الدوائر الخمس 15 للكاتب أسامة المسلم

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2023-04-18

الحلقة الأضعف

مفترق الطرق

رأس سيجارة الدكتور محمود يفرك في المطفأة وسط هدوء صارخ في مكتبه بعد انتهائه من رواية قصة ساقي النيل ليضم بعدها أصابعه بعضها ببعض مسنداً ذقنه عليها قائلاً: "هل هناك أي أسئلة؟"

 كانت أعين الجميع تضج بالتساؤلات لكن لم يترجم أي منها لكليات واكتفوا بالنظر بعضهم لبعض..

(د. محمود): أتفهم حيرتكم لكن يجب أن تعلموا بأن ما ذكرته هو الطريقة الوحيدة للتخلص من الشيطان الذي يتعقبكم.

(عادل): كل ما فهمته هو أننا يجب أن نضع الخاتم في فمه.

(د. محمود): وهذا جزء كبير من الحل لكن قبل فعل ذلك يجب أن تعرفوا كيف تسيطرون عليه وتخضعونه لوقت كاف للقيام بذلك ويجب أن يحدث هذا بحضوركم جميعاً أنتم الخمسة.

(عمر): صديقي (ماجد) حالته مجهولة وقد لا ينجو (د. محمود): نجاته ضرورية فموته هو حكم عليكم جميعاً بالإعدام.. لن يبقى "ديموس" فترة طويلة قبل أن يدرك أنكم لستم المجموعة نفسها التي حبسته أول مرة ووقتها سينهي وجودكم جميعاً فهو الآن يراكم كالدوائر الخمس التي واجهته في الماضي وهو يخشى مواجهتكم مرة أخرى ويتردد في قتلكم لكن ذلك لن يدوم طويلاً (طارق): لا أستطيع رؤية وجه التشابه بيننا وبين الخمسة الذين تحدثت عنهم.

(عادل) ونظره على الدكتور محمود: أنا أستطيع.. (نورة) هي بلا شك (نانیس) وأنت النوبي المفتون بها و (ماجد) و(عمر) هما البائعان.

(د. محمود) مبتسماً: وأنت الكاهن.. وجميعهم كانوا يملكون اهتماماً بدرجة ما بلابسة الخاتم وهي لم تملك أي مشاعر إلا لواحد منهم.. ساقي النيل.. أو في هذه الحالة السيد (طارق).

(عمر): الخاتم الأخضر معنا.. معنى ذلك ينقصنا الجعران فقط وسوف نتمكن من التخلص من (ديموس).

 (د. محمود)، تحتاجون إلى شيء آخر مهم.

(نورة): ما هو؟

(محمود): الطريقة التي تمكن بها الكاهن من تقويض "ديموس" وإحضاره للدائرة.. القصة المتداولة لا تذكر تفاصيل هذه الجزئية.

(عادل): حتى لو عرفنا فأنا لست مرتاحة للمشاركة في أعمال شركية كهذه.. أنت تشوه حضارة بلدك يا دكتور بالترويج لهذه الأعمال.

(د. محمود): لكل حضارة جانب مظلم.. وإبراز هذا الجانب ليس انتقاصاً لها.

(عادل): هذا ليس انتقاصاً لها بل دفن.

(عمر): ماذا عن قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات يا شيخ (عادل)"؟

(عادل): وما الضرورة في ممارسة مثل هذه الشعوذة؟

(طارق): حياتك وحياتنا التي على المحك!

(عادل) بنبرة غير مقتنعة: لا أعرف.. لست مرتاحاً.

(عمر) لــــ (د. محمود): هل يمكننا القيام بالطقس بدونه؟

(د. محمود): إذا لم يشارك السيد (عادل) معكم فلن يكون هناك فائدة من المحاولة لأن الكاهن كان واضحاً في تعليماته وهي مشاركة جميع من كان لهم علاقة بـ (نانیس) والخاتم الأخضر.

(نورة): لقد قلت إن الطريقة لتقويض تركته مجهولة وهي أساسية في إتمام الطقس.. معنى ذلك أنه لا معنى من كل هذا الحديث.

(د. محمود): هناك طريقة لمعرفة كيفية تقويضه وشل حركته مؤقتاً لكني في الحقيقة لست واثقاً من نجاحها لكنها تستحق المحاولة.

(طارق): ما هي؟

(د. محمود): الشخص الوحيد الذي وثق التاريخ دخوله في مواجهة مباشرة مع (ديموس) وخرج منها حياً هو القائد (سيرزيوس).

(عمر): الضابط الروماني؟

(د. محمود): نعم هو بعينه

(عادل): وما علاقة ذلك بمعرفة شعوذة السيطرة على هذا الشيطان؟

(د. محمود): كما قلت هو مجرد تكهن لكن..

(نورة): لكن ماذا؟

(د. محمود): لقد دون (سيرزيوس) تفاصيل تلك المواجهة بالتفصيل في مذكراته الخاصة وغالباً ذكر فيها كيف تمكن من التغلب على شيطان الهرم ولو بشكل مؤقت وقراءتكم لتلك المذكرات قد ترشدكم لتلك الطريقة بخصوص التعامل معه.

(عمر): وأين هي تلك المذكرات؟.. هل اطلعت عليها؟

(د. محمود): قراءتها كانت إحدى أمنياتي بالطبع بحكم اهتمامي بأسطورة "ديموس" لكنها تعتبر من النوادر القيمة التي يقتنيها المهتمون بالآثار وخصوصاً الآثار المرتبطة بتلك الحقبة.

(طارق) لــ (عمر): ألم تقل بأن الدكتور "غالب" قرأها؟

 (عمر): تلك كانت مذكرات المستشرق الفرنسي وليست مذكرات (سيرزیوس) لا تخلط بينها.

(طارق): أحتاج مفكرة لتدوين كل هذه المعلومات المتدفقة.

(عادل) له (د. محمود): أنت تعطينا الحل وتسليه في اللحظة نفسها..

أشعر بأنك تتلاعب بنا ولا وجود لهذه المذكرات من الأساس.

(د. محمود): مكان المذكرات معروف لكن مسألة الاطلاع عليها أمر آخر.

(طارق): أين هي؟

(د. محمود): في فرنسا وتحديداً (باريس).. يملكها رجل ثري يدعى (فيليب) وهي واحدة من ضمن مجموعته الخاصة وقد منع عرض المذكرات على العامة أو حتى تصوير الصفحات لعرضها في المتحف الوطني فهو يعتبرها أحد أكثر مقتنياته قيمة وتصويرها سيفقدها جزءاً من تلك القيمة.

(عادل): مرة أخرى تغلق الباب في وجوهنا.. شخص مثل هذا لن تكون مقابلته سهلة فما بالك بعرض أهم مقتنياته علينا كما تقول.. هذا مستحيل.

(د. محمود): هو يقيم في قصر في الواقع لكن هذا ليس لب الموضوع..

(عمر): لدي إحساس بأنك ستخبرنا بالطريقة التي يمكننا بها إقناع هذا الرجل بالسماح لنا بتصفح المذكرات.

(د. محمود): نعم.. هذا الرجل ليس مهتم فقط بجمع الآثار الفرعونية والرومانية بل هو أيضاً من المهتمين جداً بأسطورة "ديموس" واقتناؤه المذكرات (سيرزيوس) كان جزءاً من هذا الاهتمام ولو علم أن هناك شخصاً يملك الخاتم الأخضر الأصلي فسوف يبذل كل شيء في استطاعته وإمكانياته لشراء الخاتم.

(طارق): لكننا نحتاج الخاتم لإتمام الطقس فكيف نبيعه عليه؟

(د. محمود): أنتم لن تبيعوا الخاتم لكنكم ستستخدمونه كحجة فقط لطلب لقائه ولن أستغرب لو حضر هو بنفسه لمقابلتكم لو تيقن من أن الخاتم الذي بحوزتكم هو الخاتم الأصلي الشيطان الهرم.

(عمر): ممتاز سنذهب جيعاً لفرنسا إذاً ونقابله.

(د. محمود): لا.. يجب أن يبحث أحدكم عن الجعران.. لا يوجد وقت كاف كي تسافروا مرتين جميعاً لابد أن تنقسموا.

(نورة): أليس ذلك خطراً علينا؟ 

(د. محمود): في كل الأحوال أنت لن تتمكني من السفر يا مدام (نورة).

(طارق): لماذا؟.. سوف تأتي معي لباريس

(د. محمود): لقد أخبرتكم.. إعادتكم (نورة) أو كما يراها شيطان الهرم بــ (نوارة) لأرض الشمس أمر لم يكن (دیموس) يستطيع إجبارها عليه مهما بلغ استحواذه عليها لكن وبما أنه حدث فلن يسمح لها أبداً بالخروج مرة أخرى.. هوسه الآن في إتمام مهمته قد بلغ قمته ومحاولتها السفر ستكون استفزازاً قوياً له وقد تدفع ثمنه حياتها وحياة من يساعدها في ذلك.

(طارق): سأتوجه للسفارة الفرنسية بالقاهرة أول الصباح لاستخراج تصريح دخول البلد.

(عمر): حسناً.. (طارق) سيذهب لباريس للقاء مقتني الآثار وأنا و(عادل) سنحضر الجعران.. أين نجده؟

(عادل): ومن قال إني أريد السفر معك؟.. أو السفر من الأساس.. سأبقى هنا في مصر أنتظركما.

(د. محمود): يستحسن أن تسافر مع أحدهما يا سيد (عادل).

(عادل) بتجهم: لا هذا ولا ذاك!.. لن أسافر إلا عائداً لبلادي عندما تنتهي من هذا الفلم الممل!

(عمر): لا يهم.. لا تسافر معي وابق هنا إذا كنت خائفاً.

(عادل) متهكماً: نعم خائف ومرعوب وسأبقى هنا لتفقد مشاريعي ريثما تعود أو لا تعود لا يهم.

(د. محمود): على أي حال.. الجعران موجود في "الهند"

(عمر) بتعجب: الهند؟

(د. محمود): نعم.. أعاده بعض المنتمين لطائفة الساحر السندي لموطنه بالرغم من أن ذلك حدث بعد موته بمئات السنين لكن الطائفة الجنتية رأت أنها الأحق بالجعران كونه إرث أحد أعضائهم المؤسسين وكرست جهودها للحصول عليه وتحقق ذلك بالفعل وتم تسليمه لرئيس المجموعة هناك.

(عمر): أين تحديداً؟

(د. محمود): هنا ينتهي علمي ويأتي دورك للبحث.. ابدأ من "بومباي".

(عادل): مصطلح "بلاد السند" أشمل بكثير من مجرد دولة الهند

(د. محمود): أعرف لكن الشخص الذي سأرسلكم ويمكنه مساعدتكم يقيم هناك.. السيد (فتحي).. تاجر تحف وصديق عزيز ربطتنا علاقة حب الآثار وانتقل للهند في مطلع السبعينيات ليبدأ تجارته ونجح فيها وأصبح لا يعود لمصر إلا للزيارة.. سيساعدكم كثيراً في البحث عن الجعران إذا علم أنكم من طرفي.

(عمر): هل نحتاج استخراج تصاريح سفر للهند؟

(طارق) لــــــ (عمر): لا.. يمكنك السفر إليها بلا تصريح.. أنا من يحتاج ذلك فقط.

(د. محمود) يخرج قلمه من جيبه ويكتب على ورقتين: هذه هي العناوين التي ستتوجهون إليها.. عنوان ورقم مكتب مدير أعمال مقتني الآثار في باريس وعنوان السيد "فتحي" في بومباي ورقم هاتفه المنزلي.. هذه الأرقام للطوارئ فقط وأنا بنفسي سأتواصل معهم وأعد كل شيء ليستقبلوكما في المطار حال وصولكما.

(عمر) ينهض من مكانه ويأخذ ورقته: سوف أحجز التذكرة غداً.

(د. محمود): هناك مكاتب سياحية قريبة من هنا وتعمل لوقت متأخر.

(عمر): لا.. أريد الاطمئنان على (ماجد) قبلها.

(د. محمود): تذكر أن الوقت ليس في مصلحتكم.

(طارق) ونظره على محتوى ورقته بعد ما نهض هو الآخر وأخذها إذاً سيكون الخاتم الأخضر معي؟

(د. محمود): بالطبع لا...

(طارق) باستغراب: كيف سيقتنع بمقابلتي وعرض المذكرات علي إذاً؟

(د. محمود) مخرجاً خاتماً مطابقاً للخاتم الأخضر من درج مكتبه: هذا الخاتم نسخة مطابقة للخاتم الأصلي وسوف تستخدمه لكسب ثقته.

(طارق) وهو يأخذ الخاتم من يد الدكتور: هذا ليس كافياً ليقتنع.. قد يظنني مجرد محتال.

(د. محمود): هذا صحيح لكن تزكيتي سوف تمنحك تلك الثقة كي يقتنع الرجل بأصالة الخاتم وتكون المساومة على هذا الأساس حتى تتمكن من الاطلاع على المذكرات.

(عادل): تزكيتك؟ 

(د. محمود): نعم، عندما أتصل بمكتبه بباريس سوف أخبرهم بأن الخاتم حقيقي وهم يعرفون من أنا وأني لن أكذب عليهم فقد تواصلوا معي كثيراً في السابق بخصوص الخاتم الأخضر وطلبوا مشورتي أكثر من مرة في فحص نسخ منه عرضت عليهم.

(عادل) بتهكم: أنتم عصابة إذاً...

(د. محمود): أشبه بالنادي إن صح التعبير.

(نورة): ولم لا يأخذ الخاتم الأصلي معه من باب الاحتياط؟

(د. محمود) بشيء من العصبية: لا!.. الخاتم الأصلي يجب أن يبقى هنا! 

(طارق) لـــ (نورة): معه حق فلو فقدت الخاتم أو سرق مني سينتهي كل شيء.

(نورة) بجدية: وجود خاتم مزيف معك هو أكبر سبب يمكن أن يعرضك للخطر!

(طارق) ملتفتاً على (د. محمود) وبقلق شديد: ماذا سيحدث لو كشف أمري؟

(د. محمود): لا تخفي.. الرجل سيكون تواقاً لإرضائك ويمكنك الاكتفاء بإظهار الفص له فقط في البداية لكن تيقن بأن لا تسلمه الخاتم المرور قبل أن تقرأ المذكرات وتحصل على مبتغاك ولا أريد أن أفكر بما قد يحدث لك لو كشف أمرك لكن حاول أن لا يحدث ذلك لأننا لن نستفيد شيئاً إذا لم تعد لنا سالماً.

وضع (طارق) الورقة في جيبه وخلال ذلك وقفت (نورة) وشدت ساعدة من خلفه قائلة: "لست مرتاحة لهذه الخطة.."

(طارق) مبتسماً: اطمئني.. سأكون بخير.

(عمر) واضعاً الورقة الخاصة به في جيبه: الهند إذاً

(طارق): وأنا لباريس.

(نورة): وأنا سأبقى هنا مع (ماجد) بالمستشفى.

(عادل) وهو يهم بالنهوض: وأنا ذاهب للنوم.. هل بقي شيء تريد أن تخبرنا به يا دكتور؟.. لقد تأخر الوقت واقتربنا من منتصف الليل (د. محمود): لا.، رافقتكم السلامة.. لقد كتبت رقم منزلي ومكتبي على الأوراق أيضاً في حال رغبتم بالتواصل معي لأي سبب.

(عادل) يسير نحو باب المكتب للخروج قائلاً: سوف أنتظركم بالأسفل.. لا بد وأن "حسن" قد نام بالسيارة.

(نورة) لـــ (طارق): هيا بنا.. خرج الاثنان خلف (عادل) تاركين (عمر) الذي وقف وكأنه يريد قول شيء للدكتور محمود..

(د. محمود) مبتسماً: أعرف السؤال الذي يدور في خلدك.

(عمر): وهل تعرف الإجابة؟

(د. محمود): الشياطين تزداد قوة مع تقدمها بالعمر.. شيطان الهرم الآن ناهز الثلاثة الآلاف سنة وهو ليس نفسه الشيطان الذي حبسه الخمسة في الماضي لذا..

(عمر):...

(د. محمود): المهم أن تحاولوا ولا يهم إذا كنتم ستنجحون أم لا.

(عمر): هل سنجدك على الطرف الآخر من الساعة عندما نتصل.

(د. محمود) يشعل سيجارة مبتسماً: أنت ذكي يا (عمر).. ذكي جداً.. لقد أفنيت حياتي في البحث في أسطورة شيطان الهرم والموت على يده سيكون خاتمة شاعرية لتلك الحياة.

(عمر): هل هناك طريقة يمكن أن نمنعه بها من قتلك؟

(د. محمود): بعد سفركم سوف آخذ إجازة وأسافر جنوباً للأرياف إلى أن تنتهوا على أمل أن يتجاهلني (ديموس) بها أنه عاد لأرضه (ونوارة) والخاتم معه.

(عمر): وكيف ستعرف أننا نجحنا؟

(د. محمود) نافخاً سحابة من الدخان: سأعرف.. وكيفها سارت الأمور فالنهاية اقتربت.. اقتربت جداً سواء أكان النصر حليفنا أم لا.

(عمر) يهز رأسه قائلاً: شكراً يا دكتور.. شكراً على كل شيء.

خرج (عمر) من مكتب الدكتور محمود وأكمل سيره حتى وصل لبوابة الجامعة ليجد الجميع بانتظاره في السيارة..

(عادل) من المقعد الأمامي: هيا تحرك لقد تأخرنا بما فيه الكفاية!

ركب (عمر) في المقعد الخلفي بجانب (طارق) و(نورة) ولم يتحدث.

بعد تحرك السيارة ووقوفها عند أول إشارة ضوئية قال (عادل): القاهرة جميلة بالليل.

(حسن): إلى أين الآن يا شيخ؟

(عادل): أنا سأذهب لشقتي أما الآخرون فـــ..

(عمر) مقاطعة: أنا سأبيت مع (ماجد) بالمستشفى.

(طارق): وأنا و(نورة) سنقيم في فندق حجزته قبل وصولنا.

(عادل) لــــــ (حسن): هل حصلت على الإجابة؟

أول من نزل من السيارة كان (طارق) و(نورة) وقبل أن يدخلا الفندق قال لــــ (عمر): ما رأيك أن نذهب غداً أول الصباح لحجز رحلاتنا معاً؟

(عمر): حسناً

(عادل): سوف يعرج بكما (حسن) لإيصالك.. لا تنسيا أن تأخذا حقائبكما من السيارة.

(طارق) ضارباً بكفه بخفة على إطار النافذة: صحيح.. كدت أنسى.. ليلة سعيدة إذاً.

بعد ما أنزل (طارق) حقيبته وحقيبة (نورة) تحركت السيارة متوجهة للمستشفى لإيصال (عمر) وخلال الطريق قال (عادل): أنت عازم على السفر إذاً؟

(عمر) وهو يراقب النيل المحاذي لهم من خلال النافذة: وهل أمامي خيار آخر؟

(عادل): ربما هناك خيارات وليس مجرد خيار لكن ذلك الدكتور فضل أن يجبرنا على خيار واحد (عمر) مديراً نظره نحو المقعد الأمامي: ماذا تقصد بهذا الكلام يا (عادل)؟

(عادل): لا شيء.. رافقتك السلامة في رحلتك.

أوقف (حسن) السيارة أمام بوابة المستشفى وقال: الزيارة قد تكون ممنوعة هذا الوقت يا سيد (عمر).

(عمر) مترجلاً من السيارة: لا تقلق سأتصرف.. تصبحان على خير (عادل) مطلا من النافذة وبصوت مرتفع قليلاً: حقيبتك يا موظف الأرشيف.

(عمر) مبتسماً بحزن: لا أحتاجها.. سأتركها عندك إذا لم تكن تمانع.

(عادل): لا أبداً لا يوجد مشكلة.. سوف تتركها بالسيارة لتأخذها معك للمطار غداً.. سيكون (حسن) عندك الساعة الثامنة. 

(عمر) يسير نحو بوابة المستشفى دون أن يلتفت: حسنا سأكون هنا في انتظاره.

(حسن): إلى أين يا شيخ الآن؟

(عادل) وهو يراقب (عمر) يدخل المستشفى: إلى البيت.. أريد أن أنام.

تحركت السيارة متوجهة للعمارة التي يملكها (عادل) وبها شقته التي يقيم بها في كل مرة يزور بها القاهرة.. 

(حسن) وهو يوقف السيارة عند باب العمارة: كان يوماً حافلاً فيما يبدو يا شيخ.

(عادل): نعم وسيكون غداً أكثر ازدحام.. بعد ما تنتهي من مشاويرك مع "عمر و(طارق) تعال مباشرة لي.. لدينا أعمال كثيرة "حسن": حاضر.

نزل (عادل) وأخذ مفاتيح الشقة من "حسن" الذي قال: لقد وضعت حقيبتك في الشقة بعد ما أوصلتكم للجامعة وعدت مباشرة.

(عادل) مبتسماً: شكراً يا "حسن".. بدونك كنت سأضيع (حسن) يبادله الابتسام قائلاً: هل تأمر بشيء آخر يا شيخ؟

(عادل): لا.. فقط كن هنا غدا كما أخبرتك؟

(حسن) قبل أن يحرك السيارة مبتعداً: أمرك يا شيخ.

في تلك الأثناء استقرت (نورة) مع (طارق) في الجناح الذي حجزه في أحد الفنادق المعروفة بالقاهرة وقد قام طاقم الفندق بتزيين المكان بالورود ووضع قالب حلوى كبير في منتصف صالة الاستقبال وعندما شاهدت (نورة) ذلك قالت: ما كل هذا؟

(طارق) مبتسماً: لقد أخبرت إدارة الفندق بأننا متزوجان حديثاً.

(نورة): ممتنة لهذا لكن الظروف لا تسمح لنا بالاحتفال بهذه المناسبة.

جلس (طارق) على كنبة وأشار لـــ (نورة) بالجلوس بجانبه ففعلت..

(طارق): اسمعي يا (نورة).. أعرف أننا ارتبطنا في ظروف غريبة وغير اعتيادية لكني سعيد جداً بهذا الارتباط و..

توقف (طارق) عن الكلام عندما بدأت (نورة) بالبكاء فجأة فقال: هل أنت تعيسة معي؟

(نورة) مستنشقة دموعها: لا لا.. أنا أفتقد أمي فقط.

(طارق) مبتسماً بحزن: رحمها الله.. سأحاول بكل ما أستطيع تعويضك عن خسارتك.

(نورة): لم لم تخبرني بأن "ديموس" هاجمك بالأمس؟.. لم أخفيت علي ذلك؟ 

(طارق): لم أكن أريد أن أزعجك وأثير مخاوفك.

(نورة): معظم حياتي عشتها في قلق وخوف وهذا ليس جديداً علي لكن ما لا أحبه هو أن يخفي علي أحد أمراً ما وخصوصاً شخصاً أكن له معزة.

(طارق) مبتسماً: معزة فقط؟

(نورة) بخليط من الحزن والغضب: أكره حالي!

(طارق): أعرف أن هذا وضع غير طبيعي لكن أعدك بأننا سنتجاوزه نهضت (نورة) من أمام (طارق) دون أن ترد عليه وبدأت بالسير مبتعدة عنه..

(طارق): إلى أين؟

(نورة): إلى دورة المياه.. أحتاج أن أغتسل.

(طارق): حسنا سأكون بانتظارك هنا. 

دخلت (نورة) الحمام وأغلقت الباب خلفها وقبضت أطراف المغسلة وحدقت بالمرأة بعد ما فكت حجابها وأسدلت شعرها. فتحت صنبور الماء الساخن لتصاعد الأبخرة وتعكر انعكاسها على المرأة. فتحت بعدها الصنبور البارد لموازنة حرارة الماء وقامت بغسل وجهها ومقدمة شعرها لتلاحظ سقوط أجزاء من شعرها في المغسلة ومع تفحصها للشعر المتساقط توهج فص الخاتم الأخضر ففزعت وخرجت من الحمام وقالت لــــ (طارق) بنبرة مرعوبة: شيء ما سيحدث الليلة!

وضعت (نورة) كفها على صدرها والكف الآخر على فمها عندما شاهدت (طارق) واقعة على الأرض وفوق رأسه قط أسود يحدق بها بأعين صفراء في تلك الأثناء فتح (عادل) باب شقته وأشعل جميع الأنوار وتوجه مباشرة لغرفة النوم ودخل وألقى بنفسه على الفراش في الغرفة المظلمة والتي لم يدخلها سوى نور غرفة المعيشة من خلال الباب المفتوح.

قبل أن يغط في درجة أعمق من النوم رفع (عادل) رأسه وهو نائم على بطنه لأنه أعتقد أنه سمع صوتاً غريباً وبقي منصتاً بوجه ناعس الأجواء حوله لكنه لم يسمع شيئاً فأغمض عينيه خلال إنزاله لرأسه على الفراش ليغفو مجدداً لكنه لم يلحق أن يلمس سطح الفراش بوجنته قبل أن يقفز من مكانه جزعاً من صوت مواء قطة غاضب يصدر من أسفل السرير تحول على نهايته لزمجرة مرعبة. سحب الشيخ أقدامه المتدلية من طرف السرير وضم سيقانه وركبه لصدره وبدأ يردد بعض الأذكار والآيات القرآنية والمواء الغاضب مستمر بشكل مخيف. بدأ (عادل) يحس بألم ضارب في أسنانه فتوقف عن القراءة وتحسس فمه بيده ليقع في كفه أربع من أسنانه الداخلية مع القليل من الدم وكأن جذور أسنانه قد ذابت تبع ذلك نزيف من أنفه ورجفة قوية برأسه وكفيه وكأنه يدخل حالة من الصرع.

في الوقت نفسه انتهى (عمر) للتو من إقناع إدارة المستشفى بالسماح له بزيارة صديقه (ماجد) والذي كان لا يزال في غيبوبة والمبيت معه في غرفته وبالرغم من تحججهم بالقوانين وأنهم لا يملكون له فراشة البيت عليه فقد أبدى استعداده أن ينام على الأرض وبنهاية المطاف وافقوا. دخل (عمر) العنبر الذي وضع فيه صديقه وبعد جولة صامتة في المكان شبه المظلم بين المرضي التأمين وقعت عيناه على وجه صاحبه فتبسم لكن ابتسامته تحولت لصدمة خالطها الخوف عندما رأى قطاً أسود مستلقياً على بطن (ماجد) يحدق به بأعين صفراء لامعة. لوح (عمر) بيده بصمت ليبعد القط لكنه لم يتحرك من مكانه وظل محدقاً به بأعينه المتوهجة. جرى باحثاً عن شيء ليضربها به ذلك القط فرأى مكنسة مسندة للجدار فأمسك بقصبتها الخشبية وعاد مسرعاً رافعاً عصاها وراء كتفه لكنه لم ير القط مكانه فنزل بسرعة يتفقد أسفل السرير ولم يجد له أثرا ًكذلك، أكمل (عمر) البحث في العنبر كله وكان القط وكأنه تبخر في الهواء.

مع أول الصباح كان (حسن) ينتظر عند بوابة المستشفى وبالرغم من أنه قد أتي أبكر من الموعد المتفق عليه إلا أنه لم ينتظر وقرر الصعود والسؤال عن (عمر) وبالفعل وصل للعنبر الذي يرقد به (ماجد) لكنه لم ير سوى مجموعة من المرضى على أسرتهم بين مستيقظ ونائم. هم (حسن) بالخروج وفوجئ بـ (عمر) يدخل أمامه على كرسي متحرك تدفعه ممرضة فقال منبهراً: "ما الذي حدث لك يا أستاذ (عمر)؟.

(عمر) ناهضاً عن الكرسي: لا شيء.. مجرد فحوصات سريعة للاطمئنان على.

(حسن): الاطمئنان على ماذا بالضبط؟

(عمر) متجاهلاً سؤاله: هيا كي لا نتأخر على (طارق)

لم يجادل (حسن) كثيراً وتوجها مباشرة للفندق الذي سكنه (طارق) مع (نورة) وبعد سؤال الاستقبال أفادهما الموظف بأنها تركا السكن بصورة مفاجئة ليلة البارحة.

(عمر) مستغرباً: ما الذي يحدث؟

(حسن): هل ننتظر أم آخذك للمكتب السياحي كما كان الاتفاق؟

(عمر) وهو يجول بنظره حوله في بهو الفندق: لا أعرف.. حقيقة لا أعرف.

قبل أن يقرر الاثنان خطوتها التالية دخل (طارق) على عجالة من باب الفندق الرئيس وما أن رآهما حتى جرى نحوهما وقال بأنفاس متسارعة: الحمد لله أني لحقت عليكما.

(عمر) بشيء من العصبية: أين كنت؟!

(طارق) ملتقط أنفاسه: لنتحدث في الطريق للمكتب السياحي.

ركب (عمر) في المقعد الأمامي وبعد تحرك السيارة مباشرة التفت للمقعد الخلفي وقال: هيا تكلم... ما الذي حدث؟!.. ولم غيرت سكنك أنت و(نورة)؟! 

(طارق): لقد تعرضتا لهجوم بالأمس..

نظر (حسن) لوجه (طارق) من خلال المرآة الأمامية لكنه لم يعلق..

(عمر) وغضبه يزول فجأة ويتحول لحالة من الهدوء المشيع بالقلق: أكمل..

حكى (طارق) ما حدث باختصار وقال بأنه تعرض لحالة من الإغماء المفاجئ وعندما استيقظ وجد (نورة) في حالة مخيفة فقد كانت تصارع قطاً أسود وجسدها امتلأ بالخدوش فحاول تخليصها منه بركله في بطنه لكن ذلك تسبب في صراخ (نورة) من الألم انقضت بعدها عليه وهاجمته والقط يعوي بشكل غاضب خلفها. بعد مقاومة من (طارق) تمكن من التفلت منها ومحاولة الهروب للحصول على مساعدة من أمن الفندق لكنها قيدته بخصلة طويلة وكثيفة من الشعر الأسود خرجت من فمها.

(عمر): وماذا حدث بعدها؟

(طارق): فقدت الوعي مرة أخرى ولم أستيقظ إلا قرابة الفجر لأجد (نورة) نائمة على السرير في غرفة النوم وعندما أيقظتها وسألتها عما حدث قالت بأنها لا تذكر شيئاً مما أقول بالرغم من الكدمات والخدوش على جسدها وعندما أشرت إلى تلك الإصابات شعرت بالنفور والخوف مني ظناً منها أني أنا الذي تسببت بها فقررت في الحال ترك المكان فوراً والانتقال لفندق آخر.

(عمر): حدث لي شيء مشابه البارحة..

(طارق): كيف؟

(حسن) وهو يركن السيارة: لقد وصلنا (عمر) مترجلاً من السيارة: لنتحدث لاحقاً.. هيا لننهي موضوع الحجوزات.

خلال ساعة قام المكتب بكل الترتيبات اللازمة لاستخراج تصريح دخول البلاد لــ (طارق) ومراجعة السفارة الفرنسية وكذلك قام بحجز طيارة تقلع في وقت متأخر مساء ذلك اليوم متوجهة للهند لـــ (عمر) الذي قرر العودة للمستشفى والانتظار هناك حتى يحين موعد رحلته وأما (طارق) فقد بقي مع (حسن) ليوصله للسفارة الفرنسية للحصول على تصريح دخول البلاد. عند العصر نزل (عادل) من شقته ليجد (حسن) بانتظاره فركب معه وقال:

وهل أنهيت أعمالك مع (عمر) و(طارق)؟

(حسن): نعم.. (عمر) حجز رحلة فجر اليوم لمطار "بومباي" و(طارق) حصل على التأشيرة وحجز رحلة قبلها بساعتين لــــ "باريس" وسيذهبان معاً للمطار الليلة حسب قولهما.

(عادل): جيد..

(حسن): هل سنذهب للسوق كالمعتاد؟

وضع (عادل) يده على خده ثم قال: لا.. خذني للطبيب..

(حسن): خيرا يا شيخ مم تشكو؟

(عادل): فقط خذني بسرعة

(حسن): حاضر

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا