8. فشل آخر..
كانت الاستعدادات تجرى على قدم وساق لإطلاق الصاروخ (الفاتح رقم 3)، وقد وقف (نور) مع أفراد فريقه يراقبون ما يحدث، وقال (نور) موجها حديثه إلى (سلوى) و (رمزي):
- عليكما بالتوجه الآن إلى مركز المراقبة.
ثم أخرج من حزامه مسدسا لأشعة الليزر، وناوله ﻟ (رمزي) وهو يسأله:
- ترى هل تعرف كيفية استخدام هذا؟
تناول (رمزي) المسدس في يده، وقال:
- نعم.. إلى درجة كبيرة.. ولكن هل تتوقع بعض العنف؟
قال (نور) باختصار وهو يلتفت إلى (محمود):
- ربما، وأنت يا (محمود)، عليك بمراقبة الدكتور (منير) بدقة في أثناء توجيه الصاروخ.. ولكن تذكر... لا تتدخل في عمله مطلقا، إلا إذا انحرف الصاروخ أو ارتكبت الأجهزة.
انطلق الجميع إلى المراكز المحدودة لهم، على حين اتجه (نور) إلى الغرفة الخاصة بمحطة الإذاعة الداخلية للقاعدة.
حياة العريف (رضا) تحية عسكرية رسمية، وجلس (نور) بجواره وسأله:
- هل أنت مستعد لإذاعة خبر بدء الإطلاق أيها العريف؟
قال العريف (رضا):
- بالطبع يا سيدي.
ثم نظر إلى ساعته وقال:
- بعد عشر دقائق من الآن يا سيدي..
نظر (نور) إلى ساعته بدوره، ثم التفت إلى الأجهزة يتفحصها، وتساءل في نفسه:
- ترى هل سيتمكن (محمود) من متابعة الدكتور (منير) بدقة؟
كان (محمود) في هذه اللحظة يجلس بجوار الدكتور (منير)، الذي قال له بضيق:
- هل تتوقع منى النجاح في توجيه الصاروخ أيها الشاب، وأنت جالس هنا بجواري ترتقبني؟
شعر (محمود) بالحرج، فقال محاولا إخفاء موقفه:
- إنني لا أراقبك يا سيدي، بل أتتلمذ على يديك.. أليست فرصة نادرة أن أتشرف بمتابعة الدكتور (منير)، أعظم علماء مصر، بل أعظم العلماء في العالم أجمع في مجال التوجيه.
ابتسم الدكتور (منير) ساخرا، وقال:
- هل تعتقد أنك ستخدعني بهذه العبارات المعسولة أيها الشاب؟
قال (محمود) بصدق:
- أبدا..
قال الدكتور (منير) وهو يراقب العد التنازلي للإطلاق:
- حسنا قلت.. فلا أعتقد أن شابا يصغرني بعشرين عاما على الأقل، يتصور محاولة خداعي..
لم يلتفت (محمود) إلى هذه العبارة، بل تابع بترقب العد التنازلي، إيذانا بقرب إطلاق الصاروخ الثالث..
وفي مركز المراقبة كانت (سلوى) تتابع العد بنفس التوتر، وبجوارها (رمزي) وأمامهما الملازم ثان (مراد)، يتفحص العقل الإليكتروني الضخم الماثل أمامه، وسألها (رمزي):
- ألم تلاحظي عدم وجود الرقيب (خيري)؟
تلفتت (سلوى) حولها، وقالت هامسة:
- نعم، صحيح أين هو؟
وتوقفا عن التفكير عندما وصل العد التنازلي إلى الصفر.. تابع الجميع اللحظة الأولى لانطلاق الصاروخ، وبينما (رمزي) منهمك في مراقبة الإطلاق جاءه صوت (سلوى) تصرخ:
- يا إلهي!! ماذا تفعل أيها الرجل؟
ثم شعر بدوى هائل يصم أذنيه ودارت ورأسه، ثم هوى على الأرض وقد غاب عن الوعي..
في نفس اللحظة كان (محمود) يراقب الدكتور (منير) وهو يوجه الصاروخ بمهارة، عندما صرخت أجهزة الغرفة كلها في لحظة واحدة، واختفت الصورة من الشاشة.. اندفع الدكتور (منير) يضغط الأزرار بغضب، وقد أصابت الدهشة (محمود) إلى درجة الذهول.. كان الأزيز يملأ الغرفة بل القاعدة كلها..
وسمع الدكتور (منير) يقول:
- اللعنة!! لا.. لن تفشل تجربة الإطلاق هذه المرة؟.
لم يدر (محمود) ماذا يفعل إزاء هذا الارتباك التام
في أجهزة بأكملها، ثم تساءل ماذا يفعل رفاقه في هذه اللحظة؟ كان هذا التساؤل ذاته يملأ (نور) وهو يرى أجهزة المحطة الإذاعية الصغيرة ترتبك إلى هذا الحد.. حاول (نور) معاونة العريف (رضا) في إنهاء الارتباك بلا جدوى.. ثم سمع العريف (رضا) يصرخ:
- لن أحتمل هذا الأزيز المزعج يا سيدي، سأوقف الأجهزة..
ثم رآه يندفع إلى المحول الذري الرئيسي، الذي يمد أجهزة المحطة كلها بالطاقة.. اندفع (نور) خلفه صارخا:
- أيها الغبي، ستنفجر المحطة.. توقف..
ثم قفز قفزة قوية، فأحاط العريف بذراعيه، وأسقطه أرضا، وسقط فوقه، ثم صفعه صفعة قوية، وهو يصرخ فيه:
- أيها الأحمق، تمالك أعصابك.. إنك عار على رجال الشرطة.
صرخ العريف بألم وهو يمسك بيده اليمنى المدلاة بشكل بشع.
- آه!! لقد حطمن يدي يا سيدي!!
صاح فيه (نور) بغضب:
- بل حطمتها حماقتك أيها الغبي !!
ثم تبدلت ملامح (نور) بغتة، واختفت علامات الغضب من فوق وجهه، وحلت محلها علامات دهشة وسمع العريف (رضا) يقول:
- يدك!!.. يا إلهي!!
وتوقف الأزيز فجأة، وساد هدوء تام لم يعكره سوى صوت أقدام (نور)، الذي اندفع مغادرا الغرفة، وأخذ يهبط درجات السلم بسرعة وهو يهتف:
- يداه!! كيف لم أنتبه لذلك؟. يا لي من أحمق!!
ولم يكن ذهول العريف بأقل مما حدث لحراس القاعدة الفضائية، الذين شاهدوا (نور) يندفع إلى سيارته الصاروخية، فيستقلها وينطلق بها بسرعة بالغة، مجتازا البوابة الضخمة للقاعدة، ومنطلقا باتجاه مركز المراقبة.
***
9. الاختطاف...
ما أن بدأ ارتباك الأجهزة، حتى ابتسم (سيمون) في غرفته الموجودة تحت الأرض، وقال موجها حديثة إلى (جون):
- عليك بإعداد السيارة الصاروخية، لقد سجلت أجهزتي حدوث الارتباك بالقاعدة الفضائية.. سأحضر الزجاجة المحتوية على الوقود الأمينى، وننطلق في الحال..
أسرع (جون) ليعد السيارة، وقد اتجه (سيمون) إلى غرفة الوقود، وهناك قابله أحد رجاله وسأله:
- هل تنوى الرحيل يا سيدي؟
أجابه (سيمون) باقتضاب:
- لا تتدخل فيما لا يعنيك أيها الرجل.
تردد الرجل، ثم قال:
- هل يعنى ذلك أنك ستتركنا هنا؟
ضحك (سيمون) وقال:
- بل يعنى أن الخطة التي أتينا جميعا من أجلها قد أوشكت على الانتهاء أيها الرجل، وبنجاح تام.
قال الرجل:
- لست أعتقد ذلك تماما يا سيدي.
ظهر الغضب على ملامح (سيمون)، وهو يقول للرجل:
- ماذا تعنى أيها الرجل؟
وبدلا من أن يجيبه الرجل، ناوله ورقة بها رسالة من العميل، خطفها (سيمون) وقرأها، ثم ألقاها أرضا، وقال بحنق:
- اللعنة!! هذا الغبي سيؤدي بأعماله إلى فشل الخطة كلها.
ثم استدار عائدا إلى غرفته حيث قابله (جون) قائلا:
- السيارة معدة، هل ننطلق في الحال؟
وهاله مرأى الغضب البادي على وجه (سيمون)، فسأله بتوتر:
- ما الذي أغضبك؟. ماذا حدث؟
صاح (سيمون)، وقد تخلى عن هدوئه لأول مرة:
- هذا الغبي، عميلنا في المشروع.. لقد أسر شابا وفتاة من أعوان ضابط المخابرات العلمية، الذي يسعى وراء فشل خطتنا، ويقول إنه ينوى إحضارهما إلى هنا.
صاح (جون) غاضبا:
- الغبي، الأحمق..
ثم عاد يقول بتوتر:
- ولكن ماذا سنفعل؟
قال (سيمون) وهو يشيح بيده:
- وماذا أمامنا أن نفعل؟. لقد حطم هذا الغبي خطتنا كلها بفعلته الخرقاء هذه.. ولكن!...
سأله (جون) بلهفة:
- ولكن ماذا؟
قال (سيمون) وقد ضم حاجبيه مفكرا:
- ولكننا نستطيع الهرب بسرعة مع الزجاجة التي تحتوى على الوقود الأمينى.. ولو استطعنا الوصول إلى سفارة دولتنا، يمكننا إرساله في الحال بطرد سياسي إلى دولتنا العظمى.
سأل (جون) بقلق:
- وماذا لو لم ننجح؟
هب (سيمون) واقفا، واتجه إلى الغرفة التي يضع فيها الوقود، وهو يقول:
- بل سننجح.
في نفس اللحظة كان (نور) ينطلق بسيارته إلى مركز المراقبة.. كان يقود السيارة الصاروخية بمهارة فائقة، حتى وصل إلى حزام الأمن، فأوقفها بقوة، ثم قفز منها، وأسرع يدس البطاقة الصغيرة في ثقبها، ثم يعود إلى سيارته، ويجتاز الحزام متوجها إلى مركز المراقبة.. وسرعان ما كان بجواره، واندفع من السيارة إلى داخل المركز.. كان المكان خاليا إلا من جثة رجل يرتدي بزة رسمية ملقى على وجهه أمام العقل الإليكتروني الضخم.. أسرع (نور) إليه وقلبه على ظهره.. وامتعض من مرأى الوجه المشوه.. ولكنه ألقى نظرة خاطفة إلى رتبته، ثم قام واقفا وهو يقول:
- يا للمسكين!! لقد كان ضحية للعميل..
ثم أسرع إلى سيارته وأخرج منها جهازا أسطوانيا صغيرا، وضعه أمام عينيه.. وسرعان ما تبين له خط حراري صغير متجه شرق المركز.. أعاد (نور) الجهاز الأسطواني إلى السيارة، ثم استقلها، وانطلق بها بقوة. متتبعا الخط الحراري، وقال محدثا نفسه:
- لو أنني تمكنت من إنقاذ (سلوى) و (رمزي)، سأدين بالفضل للتقدم العلمي، الذي أتاح لي استخدام هذا الجهاز، الذي يتعقب الغبار المتخلف من الوقود النووي الذي تسير به السيارات الحديثة، معتمدا على الحرارة التي يخلفها هذا الوقود..
ثم توقفت أفكاره عندما لمح على مبعدة منه سيارة (رمزي) الصاروخية الفاخرة، وهي تنطلق بسرعتها القصوى.. انطلق (نور) وراء السيارة بإصرار، وسرعان ما لمحه قائدها، فأطلق ضحكة شيطانية، وقال محدثا (سلوى) و(رمزي) اللذين يجلسان خلفه، وقد قيدهما إلى المقعد:
- ها هو ذا قائدكم الهمام!! إنه يبذل جهدا مضاعفا للحاق بي.. حسنا.. سأدعه يلحقني ثم...
وعاد يطلق ضحكته الرهيبة التي ألقت بالفزع في قلب (سلوى)، وباتت تخشى مهاجمة هذا العميل لقائدها (نور).
وما هي إلا لحظات، حتى كانت سيارة النقيب (نور) تنطلق بمحاذاة سيارة (رمزي)، التي يقودها العميل الخائن.. وبدأت مناورة قوية بين قائدين ماهرين.. وسرعان ما جال بخاطر (نور) رأي يقول:
- إذن فأنت ماهر أيها الخائن.. حسنا، فلنلعب سويا لعبه اسمها (الجبان).
ثم انحرف بسيارته إلى اليسار، بحيث أجبر قائد السيارة الأخرى على الانحراف بنفس الطريقة، وسار محاذيا له حتى واجهتهما بوابة معبد فرعوني قديم.. وهنا هدأ (نور) من سرعة سيارته، ثم عاد إلى سرعته الأولى، بعد أن أصبح ينطلق خلف السيارة الأخرى تماما.. شاهد قائد السيارة الأخرى بوابة المعبد تقترب.. كان يعلم أنها من الضيق بحيث لن تسمح لسيارته بالمرور.. وحاول الانحراف إلى اليمين، ولكن (نور) صنع حاجزا يحول بينه وبين ما يريد، وحدث المثل عندما حاول الانحراف إلى اليسار.. لم يعد أمامه سوى الاصطدام بالمعبد أو التوقف.. وصاح قائد السيارة بغضب:
- اللعنة!!
ثم ضغط فرامل السيارة بقوة فدارت حول نفسها، وتوقفت قبل خطوات من اصطدامها بالمعبد.. أوقف (نور) سيارته بنفس القوة، ثم قفز منها وبيده مسدس الإشعاع، وانطلق نحو السيارة الأخرى، وفتح بابها، ولكن واجهته ضحكة شيطانية، ورأي أمامه مشهدا جمد الدم في عروقه.. كان العميل يضع فوهة سلاحه مواجها لرأس (سلوى)، التي ظهر الفزع متجليا في عينيها، وقال العميل بسخرية:
- قل لي أيها القائد الهمام: أيهما أكثر بالنسبة لك؟ .. صديقتك أم وطنك؟
كان (نور) ما يزال مسددا سلاحه إلى العميل، فألقى نظرة سريعة إلى وجه (سلوى) وقال:
- ماذا تظن يا طبيبنا النفسي؟
قال (رمزي) بحزم:
- بل الوطن أيها القائد.
ابتسم (نور)، وسأل (سلوى):
- وأنت يا (سلوى)؟
نظرت (سلوى) إلى فوهة السلاح الرهيب الموجه إلى رأسها، ثم تبدلت ملامحها وحل الهدوء محل الفزع على وجهها، وقال ﻟ (نور) بهدوء:
- الوطن.
اتسعت عينا العميل دهشة، وصاح:
- هل أصابكم الجنون؟ هل ستضحي برأسها من أجل الوطن؟ يا لكم من حمقى!!
قال (نور) وهو يسدد مسدسه إلى رأس العميل، ويعده للإطلاق:
- بل برؤوسنا جميعا لو استلزم الأمر أيها القذر.
رأي العميل الحزم والتصميم واضحين على وجه (نور)، فألقى بسلاحه وصاح بفزع:
- لا.. لا.. إذا كنتم حمقى فأنا لست كذلك.
ضحك (نور) وقال وهو يلقى بسلاح الرجل بعيدا:
- لقد رسبت مرتين في لعبة (الجبان).
ثم أخذ يقيده على المقعد، وقد أجهشت (سلوى) بالبكاء من شدة اللحظات التي عانها، والمسدس الإشعاعي مصوب إلى رأسها.. وأخذ (رمزي) يقهقه ضاحكا، وقال ﻟ (نور):
- لقد أثمرت دروس الطب النفسي معك أيها القائد.
ضحك (نور) وهو يحل وثاق (سلوى)، وقال:
- بالطبع.. فلقد كنت أعلم أنه سيستسلم في الحال، إذا أحس أننا جادون في إطلاق النار على رأسه.
نظرت (سلوى) إلى (نور)، وقالت:
- هل تعنى أنك كنت واثقا أنه لن يطلق على سلاحه.
ضحك (نور) وقال وهو ينتهي من حل وثاق (رمزي):
- بالطبع يا عزيزتي (سلوى).
وقبل أن تعبر (سلوى) عن سعادتها بمعرفة ذلك صاح (رمز):
- انظر أيها القائد، هناك سيارة صاروخية تنطلق بسرعة جنونية.
قال (نور) وهو يعدو إلى سيارته:
- فليقطع ذراعي إن لم تكن هذه السيارة تضم حل هذا اللغز كله..
وسرعان ما انطلق (نور) بسيارته وراء السيارة التي زادت من سرعتها إلى حد الخطر، كانت سرعة السيارة تفوق سرعة سيارة (نور)، بينما قهقهة قائدها ضاحكا، وحدث الراكب بجواره قائلا:
- هذا الغبي يطاردنا.. كيف يظن أن سيلحق بنا بهذه السيارة الهزيلة؟
قال الراكب الذي لم يكن سوى (جون):
- ولكن يا عزيزي (سيمون) كان المفروض أن يتم هروبنا بسرية.
ضحك (سيمون) وقال:
- إنك دائم التوتر يا (جون).. لو وصلنا بهذه إلى سفارتنا، فلن يتمكن أحد من اللحاق بنا.
كان (جون) يتابع الطريق بقلق عندما لمح بوابة الجسر المؤدي إلى الجانب الشرقي من النيل فصاح برفيقه:
- أبطئ من السرعة يا (سيمون) سنعبر الجسر.
صاح به (سيمون) بحزم:
- مستحيل.. ستلحق بنا السيارة الأخرى.. مستحيل.
صرخ (جون) وهو يشاهد العمود الذي يشير إلى حزام الأمن حول الجسر:
- احترس يا (سيمون).. اخفض السرعة سوف...
كان من المستحيل إبطاء سرعة السيارة الصاروخية.. ودوى انفجار هائل يصم الآذان، وصل إلى مسامع (نور)، الذي أبطأ من سرعة سيارته وانحرف بها جانبا، متفاديا الشظايا التي تناثرت من العربة المتفجرة.. أوقف (نور) سيارته، وأخذ يتأمل النيران المشتعلة ورجال الإنقاذ وهم يهرعون إلى مكان السيارة المحطمة، في محاولة يائسة لإيقاف النيران.. وحدث (نور) نفسه:
- يا لها من ميتة بشعة!! والأسوأ أن الوقود الأمينى الذي كانوا يحملونه معهم بالتأكيد قد أدى إلى زيادة عنف النيران المشتعلة.. كم أكره الدمار!! ولكن هذا ما يستحقونه بالتأكيد..
ثم عاد يقود سيارته عائدا إلى القاعدة الفضائية، حيث ترك (سلوى) و (رمزي) والجاسوس.. وهو لا يعلم أن هؤلاء الذين تحدث عنهم بأسلوب الجماعة، لم يكونا سوى رجلين من رجال مخابرات دولة عظمى
***
10. وسام من رئيس الوزراء..
قال (نور) محدثا القائد الأعلى من خلال محطة الإذاعة بالقاعدة الفضائية:
- لقد استسلم الجميع يا سيدي، بعد أن أدلى الجاسوس باعتراف كامل، أرشدنا من خلاله إلى المخبأ السري الذي استغله رجال مخابرات هذه الدولة.. ولقد عثرنا بداخله على كل كمية الوقود الأمينى المفقودة، باستثناء تلك الكمية الصغيرة التي اشتعلت في أثناء انفجار السيارة الصاروخية التي أقلت (سيمون) و (جون)، رجلي المخابرات اللذين تزعما هذه القضية.
لم يكن القائد الأعلى بحاجة إلى إخفاء إعجابه عندما قال ﻟ (نور):
- لم يخب ظني بك أيها النقيب، لقد أديت أنت وفرقتك عملا رائعا، لقد أنعم عليكم رئيس الوزراء بأرفع وسام بالدولة، ويدعوكم جميعا لمقابلته فور عودتكم.
ثم سأل باهتمام:
- بالمناسبة، متى ستعودون أيها النقيب.
أجاب (نور):
- فور الانتهاء من إطلاق الصاروخ الجديد يا سيدي.
ابتسم القائد الأعلى وقال:
- حسنا أيها النقيب.. تعلم بالطبع أن الصاروخ الجديد يحمل (رقم 1)، وسيبقى فشل الصواريخ الأخرى سرا.
قال (نور):
- بالطبع يا سيدي.
سأله القائد الأعلى قبل أن ينهى الحوار:
- قلت لي في بداية الحوار إن لك ملاحظة أيها النقيب، أليس كذلك؟
قال (نور) باهتمام:
- بلى يا سيدي.. في الواقع لقد ساءني وجود كل هذا العدد من رجال المخابرات في المخبأ، وأعتقد أن ذلك يعنى إعادة النظر في وسائل الأمن هنا.
ابتسم القائد الأعلى وقال:
- بالطبع، بالطبع أيها النقيب.. وبالمناسبة تقبل أسفى عما أصاب صديقك الملازم ثان (مراد).
قال (نور) وهو يشعر بأسى بالغ:
- لقد استشهد من أجل الواجب يا سيدي.
انتهى الحوار وجلس (نور) بجوار جهاز الإرسال، ونادي العريف (رضا)، الذي دخل إلى الغرفة وذراعه اليمنى موضوعة في قالب من مادة وردية.. ضحك (نور) وقال له:
- آسف لما فعلته بيدك أيها العريف، ولكن لك أن تفخر بأن يدك كان لها الفضل الأول في كشف هذا اللغز.
وعاد (نور) يضحك على مرأى ملامح الدهشة على وجه العريف، وقام قائلا:
- ستفهم كل شيء قريبا يا صديقي.
ثم غادر الغرفة متجها إلى غرفة الدكتور (سامي)، الذي استقبله بحفاوة، وشد على يده مصافحا وهو يقول بلهجة ودية:
- مرحبا بالبطل!! أعتذر عن كل ما قلته من قبل بشأن فريقكم.
اندفع الدم إلى وجه (نور) كعادته كلنا تلقى مديحا، ثم التفت إلى داخل الغرفة، حيث جلس فريقه الصغير والعلماء (منير) و (فؤاد) والآخرون.. كان الجميع في غاية الشوق لسماع (نور) يتحدث عن كيفية وصوله إلى حل هذا اللغز.. وسأله الدكتور (منير) بلهفة:
- قل لي أيها الشاب العبقري: كيف توصلت إلى كشف الحل؟
ابتسم (نور) واتجه إلى مقعد خال، فجلس إليه، وأخذ يتأملهم حتى صاحت فيه (سلوى):
- لن أحتمل أيها القائد، أخبرنا بربك.
ضحك (نور) ثم قال:
- حسنا، لنبدأ منذ زيارتي الأولى لمركز المراقبة.. لقد أدهشني في ذلك الحين الاستقبال الفاتر الذي استقبلني به الملازم ثان (مراد)، ثم أسلوبه العدائي في شرح كيفية عمل جهاز المراقبة.. هل تذكرين يا (سلوى) كيف كنت صامتا عند عودتنا من المركز في تلك المرة؟
قالت (سلوى):
- نعم، لقد ظننت أن ذلك بسبب هذا الاستقبال.
ضحك (نور) قائلا:
- أبدا، وإنما كان بسبب مشهد ما رأيته في المركز، ولم أستطع تذكره أو استعادته برغم أنه أخذ يلح بداخلي، وينبهني إلى وجود خطأ ما.. ثم عدت إلى هنا وقابلت الدكتور (منير) ثم الدكتور (فؤاد).. كان كلاهما يسيطر على مركز حساس يسمح له بالعمل على انحراف الصاروخ.. وبالرغم من ذلك ظل هذا المشهد يلح على عقلي.. هل تذكر يا (رمزي) يوم تحدثنا عن ذلك، وقت أنت إن المشهد سيقفز إلى ذاكرتي عند حدوث حدث مشابه.
أومأ (رمزي) برأسه علامة الموافقة، ولكنه لم يتكلم رغبة في سماع شرح (نور) الذي تابع:
- لم يحدث هذا الحدث إلا في الليلة التي أطلق فيها الصاروخ الثالث.. كنت مع العريف (رضا) في غرفة المحطة الإذاعية عندما حدث ارتباك الأجهزة، وانبعث أزيز قوى لم يحتمله العريف، فحاول قطع المحول الذري، وعندما حاولت منعه سقط وسقطت فوقه، مما أدى إلى تحطم يده اليمنى.. وهنا قفز المشهد إلى ذهني، تماما كما تنبأت أنت أيها الطبيب النفسي العبقري، وقفز إلى ذهني حوار آخر دار في غرفة الدكتور (فؤاد)، عندما تحدثنا عن التقدم المذهل الذي أحرزته جراحة التجميل في السنوات الأخيرة..
وهكذا فجأة وبدون مقدمات قفز حل اللغز كله إلى رأسي.
تنهد الدكتور (منير) وقال بضيق:
- لاحظ أنك لم تخبرنا بشيء بعد أيها الشاب.
ضحك (نور) وقال:
- عليك بالصبر يا دكتور (منير).. سأخبركم بكل شيء.. هل تذكرين يا (سلوى) عندما حدثتك عن الملازم ثان (مراد)، عند ذهابنا إلى المركز الأول مرة.. هل تذكرين أنني قلت إنه شاب أعسر، أي أنه يستخدم يده اليسرى باستمرار، ولكننا عندما طلبنا منه أن يرينا طريقة عمل الجهاز مد يده اليمنى بتلقائية إلى الدائرة التي تبدأ عمل الجهاز.. هذا هو المشهد الذي حيرني.. فمن المعروف أن الأعسر عندما يقوم بعمل شيء ما، فإنه يمد يده اليسرى بتلقائية.. لم يقفز هذا المشهد إلى ذهني إلا عندما تحطمت يد العريف (رضا) اليمنى.. فإذا ربطنا هذه الأحداث بعضها ببعض لعلمنا أن الرجل الذي قابلنا في مركز المراقبة لم يكن هو الملازم ثان (مراد)، بل شبيه له، رجل عادي يتفق معه في الجسم والصوت، أجريت له عملية تجميل ناجحة، حولته إلى صورة طبق الأصل من (مراد)، بعد أن تم التخلص من (مراد) الأصلي، لرفضه التعاون مع الجواسيس.. هذا يفسر الاستقبال الفاتر والأسلوب العدواني.
سأله الدكتور (فؤاد) باهتمام:
- وكيف فسرت اختفاء الصاروخ؟
ابتسم (نور) وقال:
- كان وجود الجاسوس في مركز المراقبة يفسر كل شيء، فمن السهل أن يبلغنا بإحداثيات خاطئة، بعيدة كل البعد عن الإحداثيات الحقيقية، وبينما نحن نبحث عن الصاروخ في مكان خاطئ يكون الجواسيس قد قاموا بتقطيعه بأشعة الليزر وحمله إلى مخبئهم.
سأل الدكتور (سامي):
- والموجات عالية التردد؟
قال (نور):
- كان يرسلها من مركز المراقبة نفسه، وهذا ما يفسر عدم إصابة أجهزة المركز بالارتباك الذي أصاب جميع الأجهزة بالمنطقة.. كان يستغل وجود الرقيب (خيري)، حيث أن هذا الأخير يجهل تماما عمل هذا الجهاز.. ولكن عندما تواجدت (سلوى) في الغرفة؛ ولأنها خبيرة بالاتصالات والتتبع، فقد كشفت في الحال أنه يطلق الموجات وحاولت إيقافه، فما كان منه إلا أن أطلق عليها وعلى (رمزي) موجات صوتية مرتفعة أصابتهما بالإغماء، وعندما حاول نقلهما إلى سيارة (رمزي) وصل الرقيب (خيري)، فبادره الجاسوس بطلقة من أشعة الليزر شوهت وجهه، وقتلته في الحال، ثم كان ما تعلمون.
انتاب الصمت الحاضرين جميعا، حتى قطعه الدكتور (سامي) بلهجة ملؤها الإعجاب:
- إنك عبقري أيها الشاب.. عقلية علمية تماما.. أهنئك.
ثم قام من خلف مكتبه واتجه إلى (نور) وشد على يده بحرارة..
***
11. الختام..
وقف النقيب (نور) بجوار زملائه في الشرفة الزجاجية، يراقبون فنيي القاعدة وهم يضعون اللمسات الأخيرة للصاروخ قبل بدء العد التنازلي، وفي أثناء ذلك سأل (رمزي) (نور):
- لست أدري، لماذا أخبرتنا منذ البداية أيها القائد أن العاملين بالقاعدة يعزون الأمر إلى لعنة الفراعنة؟
لقد راقبت الجميع ولم أسمع كلمة واحدة تشير إلى ذلك.
ابتسم (نور) وقال وعيناه تتابعان العمل:
- هكذا الخرافات يا عزيزي الطبيب النفسي، تملأ النفوس ولا تطفو على الوجوه.
قالت (سلوى) مداعبة:
- صدقوني، لو حدث ارتباك للأجهزة هذه المرة سأقتنع بلعنة الفراعنة.
ضحك الجميع لدعابتها، وقال الدكتور (سامي):
- لقد كان لبطولتكم أيها الشاب الفضل الأكبر في محو هذه الخرافة من نفوس العاملين هنا.
التفت (نور) حوله، وسأل (سلوى):
- أين (محمود)؟
ضحك (رمزي) وقال:
- إنه يتابع توجيه الصاروخ بصحبة الدكتور (منير).
ثم غمز بعينه قائلا:
- وبدعوة من الدكتور (منير) شخصيا هذه المرة.
ضحك الجميع حتى أشار إليهم الدكتور (سامي) قائلا:
- مهلا، لقد بدأ العد التنازلي..
أخذ الجميع يتابعون العد التنازلي ترقبا لانطلاق الصاروخ، وشعر (نور) بالتوتر يصاحبه كلما اقترب العد التنازلي من الصفر.. ثم ارتعد جسمه ثانية واحدة، عندما دقت مسامعه كلمة (صفر)، وشاهد النيران تنطلق من أسفل الصاروخ الضخم، الذي ارتعد مثله، ثم أخذ يرتفع ببطء، وازدادت سرعته حتى أصبح يمثل خطا من النار يشق طريقه إلى الفضاء الخارجي، ثم اختفى تماما... وهنا ارتجت القاعدة بصيحات النصر، وهتف الدكتور (سامي) بسعادة:
- هذا الصاروخ وسام انتصاركم أيها الأبطال..
وفي مساء اليوم نفسه وفي أثناء الحفل الذي أقامه العاملون بالقاعدة تحية للنقيب (نور) وأفراد فريقه، أعلن العريف (رضا) من خلال محطة الإذاعة الداخلية أن المذياع يذيع أخبار إطلاق الصاروخ، واستمع الجميع إلى البيان التالي:
"تناقلت وكالات الأنباء العالمية اليوم نبأ إطلاق الصاروخ المصري العربي (الفاتح رقم 1)، ويعد هذا الصاروخ هو التجربة الأولى لاستخدام الوقود الأمينى الجديد، الذي يفوق الوقود الذري بتسع مرات.. ولقد انطلق الصاروخ متخذا وجهته شطر أطراف المجرة..
وجدير بالذكر أن هذه تعد المرة الأولى التي تتم فيها محاولة إطلاق صاروخ ليتخطى حدود مجرتنا.. هذا وقد أعلنت الجهات المسئولة أن عملية الإطلاق لم تواجهها أي مشكلات على الإطلاق".
عند سماعهم هذه العبارة الأخيرة تبادل الجميع النظرات، ثم انفجروا ضاحكين..
(تمت بحمد الله)
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا