3.
الغيرة التي أحرقت 66 روحا
يحدث أحيانا حين نغضب أن نرتكب امراً ما قد نندم عليه لاحقا فالصبر والحلم والتحكم بأفعالنا مطلب مهم لأنه قد يجرنا لويلات وكوارث
وهذا ما حدث بقصة اليوم
نحن لسنا بصدد الحكم عن المتهمة
إنما يجب أخذ العظة والعبرة من كل حكاية
فهذه الفاجعة آلمت الوطن العربي من
الشرق للغرب وتحدثت عنها الصحف الأجنبية والهندية لما حملته من كوارث رهيبة لها وقع في النفس مؤلم إلى اليوم
البداية
2009/1430ه
الجهراء
نصبت خيمة الفرح الخاصة بالنساء أمام منزل المعرس (الخيمة مغلقة من 3 جهات ومفتوحة من جهة باب منزل المعرس)
كانت خيمة كبيرة تتسع لما بين 250-300 شخص مجهزة بوحدات التكييف وكراسي الضيوف والإضاءة
كان الحضور كبيراً من أطفال ونساء وكبار بالسن فضلا عن ضيوف من المملكة العربية السعودية
بدأ الضيوف يتواجدون بازدياد ووسط الفرح والتهاني
فاليوم زواج زايد
وهو الزوج الثاني، على الرغم من اعتراض زوجته
(نصرة) وغضبها وتهديداتها تارة
نصرة قد تزوجت من زايد وانجبت طفلين
وحدثت بينهما مشاكل أسرية عدة كانت تحل عادة
لكن حين علمت أنه يعتزم الزواج مرة أخرى، غضبت وتوعدت وهددت فيه نصرة بالانفصال، لكن زايد لم يكترث
فغادرت المنزل أسرتها مع أطفالها وبقيت أياما عله يتراجع عن الزواج
ولكنه ولم يبالي أبداً
الساعة الآن بعد ال 8 مساء، ومع توافد المهنئون والحضور ووسط تبادل الأحاديث والتهاني
وقعت المأساة!
بل كانت مأساة مخيفة لا زال لليوم تلقي بظلالها المؤلمة
ففي الساعة ال 8.15 مساء تلقى مركز الطوارئ اتصالا مرعبا!
كان اتصالا باحتراق خيمة عرس تضم مئات النساء والأطفال!
كان الاتصال مفزعا ومخيفا، بل توالت مئات الاتصالات لرجال ونساء يصرخن طلبا للمساعدة!
فالكارثة مروعة بكل ما تعنيه الكلمة!
أسرعت سيارات الإسعاف والطوارئ ورجال الشرطة لمكان الحادث
لكن لم تمر دقائق حتى اكتشف المنقذون أنهم أمام كارثة ويحتاجون إلى دعم لوجستي كبير!
فالمصابون في ازدياد وألسنة الحريق ترتفع من الخيمة بشكل مخيف تحرق كل من يقترب منها والمفزع صرخات الضحايا المؤلمة من داخل الخيمة يحاولن الهرب لكن يتراجعن فور أن يرون الرجال يحيطون بالخيمة إذ أن هول الكارثة منعهن من ارتداء ما يسترهن
فرض رجال الأمن طوقا على الخيمة
كان الجميع يتفرج لا يعرف ماذا يفعل أمام لهيب النيران الحارق
فكانت مراكز الإطفاء تعمل ورجال الإطفاء في حالة قصوى من الاستنفار وأما الرجال فتطوعوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه
كان ذلك المشهد المخيف والمؤلم لا يمكن أن يتجسد بعمل دراميا لكنه مشهداً أبكى العيون وحرق القلوب وزاد الحسرة في النفوس
أطفال تبكي ونساء يصرخن ورجال منهكون بالتعب والعناء والإنقاذ، منهم من يصرخ بين الجثث المتفحمة يبحث عن شقيقته أو زوجته، ومنهم من يبكي وأمامه كتل من الجثث.
أما الأطفال فتجدهم أمام المنزل وكأنهم مشردون لا يعرفون لغة سوى البكاء ولا ينطقون بكلمات إلا؛ ماما.. بابا.
وجوه لا ترى في عيونها إلا الدموع، وجوه الجميع شاحبة صفراء من شدة المشهد المأساوي الذي لم تره الكويت في تاريخها
كانت سيارات الإسعاف تنقل الجثث وكلما تم رفع جثة ظهرت جثة أخرى لا تعرف من أين جاؤوا بها وكأن عملية الإنقاذ ليست لحريق وإنما لعمل إرهابي يستهدف الآمنين والأبرياء
وفي منتصف الإنقاذ تجد مجموعة من الشباب ويبدو أنهم من ذوي العرس يصرخون بصوت عال؛
أنقذوا أبو عبد الله، لقد وقع على الأرض عندما شاهد بناته وزوجته
حتى أن الإنقاذ لم يرتكز على النساء والأطفال وإنما طال الرجال الذين انهاروا وخروا على الأرض بلا وعي أو تركيز حين شاهدوا أهلم ملطخين بالدماء وأطفالهم مشردين بالشوارع فلم يتمالكون أنفسهم
وبينما الوقت يمر كانت أعداد الضحايا بازدياد
يخرجونهم من تحت أروقة الخيمة متفحمين من شدة الحريق والبعض الآخر في حالة خطرة لا تسمع سوى أنين مؤلم
وفي ظل هذه الظروف المأساوية اقتحم رجال الإطفاء جزءاً آخر من مكان الحريق فوجدوا ثلاث جثث كل منهما فوق الأخرى وكأن النيران ابتلعتهم مرة واحدة ولم تتح لهم أي فرصة للتحرك أنها حقا فاجعة، وأية فاجعة؟
وما يثير في نفسك الألم والحسرة والخوف والقلق ويوقفك على تصاريف من القدرة عندما اكتشف الجميع مشهدا مؤلما أبكي الجميع!
كانت جثة امرأة تحتضن طفلها، ولكن ألسنة النيران لم ترحمها
ذلك المشهد يعيد للأذهان مشهد المرأة الكردية التي احتضنت ابنها عند ضرب صدام حسين الأكراد بالمواد الكيمياوية حتى استشهدوا جميعا
فهذا المشهد تكرر في حريق الجهراء
ولم تمر ربع ساعة حتى تجد الشارع المقابل للمنزل اكتظ بالناس، ورجال الأمن يحاولون تهدئة الأوضاع في تلك الظروف المأساوية
وتجد مجموعة من الشباب يصرخون بصوت مبحوح قائلين؛
يا ناس يا عالم شيلوا معانا الجثث!
فيتم نقلهم عن طريق سيارات الجيب والوانيتات بسبب عدم استطاعة سيارات الإسعاف إنقاذ الأعداد الهائلة من الجرحى وترك الموتى على الأرض، فأخذ المتطوعون ينقلونهم بسياراتهم لأقرب مستشفى.
زاد عدد رجال الأمن والنجدة وشكلت فرق لإبعاد الناس والفضولين من موقع الحريق وتجنبوا الكثير من الاحتكاكات تفهما للظروف المأساوية التي تحيط بالجميع
وبعد مرور ما يقارب النصف ساعة تجد امرأة في العقد الخامس من العمر تبكي وتصرخ بصوت عالي
سعاد.. سعاد
ويحاول الناس التهدئة من روعها وخوفها وقلقها حتى استمرت تنادي الاسم ولكن ما من مجيب!
امرأة تجلس على الرصيف لا تسمع سوى بكائها ونحيبها وهي تصرخ؛ وينك يا بنتي!
حتى جاءت إليها امرأة كبيرة وأخذتها من مكانها وهي تواسيها وتهدئ من روعها
أما الجيران فكان لهم دور بطولي
إذ أخذوا الأطفال إلى بيوتهم واعتنوا بهم، وكلما جاء رجل ذهب إليهم ليتعرف على أولاده إذا كانوا من بينهم وحتى لا يرى الأطفال هذه المشاهد الفاجعة التي أبكت الجميع الخيمة التي كانت أمام البيت كانت تحمل ما بين 8 إلى عشرة أعمدة سقطت بالكامل وتحول بياضه إلى الأسود الفاحم
لا تضم سوى مدخل واحد لا تتجاوز مساحته 2 ل 3 متر أما مساحة الخيمة من الداخل فتستوعب أكثر من 300 شخص.
هذه الخيمة استوت مع الأرض، وكانت سببا في موعد عدد من الضحايا ولا سيما الأطفال والنساء والمتقدمات في العمر عندما سقطت على رؤوسهن من حيث لا يعلمون على حسب قول من كانوا موجودين في بداية الحدث
كيف احترقت الخيمة؟ وما السبب؟
تلك الأسئلة كانت تدور بذهن رجال المباحث
فهل تسبب أحد الأطفال أو الحضور بلا قصد بذلك الحريق؟
قامت الأدلة الجنائية ممثلة بمسرح الجريمة والطب الشرعي بإجراء الفحص اللازم للخيمة وما حولها
فعثروا على زجاجات في موقع الحريق وصادرها الطب الشرعي لفحصها لمعرفة نوعية المادة التي تحتويها ولمقارنتها بالمادة التي تسببت باشتعال الخيمة وذلك بالتنسيق مع القوة الخاصة بالتحقيقات التابعة للإطفاء في محاولة للوصول إلى نتيجة موحدة يمكن أن توضح السبب الرئيسي لهذا الحريق الذي سبب فاجعة لن تنساها الجهراء بشكل خاص والكويت بشكل عام.
كما تمكنت الأجهزة المختصة في الأدلة الجنائية من التعرف بصعوبة على هوية 20 ضحية عن طريق الحمض النووي
وبعد التأكد من كل البيانات الشخصية تم تسليمهم لذويهم
بدأت المباحث بإجراء تحرياتهم وبحثها الموسع لمعرفة أسباب الحريق الكبير الذي أتى على الخيمة التي كانت تضم مئات المدعوين من نساء وأطفال
كذلك لمعرفة ما إذا كان الحريق بفعل فاعل خاصة بعد تردد الكثير من الأقاويل بأن الحريق كان متعمدا
ودعم هذا الشك بالعثور على زجاجات كانت تحوي على مادة البنزين في موقع الخيمة المعطوبة إضافة إلى الاتهام الذي وجهه المعرس لزوجته نصرة بأنها وراء هذا الحريق والذي تشهده الكويت لأول مرة
وبدأت التحقيقات مع المعرس زايد لمعرفة أسباب الحريق، وإن كان يتهم شخصا معينا بافتعاله، فكان رده صادما!
فقد اتهم زايد زوجته نصرة كونها هددته من قبل إن تزوج امرأة أخرى فستقوم بتدمير هذا العرس
وكانت ردود شهود العيان مؤكدة!
فخادمة جيران المعرس تحدثت إلى مدير مسرح الجريمة قائلة؛
أعمل خادمة لدى جيران بيت العرس منذ ثمانية أعوام ورأيت امرأة في بداية العرس بيدها زجاجة مليئة بالبنزين وفي يدها الأخرى ولاعة وطلبت مني أن أحضر لها أوراق جريدة.
أما سائق تاكسي فبعد علمه بتلك الأخبار المخيفة كذلك لإخلاء مسؤوليته اعترف لرجال المباحث أنه نقل امرأة (تبين لاحقا أنها نصرة) من منطقة سكنها إلى محطة البنزين حيث ترجلت وملأت الزجاجتين بالبنزين ومن ثم ذهب بها لخيمة العرس وطلبت منه الانصراف بعدمها أعطته الأجرة
وعلى الفور توجهت قوة من المباحث لمنزل أسرة نصرة حيث تتواجد هناك للتحقيق معها حول الاتهامات الموجهة لها من قبل زوجها
باتت المباحث الجنائية شبه متأكدة من أن نصرة هي وراء حريق خيمة العرس
وما أن واجه رجال المباحث نصرة حتى انهارت باكية تصرخ بهستيرية!
تقول المهمة نصرة؛
فكرة حق الخيمة بدأت عندي منذ أن عرفت تاريخ العرس ولم يكن أحد يعلم بما خططت له
فأخذت زجاجتين مملوءتين بالبنزين ومشيت بجانب الخيمة حرقتها وهربت كنت أقصد أخرب العرس عليهم وبس ولم أقصد قتلهم والتسبب بتلك الكارثة
أبداً لم أكن أقصد قتلهم صدقوني
نعم أنا حرقت الخيمة لكني لم أكن أتخيل للحظة واحدة إن الحريق سيؤدي إلى تلك الكارثة
بل لم أكن أتوقع أن يؤدي إلى إصابة أحد من حضور العرس
كل ما كنت أريده فقط هو أن يتسبب الحريق في فض العرس وإيصال رسالة إلى زوجي أن ما فعله جريمة في حقي لأنني لم أقصر بحقه للحظة واحدة
فقبل العرس بساعات فكرت في عمل شيء لأفسد العرس وبعد تفكير قلت إن أفضل طريقة لإفساده هو مجرد التخويف ومن ثم استقر رأيي على أن أقوم بإلقاء وقود
فمجرد وجود رائحة وقود سيدفع من بداخل العرس إلى الهرب ولكن لم أجد بعد إلقائي للوقود أن أحداً قد غادر العرس فقررت أن أضرم النيران
وغادرت المكان سريعا واستقليت سيارة تاكسي للعودة إلى منزلي وسمعت صراخا في الطريق واعتقدت أنني قد حققت ما خططت له وفي الطريق شاهدت سيارات إسعاف وسيارات إطفاء تتجه إلى موقع الحريق
لم يكن أحد يعلم ما خططت له ولكنني حذرت زوجي من أن إصراره على الزواج يدفع ثمنه
وبعد دقائق من فعلتي بدأت تصل لي اتصالات من أقارب زوجي بأنني من فعلت ذلك
وعلمت أنني تسببت في حدوث كارثة!
فقمت بالتجول بين القنوات الفضائية، وتأكدت من أن فعلتي البسيطة تسببت في كل هذا الكم من الضحايا وهنا بكيت أبداً لم أقصد قتل أي أحد
بل العكس كان في العرس بعض من صديقاتي وهن من أقارب زوجي من لقين حتفهن وكنت أكن لهن معزة خاصة وكن يحاولن إصلاح العلاقة بيني وبين زوجي ولكن الله يسامحه
زوجي هو من دفعني لهذا الفعل
أما الزوج زايد فيقول:
لقد هددتني بالفعل بحرق الخيمة وتخريب العرس ولكنني لم أتوقع بأنها جادة واعتبرها غير نسائية لا أكثر
أما بعض الحضور فقد أكدن أن أم المعرس حذرت النساء في الخيمة بصوت عال قائلة:
زوجة ابني الأولى حلفت أنها ستحرق العرس لكن ما عليكم هذا كلام فاضي
أما إحدى قريبات الزوج فقد قالت إن أم المعرس أصرت على أن يقام العرس في خيمة تنصب في المنزل وليس في صالة أفرح لأنها لا تثق بها
أما العروس الجديدة فقالت:
الكل كان سعيد ولم نكن نعلم بوجود مشاكل بين العريس وزوجته الأولى
قريبات الزوج أكدن أن الزوجة الأولى قالت حرفيا؛
أقسم بالله راح أقلب العرس إلى عزاء وأحرقكم كلكم والله راح أحرقكم كلكم
مقتطفات ما بعد الكارثة:
قال أحد أقرباء الضحايا: عندما رأيت جثث النساء المحترقات بعضها فوق بعض وكأنها كومة من اللحم البشري تجمدت في مكاني ولم أعرف ماذا أفعل
أقارب أم لم يتمكنوا من التعرف عليها إلا من خلال ابنتها حيث وجدت متفحمة وهي تحتضن طفلتها لتمنع النيران عنها لكن الابنة ماتت خنقا
في الأدلة الجنائية يقول أحدهم: رأيت أجساداً متفحمة بلا ملامح وأشلاء بشرية متناثرة في كل مكان وخرجت مصدوما ولم أتعرف على عمتي أو أختي الاثنتين
أم وابنتها وجدتا متفحمتين وقد احتضنت كل منهما الأخرى
رجل توفيت أمه وكل شقيقاته فأخذ يبكي كالأطفال في مشهد أبكى الحضور
ضيوف من المملكة العربية السعودية جاؤوا خصصا للعرس وتوفوا
والكثير الكثير من المآسي
أما الزوج وزوجته الجديدة فلم يصابوا بأي أذى
هذه المأساة خلفت ما بين 58 إلى 66 ضحية بريئة ما بين أطفالا ونساء
الزوجة المتهمة لديها طفل وطفلة تركتهم لدى عائلتها
وتم الحكم عليها بالإعدام ونفذ فيها الحكم في 25/1/2017م
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا