الأبعاد المجهولة الجزء الأول 12 للكاتب عبدالوهاب السيد الرفاعي

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2023-05-20

لن أدع أحد أقرب أصدقائي في ظرف كهذا .. إني أعرف الدكتور منذ ثلاثون عاما .. ولم أسمعه قط يصرخ بهذه الصورة ..
صرخت السيدة (موريسا) فينا جميعا مفرغة كل انفعالاتها:
 فلنبحث عنه مرة أخرى إذن .. ماذا ننتظر ؟! ربما لم تبحثوا جيدا .. 
نظرنا إليها جميعا بإشفاق شديد ..  
سألتها السيدة (أوراد) بحيرة وشحوب وجهها قد بلغ مبلغا: 
وما أدرانا أنه لا زال في المنزل ؟ .. 
صمتنا جميعا .. بالفعل .. ما أدرانا أنه لا زال في المنزل ..
زفرت بقوة .. إن كل شيء محير مربك بالفعل .. أشعر أن يدا خفية تعبث بنا .. ولكن .. تذكرت شيئا هاما فسألت السيدة (موريسا):
- كم عدد مخارج الفيلا ؟ .. وكم عدد الغرف ؟ .. 
قالت وهي تحاول أن تحصي عدد الغرف:
هناك مخرجين للفيلا .. أحدهما موجود في المطبخ .. والآخر هو البوابة الرئيسية التي دخلتم جميعا منها .. أما بالنسبة للغرف فأعتقد أن الفيلا تحوي أربع عشرة غرفة .. مع ستة حمامات .. بالإضافة إلى مطبخين .. وهناك بالطبع غرفة الخدم .. وغرفة السائق .. و ..
سألتها مقاطعا: 
وأين هم الخدم مع السائق ؟
قالت بنفاذ صبر:
أخبركم من قبل بأنني قد أرسلتهم جميعا إلى البيت .. على أن يعودوا غدا بعد الظهر للتنظيف .. فلا أحد يقيم هنا سوى حارس المزرعة .. وقد أعطيته اليوم إجازة .. فلم يكن هناك داع لوجوده .. ذهب ليقضي الليلة مع أصدقائه وسيعود غدا بعد الظهر .. 
صاح (حامد) بغضب:
ما هذا النحس ؟ .. إما أنه نحس .. أو الجميع قد تحالفوا على وضعنا في هذا المأزق !! 
قلت محاولا فك خيوط هذا اللغز المتشابكة:
- لو كان هناك مخرجين للفيلا فقط فهذا يعني أن الدكتور (علي) ما زال موجودا هنا .. فحتى يخرج من الفيلا يجب عليه أن يمر من الصالة الرئيسية التي نجلس فيها الآن .. وبما أننا جالسون هنا منذ اختفاؤه .. فهذا حتما يعني أنه لم يغادر من الفيلا  ..     
صاح الأستاذ (إبراهيم) بحماس منفعل وهو يقول:  
فلنبحث عنه مرة أخرى إذا .. سنبحث في كل ركن من الفيلا هذه المرة .. سأذهب أنا مع الأستاذ (حامد).. وسيبحث كل منا منفردا اختصارا للوقت .. فالمكان كبير جدا ..   
هنا قالت السيدة (موريسا) بحدة:
لن أجلس وحدي هنا 
قال لها الأستاذ (إبراهيم) مطمئنا:
سيكون معك (خالد) وزوجتي .. فلا خوف عليكم ..
ردت عليه بعصبية سببها توتر الموقف:
لا أقصد أنني أخشى المكوث هنا .. بل أريد البحث عن زوجي .. لن أجلس هنا في حين لا يعلم سوى الله ما الذي جرى له ..
نظر إليها السيد (حامد) قليلا ثم قال باستسلام:
حسنا .. تعالي معنا لو أردت ..
نهضت لتصحب السيد (حامد) للبحث عن زوجها .. في حين ذهب الأستاذ (إبراهيم) وحده إلى ناحية أخرى من الدور العلوي .. 
أما أنا فقد مكثت مع السيدة (أوراد) التي كانت متكورة حول نفسها من شدة الخوف والتوتر .. أعيننا اعتادت الظلام تماما وقد مضى علينا أكثر من ساعة في هذا الجو المشحون منذ انقطاع التيار الكهربائي واختفاء الدكتور (علي) ..   
شعرت بأنني يجب أن أفعل شيئا بدلا من جلوسي هكذا دون هدف .. فنهضت لأجلس بقرب السيدة (أوراد) .. وقلت لها محاولا بث الاطمئنان على روحها:
لا تخشي شيئا يا سيدتي .. سنجد الدكتور بإذن الله .. وبعدها سنجد وسيلة للخروج من هنا .. 
سألتني بشرود: 
كيف ؟‍
من المؤكد أن ذوينا سيفتقدوننا وسيتصلون بالشرطة ..
وماذا عن من ينوي إبقائنا هنا لغرض في نفسه ؟ .. ألم تقل ذلك قبل قليل ؟ .. ألا يثير هذا قلقك ..  
بلى ولكن .. 
هنا خرست .. فهذا ما أظنه بالفعل .. لن أكذب عليها لأشعرها بالاطمئنان .. فأنا بالفعل أشعر أن شيئا غير عادي يحدث هنا .. وأن هناك من يعبث لسبب لا زلت أجهله.. وأن ..
النجدااااااااااااااااااااااااااه 
كان هذا صوت السيدة (موريسا) قادم من الطابق العلوي .. تلاه صوت السيد (حامد) وهو الآخر يصرخ وكأن شياطين الدنيا تطارده:
النجداااااااااااااه .. أنقذووووووووووني ..آآآآآآآآآآه .. 
وصوت أشياء تتحطم .. 
تجمد الدم بعروقنا وسمعنا الأستاذ (إبراهيم) وهو يصرخ من الطابق العلوي وصوته يتعالى ثم ينخفض بما يوحي أنه كان يدخل الغرف واحدة تلو الأخرى كي يبحث عنهم:
ما الذي يجري هنا.. أين أنتم ؟ 
تمالكت نفسي وصحت بالسيدة (أوراد):
- يجب أن نصعد إليهم لنرى ما يحدث .. إن أمرا غريبا يجري هنا !!  
لم تقل شيئا .. ولكن رد فعلها كان عمليا جدا .. فقد نهضت مسرعة مستندة إلى ذراعي .. ويظهر أن خوفها على زوجها الموجود في الطابق العلوي تغلب على خوفها وتوترها من هذا الجو المخيف السائد في المكان .. كانت أعيننا قد اعتادت الظلام كما أخبرتكم .. لذا فقد هرعنا إلى الطابق العلوي دون أن نصطدم بشيء .. ووجدنا بعد قليل الأستاذ (إبراهيم) واقفا بوجوم بجانب إحدى الغرف.. 
ارتمت زوجته إلى حضنه وهي تنتحب لتسأله –بعد أن اطمأنت أنه بخير-: 
ما الذي يجري في هذا المكان اللعين ؟‍!
لم يرد عليها واكتفى باحتضانها لإشعارها بالأمان .. بينما وقفت أنا عاجزا عن التفكير للحظة .. ثم ذهبت لأرى ما بداخل الغرفة لأستوضح ما رآه الأستاذ (إبراهيم) .. فما رآه على الأرجح هو الذي جعله يقف واجما هكذا .. ولكن:
لا تنظر ..
قالها لي بصرامة ..
وكان هذا وكأنه أمرا مباشرا كي أنظر .. فدخلت الغرفة وإذا بـ(موريسا) ملقية على الأرض .. فـشهقت بقوة ..  ولكن الأستاذ (إبراهيم) أخرسني بإشارة من يده:
إنها فاقدة الوعي فحسب ..  
بحثت عن السيد (حامد) في أرجاء الغرفة .. لكني لم أجده .. لقد اختفى تماما ..
دخلنا جميعا بعدها الغرفة ونحن نحاول التأكد مما إذا كانت السيدة (موريسا) بخير .. حاولنا إنعاشها .. لتستيقظ بعدها بثوان وقد احتاجت للحظات كي تعرف أين هي وتستوعب ما حدث لها .. ثم استدركت كل شيء وشرعت تتحدث بفزع وتتلفت يمينا ويسارا وهي تقول:
لقد رأيت شيئا مهولا .. امرأة طويلة الشعر ترتدي رداء أسود فضفاض هاجمتنا بخفة وسرعة متناهية وبيدها سكين كبيرة الحجم .. لقد صرخت عندما رأيتها .. لم أتبين ملامحها فقد كان شعرها الطويل يغطي الكثير من ملامح وجهها ..
صمتت قليلا وكأنها تحاول أن تعب أكبر قدر ممكن من الهواء في جوفها لتكمل قائلة: 
لقد اتجهت تلك المرأة مباشرة إلى السيد (حامد) الذي تجمد في مكانه من هول الرعب .. ولم تعطه لحظة واحدة ليفكر بما يحدث .. بل قامت بسرعة متناهية بطعنه بوحشية عدة طعنات وهو يصرخ بهلع لا حدود له..  
أضافت وهي تبكي بحرقة:
 - لقد أغمى علي من هول ما رأيت .. فقد شاهدت السيد (حامد) وهو يذبح أمامي .. كان مشهدا رهيب لا يمكن أن أصفه لكم .. 
ثم دفنت وجهها بين كفيها وبدأت ببكاء ينيط القلوب حقا.. فاقتربت منها السيدة (أوراد) وأحاطتها بذراعها محاولة تهدئتها .. وإن كانت هي نفسها بحاجة لذلك .. 
وقامت بعدها السيدة (موريسا) في هستيريا تسب الظروف التي جعلتها تعيش هذا الجو المرعب .. ثم تسبنا نحن لأننا .. !! لا أدري بالضبط ما ذنبنا في الموضوع لكنها رأت أن لنا دورا ما لا تعرف كنهه ويستحق التوبيخ .. ربما لأنها كانت تفضل أن نكون نحن في مكان زوجها .. 
وبعد دقائق من النحيب سألتهم بتعجب سؤالا بالغ الأهمية:
أين ذهبت جثة السيد (حامد) إذا إن كان قد قتل بهذه الطريقة البشعة ؟
لم يجب أحد على سؤالي .. فالإجابة واضحة .. من قتله قد أخذ جثته دون شك .. ولكن .. !!
هناك نقاط كثيرة تحتاج إلى توضيح كما لا بد أنكم قد لاحظتم .. فحتى لو قتله أحد ما وأخذ جثته .. فأين ذهبت الجثة ؟ .. وأين ذهب القاتل .. أو القاتلة - على سبيل الدقة -  ظللت أفكر بصمت فيما يحدث لنا حتى أنني شعرت بأنه لا بد من لملمة شتاتنا ..  
لذا فقد قلت لهم بحزم:
أعتقد أن علينا الجلوس قليلا والسيطرة على أعصابنا .. هناك بعض الأمور التي تحتاج إلى تفكير .. 
لم يعترضوا .. بل استجابوا تماما .. فقد شعروا أن علينا فعل ذلك حقا حتى نعرف ما يجري هنا ولنجد مخرجا من هذه المزرعة اللعينة ..
لذا فقد قمنا جميعا بالنزول إلى صالة الاستقبال .. 
وبعد جلوسنا بدقائق من الصمت بدت وكأنها دهرا .. سألتهم محاولا كشف شيئا من الغموض المحيط بنا:
هل لاحظ أي منكم شيئا غير عادي وقت الحفلة ؟ .. 
بدا لي السؤال سخيفا مبتذلا يردده رجال الشرطة في كل فيلم وكل مسلسل ..  
ولكن – لحسن الحظ -  لم يهتم أحد لهذا .. بل –وعلى عكس ما توقعت- وجدت الأستاذ (إبراهيم)  يضرب رأسه بكفه وكأنه قد نسي شيئا هاما:
اللعنة .. كيف نسيت هذا .. أنه توتر الأعصاب دون شك .. لقد حدث شيئا ظننته عاديا في البداية ..لكني أراه الآن يثير الريبة .. ليس في وقت الحفل .. ولكن قبل ذلك .. فعندما اتصل بي الدكتور (علي) ليدعوني إلى الحفل كان قد طلب مني أن أبقى إلى نهاية الحفل ولا أخرج قبل أن يتحدث إلي .. وقال أن الأمر هام جدا ..
سكت قليلا .. ثم أردف وكأنه يحاول التذكر:
والغريب أن السيد (حامد) وهو صديق قديم أيضا كما تعلمون قد أخبرني أثناء الحفل أن الدكتور (علي) قد طلب منه نفس الطلب !! .. وقد فاجأني هذا .. ولا زلت أجهل إن كان الدكتور (علي) يريد التحدث إلى كل منا على انفراد .. أم أن هناك موضوعا مشتركا بيننا .. 
سألته السيدة (أوراد):
وما علاقة ذلك بما يحدث ؟
مط شفتيه وهو يقول:
أحاول فقط معرفة ما إذا كان هناك شيئا غير عادي .. 
ثم التفت إلى السيدة (موريسا) التي كانت في أسوأ حال ليسألها:
وماذا عنك ؟ ألم تلحظي شيئا غير عادي أثناء الحفل .. أو قبل ذلك ؟
ردت عليه بصوت باك:
كان كل شيء يسير بأفضل صورة .. وأنت تعرف زوجي .. إنه إنسان طيب القلب يحبه كل من يتعامل معه .. لا أعتقد أن له أعداء .. أو فلنقل أن لا أحدا يكرهه إلى درجة القتل ..
سألتها بتعجب:
لماذا تظنين أنه قد قتل ؟!. 
قالت بعد تردد شديد:
أ.. أ .. أرجو ألا تسخروا مني  .. سأخبركم بما لم أخبركم به منذ البداية .. قد تظنوني أخرف بفعل الظلام والخوف والتوتر الذي نعيشه جميعا الآن .. أ .. أعتقد أن الأمر يتعلق باللوحة ..  
سألها الأستاذ (إبراهيم) في حيرة:
أي لوحة ؟
ردت عليه بعصبية:
لوحة (الغابة السوداء) الأثرية التي أخبرتكم عن تاريخها وما يحاك حولها من أساطير .. لقد أخفيت عنكم بعض الأمور المتعلقة بها لأنني أنا نفسي لم أكن أصدق شيئا مما سأخبركم به .. 
ثم صمتت وهي تلتقط أنفاسها .. وقالت وكأنها ستلقي علينا قصة:
قبل أربعمائة عام اشترى تلك اللوحة أحد الأثرياء الإنجليز من هواة جمع اللوحات الفنية القديمة فقد كان عمر اللوحة في ذلك الوقت مائة عام .. ولكن بعد أيام قليلة وجد الثري مع أفراد أسرته جميعا مقتولين وقد امتصت كمية كبيرة من دمائهم !! .. وكانت هذه الجريمة هي حديث الساعة في ذلك الوقت بسبب بشاعتها وغرابتها.. وحشد المسؤولين جهودهم لكشف الجاني .. ولكنهم لم يعثروا عليه على الإطلاق .. وظلت اللوحة تباع وتشترى في مزادات علنية إلى أن انتقلت بعد الحادثة الأولى بمائة عام إلى تاجر فرنسي .. ليعيد التاريخ نفسه !! .. ويقتل التاجر وجميع أفراد أسرته في ظروف غامضة جدا .. وتكرر الأمر بعدها بمائة عام أخرى مع عائلة ثرية اشترت تلك اللوحة .. حيث وجد جميع أفرادها البالغ عددهم سبع أشخاص قتلى وقد امتصت كمية هائلة من دماؤهم !! .. عندها فقط قام أحد الباحثين بدراسة كل ما يتعلق بلوحة (الغابة السوداء) .. فانتبه إلى نقطة بالغة الأهمية .. لقد لاحظ الباحث أنه وفي كل مائة عام من تاريخ اكتشاف اللوحة .. يقتل كل من يقتنيها في ظروف غامضة وتمتص كميات كبيرة من دماؤهم لسبب مجهول .. الأمر الذي جعل ذلك الباحث يقوم بدراسة شاملة حول تاريخ هذه اللوحة ويكتشف القصة التي أخبرتكم بها أثناء الحفل .. لقد قيل أن الساحرة (ناتاشا) –وكما أخبرتكم في الحفل- قد استطاعت بوسيلة ما أن تحول جسدها بواسطة السحر إلى صورة مرسومة وهي تلك الموجودة في اللوحة .. وأنها تخرج كل مائة عام لتقتل من يقتني اللوحة لأسباب مجهولة وتسرق دماؤهم .. والمصيبة أن اليوم يصادف المائة عام الخامسة منذ تاريخ اكتشاف اللوحة !!.
سكتت للحظة ثم أردفت قائلة بعصبية وتوتر بالغين ونحن نستمع إليها بذهول وخوف لا حد لهما:
بالطبع ستقولون أن كل هذا محض هراء .. ولكنني أقول لكم أن كل الأديان السماوية أكدت وجود السحر الأسود ..  وعالم السحر ليس له أي مقاييس وأنتم تعلمون ذلك جيدا .. فلا يوجد ما يمنع أن يستغل ساحر أو ساحرة سحرهم لبلوغ هدف كهذا .. المشكلة الآن أن اليوم يصادف المائة عام الرابعة من تاريخ اكتشاف اللوحة .. كنت أعرف ذلك .. لكني لم أصدقه .. ولم أشأ أن أخيف الضيوف .. ولكن بعد ما رأيت وبعد كل ما حدث .. أجد نفسي مضطرة لتصديق هذه القصة العجيبة المخيفة. 
انتهت السيدة (موريسا) من كلامها .. وبالطبع كان حالنا مزريا .. فقد شحب وجه السيدة (اوراد) تماما .. في حين ارتعدت فرائص المدير وكان واضحا أنه يرتجف بقوة وإن حاول أن يخفي ذلك .. أما أنا فقد شحب وجهي حتى ليخيل إلي أنني سأموت في أي لحظة من تلقاء نفسي دون أن يمسني أحد .. 

  لحظات طويلة من الصمت المهيب .. لم ينبس فيها أحد ببنت شفة .. إلى أن قطعت حبل الصمت فجأة وقلت:
لا أعرف مدى حقيقة تلك القصة .. ولكن الأمر المؤكد هو وجود شخص ما في المنزل شاهدته السيدة (موريسا) .. و .. 
لم أكمل كلامي .. فقد جال بذهني خاطر مروع سيجعلني أصاب بشلل لحظي لو كان صحيحا .. 
سألت السيدة (موريسا) بحذر:
هل أنت واثقة أن الذي طعن السيد (حامد) هو امرأة غريبة الهيئة متشحة بالسواد كما أخبرتنا ..
هزت رأسها بالإيجاب .. 
لو كان ما قلتيه صحيحا عن اللوحة وعن المرأة التي قتلت السيد (حامد) طعنا فإن ..  
لم أكمل كلامي .. فقد نهضت مسرعا إلى ركن المنزل حيث لوحة (الغابة السوداء) معلقة على الحائط .. إذ لم تكن اللوحة مرئية من مكان جلوسنا .. كنت أتمنى ألا أرى ما أتوقعه .. و ..
 يا للهوووووول ..  
صرخت بقوة وقد سرت في جسدي قشعريرة غزت عمودي الفقري .. وأصبت بالشلل اللحظي الذي أخبرتكم عنه للتو .. حتى صرت غير قادر على الوقوف .. 
جاءوا جميعا مسرعين ليعرفوا ما جرى .. وشهقوا بدورهم .. بل صرخوا جميعا في آن واحد .. وكاد أن يغمى عليهم .. حتى أن السيدة (أوراد) قد وقعت على الأرض بالفعل .. لم تقو ساقاها على حملها بعد ما رأت فجلست على الأرض مصدومة وهي تحدق في اللوحة ببلاهة.. أما السيدة (موريسا) فقد شرعت تصرخ بجنون وهستيريا .. في حين وضع الأستاذ (إبراهيم) يده على فمه كالنساء مانعا نفسه من الصراخ ..  
كان مشهدا رهيبا لا يوصف جمد الدماء في عروقنا .. فقد رأينا لوحة (الغابة السوداء) بكل تفاصيلها سوى أهم جزء منها ..
لم يكن هناك وجود للمرأة ذات الشعر الأسود الطويل التي تدير ظهرها لنا والموجودة في منتصف اللوحة !! .. وكان هذا كافيا لإصابتنا بالجنون .. وقد رحت أردد كالمجنون بالفعل دون أن أستطيع التوقف:
ستقتلنا .. ستقتلنا .. إنه يومها .. لن ترتاح قبل أن تقتلنا جميعا !! ..
قام الأستاذ (إبراهيم) الذي كان واضحا أنه يبذل جهدا خرافيا للحفاظ على تماسكه بتهدئة السيدة (موريسا) .. فكان يربت على كتفها مطمئنا وهو يحتضن زوجته بقوة ..   
كان شيئا مهولا لا يوصف .. هل من المعقول أن تخرج ساحرة من لوحة كل مائة عام وتقتل وتسفك الدماء ؟! .. إن الأمر مروع .. لا أعرف حدود السحر الأسود .. ولكن هل من الممكن أن يستغل أحدهم السحر لفعل شيء كهذا ؟! .. 
كنت أشك في البداية بمدى مصداقية تلك القصة .. وظننتها واحدة من الأساطير التي يتناقلها الناس لا أكثر .. لكني فكرت قليلا وقلت لنفسي: لو كانت الساحرة (ناتاشا) تخرج من لوحة (الغابة السوداء) كل مائة عام لتقتل وتسفك الدماء كما يقال .. فهذا يعني أنها الآن موجودة خارج اللوحة لتقتلنا طالما أن اليوم يصادف الذكرى الخمسمائة من تاريخ اكتشاف اللوحة !! .. وهذا ما جعلني أجري ناحية اللوحة للتأكد من هذا الأمر .. فلو كانت الأسطورة صحيحة وحقيقية .. فإن صورة الساحرة (ناتاشا) ليست من المفترض أن تكون موجودة في اللوحة .. وكان توقعي صحيحا كما هو واضح .. 
عقلي يعمل بسرعة .. أفكر كالمجنون إن صح التعبير .. لا أدري لماذا أشعر أن هناك أمرا غير عادي في كل هذا وأن الأمور ليست كما تبدو .. هناك شيء غريب في ما يحدث .. نقطة بالغة الأهمية لم ننتبه إليها حتى الآن .. أشعر أن الأمر شديد التعقيد يحتاج إلى تفكير عميق ..       
قال الأستاذ (إبراهيم) بحزم:
يجب أن نكون نحن الأربعة في مكان واحد .. وألا نترك بعضنا أبدا .. فطالما نحن في جماعة سنكون 
بمأمن .. فلم يتعرض لنا أحد حتى الآن ونحن معا .. 
قالت زوجته وهي تجفف دمعها وتهز رأسها موافقة:
ولكن متى سنجد مخرجا من هذا البيت الملعون ؟ .. لو ظللنا هكذا لساعة أخرى فسأجن .. إن ما حدث يكفي ليثري كوابيسي إلى الأبد ..   
يا للنساء .. مهما كانت الظروف .. فلا يمكن أن يتغيرن .. الاستياء يبدو واضحا على وجه (موريسا) لأن السيدة (أوراد) قد وصفت المكان بأنه ملعون .. ولكن من يلومها على ذلك ؟! 
ساد الصمت للحظات وكل منا ينظر إلى الأرض بقلق وتوتر وترقب وقد كاد الحر الشديد والظلام أن يصيبانا بالجنون .. فضوء المشعل البسيط لا يكفي لإنارة المكان .. دعك من أن كل واحد منا كان يمسك به دوريا لأن الإمساك بذلك المشعل أمر ممل جدا .. خاصة وأنك تضطر أن تظل ضاغطا على زر الإشعال وأن تكون حذرا ألا تحرق شيئا .. وهناك الحر الشديد بسبب انقطاع التيار الكهربائي وتوقف جهاز التكييف عن العمل –لا تنسوا أننا في فصل الصيف - فحجاب السيدة (أوراد) قد التصق برأسها بسبب العرق الذي يغمرها من قمة رأسها إلى أخمص قدميها .. كما أنها خلعت حذاؤها ذو الكعب المرتفع .. فلا الوقت ولا المزاج يسمحان لها كي تبدو أنيقة .. وينطبق الأمر علي أنا والأستاذ (إبراهيم) .. حيث خلعنا جاكيت بذلاتنا مع ربطات العنق .. ورفعنا أكمام قمصاننا .. أما السيدة (موريسا) فقد كانت أسوأنا حالا .. لا تنسوا أنها فرنسية لم تعتاد على هذا الجو الحار الذي يكاد أن يسبب لها اختناقا ..
كنت أنا من يمسك بالمشعل الصغير هذه المرة .. وكنت أنا من قال بنفاذ صبر:
لا بد من عمل شيء .. لا يمكننا الانتظار هكذا دون هدف .. إننا في مأزق حقيقي .. ولن يبدأ أحد بالبحث عنا إلا بعد ساعات من الآن .. ويعلم الله ما قد يحدث في تلك الساعات القادمة .. كما أن هناك نقطة محيرة في كل ما يحدث .. أمرا غريبا جدا .. عضضت شفتي في غيظ  وأنا أقول:
ليتني أتذكر .. 
ثم ردت (موريسا) بعصبية:
إن هذا الظلام يكاد يصيبني بالجنون .. فلا يوجد لدينا سوى مشعل البوتاجاز هذا .. فلنبحث عن شموع .. قد تكون هناك شموعا في مكان ما في المنزل .. أو بطاريات .. إن الأمر يستحق البحث ..  
لقد قرأت أفكاري .. فهذا بالفعل ما كنت أشعر به !! ..
قالت السيدة (أوراد) مؤمنة على كلامها وهي لا تزال ملتصقة بزوجها:
هذا حق .. ولكن .. نذهب معا .. أو لا نذهب ..
صمت زوجها قليلا قبل أن ينهض بحزم ويقول:
- هذا مؤكد .. فلنذهب معا .. 
وهكذا نهضنا جميعا وحواسنا متوترة ومتحفزة لأقصى حد .. كنا ملتصقين ببعضنا البعض متناسين كل قواعد اللياقة .. فها أنذا أمسك بكف السيدة (أوراد) في حين قد أحاط زوجها كتفيها بذراعه .. أما السيدة (موريسا) فكانت تمسك بكف الأستاذ (إبراهيم) .. ولو كانوا يقولون لا حياء في الدين .. ولا حياء في العلم .. فأنا أضيف وأقول أنه لا حياء في الرعب !! .. 
بحثنا في كل مكان .. وفي كل غرفة إلى أن وصلنا إلى إحدى الغرف حيث يوجد دولاب كبير جدا يحتل حائطا كاملا .. كان واضحا أن الغرفة عبارة عن  مخزن أو شيء من هذا القبيل .. فتحنا باب الدولاب للبحث عن شموع إضافية أو أي وسيلة للإنارة .. فانبعثت صرخة رهيبة من أفواهنا جميعا !! ألن ينتهي هذا الرعب أبدا ؟! .. لقد رأينا جثتا الدكتور (علي) والسيد (حامد) متكومتين فوق بعضهما في الدولاب ..  وكانت جثة الدكتور (علي) بالذات في حالة مزرية .. فقد لاحظنا – رغم الضوء الضعيف – وكأنها خالية من الدماء .. وكان هذا كافيا ليفقدنا صوابنا تماما !!. 
إذ راحت السيدة (أوراد) تصرخ وتولول .. أما أنا فقد شرعت – ومع كل أسف- أبكي كالنساء وقد فقدت السيطرة تماما على أعصابي .. في حين راح الأستاذ (إبراهيم) يرمق الجثتين في ذهول وقد سقط فكه السفلي لا شعوريا .. وأصيبت السيدة (موريسا) بحالة هستيريا .. حتى أنها خرجت من الغرفة راكضة إلى غير هدى وهي تصرخ بجنون .. وبعدها بلحظات وقبل أن نستوعب ما يحدث ..
النجدااااااااة
كانت هذه صرختها .. صرخة رعب وألم هائلة وكأن أحدهم يقتلع عينيها بمطواة .. خرجنا من الغرفة كالمجانين لنلحق بها .. بحثنا عنها في الغرف القريبة لنجدها بعد دقائق قليلة على ضوء مشعل البوتاجاز - الذي لن يدوم أكثر من ساعة أو اثنتين على أبعد تقدير - جاحظة العينين ملقية عند ركن الغرفة .. كان واضحا أنها قد قتلت .. فوضعت السيدة (أوراد) يدها على فمها محاولة كتم صراخها .. في حين امتلأت عيناها بالدموع .. 
وقفنا مشدوهين لفترة لا نسمع فيها أي صوت سوى أنفاسنا اللاهثة وتوترنا .. نعم .. لقد شعرت للحظة أنني أسمع صوت توترنا الشديد ..  تخيل هذا .. أن تجد نفسك محبوسا في مكان ما في منطقة معزولة تماما وهناك شبح أو روح ساحرة أو شيء غير مادي ينتوي قتلك ..  

لم نقترب من جثة (موريسا) .. فالظلام والعينان الجاحظتان قد لعبا دورهما وأعطوا المنظر رهبة وجوا ثقيلا كالكابوس .. وهذا هو السبب نفسه الذي جعلنا لا نقترب من جثتي الدكتور (علي) والسيد (حامد) رحمهم الله جميعا .. لم يبق سوانا أطال الله بأعمارنا .. ثلاثة أشخاص فقط .. أنا والأستاذ (إبراهيم) وزوجته.. وفي منزل غريب قتل أصحابه على يد شبح !! .. 
يا له من أمر رهيب .. لن أنسى تلك اللحظات المشؤومة ما حييت .. نجلس معزولين تماما عن العالم بوجود شبح ساحرة قاتلة تضرب ضربتها وتختفي .. 
ولكن .. هناك النقطة الغامضة التي ما زالت تلح على ذهني .. والتي قد تكشف كل خيوط تلك الورطة وتنقذ حياتنا .. ولكن الخوف والتوتر يمنعاني تماما من التركيز. 
كنا جالسين في صالة الاستقبال .. في حال مزري وقد لعبت حرارة الجو دورا كبيرا في جعل الأمور أكثر سوءا مما هي عليه .. وقد كانت السيدة (أوراد) أسوأنا حالا .. ولو كان لي مزاج رائق للمزاح لقلت أنها متوفية تقريبا تنتظر فقط أن نعلن أنها كذلك .. 
نظرت إلى ساعتي لأعرف الوقت .. مرت ساعتان تقريبا منذ بدأت تلك الأحداث الرهيبة .. ساعتان فقط ؟! .. إن الأمر قد بدا لي وكأنه دهرا ..  لا نعرف ماذا نفعل .. ولا يجد أحدا منا شيئا يقوله .. لذا فقد التزمنا الصمت .. وإن كانت تلك النقطة الغامضة لا زالت تشغل تفكيري تماما .. أحاول أن أراجع الأحداث مرة أخرى .. إن هذا ينفع في الأفلام الأجنبية والقصص البوليسية .. أما في عالم الواقع فقلما ينفع .. 
قال الاستاذ (إبراهيم) وهو يزدرد لعابه إن بقي له لعاب أصلا:
قصة السيدة (موريسا) عن الساحرة (ناتاشا) كانت رهيبة مخيفة بالفعل .. إنني أرتعد خوفا كلما أتذكرها .. روح ساحرة تفتك بنا واحدا تلو الآخر .. ولوحة (الغابة السوداء) الملعونة .. هل من الممكن أن يحول أحد روحه إلى صورة ؟! .. هل يستطيع الإنسان بواسطة السحر فعل شيء كهذا ؟! ..
قلت له ببطء شديد وأنا أفكر بعمق:
أستاذ (إبراهيم) .. في الواقع إن هذا ممكن من الناحية العلمية.
نظر إلي وزوجته نظرة استفهام ..
فقلت كمن يلقي محاضرة:
- أنتما تعلمان أن عالمنا يعتمد في كل مقاييسه وأحجامه على ثلاثة أبعاد رئيسية .. وهي الطول والعرض والارتفاع .. فأي جسم في هذا العالم مهما بلغ حجمه له تلك الأبعاد الثلاثة .. وهذه الأبعاد هي ما تجعل الجسم يبدو لنا مجسما إما بالعين المجرد ة أو حتى بالميكروسكوب .. لقد خرج الكثير من العلماء بنظريات تشير إلى وجود عوالم أخرى رباعية الأبعاد وأخرى ثنائية الأبعاد .. وتلك الأخيرة تحوي بعدين فقط .. الطول والعرض .. وتفتقر إلى البعد الثالث وهو الارتفاع .. مما يجعلها تبدو تماما كالصورة المرسومة .. فلم لا تكون الساحرة (ناتاشا) قد نجحت بواسطة السحر الأسود أن تنتقل إلى عالم ثنائي الأبعاد .. وقد تكون لوحة (الغابة السوداء) نفسها بوابة الدخول إلى ذلك العالم.    
سألتني السيدة (أوراد):
ولكن كيف تستطيع الساحرة (ناتاشا) أن تعيش كل هذه الأعوام ؟ .. 
قلت لها متوقعا هذا السؤال:
نحن لا نعرف شيئا عن طبيعة مرور الزمن في العالم ثنائي الأبعاد .. 
قال الأستاذ (إبراهيم):
ولكن هذا يبدو لي أمرا خياليا مستحيلا .. كيف يستطيع إنسان أن يفقد أحد أبعاده وأن يتحول إلى مجرد رسم في لوحة ؟ .. لا أستطيع أن أصدق حرفا من هذا ..  
قلت له بنفاذ صبر:
ولماذا لا تصدق ؟! لا نعرف أبدا حدود السحر .. لقد قرأت من قبل قصص وحكايات حقيقية عن السحر يشيب لهولها الولدان .. 
هنا صاحت السيدة (أوراد):
ولماذا لا نحطم اللوحة ؟ .. ألن يكون هذا حلا للمشكلة ..
قلت لها متوقعا هذا السؤال أيضا:
هنا تكمن المشكلة .. فالساحرة موجودة في عالمنا بل ومعنا في المنزل .. ولن يضيرها أن تتحطم اللوحة وهي خارجها .. كل ما سيحدث هو أنها ستفقد وسيلة العودة ولكن ليس قبل أن تقتلنا ..
عندما قلت الجملة الأخيرة اقشعر بدني .. فلو كانت نظريتي حقيقية فإننا في ورطة حقيقية .. ولكن .. أنا نفسي غير مقتنع بنظرية العالم ثنائي الأبعاد تلك .. أشعر 
- مجرد شعور - أن الأمر أعقد من ذلك بكثير .. لا زلت أجد هناك أمرا غريبا في كل ما يحدث .. أمرا بديهيا لكننا لم نلاحظه حتى الآن .. إما بسبب التوتر والخوف والظلام وحرارة الجو التي جعلتنا نبدو وكأننا قد خرجنا للتو من حمام بخار .. أو لأننا أغبياء .. 
كنا في أسوأ حال ممكن .. وما حدث بعد ذلك بلحظات زاد من هول الموقف .. فقد رأينا مشهدا مرعبا رهيبا لا يوصف .. فقد مرت أمامنا فجأة امرأة ترتدي ثوبا أسود طويلا !!.. وشعرها الأسود الطويل جدا يخفي الكثير من ملامحها .. وكانت تحمل سكينا كبيرا ملطخا بالدماء !! .. مرت أمامنا بهدوء مهيب دون أن تلتفت إلينا أو تصدر أي صوت .. ودخلت إلى غرفة أخرى كان بابها مفتوحا واختفت عن الأنظار !! .. ولكم أن تعرفوا أن عروقنا قد تجمدت .. بل انفجرت من شدة الرعب والهلع .. إن كلمة هلع أو (Panic) بالإنجليزية مناسبة جدا للموقف .. فهي تعبر بصدق عن الخوف الجماعي المصحوب بانفلات الأعصاب .. مع عجز تام عن التعقل .. فقد تدافعنا إلى السلم ونحن نصرخ وعلامات الرعب منقوشة –وليست مرسومة .. فالنقش أكثر دقة من الرسم- نقشا على ملامحنا ..  لنصعد إلى الطابق العلوي إلى غير هدى .. واستمر تدافعنا إلى أن دخلنا إلى واحدة من الغرف التي يزخر بها المنزل في الدور الثاني ونحن نلهث وقلوبنا تتتواثب كالقردة الصغيرة.. وأغلقنا الباب على أنفسنا .. ليجلس كل منا في جانب ملصقا ظهره إلى الحائط .. صوت بكاء السيدة (أوراد) الهستيري يكاد أن يصيبني بالجنون .. في حين أستطيع أن أتبين ملامح الأستاذ (إبراهيم) وهو يبدو مصدوما يمنعه وجود زوجته من أن يولول كالنساء ..  
عقلي يعمل بسرعة .. وأنا أرجع وأكرر .. هناك شيئا ما لم ننتبه إليه .. مازالت تلك النقطة البديهية التي أخبرتكم بها تشغل عقلي .. آه لو تذكرت.. لست أحاول لعب دور التحري الشهير (شيرلوك هولمز) .. ولكنني بالفعل أشعر بأنني قادر على فك رموز هذا اللغز العجيب .. وأن الأمر كما أخبرتكم أكبر وأشد تعقيدا بكثير من قصة لوحة (الغابة السوداء) والساحرة (ناتاشا) .. ولكن ما هي هذه النقطة المفقودة ؟! .. أشعر أنكم مللتم وأنا أتحدث مرارا عن تلك النقطة الغامضة التي أعجز عن تذكرها .. ولكن ما باليد حيلة .. فقد كان هذا ما يدور في ذهني طوال الوقت .. 
هأنذا أجلس مستندا إلى الحائط أضم ركبتي إلى صدري وأفكر بما يجري .. وأفكر .. خطر لي خاطرا باسما .. فالجو العام للمكان مطابق بشكل مخيف لأجواء أحد أفلام الإثارة الشهيرة .. )عين تراقبك) (Eye See You) .. نعم .. هذا هو اسم الفيلم للنجم العالمي (سلفستر ستالون).
ظللت غارقا في خواطري إلى أن سألتنا السيدة (أوراد) بصوت مرتجف:
- أين تظنونها قد ذهبت ؟
رد عليها زوجها بحنق:
- إلى المكان الذي جاءت منه طبعا.
ثم تنهد بقوة وهو يقول: 
إن كل هذا يحطم الأعصاب .. يجب أن نفعل شيئا .. سنقتل أو نموت من هول ما رأينا وسنراه .. لو يعود التيار الكهربائي فحسب .. سيصبح الأمر أهون بكثير .. إن الظلام يعطي كل ما يحدث طابعا كابوسيا ويجعل الأمور أكثر سوءا ..
قلت له بشرود:
نعم .. لو يعود التيار الكهربائي .. 
ثم التفت كالملسوع ناحية الأستاذ (إبراهيم) .. وصحت بصوت مرتفع:
- يا إلهي .. التيار الكهربائي .. يا لغبائي .. كيف لم أنتبه لهذا منذ البداية ؟!. 
نظرا إلي باستغراب .. وصاحت السيدة (أوراد):
- ماذا تعني ؟ 
قلت لها بعصبية بعيدا عن كل قواعد اللياقة: 
دعوني أفكر قليلا .. 
ظللت صامتا للحظات راجعت فيها كل الأحداث .. وكل ما مررنا به اليوم منذ بداية الحفل .. واضعا بعين الاعتبار انقطاع التيار الكهربائي .. وظهور الساحرة (ناتاشا) ..  
ثم صحت بهم:
- انتظروني .. لا تتحركوا من أماكنكم .. سأعود بعد قليل .. 
خرجت من الغرفة مسرعا إلى الغرفتين الأخرتين حيث وجدنا الجثث الثلاثة .. عندها فقط تنهدت بارتياح .. إن استنتاجي منطقي تماما ويوجد الآن ما يؤيده !! .. عدت بهدوء إلى غرفة المدير وأنا أبتسم وقد زال خوفي تماما وسط دهشتهما الشديدة:
أعتقد أنني عرفت ما يجري هنا ..  
نظرا إلي بغباء لا ألومهما عليه .. فأكملت قائلا:
أعتقد أنني قد كشفت سر الأحداث التي تجري في هذه المزرعة .. وهذا البيت الملعون ..  
استمرت نظراتهما المتسائلة .. فأردفت: 
حسنا دعوني أخبركم بما لدي .. إنك أنت يا أستاذ (إبراهيم) من قادني إلى كشف الغموض المحيط بكل هذه الأحداث المخيفة .. 
قال بدهشة: 
أنا ؟! .. كيف ؟! .. وأي غموض هذا الذي تتحدث عنه ؟!.
لم أرد على أسئلته .. وقلت:
بالمناسبة .. عندما تركتكم للتو .. كنت قد ذهبت لتفقد الجثث .. لكني لم أجد إحداها ..
نظرا إلي بدهشة .. وصاح أستاذ (إبراهيم) بذعر: 
ماذا تعني .. هل سرقت الساحرة (ناتاشا) إحدى الجثث مثلا ؟! 
ابتسمت قائلا:
لا .. إن الأمر أعقد من ذلك بكثير .. 
تنهدت وقمت أروي لهما استنتاجي:
- كنت طوال فترة انقطاع التيار الكهربائي أحاول أن أتذكر أمرا بالغ الأهمية .. نقطة بديهية لكن أحدا منا لم ينتبه إليها مع الأسف .. فبعد انقطاع التيار الكهربائي بفترة رأينا جميعا السواتر الحديدية تنزل لتقفل علينا الأبواب والنوافذ .. هل يبدو لكم هذا عمل أرواح وأشباح ..
ثم قلت بشي من السخرية:
قرأت الكثير عن الأشباح لكني لم أقرأ أبدا عن أشباح تقوم بتركيب سواتر حديدية قد تعمل بضغطة زر من خلال دائرة كهربائية منفصلة عن تلك التي تمد المنزل بالكهرباء ..
نظر إلي الأستاذ (إبراهيم) وزوجته ببلاهة .. وغمغمت السيدة (أوراد):  
حقا .. كيف لم ننتبه إلى هذه النقطة ‍‍‍‍‍‍‍‍‍؟‍! 
قلت مؤمنا على كلامها:
لا أدري لماذا لم ننبته إلى هذه النقطة في باديء الأمر .. لقد تذكرت هذا عندما تحدثت يا أستاذ (إبراهيم) قبل قليل عن أهمية عودة التيار الكهربائي.. 
ثم أردفت السيدة (أوراد): 
وما الذي يعنيه هذا ؟؟ ..
يعني الكثير يا سيدتي .. يعني أن كل ما يجري هنا هو عمل إنساني إجرامي بحت لا علاقة له بالأشباح أو السحرة .. إن الأمر يتعلق بمجرم نفذ خطته لأسباب مجهولة ولدوافع لم نكشفها حتى الآن .. شخص ما قام بتركيب تلك السواتر الحديدية على أن تعمل بدائرة كهربائية منفصلة عن تلك المتصلة بالمنزل كما ذكرت لكم.
قال المدير بحيرة:
ولكن من ؟ .. من يستفيد من حمام الدم هذا ؟ .. إن الدكتور (علي) رحمه الله لا تربط بينه وبين السيد (حامد) أي علاقة عمل .. إنهم فقط أصدقاء .. من سيستفيد من مقتل الدكتور وصديقه .. بل والسيدة (موريسا) أيضا؟ ..
قلت له:
كما أخبرتكم .. لا أعرف الدافع .. ولكن على الأقل أعرف من وراء تلك الأحداث .. هناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها .. ولا تتجه إجابتها إلا لشخص واحد فقط .. مثلا:
لقد خرجت قبل قليل لأبحث عن جثتي السيد (حامد) والدكتور (علي) .. وقد وجدت الجثتين .. وعندما ذهبت للبحث عن جثة السيدة (موريسا)  لم أجدها على الإطلاق .. لماذا ؟!.
رأينا جميعا الساحرة (ناتاشا) تمر أمامنا بشكل استعراضي .. وأنا أتساءل: ما الذي جعلها تفعل هذا ؟! .. لماذا لم تقتلنا نحن أيضا .. كانت فرصتها ذهبية لقتلنا مع حالة الهلع التي أصبنا بها بعد رؤيتنا لها .. ولكنها لم تفعل شيئا سوى الظهور ثم الاختفاء .. لماذا ؟!.
والسؤال الأهم: من يستطيع فعل كل ذلك ؟ ..
وإلى جانب تلك الأسئلة .. هناك أيضا نقطة هامة جدا تتعلق بقصة لوحة  (الغابة السوداء) العجيبة .. واختفاء صورة الساحرة منها. 
جميع هذه الأسئلة والنقاط توجه الاتهام إلى شخص واحد فقط ..
سكت قليلا لأسيطر على انفعالي ثم أكملت:

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا