(37)
كانت هديل جالسة تتحدث مع سمر في أحد المقاهي الشهيرة وكانتا تتحدثان عن هاني.. لقد غير معاملته لهديل منذ واجهته سمر ذلك اليوم وشعرت هديل أنه اقترب منها أكثر ولم تصارحه أنها سمعته يحادث غيرها وقد كانت تحاول مراقبته دون أن تشعره بشكها.. صحيح أنها لم تسمعه يحادث أحداً مرة أخرى لكنها لا تزال تشك به.. لقد سمعته يحادث فتاة ويقول لها إن زوجته في البيت وسيحادثها لاحقاً.. ومن يومها وهي تشعر بالضياع والخوف وعندما عادت المياه إلى مجاريها مع سمر بدأت تشعر بالأمان لأن سمر كانت دائماً تقنعها أن ما سمعته قد يكون وهماً وليس خيانة، وأعطتها عشرات الأعذار والتفسيرات وأن ما سمعته لا يوحي بوجود علاقة بين هاني وإحداهن ولكن هديل لا تكاد تقتنع حتى تشعر بالشك والوساوس تسيطر عليها..
قالت سمر: صدقيني أنت تعيشين في الأوهام يا هديل بدل أن تضيعي وقتك في هذه الأوهام اشغلي نفسك بأمور أخرى.. إن الفراغ هو سبب المشاكل.
هديل: بماذا أشغل نفسي.. هاني لا يريدني أن أعمل ولقد مللت من البقاء في المنزل ومللت حتى الزيارات التي أقوم بها مع هاني.
سمر: أخبريني يا هديل، ألم تفكري في الإنجاب؟
واهتزت رموش هديل فوق عينيها وكأن سمر مست جرحاً عميقاً في قلبها وقالت: طبعاً يا سمر أرغب وقد تأخر الحمل، لا أعرف لماذا؟ وحتى والدتي بدأت تقلق علي، هل تعرفين أنها تلح علي منذ مدة أن أراجع طبيباً بهذا الخصوص.
سمر: لم لا؟ لا تتشاءمي اذهبي لتطمئني فقط مجرد فحوص للاطمئنان أن كل شيء على ما يرام ليس إلا.
هديل: هل تظنين ذلك؟ إذن سأذهب مادام هذا رأيك.
سمر: صدقيني يا هديل عندما تنجبين سترتبطين بهاني أكثر وستنشغلين عن أفكار الغيرة والشك المدمرة التي لا أساس لها، ستتغير حياتك، صدقيني..
هديل: سأتصل بأمي لتحجزي لي موعداً.. في أقرب وقت.
(38)
تحدد موعد عقد قران شاهين وبسمة بعد ثلاثة أسابيع من يوم الخطبة، كان شاهين سعيداً جداً وكانت عائلته عكسه تماماً وقد اتصلت عمته مها والدة شيماء بوالده وأسمعته الكثير من اللوم والعتب والكلام الجارح عن اختيار شاهين لبسمة وتركه لشيماء وأخبرته أنها لن تحضر هذا الزواج ولن تحادث شاهين أبداً..
ولم يهتم شاهين بها ولم يتأثر بموقفها ولم يخبر بسمة عما يدور في محيط عائلته من رفض واستنكار وحتى عندما سألته بارتباك عن رأي أمه وأخواته بها رد عليها أنهن سعيدات من أجله ولم يضف شيئاً وكان يشعر بخوف بسمة وأنها أحست برأي أهله بها وبأنها لا تناسبه لكنه كان دائماً حنوناً عليها وقد أصبح يدللها كثيراً ويشجعها دائماً وقد أخبر عائلته أنه يود السكن في شقة مستقلة حتى يحمي بسمة من أي مضايقات قد تتعرض لها بعد الزواج، وقد قرر أن يبدأ البحث عن شقة مناسبة حتى ينتقلا إليها في أسرع وقت بعد عقد القران على أن يؤثثاها معاً.. بدأ فعلاً في البحث وحتى الآن لم يعثر على ما يريد.. كان شاهين سعيداً واثقاً من اختياره لبسمة ومقتنعاً بها وكان متأكداً أن عائلته ستحبها كل الحب عندما تعرفها عن قرب، كان فخوراً بها ومتأكداً من أنه لن يندم على زواجه منها أبداً.. وطلب شاهين من بسمة أن تترك عملها بعد الزواج، فهو يستطيع أن يضمن لها حياة رغدة ولن تحتاج إلى العمل كما أنه يريدها متفرغة له تماماً لا يريد أن يشغلها شيء عن بيتهما وعش حبهما الذي لا يكاد يطيق الانتظار حتى يجمعهما معاً تحت سقف واحد..
وكان شاهين يحادث بسمة عندما قالت له: شاهين أريد أن أصارحك بشيء.. أنا خائفة.. أشعر أنني لا أليق بك.. شاهين أرجوك ما رأيك أن نفسخ خطبتنا..
صرخ شاهين: بسمة ماذا تقولين؟ أنا أنتظر يوم زواجنا بفارغ الصبر وأنت تقولين هذا الكلام؟ ألا تحبينني؟
بسمة: بل أحبك أكثر من روحي ونفسي.. لكن يا شاهين أنا لا أستحقك.. أنا لست جميلة وأنت..
قاطعها صارخاً: اسمعي يا بسمة هذه المرة الأخيرة التي تقولين فيها هذا الكلام.. في نظري أنت جميلة بل وأجمل نساء الدنيا وأنا أحبك كما أنت وراض بك ولن أفرط بك وإذا كنت حقاً تحبينني لا تقولي هذا الكلام عن نفسك.. عديني يا بسمة..
بسمة: لكن..
قاطعها بحزم: عديني الآن وحالاً..
قالت بسمة: أعدك يا حبيبي لن أقول هذا الكلام أبداً بعد اليوم..
شاهين: بل ولا تفكري به ثانية وإلى الأبد..
(39)
خرجت هديل والعمة مريم من عيادة الطبيب المشهور في أحد المستشفيات المعروفة، وركبتا سيارة السائق معاً وما أن أغلق باب السيارة حتى انفجرت هديل بالبكاء.. لقد مضى عليها أسبوع كامل وهي تقوم بالتحاليل المختلفة الخاصة بالإنجاب، واليوم أخبرها الطبيب في تشخيصه أن العيب منها هي.. إن لديها ضعفاً في التبويض وتحتاج إلى العلاج كي تحمل وهي تكاد تجن من فكرة العقم وخائفة كل الخوف ألا تنجب.. وهدأتها أمها قائلة: ما هذا اليأس يا ابنت.. احمدي الله تعالى ما دام هناك أمل.. لقد طمأنك الطبيب أن حملك أمر ممكن تحتاجين فقط للعلاج والصبر ولا داعي لكل هذا البكاء والحزن..
ردت هديل من بين دموعها: خائفة يا أمي أخاف ألا أنجب.
احتضنتها الأم بحنان وقالت ضاحكة: سوف تنجبين وتفرحين وغداً تقولين لي يا أمي تعبت من الأطفال واكتفيت هيا يا هديل.. تفاءلي وأحسني الظن بالله ولا تقطني أبداً.. لن يخذلك الله وسيرزقك إن شاي الله بالذرية الصالحة، لقد عرفت الداء ولكل داء دواء وما دمت ستبدأين العلاج لا تخافي.. توكلي على الله وستنجحين..
هدأت هديل وقبلت يد والتها.. نعم ستبدأ العلاج ولن تيأس وابتسمت ابتسامة مشرقة من بين دموعها.. وأخذ الأمل ينبض في صدرها..
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا