحميه وتغذيه إلا أنها تسقط وتموت بعد الولادة، وهي بهذا المعنى تؤلف المضغة غير المخلفة، أما الجزء الرئيس من المضغة الذي يكون الجنين نفسه فهو المضغة المخلقة.

2. خلال مرحلة المضغة تبدأ مختلف أعضاء الجنين في التكوين إلا أنها لا تكتمل إلا في المراحل التالية. ومعنى ذلك أن الجنين في هذه المرحلة هو مضغة مخلقة وغير مخلقة في وقت واحد.

3. خلال مرحلة المضغة تصنف الخلايا إلى قسمين أحدهما خلايا متخصصة تشكل مختلف أعضاء الجنين، وثانيهما خلايا غير متخصصة أو خلايا الاحتياط التي تتحول إلى خلايا متخصصة تحل مخل خلايا القسم الأول عندما تموت. والنوع الأول يؤلف القسم المخلق من المضغة، أما النوع الثاني فهو القسم غير المخلق.

إلا أن المعنى الذي يشير إليه معظم المفسرين للمضغة المخلقة أنها المضغة التي يكتمل تكوينها وتبدأ فيها أجهزة الجسم في التكوين. أما المضغة غير المخلقة فهي التي لا يكتمل لها التكوين، ويقصد بها السقط كما جاء في تفسير القرطبي. وهو المعنى الذي نفضله هنا بدليل قوله تعالى بعد ذلك مباشرةً.

{... وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ...} [الحج: 5].

د. مرحلة تكوين العظام والعضلات:

يصف القرآن الكريم علميات التكوين النهائي للإنسان في قوله تعالى:

{... فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} [المؤمنون: 14].

وفي هذه المرحلة تبدأ الخلايا العظمية في التكوين وتحل محل الخلايا الغضروفية التي كانت موجودة من قبل. كما يتم تكوين العضلات (اللحم) التي تحيط بعظام الجسم وتساعد على حركتها.

ه. مرحلة تكوين الطفل السوي (التسوية),َ

{... ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ ...} [المؤمنون: 14].

وقد أجمع المفسرون على أن المقصود من الخلق الآخر نفخ الروح في الجنين بحيث يتحرك ويصير له "سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب" (محمد عليّ البار: 1986).

فقبل هذه المرحلة يكون الجنين أقرب إلى النبات ليس له حس أو حركة إرادية، وكل ما فيه فقط حركة النمو والاغتذاء. أما في هذه المرحلة فإن قوى الحس والإدراك والإرادة تتكون فيه. وتتضح هذه الصلة الوثيقة بين نفخ الروح وتكوين الحس والإدراك في قوله تعالى: {ثُّمَ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة: 9].

وتحديد بدء هذه المرحلة له أهمية خاصة، فمتى نفخت الروح حرم الاجهاض حرمة تامة كما أجمع الفقهاء. وتمتد هذه المرحلة حتى الولادة. ويمكن أن تسمى مرحلة "التسوية" أي إعطاء الشكل الإنساني للجنين، بعد أن كانت الأطوار السابقة من طور النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى العظام إلى اللحم هي أطوار "خلق" و"تجميع" و"تعديل في أعضاء الجنين" (عدنان الشريف، 1987 - 1988).

وهذه المرحلة هي التي يتميز بها المخلوق البشري عن غيره من المخلوقات فقبلها لا يستطيع علم الأجنة أن يميز بين الجنين البشري وغيره من أجنة الفقاريات الأخرى، كما وجد علم الأجنة القارن؛ أما عندها فيأخذ الجنين عند الإنسان شكله الإنساني الذي يتميز به عن غيره من الأجنة. ولعل هذا التشابه في الشكل الخارجي بين جنين الإنسان وجنين غيره من الثدييات في مراحل ما قبل التسوية هو الذي أوقع تشارلز داروين في خطأه العلمي الفادح في افتراض أن الإنسان "تطور" عن الفقاريات الأخرى. وهو الفرض الذي دحضته العلوم البيولوجية والإنسانية الحديثة. ولعل أكثر هذه الأدلة أهمية ما يطرأ على الجنين الإنساني من تحول كيفي جوهري في مرحلة التسوية، وفي هذا كله إعجاز علمي جديد لكتاب الله الخالد. وصدق الله العظيم في قوله:

{ثُّمَ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ} [المؤمنون: 14].

والتي تعني أيضاً - والله أعلم - أنه خلقٌ مختلفٌ عن جميع المخلوقات الأخرى.

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا