قلب مصدوم
لطالما تمنيت أن يتزوج ولدي من منال ابنة أختي... منذ لحظة ولادتها تمنيتها زوجة لولدي الوحيد الذي كرست نفسي لتربيته بعد وفاة والده في حادث... كان زوجي المرحوم ثرياً والثروة التي ورثتها من بعده كفلت لي حياة كريمة... ورغم أن كثيرين تقدموا للزواج مني أيام شبابي إلا أنني قررت تكريس حياتي لتربية ولدي الوحيد محمد..
ولدت أختي ابنتها منال... وحضرت أنا هذه الولادة وكنت أول من تلقاها في هذه الدنيا وأحببتها فور رؤيتي لوجهها الصغير البريء ودعوت الله في قلبي أن تصبح هذه الصغيرة كنت في يوم ما، كانت دقيقة الملامح وتمتلك شعراً حريرياً جميلاً... كما أحببتها... إنها تصغر ولدي بأربعة سنوات ومنذ طفولتها وأنا أهمس في أذن ولدي أنها زوجته في المستقبل وكذلك كنت أقول لأمها ولها هي أيضاً...
أداعبها قائلة: عندما تكبرين يا منال ستعيشين في بيتي... تسألني مستغربة: وأترك بيننا؟
فأقول: وقتها سيصبح بيتنا هو بيتك... تضحك أختي على همساتي وتقول: الله يبلغنا فيهم.
فأقول بحرارة: آمين... لا أعرف لم عشقت منال تحديداً... ربما لأنها جميلة كملاك وربما لأنني أول من حملها بعد ولادتها وربما لأنها تليق حقاً بولدي الوسيم منذ صغره... وربما لأنني أساساً أحب أمها – أي أختي – واشعر بالانسجام والتفاهم معها...
كبر ولدي حمد وقد رسخت في ذهنه أن منال زوجته... وكبرت هي أيضا وفكرة أن محمد زوجها راسخة في ذهنها...
في المناسبات العائلية كنت أقول ضحكة كلما دخلت منال: وها هي كنتي قد وصلت...
أصبح الجميع يعرف أنني أريدها زوجة لولدي... والكل يتندر بهذا الموضوع...
كبر محمد ودخل الجامعة وتخرج مهندساً في حين كانت منال لا تزال في سنتها الجامعية الأولى:
تقدم خاطب لمناب من خارج العائلة فأخبرتني أختي أنها اعتذرت من أهله وأخبرتهم أن منال مخطوبة تقريباً لابن خالتها... نبهتني هذه الحادثة وفاتحت محمد برغبتي بالتقدم رسمياً لخطبتها له كي لا يتجرأ شخص آخر على التفكير بها أو الاقتراب منها...
قال لي محمد أنه جاهز للزواج فوقتها كان قد تعين في وظيفة جيدة... ولا بأس بأن يظلا مخطوبان لفترة إلى أن يتم الزواج بعد نهاية العام الدراسي الحالي.
اتصلت بأختي وأخبرتها برغبتي وفرحت وخلال أسبوع احتفلنا بالخطوبة الرسمية لمنال ومحمد.
اشتريت لمنال ساعة ماسية باهظة الثمن ودبلة ماسية ضخمة معها... البسها محمد الدبلة وسط فرحة كبيرة... كان الجميع سعيداً لتحقيق أمنيت وكنت أنا الأكثر سعادة لاختياري لابنة أختي معها.. البسها محمد الدبلة وسط فرحة كبيرة... كان الجميع سعيداً لتحقق أمنيتي وكنت أنا الأكثر سعادة لاختياري لابنة أختي التي أعرفها وأعرف تربيتها...
تعلق محمد بها كثيراً بعد الخطوبة... وأصبح لا يطيق البعد عنها... فهو يكلمها بالهاتف ليل نهار وفي نهاية العام الدراسي حددنا موعد العُرس الذي تكلفت أنا بكل مصاريفه... حتى فستان العروس أصريت على دفع ثمنه من شدة فرحتي بها... كنت سعيدة جداً... سعادة كبيرة لا توصف فمن ناحية ولدي الوحيد سيتزوج... ومن ناحية أخرى العروس هي ابنة أختي التي تمنيتها له طوال عمري... الحمد لله الذي حقق لي أمنيتي...
بدت منال فاتنة بيوم عُرسها... كانت ملاكاً بمعنى الكلمة... وثوبها الأبيض الفخم يبهر الحضور وطرحتها القصيرة تتأرجح خلف رأسها... وأنا وأختي نرقص بيدين متشابكتين أمامها على الكوشة... وعندما زف محمد إليها لم أستطع منع دموعي من النزول... قبل محمد رأسي أولاً فضممته على صدري.. ثم توجه إلى عروسه وقبل رأسها...
رقصت منال برقة شديدة على أغنية جميلة أهدتها لمحمد... وفي تلك اللحظة ظننت أن كل أحلامي قد تحققت... لم أكن أتوقع أن أسوأ كوابيسي قد بدأ لتوه..
سافر محمد مع منال لثلاثة أسابيع بعد الزفاف وانشغلت أنا بتجهيز طابق كامل لهما في البيت...
غيرت الأثاث بأكمله واخترته من أجود وأفخم المحلات... وأشرفت بنفسي على كل التعديلات اللازمة على المكان واشتريت بنفسي أيضاً كل الأجهزة الكهربائية من أفضل الموجود بالسوق، أردت أن يكون المكان مريحاً... جذاباً... ويليق بأجمل عروسين في عالمي...
وصل العريسان من شهر العسل متأخراً تلك الليلة ورغم ذلك جلست أنتظرهما بالصالة، تمنيت الذهاب للمطار لاستقبالهما لكن وقت وصول الطائرة المتأخر حال دون ذلك... كانت تلك أول مرة يتركني فيها ولدي ويسافر كل تلك المدة.. فبكيت فرحة بعودته بمجرد أن رأيته واقف أمامي،
تركته بعد برهة وتوجهت نحو منال التي لسبب ما... كانت متجهمة!
عزوت ذلك التهجم لتعبها خلال الرحلة الطويلة وتمنيت لهما ليلة هانئة في بيتهما الجديد وذهبت إلى سرير سعيدة بعودتهما... إلا أن تلك السعادة تلاشت تماماً في الأيام القليلة التالية!
اكتشفت أن منال مختلفة عن ما كنت أعرفها... إنها عصبية جداً... تصرخ باستمرار على الخدم ولا تطيق الصبر بتاتاً، فعندما تطلب شيئا ًمن الخادمة تتوقع منها إنجازه في الحال... تشاجرت منال مع سائقنا الخاص والذي قضى خمسة عشرة عاماً في خدمتنا واتهمته بالتطاول عليها بالكلام ولأول مرة يتشاجر محمد مع السائق ويهدده بالطرد!
بعد تلك الحادثة لتي أحزنتني كثيراً بيومين فقط فوجئت بمنال تعيب أكلنا أثناء الغداء وتقول أن الأكل في منزل أمها أفضل بكثير.. قلت لها بهدوء: أخبري الطباخ عن الأكلات التي تحبينها وسوف يطبخها لك... فقالت هازئة: طباخكم فاشل والأفضل أن نبحث عن غيره!
لا أعرف لم تبحث دائماً عن الأمور السلبية ولم تصر كثيراً على انتقاد كل شيء في بيتنا حتى أنها لم تشكرني على التعب والجهد الذي بذلته في تأثيث طابقها الخاص ولم تثني أبداً على أي شيء فيه... والغريب أن محمد ولدي أصبح جاحداً مثلها فعندما سألته عن رأيه قال أن وسادات السرير صلبة بعض الشيء... والتلفاز الذي اخترته معقد الاستخدام وكذلك غرفة الطعام كبيرة على حجم الصالة!
قررت أن أغض الطرف عن الأمور التي لا تعجبني في كنتي التي تمنيتها طوال عمري وتساءلت كثيراً إن كانت تتصرف هكذا في منزل والديها... بالحقيقة لم ألاحظ طباعها السيئة أبداً من قبل ربما لأنها كانت تتصنع الطيبة أمامي وتجاملني؟ لا أعرف حقاً كيف لم أعرفها على حقيقتها وهي ابنة أختي ومقربة مني وتربيت أمام عيني طوال عمرها...
جاء الصيف الأول بعد زواج محمد ولدي وبما أن لدي شقة في أحد البلدان الأوروبية قررنا السفر إليها هرباً من حر الكويت.. وسافرنا فعلاً ومنذ دخلت منال شقتنا بدأت تتهكم على أثاثها القديم والشبه متهالك والحمامات التي تحتاج إلى تغيير... كما فجرت قنبلة لم أتوقعها في وجهي عندما قالت بوقاحة: خالتي، ألا ترين أنه من الأفضل أن تعطينا غرفة نومك؟ نحن شخصان وأنتِ وحدك الأفضل أن نأخذ نحن غرفة النوم الرئيسية بالشقة وانتقلي أنتِ على الغرفة الصغيرة الأخرى! هزني طلبها وأزعجني وأحسست أن هذه الفتاة لا تعرف حدودها... حتى لو كان طلبها في محله وأن من حقها أن تستخدم مع زوجها الغرفة الأكبر... كان عليها أن تترك تقدير هذا الأمر لي لا أن تطلبه مني بكل وقاحة وجرأة! ثم أنني الأكبر سناً وواجب عليهما مراعاتي والشقة أصلاً شقتي وهما ضيفان عندي! أوصلنا لهذه الدرجة؟ أن أشعر بولدي وزوجته مجرد ضيفان ثقيلان على حياتي بعد أن كنت أعتبرهما حياتي كلها!
مرت أيام سفرنا ذلك الصيف كجحيم حقيقي بعد أن اكتشفت بكل أسف أن كنتي لا تمتلك أي ذرة من الإحساس فهي تجوب الأسواق طوال النهار وتصر على أن نأكل في وقت متأخر وعندما أتملل من الوضع تطلب مني بوقاحة وبرود أن أعود للشقة والمصيبة أن ولدي أصبح كالخادم لها...يسير خلفها كتابع ويحمل أكياس مشترياتها بخنوع... يكاد لا ينطق بكلمة تخالف رأيها وكأنها نومته مغناطيسياً فأصبح أمره بيدها لا بيده..
قررت أن أعود إلى الكويت بعد أن تحولت رحلتي إلى جحيم وفرحت كنتي بقراري دون أن تداري فرحتها أما ولدي فلم يعلق بشيء!
عدت إلى الكويت وذهبت مباشرة إلى منزل أختي لأشكو لها تصرفات ابنتها التي ندمت أشد الندم لاختياري لها... استقبلتني أختي بدهشة كبيرة وقالت لي أن تصرف ابنتها غير مقبول وأنها ستتصرف معها وتكلمها عندما تعود من السفر بعد عشرة أيام.. وعدتني بأنها لن تسمح لابنتها بالتقليل من شأني وقبلت رأسي معتذرة فهدأت واستبشرت خيراً... وقضيت عشرة أيام كاملة وحيدة... أتعرفون.. في تلك الأيام تذكرت كثيراً زوجي الراحل وتساءلت مراراً إن كنت قد أخطأت بعدم زواجي من رجل غيره بعد وفاته.. ترى لو كنت تزوجت أكنت سأكون أسعد حالاً؟ كانت تلك التساؤلات تحزنني فأنا لم أندم قط على تضحيتي من أجل ولدي ودائماً كنت واثقة أنني فعلت الصواب بتكريس نفسي من أجل تربيته... لكني الآن أكاد لا أعرف هذا الولد.... وكأنه استبدلني بزوجته الشابة التي من لحمي ودمي!
ما الذي يحدث في الدنيا! لم لا تعاملني كنتي كما تعامل أمها؟ ويشهد الله أنني لم أزعجها أبداً ولا حتى بكلمة بل على العكس أنا أريد لولدي أن يسعد ويستقر بحياته ولست من الأمهات المتسلطات اللاتي يغرن على أولادهن!
اد ولدي معها وصعد ليسلم علي في غرفتي... عاملته بجفاء ووقف أمامي كالتلميذ المذنب... قلت له بعتاب: هكذا تفعل يا محمد بأمك؟ تتركني أعود وحدي وأنا غاضبة دون أن تردع زوجتك؟ قال لي بتردد: أنا حائر بينكما يا أمي أنت تعرفين أنها لا تزال شابة وتريد أن تستمتع بحياتها ومن حقها قضاء وقتها بالخروج والتسوق... سأعوضك يا أمي برحلة أخرى إن شاء الله.. وسكت... وقبلت اعتذاره... على الأقل قام بالاعتذار... أما منال فقد ذهبت لترى أمها بعد أن نامت قليلاً دون أن تسلم علي! وعندما عادت جاءت إلي بوقاحة وقالت: تشكين علي عند أمي يا خالتي؟ ما الذي فعلته بك؟
وصدمت... توقعتها أن تأتي لتعتذر مني لكن ما رأيته منها صدمني حقاً.. قلت لها: أنتِ لم تحترمي وجودي أبداً ولم تقدري كل ما فعلته من أجلك...
قالت بتكبر: وما الذي فعلته لي!
كم هي وقحة هذه الفتاة! وبعد مناقشة عقيمة معها اتصلت أختي لتخبرني أنها حادثت ابنتها وأن علي أنا أيضاً أن أكون أكثر صبراً عليها وأن لا أغار منها على ولدي وأن أعتبرها ابنتي و....
تغير كلام أختي فجأة بعد أن أوهمتها ابنتها أنني أغار على ولدي منها... ياللعار حتى أختي أصبحت لا تصدقني... و....
أثبتت لي الأيام القادمة كلها كم كنت مخطئة في اختياري لابنة أختي... ولم يعد إصلاح هذا الخطأ ممكناً أبداً حيث أنها أنجبت من ولدي ثلاثة أطفال هم قرة عيني وأملي في الحياة ورغم إزعاجها الدائم لي وإيذاءها الشديد لمشاعري أصبحت أحتملها واصبر عليها من أجل أحفادي... تخفي عني جنس المولود دائماً أثناء حملها وكأنني عدوتها وتخفي عني مواعيد سفرهم بالصيف الذي لم أعد أسافر فيه وابقي خلاله وحدي بالمنزل وتحاول دائماً الاستئثار بولدي لها وحدها لدرجة أنه أصبح نادراً ما يجالسني... ترفض قبول أي نصيحة مني فيما يخص أحفادي وترفض أخذي إلى مناسباتهم المدرسية وتغتاظ من تعلقهم الشديد بي...
لم يعد لي في هذه الدنيا سوى الصبر... ويقيني أن الجزاء من جنس العمل.. ففي يوم سيعاملها ولدها كما عاملتني هي... وحسبي الله ونعم الوكيل على كل امرأة مثلها.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا