رواية خوف الجزء الأول 9 للكاتب أسامة المسلم

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2023-07-22

محتوى المدونة الخضراء

التي قدمها لي رسول (جسار)

كان الكلام المكتوب في المدونة مكتوباً بلغة التدوين التي لا يفهمها أي شخص لذلك سوف أذكر خلاصة ما ذكر فيها:

"حضر (ملاس) كالبرق الغاضب وهجم على (جند) وهي تعذب (دجن) أمام من تبقى من قبيلتها وطرحها (ملاس) أرضاً وقال لها:

اليوم أقتص لصاحبي يا عاهرة!!

ضحكت (جند) وقالت:

صاحبك ينتظرك في الآخرة أيها المؤمن ولن أجعله ينتظر أكثر!

فاشتبكا تحت مرأى ومسمع أتباع (جند) وأتباع قبيلة "الأباطحة" المدحورة و(دجن) المقيد بينهم ينزف من أثر تعذيب (جند) له، منعت (جند) أي أحد من التدخل بينها وبين (ملاس) بالرغم من تفوق (ملاس) عليها حجماً وقوة. استمر العراك بينهما مدة قصيرة حتى بدأت (جند) بالتقهقر أمام ضربات (ملاس) القوية، وقبل لحظات من انتصار (ملاس) الساحق الذي أصبح واضحاً للجميع ظهر (جسار) كالبركان الغاضب وهجم على (ملاس) المتعب من النزال مع (جند) وبدأ في العراك معه، ولأن (جسار) لم ينه أتباعه عن المشاركة معه في الهجوم على (ملاس) فقد تكالبوا عليه وقتلوه. بعد موت (ملاس) توجهت (جند) لـ (دجن) لقتله فمنعها (جسار) بالقوة وقال:

هذا ينافي رغبة سيدي!

فصرخت (جند) في وجه (جسار) وقالت:

ومنذ متى ولك سيد يا (جسار)؟!!

فقال: منذ اليوم أنا مأمور لأمره.. ويجب أن تكون ممتنة له فهو من حررني لإنقاذك.

فقالت بسخرية: ومن هذا السيد المجهول؟!

فقال (جسار): السيد (خوف).

فصرخت (جند) بأعلى صوتها وقالت:

المدون الخائن؟!

فصفعها (جسار) وقال:

احفظي لسانك ولا تتفوهي على سيدي بكلمة.

فرحلت (جند) غاضبة من المكان..

توجه (جسار) لـ (دجن) وفك قيده وقال له:

ارجع إلى سيدي وسيدك.

فرحل (دجن) ولم ينطق بكلمة..

في نهاية المدونة ذكر لي (جسار) أن القبيلة عينت مدوناً جديداً وسوف يقوم بإرسال المدونات لي كي أحفظها أينما كنت وكتب لي طريقة للتواصل معه في أي وقت وفي أي مكان.

انتهت المدونة..

 

العودة إلى حياتي

عدت لبلادي بعد انتهاء الأحداث وكالعادة لم أجد شيئاً أقوله لأهلي وهم لم يصروا بالسؤال. كنت وقتها قد بلغت الخامسة والعشرين من عمري، أكملت دراستي الجامعية وتخرجت، وعشت حياة طبيعية لفترة تجاوزت الأربع سنوات وكانت مدونات قبيلة "الكثبان" تصلني بانتظام كلما امتلأت وهذا في العادة يحدث كل ثلاثة أشهر تقريباً.

كنت أقرأ المدونات بحثاً عن أخبار القبيلة وأخبار العالم الذي هجرته منذ سنتين، وكنت أحياناً أصادف الرسول الذي يوصلها لي فينحني أمامي ويضعها تحت قدمي وأحياناً أستيقظ لأجدها بجانبي. يبدو أن (جسار) كان حريصاً على ألا يزعج منامي. عدا يوماً من ليلة طويلة قضيتها مع أصدقائي وكنت مرهقاً جداً وأريد النوم فدخلت غرفتي لأجد رسول المدونات ينتظرني على غير عادته فهو إذا لم يجدني بالغرفة ترك المدونة ورحل لكن يبدو أنه كان لديه أمر آخر يريد أن يخبرني به، فجلست على طرف السرير وانحنى هو على ركبته كعادته وقال:

"هل تأذن لي بالحديث يا سيدي؟"

فأذنت له وقلت: تحدث بسرعة أريد النوم..

قال: "سيدي (جسار) يرسل لك سلامه ويبلك أن المدونة التي معي قد تعكر صفوك لذا لك الخيار في قراءتها أو حرقها".

ومد الرسول المدونة لي فأخذتها واختفى..

ترددت في قراءتها في البداية لأني كنت متعباً ولا أريد قضاء تلك الليلة في قراءة مدونة كاملة لكن وكما يحدث معي دائماً تمكن الفضول مني وأدركت أن تجاهلها لن يريحني ولن يكون سهلاً وسيسلب النوم من عيني ففتحت المدونة وبدأت أقرأ.

تكلمت المدونة وكعادتها عن بطولات (جسار) ومعاركه مع القبائل الأخرى التي أخضع معظمها تحت إمرته وسلطته بالقوة بما فيها قبيلة "الصوارم" وأعاد بذلك مجد قبيلة "الكثبان" لسابق عهدها وأكثر، وكانت (جند) بجانبه في تلك الفتوحات الكبيرة. استمرت المدونة بالحديث عن قيام مجموعة لقبوا أنفسهم بـ "العشرة المؤمنين" وهم مجموعة من أتباع (ملاس) من الأقران المؤمنين الين شاركوا في حرب الإطاحة بـ (مازع) بتنفيذ حملة من الاغتيالات في صفوف قيادات جيش (جسار) وكان (جسار) مستاءً منهم جداً.

في نهاية المدونة ذكر أن (جند) تعقبت (دجن) وقتلته قبل شهر وكان (جسار) قد كتب في آخر سطر في المدونة:

"لقد سجنت (جند) على ما قامت به وهي تنتظر أمر سيدي بالعفو أو الموت".

انتهت المدونة..

 

جحيم العودة للعالم السفلي

حزنت على (دجن) كثيراً. كانت مشاعري نحوه في حياته متقلبة لكن مشاعري بعد خبر موته توحدت. كنت حزيناً على رحيل ذلك القرين المبتسم، لكن حزني عليه لم يدفعني للانتقام لموته بقتل قاتله لأن هذا لن يعيده فأرسلت لـ (جسار) بأن يعفو عن (جند). بعد ما تلقيت خبر موت (دجن) أرسلت لـ (جسار) بأن يتوقف عن إرسال المدونات لي وأن يرسل أحداً ليأخذ المدونات التي تراكمت عندي خلال السنوات الماضية. نفذ (جسار) ما أمرته به ومضى أكثر من عام بعد ما أخذت جميع المدونات من غرفتي.

بعد انقضاء عام تقريباً من توقف وصول المدونات لي كنت متوجهاً لغرفتي ذات مساء كي أستعد للخروج لمقابلة أصدقائي كعادتي اليومية التي لم أتركها فوجدت رسول المدونات والذي كان اسمه (يقلب) ينتظرني.. فسألته:

ماذا تفعل هنا يا (يقلب)؟

فرد علي وهو على ركبته وقال:

"سيدي (جسار) يطلب حضورك"

فقلت له: أخبر (جسار) أني لا أريد أن أذهب معك إليه فقد انتهت علاقتي بكم وبعالمكم وحياتي عادت لطبيعتها ولا نية لي في العودة مرة أخرى لذلك أخبره أن يتوقف عن التواصل معي.

فقال: "العشرة المؤمنون" عرفوا طريقك وهم قادمون إليك ليقتلوك وسيدي (جسار) يريد أن يحميك منهم.

فوضعت راحة يدي على جبيني وأنا مغمض العينين وقلت في نفسي:

"متى أنتهي من هذا الجحيم؟".

امرت (يقلب) بالانتظار في غرفتي وتوجهت لغرفة أخي وقلت له:

سوف أسافر لفترة بسيطة لإنجاز بعض الأعمال وأعود بإذن الله.

فنظر لي بحزن وقال:

"لا تكذب علي.."

عانقته وعدت لغرفتي ودخلت على (يقلب) وقلت له:

أين سيدك (جسار) الآن؟

فقال: لقد استقر في جبال الأطلس بعيداً في أقصى الغرب.

فقلت: خذني إليه الآن..

فقال: "سمعاً وطاعة"

في غضون ثوان وجدت نفيس في أقصى الغرب عند جبال الأطلس حيث هبط بي (يقلب) في أحد وديانها ثم تركني وقد كان الوقت ليلاً قرابة التاسعة مساءً، وكان المكان مهجوراً وحالك الظلمة فجلست على الرمل البارد المختلط بالصخور الصغيرة حتى باغتني النوم. لم أنتبه إلا على صوت ينبهني ويقول:

"استيقظ سيدي المدون".

ففتحت عيني لأرى (جند) تمد يدها لي كي تساعدني على النهوض وبجانبها (جسار) وهو ينظر للأفق. وجهت نظري حيث كان (جسار) ينظر فرأيت في عتمة ذلك الليل منظراً مهيباً، رأيت الآلاف من الأعين المشعة مثل عيون القطط تنظر باتجاهي وعندما هممت بالوقوف انخفضت وكأنها ركعت على ركبها، أشار (جسار) بيده لانصرافهم وفي لمح البصر اختفوا جميعاً، التفت (جسار) نحوي وقال:

"مرحباً بعودتك يا سيدي".

أمسكت (جند) بيدي وهي تبتسم وأشارت لي كي أتقدم نحو كهف كان خلفنا بين الجبال فمشيت معها وتبعنا (جسار) وعندما دخلنا الكهف أضاء المكان وكأن ألف شمعة قد أوقدت فيه. تقدمنا وتعمقنا داخل الكهف حتى أقبلنا على عرش ضخم من الصخور استقر في وسط الكهف، بعدها أشار (جسار) بيده لي للجلوس على العرش فتوجهت للعرش الذي كان أكبر من أن أجلس عليه فقد كان يناسب حجم جسد أكبر مثل جسد (جسار) لكني توجهت له وجلست عليه وفي لحظة جلوسي انحنى (جسار) وأخته (جند) أمامي وقالا بصوت واحد:

"ننتظر منك الأمر أيها السيد"

سكت قليلاً ثم سألت (جسار) وقلت:

عن ماذا تتحدثان يا جسار)؟

فقال لي (جسار):

منذ رحيلك وأنا أعيد بناء مملكة أبي مملكة ال "كثبان" العظيمة لأعيدها لسابق مجدها وقد فعلت ذلك ولم أتوقف عند هذا الحد بل سيطرت على الكثير من القبائل التي لم تخضع للوائي.

فقلت له: أعرف ذلك يا (جسار) فقد قرأت كل ذلك في المدونات التي كنت ترسلها لي.

فقال: لكن ما لا تعرفه يا سيدي أن هناك من يعبث بمملكتي ويحاول تدميرها.

فقلت له: هل تقصد "العشرة المؤمنين"؟

قال: نعم.. فمنذ موت سيدهم الهالك (ملاس) وهم يحاولون الثأر له أو الموت شهداء في سبيل تحقيق ذلك.

فقلت له: لكن المدونات تذكر أن أعدادهم لا تتجاوز الألف وجيشك كما رأيت في الخارج أكثر بكثير من ذلك.

فقال: لو كانوا يوجهونني في معركة مباشرة لسحقتهم لكنهم يهاجمونني كراً وفراً وهذا الأمر يستنزف جيشي ويستنفذ أعصابي.

فقلت له: وما دخلي أن بهذا الموضوع يا (جسار)؟

فقال لي: بعد ما يئست من مواجهتهم وجهاً لوجه قمت بتجنيد قرين كافر بين صفوفهم لأنهم بعكس قائدهم الهالك لا يقبلون الشياطين الكفرة بينهم لذلك جعلته يدعي أنه مؤمن ويريد أن يشاركهم في مسعاهم وهو مصدر معلوماتي الوحيد، وقد أخبرني بالأمس أنهم يسعون لقتلك.

فقلت: قتلي أنا؟ .. ولماذا أنا؟

فقال (جسار): لأنك من حررني لقتل (ملاس) في تلك الليلة التي هجم فيها على (جند) في محاولته للثأر لمقتل صاحبه (سالم).

فسكت قليلاً ثم قلت: وماذا تنوي أن تفعل يا (جسار)؟

قال: سأحميك بإبقائك عندي حتى أبيدهم جميعاً!

فقلت له: (جسار) ... معارككم تستمر لعشرات السنوات وقد أموت قبل أن تنتهي من إبادتهم.

قال: سوف أجعلك تعيش في نعيم ورغد لن تحتاج شيئاً من عالمك وأنت هنا بيننا.

فقلت له: هل تستطيع أن تعوضني عن أهلي وحياتي؟

قال: إذا أمرت فسوف أحضرهم جميعاً لك هنا.

فصرخت فيه دون تفكير وقلت له:

لا!.. لا تقحم أهلي في عالمكم!!

ولأول مرة أرى (جسار) خائفاً وكذلك (جند) لم يكن لدي أي قوة جسدية تقارن بهما لكن عندما صرخت عليهما بثقة بدا عليهما الخوف الشديد. أمرت (جسار) بعد حواري معه بأن ينصرف هو وأخته كي أفكر في هذا الموضوع فانصرفا دون نقاش.

مضت أيام وأنا في ذلك المكان ولم يكن يدخل علي سوى (جسار) بعد الاستئذان وكان يصاحبني يومياً لسفح الجبل لحاجتي الملحة للخروج من ذلك الكهف واستنشاق بعض الهواء وكنت أطلب منه تركي وحدي بالرغم من ممانعته خوفاً على سلامتي لكني كنت أصر لرغبتي بالإحساس بالحرية التي سلبت مني مرة أخرى.

استيقظت في صباح أحد الأيام وأنا أنتظر (جسار) ليدخل علي كعادته ويأخذني لسفح الجبل فجلست أنتظره أفكر وحدي لفترة لم تتجاوز العشر دقائق حتى سمعت صوتاً عند مدخل الكهف يقول:

"هل تأذن لي بالدخول يا سيدي؟"

لم يكن صوت (جسار) الذي طلب الإذن بالدخول فقلت له:

ادخل..

فدخل صاحب الصوت ورأيت وجهه وكانت صدمة جعلتني أقف على قدمي فاتحاً فمي وعيني، فقد كان الواقف أمامي (عمار) وقبل أن أتفوه بكلمة قال لي:

"لا تخف لست صاحبك الذي غدرته به"

فسكت والعرق بدأ ينزل من جبيني ثم أكمل كلامه وقال وهو يبتسم:

"أنا هنا خادم لخادمك (جسار) فلم يعد لي مأوى بعد أن غدرت بصاحبي (عمار). أنا (رامع) القرين الشاهد عليك وعلى يدك التي وضعت ذلك الغصن تحت وسادة صاحبي".

ضافت أنفاسي وبدأ قلبي بالخفقان وقلت له دون تفكير:

.. ماذا تريد؟

فقال: لا شيء.

فقلت له: لا تراوغ وتطل معي في الحديث أفصح عن ما يدور في جوفك!

فنظر (رامع) للعرش الذي كان خلفي وقال:

أن أجلس على ذلك العرش..

فسكت مصدوماً وقلت له بهدوء:

وكيف تنوي تحقيق ذلك؟!

فقال: هذه أقل فدية يمكن أن تقدمها لي بعد قتلت للرجل الذي آواك في بيته ثلاث سنوات.

فصرخت فيه وقلت: (عمار) لم يؤوني.. (عمار) خدعني واستغلني!!

فقال: دعنا لا نهتم أو نغص في التفاصيل الآن خلاصة الموضوع أنك ساعدت في قتله و(جسار) و(جند) لا يعرفان ذلك وعندما سألاني عن تلك الليلة التي قتل فيها (عمار) وعن هوية من قتله أخبرتهما أني لا أعرف من قتله لأن (عمار) قد حررني وأرسلني تلك الليلة في مهمة وبالطبع هذا الكلام غير صحيح لأني كنت هناك ورأيتك وأنت تضع غصن الزيتون تحت وسادة (عمار) ورأيت السافل (دجن) وهو يدخل خلفك ليطيح برأس صاحبي.

كنت أسمع كلمات (رامع) وأقول في نفسي:

"كيف لم أنتبه لقرين (عمار) وأنا قد مررت بكل هذه الأحداث والأمور مع الشياطين والأقران.. وكيف لم ينتبه (دجن) لذلك؟"

لكن في لحظة من التفكير أيقنت أني هالك إذا لم أتعاون مع (رامع) أو على الأقل أجاره حتى أجد حلاً للتعامل معه. جلست على العرش الصخري البارد وقلت لـ (رامع) وأنا أحاول إخفاء توتري من كلامه:

وما هو المطلوب مني الآن؟

قال (رامع): الآن بدأت تفكر بذكاء.. اسمع يا (خوف).. أليس هذا الاسم الذي سماك به صاحبي؟

فقلت له: بلى

فقال: لا أريد منك شيئاً سوى أن تكون تحت أمري وتنفذ كل ما آمرك به حتى أتخلص من (جسار) وأخته العاهرة وأحصل على عرشه وملكه.

فقلت له: وكيف تنوي القيام بذلك؟

فقال: لا عليك فالتفاصيل ليست من شأنك.. كل ما هو مطلوب منك أن تنفذ ما أطلبه منك في وقته وأي تردد منك أو عدم استجابة سوف أتوجه لـ (جسار) وأخته وأخبرهما بما فعلت أنت و(دجن).  فسكت واختفى قرين (عمار) جلست على عرش (جسار) وأنا في ذهول مما سمعت وبعد ساعة استأذن (جسار) بالدخول علي فأذنت له فدخل ومعه مجموعة من الشياطين الإناث وقال: هل تأذن يا سيدي ببقاء هؤلاء الحرس معك فسألته:

ولماذا كلهن إناث؟

فقال: لأنهن لسن للحراسة فقط بل لتسليتك في وحدتك.

فقلت له: لا أحتاج للتسلية يا (جسار) دعهن يقفن عند مدخل الكهف فقط.

فقال: سمعاً وطاعة..

أمر (جسار) الحراس بالخروج والوقوف أمام مدخل الكهف ثم اقترب مني وقال:

لدي أخبار مفرحة لك يا سيدي..

فقلت له: ما هي هذه الأخبار يا (جسار)؟

فقال: الجاسوس الذي أخبرتك عنه قال لي إن خمسة من العشرة المؤمنين سيكونون موجودين في مكان قريب من هنا وستكون فرصة سانحة لقتلهم لأنهم وحدهم وأغلب جيوشنا تتركز في هذه الجبال.

فقلت له: ولماذا أتوا إلى هنا دون حراسة؟

قال: أتوا في مهمة انتحارية في محاولة منهم لقتلك بعد ما علموا أني آويتك وحميتك.

فقلت له: واين الخبر المفرح هنا يا (جسار)؟

فقال: ستكون فرصة رائعة للتخلص منهم لأنهم سيعتمدون على عنصر المفاجأة ظناً منهم أننا لا نعرف شيئاً عن خطتهم وسيكون ذلك هو سلاحنا ضدهم حيث إنني عازم على نصب فخ لهم في المكان الذي قرروا فيه الهجوم عليك.

فقلت له: وأين هذا المكان؟

قال: سفح الجبل الذي اعتدت على الذهاب له كل يوم عند الفجر كي تنسى جو الكهف ووحشته.

فقلت له: هل أنت متيقن من هذه المعلومات؟

فقال: نعم.. ويمكنك سماع ذلك من الجاسوس نفسه.

فصرخ (جسار) ليستدعي الجاسوس وقال:

"تعال أيها الجاسوس أمام سيدك!"

فدخل علينا (رامع) وعلى وجهه ارتسمت ابتسامة مقززة وحكى أمام ما قاله (جسار) وعرفت وقتها أن هناك خدعة وأن (رامع) قد يكون متعاوناً مع "العشرة المؤمنين" لتحقيق أغراضه الشخصية وأهمها التخلص من (جسار). عندما انتهى (رامع) من حديثه أمرته بالانصراف فنظر لي نظرة غريبة لاحظها (جسار) فلطمه على وجهه وقال:

لا تحدق بسيدك هكذا أيها العبد!!

فخرج (رامع) من المكان وقال (جسار):

هل تأمرني بقتله يا سيدي؟

وفي تلك اللحظة وجدت الخلاص من تهديد (رامع) يتجلى أمامي وبين يدي وينتظر إشارة من إصبعي لكني لم أستطع أن أعطي أمراً كهذا فما زالت إنسانيتي تنبض بداخلي بالرغم من الشياطين التي كانت وما زالت تحيط بين فقلت لـ (جسار):

كلا.. اتركه.

فصمت (جسار) بخيبة أمل وكأنه كان يريد مني إعطاء الأمر بقتل (رامع) ثم قال:

هل تأذن لي بالذهاب خله الخمسة المرسلين لقتلك يا سيدي؟

فقلت له: متى تنوي الهجوم عليهم؟

قال: وصولهم سيكون عند اكتمال القمر.

وكان ذلك بعد أيام فقلت لـ (جسار):

دعني أفكر قليلاً وسأخبرك بقراري لاحقاً.

فقال: سمعاً وطاعة سيدي وقتما تشاء.

خرج (جسار) من الكهف مما أثار في نسي تساؤلاً..

لماذا يخرج بعض الشياطين منا لكهف مشياً كالبشر في بعض الأوقات وفي أوقات أخرى يختفون كالدخان المتبخر.. ما الفرق بين الحالتين؟

لم تكن هذه المرة الأولى التي أستغرب فيها من بعض سلوكيات الشياطين وكنت أحاول في كل مرة ملاحظة ما أستطيع ملاحظته واستنتاج الإجابة دون الحاجة للسؤال لكني أدركت في النهاية أن عالمهم مليء بالأسرار وقد لا أعرفها ابداً.

قضيت تلك الليلة في الكهف بعد ما أعدت الحارسات اللاتي عينهن (جسار) لحراستي مكاناً لي كي أنام وبالرغم من محاولاتهن الشيطانية لمشاركتهن فراشي لم أستجب لهن وأمرتهن بالانصراف. في اليوم التالي استيقظت على صوت (جند) وهي تستأذن بالدخول فأذنت لها وعندما دخلت لاحظت أنها لم تنحن مثل كل من يدخل علي واقتربت مني بشكل مبالغ فيه حتى وصلت لأذني وهمست فيها وقالت:

ألم تشتق لي سيدي المدون..؟

وضعت يدي على صدرها ودفعتها بهدوء وقلت:

لست بمدون لأحد الآن..

اقتربت مرة أخرى مني وقالت وهي تبتسم:

هل أفهم من ذلك أنك لم تشتق لي؟

في تلك اللحظة اتخذت قراراً بأني لن أتعامل معها بلين خاصة بعد قتلها لـ (دجن) فدفعتها بقوة وأنا أصرخ:

لا تتعدي حدودك يا (جند)!!

فنزلت على ركبتها وقالت:

أعتذر يا سيدي اصفح عني..

طلبت من (جند) أن تنصرف إذا لم يكن لديها حديث مهم معي فقالت:

أريد أن أحدثك بشأن جاسوس (جسار)..

فسكت قليلاً ثم قلت لها:

أفصحي عن ما يدور في بالك يا (جند)

فحكت(جند) أنها لا تثق بـ (رامع) وأنه قرين لئيم ولا أمان له فهو وكما كان يقول لها (عمار) عندما كانت تعشره:

قريني أخبث مني بكثير لذلك لا أحرره كثيراً إلا للضرورة القصوى فقط.

فقلت لها: هل تملكين شيئاً ملموساً عليه أم أنها مجرد شكوك؟

فقالت: عندما قتل (عمار) قال (رامع) لي أنا و(حسار) نه كان محرراً ولم يشاهد القاتل وهذا يناقض كلام (عمار) الذي كان يخبرني أنه نادراً ما يحرره.

فقلت لها وقد بدأت أتوتر من كلامها:

لعل (عمار) حرره تلك الليلة لغرض ما وكانت مجرد مصادفة.

فقالت: مستحيل.. (عمار) لا يحرر قرينه إلا لأمر هام والأمر الذي قال (رامع) إن (عمار) حرره من أجله كان تافهاً جداً.

فقلت: هل تشكين بأنه هو من قتل (عمار)

فقالت: لا أظن.. لا أعرف.. كل ما أنا متيقنة منه هو أنه لم يخبرنا بالحقيقة كاملة.

فقلت: وماذا تريدين مني الآن؟

قالت: لا شيء لكن خذ الحذر منه فهو أخبث مما يظهر و(جسار) يرفض الاستماع لي لكنه يسمع لكلامك.

فقلت لها: لا بأس يا (جند) سأفكر في كلامك.

فقالت: هل تأذن لي بالانصراف؟

قلت لها: نعم.

لكن عندما أدارت ظهرها للانصراف قلت لها:

توقفي يا (جند)!

فأدارت وجهها مبتسمة وقالت:

هل تأمرني بشيء آخر يا سيدي؟

قلت لها: احكي لي كيف قتلت (دجن)؟

فذهبت الابتسامة من على وجهها وقالت:

هل أنت واثق من طلبك يا سيدي؟

فقلت لها: تكلمي يا (جند) ولن أحاسبك على شيء هذا عهد مني.

فأنزلت رأسها وحكت لي ما حدث بالتفصيل.

 

حكاية قتل (جند) لـ (دجن)

كما روتها بنفسها

أخبرتني (جند) أنها بعد تحرير (جسار) لـ (دجن) ورفضه قتلها له لم تستطع نسيان رغبتها الملحة في الانتقام من قاتل أبيها ومحرر (جسار) الذي سرق أضواء الاهتمام منها خاصة بعد معرفتها أنه كان يتعاون مع (ملاس) فقررت البحث عنه بنفسها وأمضت شهوراً وهي تتقصى أثره بين القبائل وأماكن تجمع الشياطين رغبة منها في الانتقام لكنها لم تجد له أثراً وأصبح معروفاً بين أفراد قبيلتها والقبائل الأخرى تلك الرغبة. استأنفت (جند) حديثها وقالت:

"... وبالرغم من أن (جسار) كان على علم بمحاولاتي المستميتة للأخذ بثأر أبي من (دجن) إلا أنه لم يحرك ساكناً وكأنه واثق من أني لن أجده أو أستطيع الوصول إيه. وبعد عدة سنوات من الغزوات استعاد (جسار) مجد القبيلة وأصبحنا قبلة لكل شيطان يريد المأوى لذلك كانت عروض الانضمام لنا في ازدياد كل يوم. وخلال تلك الفترة دخل عليها (رامع) قرين (عمار) وكان مصاباً وطلب الحماية من (جسار) بحكم أن صابحه كان مدوناً سابقاً لقبيلتنا فوافق (جسار) على حمايته وضمه لصفوف العشيرة خاصة وأن في تلك الفترة كانت مجموعة "العشرة المؤمنين) في قمة نزاعها مع (جسار) وكان يريد أن يستفيد من شيطان قوي كقرين (عمار) ليقاتل في صفوف جيشه. مضت الأيام والشهور وبدأ (رامع) يتقرب من (جسار) بشكل ملحوظ واستطاع كسب وده لكنه لم يكسب ثقته وتمادى (رامع) في ثقته بنفسه وبدأ بالتقرب مني لكني نهرته بقوة وقلت له إنه لم يرتق لهذه الدرجة فقال:

اطلبي ما تشائين يا (جند) وسوف أحضره لك.

فقلت له باستهزاء:

أرشدني عن مكان (دجن) ولك ما شئت..

فقال: أنا على علم بمكانه لكن على ماذا سأحصل في المقابل؟

ففقدت عقلي وتركيزي عندما سمعت اسم (دجن) وأمسكت بـ (رامع) وصرخت في وجهه بأن يخبرني عن مكانه فقال:

لا أستطيع لأ، هذا يخالف رغبة سيدي (جسار)..

فقلت له: رغبة سيدك (جسار) لن تنقذك عندما أفصل رأسك عن جسدك؟

سكت ولم يتكلم فصرخت فيه بقوة:

أخبرني وإلا قطعت رأسك!!

فقال: لن أدلك عليه لكن سأدلك على المدينة التي يسكن فيها الآن وهذا أقصى ما أستطيع.

فقلت له: تكلم ولا تراوغ يا شيطان!!

فقال: (دجن) موجود في مكة.

فقلت: مستحيل!.. مكة لا يدخلها إلا مسلمون.

فقال: (دجن) أعلن إسلامه بعد ما حرره (جسار) من مخالبك وهو يعيش هناك بسلام منذ ذلك الوقت ويحاول أن يكفر عن ذنوبه في الماضي.

غضبت وصرخت فيه وقلت له:

"سوف تساعدني في إخراجه من مكة يا (رامع) وسوف أقتله!"

فقال لي: كيف أساعدك.. حتى أنا لا أستطيع دخول مكة؟

فقلت له: اغرب عن وجهي إذاً لا نفع منك.

فقاطعتها في تلك اللحظة وقلت لها:

لماذا لم تتركي (دجن) وشأنه؟

فقالت: دم أبي ليس كدم (عمار) أو غيره..

فأشرت لها بيدي وقلت لها: أكملي..

قالت (جند) بعد ذلك إنها استأذنت من (جسار) للذهاب في خلوة (وهذا أمر طبيعي بين الشياطين فبعضهم قد يختلي بنفسه لسنين لو حصل على الإذن). أذن لها (جسار) وتوجهت لمكة المكرمة ومكثت عند أطرافها لأنها لا تستطيع الدخول وبقيت تنتظر لشهور عدة عند أطراف مكة تتشكل من وقت لآخر للبشر القادمين للحج أو العمرة في محاولة منها للبحث عن من يساعدها لإخراج (دجن) من المدينة لكن أكثر المتوجهين لمكة كانوا مؤمنين ويتجنبونها عندما يسمعون كلامها.

قررت (جند) بعد أن طال انتظارها الذهاب شمالاً للبحث عن ساحر من الإنس ليساعدها وانتهى بها المطاف في بلد النهرين حيث سألت الشياطين هناك وأرشدوها عن ساحر معروف في تلك المنطقة فذهبت إليه وتشكلت أمامه ولأنها أصبحت الآن من الأسياد لم يستطع الساحر منعها من الدخول عليه وإجباره على سماعها. فأخبرته أنها تريد منه الذهاب لمكة وتقييد قرين مؤمن فقال لها الساحر:

"مستحيل أنا لا أملك القدرة على ذلك فالقرين المؤمن هو من أشد الأنواع قوة والسيطرة عليه تستلزم طلاسم نادرة لا أملكها".

فقالت له: خذ هذا الكتاب واقرأ طلاسمه وسيحضر هذا القرين المؤمن أمامك مقيداً عندها اقرأ الطلسم الثاني وسيكون خارج مكة أمامي وعندها سينتهي دورك.

فقاطعتها مرة أرى وقلت لها: ولماذا لم تستخدمي هذا الطلسم لإحضار (ملاس) في السابق أو إحضار أفراد "العشرة المؤمنين" الآن؟

فقالت: هذا الطلسم لا ينفع مع الأقران الذين يحيطون أنفسهم بحراسة و(دجن) كان وحيداً في مكة.

فقلت لها: وهل وافق الساحر على هذا الكلام؟

فضحكت وقالت: حياته أغلى من حياة (دجن) ولا يوجد ساحر بضمير!

فقلت لها: لماذا لا تنطقين الطلسم بنفسك؟

فقالت: بعض الطلاسم لا ينطقها إلا البشر.

فقلت لها: أكملي..

قالت: نفذ الساحر ما طلبته منه بعد ما نقلته لمدخل مكة فهو كما قال لا يستطيع السفر إليها وبعد دقائق من دخوله مكة كان (دجن) خارج حدودها مقيداً أمامي. نظرت إليه وهو ممدد على الأرض مقيد عند قدمي. كنت أريده أن يتوسل لحياته.. كنت أريده أن يقبل أقدامي كي أحرره. لكنه لم يفعل بل كان مبتسماً كالأحمق فضربت عنقه وفصلته عن رأسه وعدت لقبيلتي بعد أن أخذت بثأر أبي.

قلت لها بعد ما انتهت من الحديث:

وماذا حل بالساحر الذي ساعدك؟

قالت وهو تبتسم: .. قتلته بالطبع..

أخذت نفساً عميقاً ثم أشرت لها بيدي بالانصراف.. فانصرفت.

جلست بعدها أفكر في هذا العالم البشع. عالم الخداع والقتل. عالم الغدر وانعدام الأمان. لم يكن عالماً أنتمي إليه وكان لابد أن أجد مخرجاً منه وإلى الأبد.

 

البحث عن النور في جبال أطلس

أمضيت أياماً أفكر في مخرج من هذا المأزق الذي كنت فيه فوجدت أن حياتي يمكن أن تسلب مني في أي لحظة من قبل أي أحد فالـ (عشرة المؤمنون) يريدون قتلي و(رامع) يبتزني وقد يتخلص مني في أي وقت بعد وصوله للعرش و(جند) و(جسار) لو علما بحقيقة ما حدث لـ (عمار) فسيقتلانني حتى دون أن يعطياني فرصة للدفاع عن نفسي ولا يوجد أمان بين هؤلاء الشياطين أبداً وولاؤهم متقلب دائماً فقررت أن أفكر في نفسي فقط وأن أستخدم عقلي وأعطل عاطفتي وحواسي كلها. توصلت بعد تفكير طويل لفكرة كانت فيها مخاطرة لكنها في ذلك الوقت كانت الحل الوحيد للحفاظ على حياتي. استدعيت (جسار) عن طريق الحراس وطلبت منه أن يأتي وحده ففعل وأتى أمامي وقال:

هل اتخذت قرارك يا سيدي بشأن هجومنا على الخمسة القادمين لقتلك من أفراد "العشرة المؤمنين"؟

فقلت له: نعم.. ولكن هناك تغيير في الخطة.

فقال: تغيير. ما نوع هذا التغيير؟

قلت له: سوف نرسل (رامع) لهم ليخبرهم أني سأكون وحدي عند سفح الجبل كعادتي كل صباح.

فقاطعني (جسار) وقال: كي نعد لهم فخاً ونهجم عليهم.. أليس كذلك يا سيدي؟

فقلت له: لا.

فقال: ماذا تنوي إذاً أن تفعل يا سيدي؟

فقلت له: اسمع يا (جسار).

فحكيت له ما كنت أريده أن يسمع فقط وبعدها قال:

كما تشاء يا سيدي.

ذهب (جسار) وأعطى الأمر لـ (رامع) أن يخبر الخمسة القادمين أني سأكون على سفح جبل من جبال الأطلس غير الذي اعتدت الذهاب إليه كل صباح وأني سأكون لقمة سائغة لهم فذهب (رامع) وأخبرهم بذلك. توجهت بعدها لسفح الجبل المتفق عليه. وصلت هناك وجلست أنتظر وصول الأقران الذين تكلم عنهم (رامع) وبعد دقائق خرج خمسة من "العشرة المؤمنين" وحاصروني من كل اتجاه وأنا جالس على الأرض أشاهدهم وهم يحاصرونني بكل ثقة. بعدها تحدث أحدهم وقال:

"اليوم نقتص ممن باع العهد وغدر بشهيد الأقران"

فوقفت ونفضت التراب عن ثوبي بكل هدوء وقلت لهم:

لا أملك وقتاً كافياً لكم لذلك سأختصر في كلامي قدر الإمكان فأنتم محاطون بمئة ألف شيطان وعلى رأسهم (جسار) و(جند) وإذا حاول أحدكم مس شعرة من رأسي فستموتون جميعاً في لمح البصر. فرد أحدهم بصوت مرتفع وقال:

"نموت بكرامة ولا نعيش بذلة"

فقلت له:

ما رأيك أن تعيش بكرامة؟.. أليس هذا خياراً أفضل؟

فسكت من كان يحدثني وتغيرت ملامح وجهه من الغضب إلى الاستغراب فتدارك قرين آخر الكلام وقال بصوت مرتفع:

"لن تخدعنا أيها الشيطان بكلامك فصرخت في وجهه وقلت:

اخرس أيها القرين الأحمق.. لا يعني أنك سميت نفسك مؤمنا ًأن هذا صحيح!!

فصرخ في وجهي ثالث وبدأ جدال بيني وبينهم حاولت فيه التشكيك في مسعاهم الذي كان من الأساس غير سديد فقد أمرت (جند) قبل قدومي لسفح الجبل بجمع بعض المعلومات عن الخمسة القادمين لقتلي بعد ما زودنا (رامع) بأسمائهم فاكتشفنا أنهم كانوا من الشياطين الفاسقين واصحابهم كلهم فسقة ولا أثر للإيمان في تاريخهم. بعد جدال طويل مع الأقران الخمسة تمكنت من زعزعة ثقتهم في أنفسهم وانخفضت حدة كلامهم معي وبدؤوا بالحديث معي بنبرة منخفضة حتى سيطرت على محور الحديث بالكامل. توصلت معهم في النهاية لاتفاق بأني لن أفضح سرهم لقائدهم الذي كان اسمه (دشار) ولن آمر جيش الشياطين الذين يحاصرهم بقتلهم إذا قطعوا عهد الولاء لي وهو عهد قرأته في كتاب (عمار) الذي استخدمته لربط (جسار) فقد كان في الكتاب نص إذا قاله نفر من الجن أو الشياطين لإنس يصبح خادماً وعبداً عنده حتى يعتقه. فقال أحدهم:

"هل تريد منا أن نكون جزءاً من جيشك الشيطاني؟"

فقلت له: لا.. لا نفع لكم هنا أريدكم بين أصحابكم لكن أريد ولاءكم لي قبل ذلك.

فقال آخر: ولو لم نعاهدك؟

قلت له: ستطير رؤوسكم بإشارة مني وسنرى إذا كنتم ستصبحون شهداء أم مجرد منافقين.

فصمتوا جميعاً ثم قالوا بصوت واحد:

"بماذا تأمرنا يا سيدي"

فأدركت وقتها أن نظرية الخوف التي كنت مؤمناً بها وألاحظها وأطبقها دائماً على البشر قد نجحت مع هؤلاء الشياطين فطلبت منهم ترديد نص العهد وفعلوا ذلك على مضض لكن بعد قراءته تغيرت نظراتهم وأصبحوا من أتباعي. وجهتهم بعد ما انتهوا من تلاوة العهد بأن لا يعرف أحد عن ما دار بيننا ولا حتى (جسار) وأتباعه ثم زودتهم باسمين آخرين من المؤمنين العشرة كنت على يقين من فسقهما ونفاقهما حسب المعلومات التي زودتني بها (جند) وطلبت منهم إحضارهما لنفس المكان غدراً وهما مقيدان كي أجندهما. فسألني أحدهم عن الثلاثة الباقين بمن فيهم قائدهم (دشار) فقلت لهم لم نر في ماضيهم أو ماضي أصحابهم ما يوحي بنفاقهم. رحل الخمسة من أمامي بعد ما أخبرتهم أن يعودوا ويخبروا قائدهم أنهم حضروا ولم يجدوني. سرت بعد ما رحل الأقران الخمسة لمسافة قصيرة حتى وصلت للمكان الذي أمرت (جند) أن تنتظرني فيه وحدها حتى تعيدني للكهف حيث إني لم أحضر (جسار) أو جيشه معي فقد خاطرت بحياتي ونجحت المخاطرة. عندما وصلت للكهف استأذن (جسار) و(جند) للدخول علي فأذنت لهما ودخلا وكان على وجه (جسار) سؤال كنت أعرف مضمونه.

قال (جسار): ما الذي حدث يا سيدي؟

قلت له: لم يحدث شيء فلم يأت أحد.

فقال (جسار) مستغرباً: لكن (رامع) قال..

فصرخت في (جسار) وقلت له:

تثبت يا (جسار) مرة أخرى من أخبارك ومعلوماتك قبل أن تزعجني بهذا الشكل!1

غضب (جسار) جداً وأخذ يشتم في (رامع) ثم استأذن بالخروج فأذنت له وخرج وبقيت (جند) معي وقالت وهي تنظر لي بخبث:

(جسار) سوف يقتل (رامع)..

فقلت لها: لا أعتقد

فقالت: أنت لا تعرف (جسار)..

فقلت لها: ما سيفعله مسئوليته وليس مسئوليتي.

وفعلاً بعد أقل من ساعة استأذن (جسار) بالدخول علي بعد ما رحلت (جند) فأذنت له بالدخول فدخل وعليه آثار عراك وفي يده رأس (رامع) وقال:

اقتصصت لك من الخائن يا سيدي!

فقلت له بهدوء: ومن أمرك بذلك يا (جسار)؟

فقال بعد ما نزل على ركبته وخفض عينيه للأرض:

فعلتها لأجلك يا سيدي لأنه كذب علينا وأوهمنا بخطر لم يكن له وجود.

فقلت له: هذا كان قرارك فلا تلصقه بي يا (جسار)..

فقال: حاضر يا سيدي.

انصرف (جسار) بعد ما أذنت له وأحسست براحة لزوال مشكلة (رامع) لكن مازالت مشكلة (دشار) ومن معه قائمة وتنتظر أن تحل.

توجهت في الصباح التالي مع (جند) لنفس المكان وأمرتها بالانتظار بعيداً كما حدث بالأمس وتوجهت لسفح الجبل لأجد الخمسة قد أحضروا الاثنين وهما مقيدان ولم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لإقناعهما بتلاوة عهد الولاء لي فقد أدركا أن نفاقهما قد كشف. أصبحت الآن أتحكم بسبعة من "العشرة المؤمنين" ولم يكن ذلك ما تحكمت به فقط فهم قادة في تنظيمهم وكل واحد منهم يتحكم بمئة قرين تحت إمرته وبالتالي كنت أتحكم بسبع مائة من جيشهم المكون من ألف قرين مؤمن. أعطيتهم أمراً بالانصراف وعاهدوني على السمع والطاعة والدفاع عني في أي وقت. عدت لـ (جند) بعد ما انصرف الأقران السبعة لكنها هذه المرة سألتني بعد ما طلبت الإذن بالسؤال وقالت:

لماذا عدنا لنفس المكان مرة أخرى؟

فقلت لها: على تعاهدينني على السمع والطاعة يا (جند)؟

فقالت: أنا خادمة عندك يا سيدي..

فقلت لها: لا يا (جند) .. (جسار) مربوط بعهد لا يستطيع الخلاص منه لكن أنت لست مرتبطة بشيء معي ومحاولتك إيهامي بأنك خادمة لي لن تنطلي علي لأن جيش (جسار) يتبعه فبالتالي يتبعني لكن أنت أخت (لجسار) وسيدة في قبيلتك لذلك لست ملزمة بطاعتي دون عهد.. سكتت (جند) بعد هذا الكلام وبدا على وجهها علامات القلق لانكشاف أمرها وفي الوقت نفسه أحسست أني استعجلت في هذه المواجهة لأني كنت وحدي معها في ذلك المكان المنعزل والبعيد عن الكهف وكانت تستطيع قتلي بسهولة ولن يعرف أحد بذلك. عندما أدركت الخطر الذي وضعت نفسي فيه تداركت الأمر بسرعة وقلت لها:

أنا أعرف لماذا يا (جند) تبقين بجانبي وتخدمينني.

فقالت: لماذا؟

قلت لها: لأنك تحملين مشاعر نحوي ومنجذبة لي دون قيد أو شرط.

فابتسمت وقالت: أنت أخبث من أي شيطان أيها المدون..

فبادلتها الابتسام وفتحت ذراعي في دعوة مني لعناقها على أمل أن يميل قلبها وتنسى سؤالها. وبالفعل هذا ما حدث وبعدها عدنا للكهف وطلبت منها أن ألا تخبر (جسار) بما حدث بيننا فابتسمت وقالت:

لن أفعل أيها المدون.

ثم خرجت مبتسمة دون أن تستأذن..

بعد عهد الولاء الذي قدمه لي الأقران السبعة سيطرت على أغلب البيادق لكن وجود (جند) دون عهد ولاء كان يشكل خطراً علي وكذلك (دشار) والاثنان اللذان ما زالا مواليين له كان الخطر الثاني الذي يجب أن أفكر فيه لذلك كان لزاماً علي أن أفكر في خطة جديدة للتخلص منهم دفعة واحدة.

كان قرار الرحيل عن جبال الأطلس والتوجه لمكان آخر هو الخيار الأمثل لي في ذلك الوقت فخطر "العشرة المؤمنين" قد خف بعد موالاة سبعة منهم لي لذلك استدعيت (جسار) وقلت له:

أريد منك يا (جسار) أن تأخذني إلى مكان آخر فقد سئمت هذا المكان خاصة وأنه لم يعد مكاناً آمناً مع وجود "العشرة المؤمنين".

فقال: ولكن يا سيدي هذا أكثر مكان آمن لك.

فقلت له: تصرف.. لن أبقى هنا بعد اليوم!

فقال: امهلني إشراقة وغروباً يا سيدي.

فقلت له: لك ذلك ولكن لا تزد عليهما.

فقال: أمرك.

رحل (جسار) وبقيت وحدي أنتظر انقضاء المدة التي طلبها (جسار) وخلال انتظاري دخلت (جند) علي في المساء ومرة أخرى لم تستأذن فأدركت أن ما حدث عند سفح الجبل قد هدم بعض الحواجز بيننا ولم يكن هذا الشيء في مصلحتي أبداً. تقدمت (جند) نحوي وعندما اقتربت رفعت يدي في وجهها وقلت:

إلى أين يا (جند)؟

فقالت بصوت رخيم: ماذا بك أيها المدون؟

فصرخت في وجهها وقلت: خاطبيني بلقبي الذي أستحق!!

فصرخت وقالت: حسناً يا سيد السبعة!!

فسكت مصدوماً وقلت: أي سبعة؟!

فقالت بتهكم: لا تراوغ لقد رأيتك وأنت تجند خمسة من الأقران المؤمنين وبعدها اثنين آخرين في اليوم الذي تلاه.

فقلت لها: لكني أمرتك بالبقاء في مكانك!

فضحكت وقالت: كما قلت أنت أنا لست عبدة عندك مثل (جسار) كي تأمرني أنا حرة في ما أفعل!!

كن جلياً أني في تلك اللحظة قد وقعت وتيقنت أن نهايتي اقتربت وستكون علي يد قاتل (دجن). توقفت عن الكلام وبدأت أتشهد لأني اقتنعت وقتها أني هالك فقد أوهمتها بحبي وهذا شيء لا يغتفر عند الشياطين الإناث وخاصة الأسياد منهن. أمضت عيني في انتظار الإحساس بانفصال رأسي عن جسدي. لم ينفصل رأسي عن جسدي ولم تنته حياتي ذلك اليوم لكني سمعت صوت (جند) وهي تقول:

"لا تخف أيها المدون لن أقتلك الآن.."

فتحت عيني لأجدها وقد جلست على عرش (جسار) الحجري تتفحصه بأناملها الطويلة وتنظر له بشغف وتقول:

هذا العرش أهم منك ومن قتلك الآن..

فقلت لها: حتى أنت تريدين هذا العرش؟

فصرخت في وجهي وقالت: ومن لا يريد هذا العرش؟!

فقلت لها: أنا لا أريده.

فقالت وهي تبتسم بسخرية: ومن أنت لتحلم بمثل هذا العرش؟!.. لقد أخذت أكثر من حجمك فأنت مجرد سافل علوي حكم العالم السفلي وآن الأوان كي تعرف مقامك!!

فقلت لها: ماذا تريدين مني يا (جند) الآن؟

قالت: (جسار) لن يسمح لأحد بأن يقتلك ولو قتلتك فسأكون أول من يشك به وأنا في غنى عن هذا الأمر.

فقلت لها ساخراً: هل تريدن مني أن أقتل نفسي؟

فقالت: لا.. أريدك أن تحرر (جسار) من عبوديته لك وهذا كفيل بتعريض حياتك للخطر دون تدخلي المباشر.

فقلت لها: ولماذا تفعلين ذلك؟

فقالت: (جسار) يبقى أخي مهما فعل لكن أنت مجرد إنسي دخيل علينا.

فقلت لها: وإن لم أفعل يا (جند)؟

قالت: لا تختبرني أيها المدون فطرق قتلك كثيرة لكني أريد أن أحرر أخي قبلها.

صمت قليلاً وفكرت ثم قلت لها:

لن أحرر (جسار) يا (جند) وافعلي ما تشائين وتذكري أنك لو قتلتني فـ (جسار) قد يقتص منك ولو لم يفعل فهناك سبعة أقران مؤمنين قطعوا عهد الولاء والحماية لي وأنت رأيت ذلك بنفسك وقد يجعلون حياتك جحيماً.

فهاجت (جند) وهجمت علي وغرست مخالبها في صدري وصرخت في وجهي وقالت:

لا تعبث معي أيها السافل الوضيع.. حرر أخي الآن!!

فقلت لها: اقتليني وسيتحرر.

فرمت بي على الأرض بقوة وقالت:

سأمهلك حتى الصباح لتفكر وعندما أعود سوف تحرر أخي أو أحرر روحك من جسدك!!

قالت (جند) هذه الكلمات ورحلت..

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا