الوادي
عماد ومنذر.
لا يفترقان أبداً.
اعتادا على المشاركة في كل شيء.
تزاملا في الدراسة، وتخرجا سوياً، وتوظفا في نفس العمل.
حلت عطلة نهاية الأسبوع، وقد كانت بالنسبة لهما هروباً مقدساً من ضغوط العمل الآسرة لأرواحهما المنطلقة، وقد اعتادا ألا يقضياها في المدينة أبداً، كانت الرحلات الاختلائية في أحضان الطبيعة بشتى أشكالها شغفهما، كانا يقضيان تلك الأيام المعدودة بين البر أو البحر.. بين التلال أو المروج.. في أي مكان يأخذهما قلباً وقالباً بعيداً عن ضجيج المدينة
لم يكن المكان مهماً لهما بقدر عزلتهما بأنفسهما عن الناس، كرسا أنفسهما لتلك الخلوات بقدسية، لذا اشتروا سيارة مخصصة ومعدةً لهذا الغرض جاهزة للانطلاق بهما في أي وقتٍ ولأي وجهةٍ بعيداً عن صخب تلك الغابة الإسمنتية كما كان يسميها عماد
ذات يوم اقترح منذر بعد فراغهما من انطلاقهما المعتاد نهاية الأسبوع الذهاب نحو وادي سمع عنه من بعض الرحالة الذين يشاركونهما نفس الشغف في الاستكشاف فقال لصاحبه
ما رأيك أن نجرب مكاناً جديداً هذه المرة
عماد: لا أعتقد أن هناك مكاناً لم نزره حول حدود مدينتا
منذر: هناك مكان لم نزره من قبل
عماد: أين
منذر وهو يبستم
وادٍ يبعد قليلاً عن المسافة التي اعتدنا قطعها بحثاً عن الخلوة مع الطبيعة
عماد بحماس: لا تسألني عن رأيي وانطلق نحو هذا المكان
قطع الاثنان مسافةً ليست بالقصيرة نحو ذلك الوادي، وقبل العصر بقليل وصلا للمكان حسبما وصفهُ ذلك المستكشف، انبهر الاثنان من جمال الوادي وخضرته بالرغم من قحولة الصحراء من حوله، لم يترددا بالوقوف والنزول ونصبِ خيمتهما وإنزال حوائجهما، استعداداً للسمر تلك الليلة في ذلك الوادي الجميل
كانا في العادة يقضيان ليالي الرحلات في الحديث عن ذكرياتهما في المدرسة، عندما كانا طالبين ورحلاتهما المثيرة السابقة، لأنهما يجداًن متعةً في الحديث مع بعضهما وكأنهما شخصاً وأحداً يحدثُ نفسه، بقي الاثنان عطلة نهاية الأسبوع كاملةً في ذلك الوادي، وكما اعتاداَ قررا العودة في صباح اليوم الأخير، لأن منذر لا يحب القيادة ليلاً
بدأ الاثنان بجمع حاجياتهما، وقام عماد برمي بقايا الطعام في الوادي بلا عناية أو حفظ لها في كيس قمامة، وكان منذر يستاء من هذا العمل في كل مرة لكن عماد كان يبرر ذلك بقوله أنه لو وضعها في كيس فلن تأكل منها دواب الأرض، وسيخسرون الأجر والثواب في ذلك، تحرك الاثنان بعدما انتهيا من جمع حاجياتهما نحو المدينة، لكن عندما انتصف بهم الطريق صرخ عماد قائلاً
تمهل.. لقد نسيت هاتفي الجوال!
منذر: هاتفك! كيف تنسى شيئاً مهماً كهذا؟
عماد: دعنا نعد فأنا لا أستطيع الاستغناء عنه أو استبداله، ففيه معلومات هامة
لم يكن منذر بالذي يرفض طلب صاحبه، لكنه كان يريد الوصول إلى المدينة قبل حلول الليل لكرهه القيادة ليلاً، لكن عماد طمأنه بأنه سيتولى القيادة بدلاً منه إذا حل الظلام. عاد الاثنان للوادي وتوقفا في نفس مكان تخييمهما السابق، ونزلا وبدآ بالبحث عن الهاتف، وما هي إلا دقائق حتى صرخ عماد وقال
وجدته!
منذر: جيد الحمد لله لنعد إذا
ركب الاثنان السيارة، وقبل أن يشغل منذر المحرك قال عماد بهدوء
انتظر.
منذر: ما بك
عماد: ألم تلاحظ شيئاً غريباً خلال بحثنا عن الهاتف
منذر: لا.. عن ماذا تتحدث
عماد: القمامة.
منذر: أي قمامة
عماد: القمامة التي رميناها في الوادي
منذر: ما بها
عماد: اختفت
ضحك منذر وقال
أليس هذا هدفك؟ أن تأكل الدواب بقايا اللحوم والعظام كي تكسب أجر إطعامها
التفت عماد على منذر بوجه قلق وقال
وهل الدواب تأكل بقايا النار التي أشعلناها أيضاً
منذر: إلى ماذا تشير
عماد: هناك أمر غريب يحدث هنا
منذر: وماذا تقترح أن نفعل
عماد: لننزل ونتفقد المكان
نزل الاثنان وبدآ يتفقدان المكان.. بعد قليل قال منذر
عن ماذا نبحث بالضبط
عماد: لا أعرف لكن الأمر مريب
منذر: ومتى ستنتهي ريبتك؟ الليل سيحل، وأنا لا أستطيع القيادة ليلاً
عماد: حسناً.. حسناً.. لنذهب
منذر: انتظر.. انظر إلى هذا.
عماد: ماذا
رفع منذر من على الأرض قطعةً بحجم وشكل ورقة، لكنها كانت من مادة أشبه بالجلد، ورائحتها نتنة، وقال وهو يغطي أنفه بإحدى يديه
ما هذا
اقترب عماد من صاحبه وأخذ القطعة وقلبها ليجد خلفها كلاماً مكتوباً بلون أسود بما يشبه الكحل، وبخط رديء لكنه مقروء، قرأ عماد ما كان مكتوباً بصوت مسموع وقال
"شكراً على إطعامنا.. كان الطعام لذيذاً.. تحت الصخرة امتناننا.. هل من مزيد؟
منذر: ما معنى هذا الكلام
عماد وهو يلتفت يميناً ويساراً ثم يشير بإصبعه: انظر لتلك الصخرة الكبيرة
توجه عماد مسرعاً نحو الصخرة، وبدأ يبحث تحتها، ومنذر يقول له باستغراب: ماذا تفعل
توقف عماد عن البحث فجأة، ثم نهض وهو ممسك بين يديه شيء يلمع.
منذر: ما هذا
عماد: لا أعرف لكنه يبدو ثميناً جداً
منذر: وهو ينظر إلى السماء، يجب أن نرحل بسرعة، فالليل أوشك على الحلول
عاد الاثنان للمدينة وطيلة الطريق كان عماد يحدق في تلك القطعة التي تشبه الماسة في شكلها لكن لونها أزرق وكان لمعانها مبهراً جداً.
منذر: إلى متى ستحدق بتلك الجوهرة؟
عماد وعينه على الجوهرة: ما الذي حدث.. ومن أطعمنا
منذر: أعرف أنني يجب أن يكون مبهوراً ومتفاجئاً، لكنني لست كذلك
عماد وقد وجه نظره ل منذر
لماذا؟ ماذا تقصد
منذر: من الواضح أن المسألة مزحة مرتبة، إما منك أو من شخص آخر
عماد: أقسم بأنه لا علاقة لي بالموضوع
منذر وعينه على الطريق
الحمد لله أن الشمس لم تغب بالكامل، وإلا كنت تورطت بقيادتك المتهورة على الطرق السريعة والتي لا أحبها.. سنتأكد الآن لقد اقتربنا من المدينة.
عماد: ماذا تقصد بأننا سنتأكد
منذر وهو يبتسم: سترى.
أكمل منذر القيادة حتى وصل لأحد المحلات المتخصصة في الحلي والمجوهرات وقال ل عماد
هذا المكان سيؤكد لك أن ما بين يديك مجرد قطعة من الزجاج
عماد وهو ينزل من السيارة: سنرى
عرض الاثنان القطعة على (الصائغ) الذي تفحصهما بعدسة خاصة لفترة ثم قال
من أين لكما هذه القطعة
منذر وهو يبتسم: أخبرنا بقيمتها فقط
((الصائغ)}َ هل سرقتموها
عماد بغضب: نحن لسنا لصوصاً
منذر بهدوء: لم تقول ذلك هل هذا الحجر ذو قيمة تستحق السرقة
(الصائغ) وهو يضع الحجر الأزرق على طاولة العرض وينزع العدسة من عينه
هل تريان هذا المحل بما فيه من ذهب ومجوهرات
منذر و عماد: نع
((الصائغ)}َ مجمل قيمتها لا يعادل قيمة هذا الحجر
منذر: هل تهزأ بنا
عماد: اسكت يا منذر دع الرجل يتحدث
(الصائغ) وهو بعيد عدسة الفحص في المدرج
لا أعرف من أين حصلتما على هذه الماسة الزرقاء، لكنها من أندر أنواع الماس، وحتى الماس الموجود في العالم وبرغم ندرته ليس بهذا الحجم أو النقاوة
عماد: ماذا تقصد
((الصائغ)}َ أقصد أنكم تسيران بثروة قد تعرض حياتكما للخطر
منذر: أين يمكننا بيع مثل هذه المدينة بالتأكيد لكن هناك صائغ في العاصمة يمكنه دفع قيمة مثل هذا الحجر ويمكنني إرسالكما له وتزكيتكما عنده لو رغبتما
عماد وهو يضع الحجر في جيبه
لا شكراً.. سنفكر في الأمر
خرج عماد من المحل ولحق به منذر وهو يقول
ما بك؟ لما لا نبيعه ونصبح من الأثرياء
عماد وهو يركب السيارة ويناول عماد المفاتيح
لم ننته من ماذا
عماد وهو يدير المحرك
سوف نطلب إجازة من العمل غداً، وبعدها سأخبرك
منذر: أخبرني الآن، ماذا تنوي أن تفعل
عماد وهو يقود السيارة متوجها لمنزل منذر
سوف أوصلك للمنزل الآن وغداً سآتي لأخذك
منذر: ألن تخبرني الآن
عماد وهو يبتسم ويحدق بالطريق
غدا.. غداً سأخبرك
في الصباح الباكر عرج عماد بمنزل ليجده في الخارج بانتظاره
نزل عماد وركب في المقعد المجاور للسائق وقال
هيا لنذهب لنطلب تلك الإجازة ثم نتوجه للوادي.
منذر: هل أنت جاد؟ بالثروة التي سنحصل عليها سوف أبتاع الشركة التي نعمل بها ويمكنك أخذ إجازة مفتوحة
منذر وهو يركب في مكان السائق
هل أنت متأكد من رغبتك في العودة إلى الوادي
عماد: هل تمزح؟ لقد عثرنا على منجم من الثراء
منذر: ماذا تنوي أن تفعل
أشار عماد بإبهامه للخلف فالتفت منذر وشاهد السيارة ممتلئة بصناديق من الفاكهة.
منذر باستغراب: ما هذا
عماد وهو يبتسم: لقد مررت بسوق الخضار قبل أن أمر بك، واشتريت هذه الأطعمة، لنقدمها لمن قدم لنا تلك الجوهرة
منذر: لماذا
عماد: هل أنت أحمق أم تتحامق؟ لقد قدم لنا جوهرة نفيسة مقابل بعض القشور، ماذا تظن أنه سيقدم لنا مقابل فاكهة طازجة
منذر: هل تعرف عمن أو عن ماذا تتحدث؟ نحن لا نعرف ما الموجود في ذلك الوادي.. يجب أن نبلغ أحداً
عماد: نبلغ من؟ لن يشاركنا أحد هذا الاكتشاف، وسوف نستغله لآخر قطرة
منذر: فكر بتعقل.. الأمر مريب كما قلت، والذهاب للوادي مرة أخرى مخاطرة
عماد: إن كنت لا ترغب بالثراء فأوقف السيارة وسأذهب لوحدي، هل ستذهب معي أم لا
منذر: لا أستطيع تركك لكن أرجوك فكر في الأمر بعقلانية
عماد: لا تقلق لن يحدث شيء سوى أننا سنصبح من الأثرياء.. لتتحرك الآن كيلا نتأخر
بعد مسيرة ساعات وصل الاثنان إلى الوادي.
منذر: ماذا الآن
عماد وهو ينزل من السيارة
نضع الأطعمة في نفس المكان الذي رمينا فيه القمامة المرة الماضية ثم نبتعد نفس المسافة ونعود.
منذر: ثم ماذا
عماد: ثم سنرى حقيقة الأمر
نفذ منذر ما طلبه عماد وفي طريق عودتهما للوادي بعدما وضعا الفاكهة قال: لدي شعور سيء.
عماد وهو مبتسم:
لا تكن متشائماً سنجد جوهرة أخرى واحتمال أن نجد اثنتين وعندها يمكننا الاكتفاء
منذر: هل تعدني
عماد: أعدك بماذا
منذر: بأنها ستكون آخر مرة
عماد وهو يبتسم: أعدك.
وصل الاثنان للوادي ولم يجداً الأطعمة التي وضعاها وبدآ بالبحث حتى وجداً ورقة جلدية مماثلة للسابق وكان مكتوباً عليها
"شكراً على إطعامنا.. كان الطعام جديداً.. فوق الصخرة امتناننا.. هل من مزيد؟
وجه الاثنان أنظارهما فوق الصخرة، ليريا صندوقاً ذهبياً امتلأ بالكامل من جواهر بألوان مختلفة وبأحجام مختلفة، هرع عماد نحو الصخرة مسرعاً ورفع نفسه وأمسك بالصندوق وبدأ بسحبه
منذر وهو يجري نحو عماد
توقف توقف دعني أساعدك سيسقط عليك
وقع الصندوق بثقله على عماد وحطم ساقه وجزء من فخذه وشل حركته بالكامل. بدأ عماد بالصراخ من الألم.
منذر وهو يحاول رفع الصندوق
الصندوق ثقيل جداً لا أستطيع تحريكه
عماد بصوت مرتفع: ساقي تنزف
منذر بتوتر: ما العمل الآن
عماد: حاول الاتصال بهاتفك وطلب المساعدة
منذر وهو يرفع هاتفه: لا يوجد تغطية هنا
عماد بصوت مرتفع: عد بالسيارة حتى تحصل على تغطية
منذر: لن أتركك وحدك هنا
عماد وهو يشد منذر نحوه بقوة ويصرخ فيه
لا تفكر بعاطفة الآن! لن أنزف لوقت طويل سوف أموت!
منذر: حسناً.. حسناً، انتظرني سوف أتصل وأطلب المساعدة، وأرسل لهم إحداثيات المكان.. انتظرني لن أتأخر
خرج منذر من الوادي وانطلق مسرعاً، حتى يحصل على تغطية للهاتف، بعد مسيرة ساعة ظهرت التغطية، وأجرى منذر اتصالاً للطوارئ الذين طلبوا منه الانتظار في موقعه حتى يصلوا كي يرشدهم إلى الوادي. لم يستطع منذر الانتظار وعاد مسرعا إلى الوادي كي يطمئن على صاحبه ثم يعود مرة أخرى للمكان الذي أرسل إحداثيته، نزل منذر للوادي ولم يرَ أي أثر ل عماد أو الصندوق. بدأ يبحث بجنون حتى وجد ورقة جلدية مشابه للأوراق السابقة وكانت تقول
"شكراً على إطعامنا.. كان الطعام مقيتاً.. لا تستحق امتنانا.. ولا نريد المزيد
لا تبكِ لفقدان أحدٍ سوى نفسك
..":! :!!.!؟!!:.!:.":..؟؟. ..؟.:؟...؟..!؟؟.؟.؟!؟:..:..:؟.:؟.:؟:؟:.:..؟.:!؟.م؟:؟!؟.؟:..:.؟.:!.؟:.؟ ...؟.؟!؟":؟:؟....؟:.؟.؟؟:.:.؟.؟.؟؟؟.:.!:.!!:..!.:؟..؟:......
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا