رواية خوف الجزء الأول 5 للكاتب أسامة المسلم

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2023-06-07

 عودة (دجن) 

وصلت لمطار مدينتي عند منتصف الليل.. المطار كان هادئا.. ركبت سيارة أخرى.. توجهت للمنزل.. دخلت.. ذهبت مباشرة لغرفتي ونمت ولم أقابل أحداً ذلك اليوم.. استيقظت ظهر اليوم التالي وكنت مرهقا جداً وفتحت عيني ورأيت أمامي منظراً مزعجا، رأيت دجن جالسا أمامي وكان متشكلا بهيئة ذلك الرجل الغريب.. نهضت وتوجهت لدوره المياه وحاولت ألا أدير له بالا لأني أذكر أن (عمار) أخبرني من قبل أن الشياطين تضعف أمام من لا يخالف منها أو يجزع لرؤيتها، دخلت الحمام ولم أكترث لوجود (دجن) بالرغم من أن رؤية وجهه بعد هذه المدة أعادت علي ذكريات لم أكن أريد تذكرها. (دجن) من الشياطين القليلة التي تملك الجرأة للتشكل بكل راحة لمحادثة إنسان بلا تكلف في وضع النهار، لغته عربية لكن لهجته كان خليطا غريبا من اللهجات المحلية

بعدما خرجت من الحمام قال لي (دجن),َ نعيما

في تلك اللحظة نسيت أو تناسيت أنه شيطان وقلت له

ماذا تريد؟.. ومن سمح لك بالدخول

قال: إحنا بيننا اتفاق

فقلت له وأنا أغير ملابسي

وما هو المطلوب مني الآن

قال: اعتبر موضوع قرينك منتهي والموضوع ما راح يأخذ مني ثواني وراح أربطه لك لكن ما تكلمنا عن الاتفاق الجديد

فقلت: أي اتفاق

فقال (دجن),َ باقي شيطان ثاني.. ما تبي أخلصك منه

فقلت له: عن أي شيطان تتحدث

قال: اللى جالس فوق رأس أمك المسكينة وجالس يأكل من صحتها كل يوم وينتظر بس إشارة من الساحر عشان يقتلها

سكت قليلا ثم قلت

أليس قريني هو من يهدد حياة أمي

فقال: لا يا حبيبي أمك مرسل لها شيطان ثاني وقرينك عنده مشاغل ثانية وما هو فاضي لك أنت وأمك

فقلت له: تخلص منه أيضاً

فقال وهو يبتسم آسف الاتفاق كان على واحد بس

أدركت وقتها أن (دجن) ينوي البقاء معي بأي شكل وسيفتعل المشكلات كي يضمن بقاءه حولي وعدم تجميدي له بعد ما ينتهي من مهمته وكان يبدو أنه يريد تعليق مصيره لأن ذلك هو الضمان الوحيد لديه للبقاء حراً طليقا. حاولت أن أراوغه كما كان يراوغني فقلت له

ماذا تقصد.. واحد فقط

فقال: اختر شيطانا واحداً بس.. قرينك أو المرسل لأمك

لم أفكر كثيراً وأعطيته الأمر بالتعامل مع الشيطان الذي يهدد أمي لحين تفكيري بحل أنعامل فيه معه ومع قريني المحرر. اختفى (دجن) في ثانية بعد ما أعطيته الإذن بالتخلص من شيطان أمي بدل قريني، وبعد دقائق عاد وعلى وجه تلك الابتسامة اللعينة وقال

خلاص تم

وقبل أن أسأله عن ما قام به بالتفصيل انقض عليه شيء ما وبدأ (دجن) بالعراك معه بشراسة، أحدث هذا الصراع فوضى عارمة في غرفتي مما دفعني للجوء إلى دورة المياه هربا من تلك الفوضى التي دبت في غرفتي. أقفلت على باب الحمام وجلست أسمع الصراخ والعويل العالي الذي كان يأتي من الغرفة وبعد دقائق توقفت الصوت وعم الهدوء أرجاء المكان وفجأة بدأ باب الحمام بالاهتزاز بسبب ضرب قوي وارتطام متكرر على الباب ثم انقطع الضرب وعاد الصراخ والعويل داخل الغرفة بصورة أشد لحسن الحظ أن أبي وأخي لم يكونا موجودين في المنزل ذلك الوقت. عندما توقفت الصوت نهائياً خرجت وأنا أسحب خطواتي عبر هدوء عم الغرفة التي انقلبت رأسا على عقب. نظرت حولي فلم أجد أثراً ل (دجن) لكن بعد بقليل سمعت صوت (دجن) المرهق يقول بأنفاس متقطعة

"فرينك هذا لعين وأنا ربطته لك على حسابي هذه المرة.. ومن اليوم ورياح أنت لي وإلى الأبد

بقيت مع (دجن) بعد حادثة القرين لفترة نلتقي وقتما يشاء هو وكان يحاول في كل مرة إثارة الرعب في قلبي لكني لم أعد أهتم أو أتأثر لحركاته لأن بدأت اعتاد عليها، فقال لي (دجن) في أحد الأيام

ما تخاف إني أموتك في أي لحظة

فرددت عليه وقلت

وأنت؟ ألا تخشى أن أنطق أسمك وأشلك في أي لحظة

فغضب (دجن) وصرخ صرخة كانت تشبه صرخة الحيوان وقال

أنت عبدي

فقلت له: أنا عبد لله وحده وأنت لست سوى خلق من خلقه

فدفع بي إلى أقصى الغرفة وارتطمت بالجدار وفقدت وعيي. قد يتساءل البعض عن سبب عدم نطقي لاسمه في تلك اللحظة. بصراحة.. كنت أيرد اختبار نفسي معه لأني في ذلك الوقت قد سئمت الخوف سئمت الاختبار كنت أريد أن أكسر خوفي معه ومع غيره وهذا ما حصل لي لاحقا

لم أكن مستغربا لعدم قتل (دجن) لي فهو كان يريد أحداً من الإنس ليخدمه بالرغم من أني لم أكن ساحراً لأن هذا في الغالب دور السحرة مع الشياطين لذلك كان يريد أن يستعيدني كبقية السحرة لينتقم مني لما فعلته به في السابق ويسخرني لتسهيل رغباته في المستقبل. استمر ترويع (دجن) لي وأذاه لفترة تجاوزت الشهر. كنت صابراً نفسياً لكني بدأت أتعب جسدياً.. وبعد مدة تجاوزت الشهر منذ ظهوره الأولى لي بعد عودتي من عند (عمار) ظهر لي في إحدى الليالي وقال

والنهاية معك؟

فأجبت بعفوية لأني كنت نائما وقلت

أهلا دجن؟

فلم أسمع صوتا أو ردا فعدت للنوم مباشرة

عندما استيقظت في الصباح تذكرت ما حدث الباحرة وأدركت أني قد جمدته مرة أخرى، انتظرت المساء بكل هدوء وأحضرت المرآة وحضرته مرة أخرى. لم ي هاجمني (دجن) بعد التحضير ولم أسمع منه لعدة أيام حتى ظننت أن التحضير لم ينجح فأحضر المرآة وهممت بتحضيره مرة أخرى لكني سمعت صوتا يأتي من خلفي يقول

وقف.. أنا هنا موجو

فقلت ببرود: جيد.

بدأت أستعد للنوم عندما تيقنت أني قد حررته مرة أخرى فبدأ يكلمني باستغراب ويقول

ليه رجعتني؟!.. وش تبي مني؟

فقلت له: لا أريد شيئاً منك.

فقال: ليه حررتني؟

فقلت له: لأني لست خائفا منك

فقال: وش الهدف من اللي أنت قاعد تسويه

فقلت له: كي أثبت لك أني لست عبداً لك أو لخوفي. فسكت ورحل..

أصبح (دجن) بعدها يعود ضاحكا متشكلا بشكل ذلك الرجل الغريب كان يتكلم معي كثيراً حتى لو كنت أتكلم مع غيره، أحسست أنه يريد أن يتواصل معي بشكل أكبر وأكثر ولم أكن أعرف سبب هذا التقرب المفاجئ، لكني لم أكن أتفاعل معه كثيراً وكنت أتجاهله في أغلب الأحيان. عندما أحسست أنه لم يعد يخيفني بل على العكس بدأ يزعجني قررت تجميده إلى الأبد في اليوم الذي قررت فيه تجميد (دجن) كان كعادته يتحدث عن أشياء كثيرة في الوقت نفسه وأنا أيضاً كعادتي معه لم أكن أركز في كلامه أو أنصت له وخلال كلامه المتطاير في الهواء بلا أذن صاغية قررت في نفسي نطق اسمه لأني أحسست أن وجود لم يعد يخدمني وأن حاجتي له انتهت بعودة قريني وموت الشيطان الذي كان يهدد أمي وكذلك تفاديا لأي تهور منه فهو يبقى في النهاية شيطانا مجهول النوايا. قررت ألا أمهد الموضوع وأن أنطق اسمه وهو يتكلم معي فجأة اقتربت منه وهو يتكلم في موضوع لم أكن منصتا له في بدايته لكني سمعت في كلامه عندما اقتربت منه شيئاً يجعلني أقول له

أعد ما قلته قبل قليل.

قال: كنت أقول لك (عمار) كان مرل شيطان قوي لأمك هذيك الأيام لكن كان صغير وما أخذ معي وقت

فقلت بنبرة غضب: (عمار)؟

قال: إي (عمار).. وشك فيك

فقلت بغضب يخالطه الهدوء

هل أنت متيقن من أن (عمار) هو من أرسل الشيطان لأمي وهو من طلب منه إيذاءها

فقال: أي متأك

فقلت له: هل صحيح أن الشيطاني تنقل الإنس إلى أي مكان في لمح البصر

فقال وهو يبتسم وين تبي تروح

قلت له: بيت الخبيث (عمار).

الشيطان الذي حمل غصن الزيتون في لمح البصر وجدت نفسي أمام منزل (عمار) وكان (دجن) قد تشكل بهيئته البشرية عندما وقفنا أمام مدخل البيت وقبل أن أتوجه للباب أمسكني (دجن) من ذراعي وقال لي بصوت خافت

وش ناوي عليه

قلت له: لا أعرف

فقال: أنا عندي فكرة

فقلت: ما هي فكرتك

قال: (عمار) ما هو ساحر عادي وأنا وأنت مجتمعين ما راح نقدر علي

فقلت: أنا أريد التحدث معه فقط

فقال: لو دخلت معك راح يشك فينا (عمار) ولو ما دخلت معك راح يسألك عني وأنت بترتبك وبتفضحنا

فقلت: وما هو الحل برأيك

قال: جمدني

فقلت: ماذا

قل: مثل ما قلت لك.. جمدني

فقلت: ولماذا أفعل ذلك

قال: لو جمدتني راح يشوفني وأنا متجمد قدامه وراح يثق إنك ما زلت عدوي

فكررت عليه السؤال: وما الهدف من ذلك

فقال: حررني في الليل وهو نايم وقبل كذا حط عند رأسه غصن زيتون

فقلت: ومن أين لي بغصن زيتون

وفي لحظة مد يده وأعطاني الغصن وقال

رح ووعدنا الليلة

دخلت على (عمار) بعد ما جمدت (دجن) فضمني ورحب بي وسأل عن حالي وقال وهو يضحك

أرى أن قرينك عاد بجانبك

فقلت: نع

فقال وهو يبتسم هل كان هذا من صنع (دجن)

فقلت: نعم

فضحك وقال: وأين هو الآن

فقلت له: جمدته قبل أن أدخل علي

فضحك بقوة وقال: يا لك من خبيث بدأت تفهم أصول السحر

فسكت واكتفيت بالابتسام وعيني على الشمس انتظر الغرو

دعاني (عمار) لمنزله وقام مبتسما

أنت محظوظ فلقد انتهيت للتو من إعداد هريستك المفضلة

فقلت له: هل مازالت تعد تلك الهريسة المقرفة يا (عمار)

فقال وهو يضحك: لا أستطيع الاستغناء عنها أبداً

تناولت العشاء معه وانتظرته حتى ينام لأضع غصن الزيتون الذي أعطاني إياه (دجن) عند رأسه لكنه أطال الحديث والسمر مع حتى غلبني أنا النوم

تنبهت قبل الفجر وقمت مسرعا لأجد (عمار) قد غلبه النوم أيضاً فوضعت غصن الزيتون عند رأسه و أسرعت للمرآة وحضرت (دجن) وفي لحظة انتهائي من التحضير طار رأس (عمار) أمامي وتناثر دمه في أرجاء الغرفة لطخ جزء من تلك الدماء ملابسي وخرج (دجن) بهيئته البشرية وهو مبتسم ويقول

"سقط (عمار" ساحر السلطان وسقط مع رأسه هيبة السحار

لم أفهم كلام (دجن) الذي كان ينظر بابتسامة مخيفة لجثة (عمار) الملقاة على الأرض والدماء مازالت تنبع من عنقه المفصول حديثا عن رأسه فصرخت فيه بقولة وقلت

لماذا قتلته؟!

فرد وقال: إحنا جابيين نلعب

فقلت له: لم أكن أريد قتله!

فقال: لو ما قتلناه كان قتلنا هو

سكت من هول الموقف ولم أتكلم.. حزنت على (عمار) لكن كلما تذكرت ما فعله بأمي خف حزني عليه

بعد مضي دقائق قال (دجن),َ مشينا بس

قلت له: انتظر أريد أن أزور احداً قبل أن نرحل

فقال: وهذا وقته؟ مين طيب

فقلت: لا عليك.. انتظر هنا حتى أعود

فقال وهو يضحك: لا تتأخر ترا أنا ما أعرف أطير بالليل

ذهبت لمنزل ذلك الرجل الذي أوصلني لمنزل (عمار) في زيارتي الأخيرة وسلكت الطريق نزولا عبر المعبر الذي يقودني للقرية. وصلت لبيته مشياً على الأقدام وكان الصباح وقتها قد أشرق. طرقت بابه ففتحت لي ابنته الصغيرة وقلت لها

أين أبوك

فسكتت ودخلت مسرعة وبعد دقائق من الوقوف أمام الباب المفتوح خرج لي شخص غير الرجل الذي أوصلني فسألته عن الرجل وقال

لا يوجد رجل في هذا المنزل غيري

فقلت: مستحيل أنا واثق من أن هذا المنزل هو منزله

فقال: تفضل فتش المنزل

فقلت له: لا أبداً العفو لكني واثق أن ذلك الرجل يعيش هنا

فقال لي: ما هو اسمه

فقلت له: لا أعر

فقال لي: صف لي شكله

فوصفت له ملامح الرجل فقال باستغراب

هذا أبي.

فقلت له: ألم أقل لك إني كنت محقا؟ يبدو أنه في تلك الفترة كان يزورك.. أخبرني عن مكان منزله وسوف أذهب له بنفسي

قال الرجل: اتبعني.

مشيت مع ابن الرجل الذي أبحث عنه لفترة حتى توقف عن المشي عندما بلغنا مكانا بسور كبير وممتد وقال لي قبل أن يرحل

أبي موجود خلف هذا السور اذهب وتحدث إليه

فقلت: وكيف سأعرفه

فقال لي: اسأل عن (سالم

لم أجد للسور بابا فمشيت حتى وصلت لبوابة كبيرة عليها حارس منعني من الدخول فقلت له

أريد أن أقابل (سالم).

فقال: تفضل بالدخول إنه موجود بالداخل

فدخلت وصدمت من المنظر.. فقد رأيت مجموعة من القبور.. وكان قبر الرجل بينها. لقد كنت في مقبرة القرية والرجل ميت منذ عشرة أعوام.. سألت حارس المقبرة عن الرجل الذي رأيته وسألته كيف مات فحكى لي قصته

قال حارس المقبرة

(سالم) كان رجلا نقيا وصاحا وكان كل أهل القرية يحبونه، وعندما كان في شبابه كان هو وأخوه الأكبر مسؤولين عن مسجد القرية ويتناوبان على الأذان والإمامة فيه وكان الناس يثقون بهما جدا حتى ذلك اليوم الذي جاء فيه للقرية رجل غريب واشتري أحد المنازل التي كانت معروضة للبيع وسكن فيه. في البداية لم يعرف الناس أنه ساحر فقد كان يدعي الصلاح والورع وكان يعرض على الناس خدماته كعلاج السحر والربط والقراءة على المرضى والممسوسين لكن لم يكن أحداً في القرية يعاني من تلك الأمور لذلك لم يكن أحد يزوره أو يطلب خدماته

وبعد مضى عدة أشهر بدأت تظهر على بعض الناس أعراض الأمراض غريبة ومشكلات نفسية لم يجد الطب لها حلولا وبعد يأسهم وقلة حيلتهم بدأ البعض يذهب لذلك الرجل وكلما ذهب إليه أحد خرج معافى ومع مرور الوقت ذاع صيته بين أهل القرية. لم يعجب ذلك الوضع (سالم) وأخاه الأكبر لأن ذلك الرجل كان يستغل ويستنزف من الناس أموالهم دون وجه حق فقرروا الذهاب لمنزله والتفاهم معه

طرق (سالم) الباب ففتح لهما الساحر وقال

ماذا تريدان

فرد عليه (سالم) بغضب

اخرج أنت وخزعبلاتك من القرية

فضحك الساحر وقال: ومن أنت لتطردني

فقال (سالم),َ أنا شيخ القرية وأنت ترتكب إثما عظيما بحق نفسك وبحق أهل القرية ولن أسمح لك بالاستمرار في هذا الفجور

فقال الساحر: أنا وأهل القرية أدرى بشؤوننا فلا تتدخل فيما لا يعنيك

أغلق الساحر الباب بعد كلامه في وجه (سالم) فغضب أخوه الأكبر وطرق الباب بقوة فلم يفتح الساحر فكسر أخو (سالم) الباب ودخل على الساحر عنوة فلحقه (سالم) ليجدا الساحر بين مجموعة من الطلاسم وكانت رائحة المكان كريهة فصرخ فيهما الساحر وقال

"اخرجا من هنا قبل أن تندما!

فهجما عليه وضرباه حتى كاد يموت وسحباه لوسط القرية والدماء تسيل من وجه وثيابه ممزقة واجتمع الناس حولهم وقال (سالم) بصوت مرتفع

إن هذا الرجل ساحر ويخدعكم وهو الذي تسبب في مرضكم كي تلجؤوا إليه

فغضب الناس وطردوه من القرية وأحرقوا المنزل الذي كان يقطن فيه. بعد طرد الساحر بأيام بدأت فتيات القرية بالاختفاء بمعدل فتاة أو اثنتين في الأسبوع، كن يختفين فقط في منتصف الليل ومهما حاول أهلهن إغلاق الأبواب وحمايتهن كن ما زلن يختفين وفي بعض الحالات يسمع الأهل صراخ ابنتهم قبل اختفائها. مع تكرار حالات الاختفاء اجتمع (سالم) وأخوه الأكبر مع كبار أهل القرية ليبحثوا في الأمر ويجدوا حلا لهذه المشكلة التي بدأت تؤرقهم

بعد اجتماع مطول في بيت (سالم) استنتج كبار أهل القرية أن هذا قد يكون من عمل الساحر الذي طردوه انتقاما لما فعلوه به فاقترح أحدهم أن يذهب (سالم) إلى العاصمة بحثا عن مساعدة فوافق (سالم) لكن أخاه رفض وقال

"أنا من سيذهب.. القرية وأهلها يحتاجونك..

فشد أخو (سالم) رحاله للعاصمة وعاد بعد أسبوع، عاد ومعه رجل غريب يلبس عباءة سوداء ويغطي رأسه بخرقة حمراء ولحيته طويلة ويده مغطاة بالخواتم والحلي. طلب أخو (سالم) الاجتماع بأهل القرية وقال:

لقد اكتشفنا الفاعل وهذا الرجل الطيب سيخلصنا منه

فسأل الناس: ومن هو الفاعل

فرد الرجل الغريب بصوت هادئ وقال:

إنه (جسار).

فسكت الجميع.. وبدأوا يتهامسون فيما بينهم ثم قال (سالم),َ

ومن (جسار) هذا ولماذا يهاجم قريتن

فحكى لهم الرجل قصة الشيطان (جسار) وكيف قام الساحر الذي طرده أهل القرية بتسليطه عليهم. بعد ما سمع الناس حكاية (جسار) دب الرعب في قلوبهم لكن أخا (سالم) طمأنهم وقال

لا تخافوا فهذا الرجل سيخلصكم منه لكنه يحتاج منكم بعض المساعدة

فقالوا: ليطلب ما يشاء لكن المهم أن ينقذ بناتنا...

فطلب منهم الرجل قطعة من لباس كل شخص في القرية وإحضارها للمسجد قبل صلاة المغرب فتفرق الناس لتلبية طلبه

عندما خلا المكان من الناس ولم يبق إلا (سالم) وأخوه والرجل الغريب أخذ (سالم) أخاه الأكبر جانبا وقال

من هذا الرجل وأين وجدته؟

فقال أخوه

كنت أسأل إمام أحد المساجد أعرض عليه المشكلة التي كنا نواجها فجاء هذا الرجل وأخبرني أن لديه حلا لمشكلتنا

فقال (سال) بصوت غاضب منخفض

وكيف تثق بشخص لا نعرف عنه شيئاً؟

فرد أخوه وقال: لقد أ ثبت لي أنه يعرف الحل

فقال (سالم),َ وكيف عرفت ذلك؟

قال أخوه: لقد ذكر لي أسماء الفتيات المختفيات كلهن وكذلك أعمارهن ووصف أشكالهن

فرد (سالم) بغضب وصوته قد بدأ بالارتفاع قليلا وقال

هذا شيء يثير الشك وليس الثقة!

فقال أخوه: ماذا تقصد

فقاطع الرجل الغريب حوارهما وقال

هل هناك مشكلة

فقال (سالم) بغضب: نعم!.. هناك مشكلة

فرد الرجل: وما هي

فقال (سالم),َ كيف عرفت كل هذه المعلومات عن فتيات القرية

فرد الرجل بهدوء: لأني ساحر.

فصدم (سالم) وأخوه الأكبر وقالا: ساحر؟

قال: نعم ساحر.. وسف أخلصكم من (جسار) وسيده بمبلغ من المال وإذا كنتم لا تريدون ذلك فسوف أرحل.

وهم الرجال بالرحيل فأمسكه أخو (سالم) من يده وقال

"اهدأ يا شيخ!

فصرخ (سالم) في وجه أخيه وقال

أي شيخ هذا؟ هذا ساحر كافر

فقال الساحر: احفظ لسانك

فصرخ (سالم) وقال

لن نتعامل مع ساحر حتى لو اختفت بنات القرية كلهن

فقال الرجل: كما تشاء

وخرج الساحر من بيت (سالم).

فقال أخوه الأكبر: ماذا فعلت يا (سالم)؟!

فقال (سالم),َ فليذهب إلى الجحيم لن نكفر كي ننجو فالله هو الحافظ

خرج أخو (سالم) وراء الرجل يستجديه وبطلب منه البقاء ويحاول أن يبرز لأخيه ما قاله لكن الرجل رفض ورحل. جاء المغرب وأحضر الاس ما طلب الرجل منهم لكنهم لم يجدوه فقال (سالم) للناس المجتمعين عند بابه

"النصل المغرب ثم لنتحدث في الأمر في المسجد"

بعد الصلاة اعتلى (سالم) المنبر وشرح لأهل القرية الموقف وكانت ردود فعل الناس متفاوتة بين مؤيد ومعارض وصرخ رجل من بين الحشود الغاضبة وقال

أنت لا تهتم لأن ابنتك مازالت في أحضانك

فقال (سالم),َ "والله لو استطعت لقدمتها فداء لبناتكن

فقال بعض الناس بصوت واحد: "أمين

خرج بعدها الناس من المسجد وبعضهم يتذمر من موقف (سالم) وتفرده برأيه. بقي (سالم) وأخوه في المسجد وهما يفكران في حل لهذه المشكلة ولم يخرجا حتى اقترب وقت صلاة العشاء، وقبل الأذان بقليل دخل عليهما أحد أهل القرية وهو يصرخ بفرح

"عادت ابنتي يا (سالم) لقد عادت!

وتكرر المشهد مع شخص آخر ثم آخر حتى اجتمع كل أهل القرية في المسجد وهم يهللون ويكبرون فرحين، فرح (سالم) كثيراً وبين تهليل وتكبير الناس أذن أخو (سالم) لصلاة العشاء وصلى الناس جماعة وبعضهم بكى في الصلاة من شدة الفرح، بعد انقضاء الصلاة تفرق الناس، وذهب (سالم) وأخوه للمنزل وكان (سالم متزوجا) لكن أخاه الأكبر كان أعزب وكانا يسكنان في المنزل نفسه مع والديهما وزوجة (سالم) وأطفاله الأربعة

دخل سالم وأخوه وسمعا بكاء أمهما وزوجة (سالم) فسألهما(سالم),َ ما بكما؟

فردت زوجته وهي تبكي بشدة

ابنتك اختفت يا (سالم)!

سقط (سالم) على الأرض من شدة الصدمة وهول الموقف، التقطه أخوه وأخذه للسرير وكان (سالم) يصرخ: أنا السبب في اختفائها

ذهب أخو (سالم) إلى زوجة أخيه مسرعا وقال لها

"سأخرج للبحث عن مساعدة أبقي معه.."

ذهب أخو (سالم) إلى العاصمة ليلا وبحث عن ذلك الرجل الذي طرده (سالم) من بيته حتى وجده وحكه له القصة التي حدثت بعد رحيله فقال الرجل وهو يبتسم بسخرية

"لقد أخذ (جسار) ابنة أخيك وأعاد البقية لأن أباها دعا عليها ولعلها كانت ساعة استجابة فليتحمل ما أصابه"

نزل أخو (سالم) على ركبتيه وتوسل الرجل كي يساعده لكنه رفض وقال

أخوك أهانني ولن أساعده حتى لو خر ساجدا عند قدمي

فقال أخو (سالم),َ اطلب ما تريد لكن.. أعد ابنة أخي له. فصمت الرجل قليلا ثم قال

سأفعل.. لكن بشرط واحد فق

فقال أخو (سالم),َ اطلب ما تشاء

فقال الرجل: أن تكون خادما عندي إلى أن يموت أحدنا

فوافق أخو (سالم) بلا تردد وقال

أعد ابنة أخي لأهلها وسأكون خادمك إلى الأبد

فابتسم الرجل وقال: لقد عادت الفتاة قبل أن تنهي حديثك

شكر أخو (سالم) الرجل وطلب منه أن يودعه أهل للمرة الأخيرة قبل أن يقضي بقية حياته خادماً له، فوافق الرجل وأمهله يوما واحداً فقط

عاد أخو (سالم) مسرعا لأهله ووجد ابنة أخية بين أحضان أبيها فسعد بذلك وفرح وودعهم وقال لهم إنه وجد عملا في العاصمة وسيغيب لفترة من الزمن. عانق (سالم) أخاه فبدأ أخوه بالبكاء بحرارة لأنه كان يعرف أنها آخر مرة سيرى فيها وجه (سالم) فكان عناقه له قويا وعناقه لأمه أقوى سأل (سال) أخاه عندما رآه بهذه الحالة. وقال: "ماذا بك؟

فقال أخو (سالم),َ لا شيء.. لكنني سأشتاق لكم.

فقال له (سالم) كيف تقول لأي شيء وأنت تودعنا بقوة وكأنك لن ترانا مرة أخرى. لا تذهب لهذا العمل إذا كنت لا تقوي على فراقنا

فقال أخو (سالم) وقد مسح دموعه:

لا عليك يا أخي فأنا لم أعتد على فراقكم أكثر من أسبوع من قبل

حمل أخو (سالم) أمتعته وسار نحو الباب في طرقه نحو العاصمة

فلحق به (سالم) وأمسك بكتفيه والدمع في عينيه وقال:

لا تغب طويلا يا (عمار) فالمسجد يحتاجك..

" .. ..!...:.!ط:.:.:.:!!:!.":""!:.:!!..!:!!:":.!.؟؟!؟:؟!:.!.!:.:!:.!.:ا؟. ؟. ":..:":.!؟!:؟:..:...:)؟.:...:.ف؟....:؟:..؟.؟.!!؟!:":.!؟.:ب!ك؟.؟م!:.:؟.؟.؟.؟.؟!.ه؟..؟:.؟؟د؟:؟!..: ؟.!.!:.د:.!:!:..!:؟:؟.":!:.؟:!..؟:.؟؟؟؟؟..؟:!.

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا