ويبقى الأمل ينبض في القلوب 40 41 42 للكاتبة علياء الكاظمي

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2023-07-26

  40) 

كانت عائلة السيد عبد الله تستعد لعقد قران شاهين ونظراً لصغر منزل عائلة بسمة تقرر إقامة الحفل في منزل السيد عبد الله وتم الاعداد لهذا اليوم بأفخم ما يمكن من الاستعدادات، تم طلب الطعام من أفخر الفنادق وكذلك الزهور وأما أخوات شاهين فقد كن يقضين الوقت في التسوق.. كان شاهين لا يريد عرساً كبيراً كان مكتفياً بهذه الحفلة بالمنزل ولم يعارض والده كلامه فرغم أنه ابنه الوحيد إلا أنه لم يكن فرحاً بهذا النسب ويرى أنه لا داعي للعرس في الفندق ما دامت بسمة التي ليس مقتنعاً بها هي العروس... وبقي أسبوع واحد على الحفلة.. كانت الفتيات وأمهن جالسات في الصالة وشاهين والأب في المكتب يتفقان على بعض التفاصيل.. عندما دق جرس الهاتف وجاءت دلال مسرعة: أبي إنها عمتي مريم عالخط لا أعرف ما بها إنها تبكي وتطلبك! هرع الأب إلى الهاتف ليسمع بالخبر الحزين.

لقد توفيت والدته.. توفيت الجدة أم السيد عبد الله.. توفيت عميدة العائلة.. كانت الجدة مريضة منذ مدة وكانت في كثير من الأحيان لا تعي ما حولها بسبب المرض والكبر وكانت تعيش في جناح خاص بها مع ممرضة تلازمها كل الوقت للعناية بها، مريم تعتني بها وتشرف على صحتها ولم تتدهور حالة الجدة قبل وفاتها ولم تدخل المستشفى فقط جاءت الممرضة لتصحيها ذاك الصباح لكنها لم تستيقظ واكتشفت وفاتها وأبلغت ابنتها مريم التي انهارت.. فهي متعلقة بها فعندما انفصلت مريم عن زوجها كانت الأم بأتم صحة وعافية وعاشت مريم معها وتعلقت بها، فهي أمها ورفيقة دربها وحتى بعد مرض أمها أصبحت هي وهديل شغلها الشاغل، وكانت تعتني بها وتؤنس وحدتها وعندما تزوجت هديل أصبحت مريم كثيرة الاعتناء بأمها العجوز فهما وحدهما في المنزل الذي تزوره العائلة كل خميس... وبعد فسخ خطبة شاهين وشيماء انقطع تجمع العائلة بسبب توتر الأوضاع بين عبد الله ومها.. وكانت مريم تأمل أن تهدأ الأمور بينهما حتى تعود العائلة كسابق عهدها لكن خطبة شاهين وبسمة زادت النار تأججاً وعداوة وأصبحت مريم تقضي الكثير من وقتها بالانشغال بأمها فهي تعد طعامها بنفسها وتشرف على نظافتها الخاصة وتعد لها الحمام وتسرح شعرها وتساعد الممرضة في العناية بها، كانت تسليها فهي لا أحد لها.. والآن ذهبت الجدة، ذهبت وتركتها وحيدة.. وفي العزاء كانت مريم الأكثر بكاءً ونحيباً.. أحست باليتم والوحدة والألم، كيف ستعيش وحدها؟ بلا زوج ولا أم وابنتها تزوجت وتركتها ماذا ستفعل.. وكان الجميع يشعرون بمصابها ويحسون بما تشعر به وكانوا جميعاً يهدئونها وكانت هديل حزينة جداً فهي تربت في كنف جدتها وما زالت تذكر كيف كانت تدللها وتعطيها الهدايا وكان لها النصيب الأكبر من كل ما تعطيه للأحفاد لأنها تعيش معها وتذكر حلية ماسية كانت للجدة أهدتها لها دوناً عن حفيداتها البنات، ومازالت هديل تذكر رائحة جدتها وهي تضمها إلى صدرها كي تنام، كانت تدللها كثيراً وتحبها وتشفق عليها بسبب انفصال والديها وتذكر هديل أنها دخلت على جدتها وأخذت تخبرها أنها ستنتقل إلى منزل عمها وكان ذلك يوم زواجها بهاني، فحدقت بها الجدة طويلة ثم مدت يدها الجافة وأخذت تربت على شعر هديل الأحمر ثم ضمتها إلى صدرها وأخذت تبكي كالأطفال وبكت هديل كثيراً وهي تسترجع ذكرياتها مع جدتها

وجاءت بسمة تعزي عائلة شاهين، وتصاعدت الهمسات حولها: هذه خطيبة ابن عبد الله، يقولون يحبها، ماذا أحب فيها، ليست جميلة، يا إلهي كأنه مسحور، ترك شيماء التي كالقمر ليخطب هذه! يا للرجال، أما العمة مها فما إن رأتها حتى أشاحت بوجهها عنها وقامت من مكانها حتى لا تسلم عليها.. أما شيماء فقد نظرت إليها شذراً وباحتقار وسخرية كانت شيماء تبدو رائعة محمرة العينين لكنها جذابة تكاد العافية تنفجر من وجنتيها شباباً وحلاوة، أما بسمة فكانت بوجهها الخالي من الجمال المليء بالنمش لا تقارن بها. وجلست رغد تبكي بعنف كأنها وجدت الفرصة لتفريغ حزنها.. كانت تبكي جدتها وتبكي أحمد يا للعجب إنها تبكي أكثر كلما تذكرته، وفجأة وجدت رغد أمامها عمة أحمد، العمة أحلام رأتها من بين دموعها كالحلم، لقد جاءت تعزيهم وتقدمت منها واحتضنتها وعانقتها رغد كأنها تعانق أحمد، كأنها تحتضن قطعة منه، عجباً إنها تكاد تشم رائحته، وأخذت تبكي ويهتز جسدها من البكاء فربتت أحلام على ظهرها وقالت: حبيبتي.. صبرك الله.. فعلا إنها تطلب لها الصبر وهي حقاً تحتاج إلى الصبر على فراق أحمد.. أحمد الذي خذلها واستطاع الزواج بغيرها ترى هل ستستطيع أن تنساه؟ وعندما ابتعدت عنها عمة أحمد كادت تصرخ بها أن تأخذها معها، تأخذها إليه، إنها تريد أن تسأله لماذا تركها، لماذا تخلى عنها، ولم يحارب الدنيا لأجلها لماذا؟ لماذا؟ وانهارت على مقعدها تبكي.. وكأن في عينيها شلالاً لا ينضب من الدموع.

وباتت هديل والعمة مها مع مريم حتى لا تشعر بالوحشة طوال أيام العزاء.. وبعد العزاء احتارت العائلة.. كيف تعيش مريم وحدها في البيت؟ وكحل مؤقت تطوعت رغد أن تسكن مع عمتها مؤقتاً حتى يجدوا حلاً لبقائها وحدها..

(41

ومضى أسبوعان على وفاة الجدة وكانت مريم جالسة في سريرها ورغد في الغرفة المجاورة.. إنها لم تعد تنام إلا نادراً لم تعد تستطيع النوم.. وخرجت إلى الصالة الخارجية في الثانية فجراً وجلست فإذا برغد تخرج إليها.

مريم: ماذا حدث حبيبتي لم تنامي

رغد: أشعر بالأرق

مريم: تعالي نجلس معاً... اجلسي بجواري..

جلست رغد بجوار عمتها صامتة وفجأة أجهشت بالبكاء، جزعت العمة وقالت: ما بك يا ابنتي ماذا حدث؟ لم ترد رغد بل ظلت تبكي، فقامت العمة واحتضنت رأسها وأخذت تقبلها وأسندت رغد رأسها على صدر عمتها الحنون وأخفت وجهها فيه وشعرت بالراحة.. وبدأت تحكي، حكت لعمتها كل قصتها.. أخبرتها عن حبها لأحمد عن كل ما فعله بها.. كل شيء.

استمعت العمة وقلبها يتفطر حزناً على رغد يا الله كم عانت هذه الصغيرة.. معقول رغد الجميلة تعيش كل هذه التعاسة، وانتهت رغد من الكلام ولم تنته من الدموع وتحدثت العملة أخيراً: حبيبتي.. لقد وثقتي بي وأخبرتني سرك الذي سأحفظه وأكتمه ولكني أريد أن أخبرك رأيي، إن كل شيء في هذه الدنيا قسمة نصيب ربما أحبك أحمد لكنه ليس له نصيب معك، هذه إرادة الله، إنه يتيم ليس له إلا أباه وهذا الأب حطم صورته عندما سرق أباك حطم صورته وأخجله أيضاً أمامك وأمام عائلتك فكيف يستطيع الزواج بك وهو بهذا الموقف المحرج؟ لعل أباه ألح عليه بالزواج ولعل زواجه هو النهاية التي اختارها القدر لهذا الحب.. لكنها إرادة الله ونحن لا نملك إلا أن نرضى بما كتبه الله لنا.. يا ابنتي ارضي بنصيبك، حزنك أمر طبيعي فالحكاية في بدايتها وصدقيني مع الوقت ستنسين وما زلت صغيرة غداً تحبين من جديد

قاطعتها رغد وكأنها تدفع تهمة عنها: لن أحب غير أحمد.. ابتسمت العمة قائلة: الحياة غداً ستصقلك وستغير أفكارك ومشاعرك، انسي أحمد يا رغد وافتحي قلبك للحب والحياة وسيعوضك الله خيراً، ستذكرين كلامي يوماً، لا تفقدي الأمل.. تماسكي وحاولي وستنجحين..

صدقيني.. هل تعلمين يا رغد عندما توفيت والدتي كنت أتساءل بيني وبين نفسي لو أنني تزوجت بعد فشل زواجي من والد هديل هل كنت سأكون أكثر سعادة.. واطمئناناً؟ على الأقل سيكون لدي عائلة أعيش معها.. أشعر الآن أنني أصبحت عبئاً على العائلة، كيف سأعيش لوحدي وأين سأذهب، لم أحسب حساب هذا اليوم.. إياك يا رغد أن تعيشي وحيدة لا تغلقي قلبك للحب إياكِ.

(42

مر شهر على وفاة الجدة.. وجاء عبد الله وأخوه عبد العزيز وشاهين وهاني وعادل إلى منزل الجدة للاجتماع بمريم ومعرفة ما سيكون من أمر سكنها.. وكانت مريم جالسة وحدها فقد ذهبت رغد لإحضار بعض الملابس لها من منزلها.. ودخل عليها الرجال وسلموا عليها كانت تعرف سبب زيارتهم وكانت تشعر بالقلق، قال الأخ الأكبر عبد العزيز: مريم نحن هنا لنرى أين ستسكنين بعد وفاة المرحومة فليس من المعقول أن تقيمي وحدك هنا.. جئنا لنتناقش في هذا الأمر

قال عبد الله: أنا أقترح أن نبيع بيت العائلة وأن تنتقلي للعيش في منزلي، فسمر تزوجت وشاهين على وشك الزواج وغداً دلال ورغد والبيت كبير وسأخصص لك جناحاً كاملاً كما أن وفاء تحبك كثيراً ولطالما كانت متعلقة بك ما رأيك

رفعت مريم رأسها وقالت بثبات: لا يا عبد الله لن نبيع منزل العائلة مهما حدث، ولن أخرج منه أبداً، هذا المنزل هو ٍالمكان الذي عشت فيه كل عمري، هنا حياتي، ذكرياتي، كل ركن منه لي فيه حكاية وإذا كان أحدكم يريد نصيبه من البيت فأنا على استعداد لدفعه نقداً له، البيت لي ولن أتركه

عبد الله: نحن لا نقصد المال يا مريم وأنت خير العارفين لكن ليس من المعقول أن تعيشي لوحدك.

سكتت مريم وأخذت تفكر وفجأة خطرت لها فكرة، فرفعت رأسها وقالت: هاني ما رأيك أن تنتقل أنت وهديل للعيش هنا

أحرج هاني وارتبك: لكن يا عمتي أنا مرتاح في بيتنا ولم أفكر بالعيش هنا قبلاً.. لا تغضبي أرجوك لكنني مستقر في بيتي ولا تروق لي فكرة الانتقال

أطرقت مريم برأسها والحيرة والحزن يملأ قلبها وفجأة قالت: ماذا عنك يا شاهين.. ما رأيك أن تسكن معي أنت وبسمة، سأقيم أنا في جناح والدتي ولكما الدور العلوي بالكامل، يمكنكما ترميمه وتأثيثه كما تريدان، ولن تدفعا إيجاراً وهو قريب من عملك أيضاً؟ تفاجأ شاهين بهذه الفكرة وقال: لا أدري يا عمتي..

العمة مريم: أرجوك أنت تعرف أنني لن أتدخل بحياتكما أبداً.

قاطعها شاهين: طبعاً يا عمتي ولم يخطر لي ذلك لكن لا أعرف إن كانت بسمة ستوافق

العمة مريم: لا أظنها تمانع.. بسمة طيبة يا بني وأظنها ستفرح وترحب بالفكرة اعرض الأمر عليها وسترى

وكأن مديح عمته لبسمة شجعه فقال: حسناً سأتصل بها حالاً.. وقام شاهين وخرج من غرفته ليحادث بسمة على انفراد ويأخذ رأيها.. وخلال عشر دقائق دخل وقبل رأس عمته وقال: بسمة وافقت.. سنسكن معك هنا في بيت العائلة

ورفعت مريم رأسها نحو السماء، وهتفت

شكراً يا رب الحمد لله لن أفارق بيتي أبداً.

.:......؟..؟.)......؟.)....

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا