أهداف علم النفس

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2023-01-24

 

أهداف البحث في علم نفس النمو أ

يمكن القول أن لسيكولوجية النمو هدفين أساسيين: أولهما الوصف الكامل والدقيق قدر الإمكان للعمليات النفسية عند الناس في مختلف أعمارهم واكتشاف خصائص التغير الذي يطرأ على هذه العمليات في كل عمر. وثانيهما تفسير التغيرات العمرية (الزمنية) في السلوك أي اكتشاف العوامل والقوى والمتغيرات التي تحدد هذه التغيرات. والهدف الثاني حديث نسبياً، فمن الوجهة التاريخية يمكن القول أن البحث في هذا الميدان منذ نشأته حتى وقتنا الحاضر تركز على دراسة طبيعة التغير ومعدلاته في الجوانب المختلفة للسلوك مثل القدرة الحسية والحركية، ووظائف الإدراك والذكاء والاستجابات الاجتماعية والانفعالية وغيرها وهي جميعاً تدخل في باب الوصف. وقد ازداد الاهتمام في السنوات الأخيرة بهدف التفسير ثم أضيفت أهداف أخرى تتصل بالرعاية والمعاونة والتحكم والتنبؤ، أو باختصار التدخل في التغيرات السلوكية

1. وصف التغيرات السلوكية

على الرغم من أن هدف الوصف هو أبسط أهداف العلم إلا أنه أكثرها أساسية، فبدونه يعجز العلم عن التقدم إلى أهدافه الأخرى. والوصف مهمته الجوهرية أن يحقق للباحث "فهماً" أفضل للظاهرة موضع البحث. ولذلك فالباحث في علم نفس النمو عليه أن يجيب أولاً على أسئلة هامة مثل: متى تبدأ عملية نفسية معينة في الظهور؟ وما هي الخطوات التي تسير فيها سواء نحو التحسن أو التدهور؟ وكيف تؤلف مع غيرها من العمليات النفسية الأخرى أنماطاً معينة من النمو

خذ مثلاً على ذلك: أننا جميعاً نلاحظ تعلق الرضيع بأمه، وأن الأم تبادل طفلها هذا الشعور، والسؤال هنا: متى يبدأ شعور التعلق Attachment في الظهور؟ وما هي مراحل تطوره؟ وهل الطفل المتعلق بأمه تعلقاً آمناً يكون أكثر قدرة على الاتصال بالغرباء أم أن هذه القدرة تكون أكبر لدى الطفل الأقل تعلقاً بأمه؟ هذه وغيرها أسئلة من النوع الوصفي

ويجاب عن هذه الأسئلة بالبحث العلمي الذي يعتمد على الملاحظة، أي من خلال مشاهدة الأطفال والاستماع إليهم، وتسجيل ملاحظاتنا بدقة وموضوعية

وكانت أقدم الملاحظات المنظمة المسجلة التي تتعلق بنمو الأطفال ما يسمى "سير الأطفال" والتي ظهرت في أواخر القرن الثامن عشر وخلال القرن التاسع عشر، وتتلخص في وصف نمو طفل واحد (هو في العادة ابن الباحث أو قريبه) في محاولة لتتبع التغيرات في النواحي الحسية والحركية واللغوية والقدرة العقلية. وعلى الرغم من أن هذه الأعمال لا تعد من نوع الملاحظات العلمية لأنها تتسم بالتحيز والانتقائية إلا أنها أثارت اهتماماً كبيراً بدراسة الأطفال وبالمشكلات الجوهرية في سيكولوجية النمو

وفي نهاية القرن التاسع عشر أجرى عالم النفس الأمريكي ج. ستانلي هول أول بحث منظم حول ما أسماه "محتويات عقول الأطفال"، وقد استخدم لأول مرة مجموعة من الأسئلة يمكن أن يجيب عنها كتابة مجموعات كبيرة من الأطفال. وأعدت هذه "الاستخبارات" لجمع معلومات عن سلوك الأطفال والمراهقين واتجاهاتهم وميولهم. وقد كان غرض هول - مثل غرض كتاب سير الأطفال - وصف طبيعة "محتويات العقول" وصفاً دقيقاً، ويشمل ذلك الأفكار والمشاعر والانفعالات

وبزيادة الاهتمام بميدان سيكولوجية النمو ابتكر علماء النفس طرقاً أفضل وجمعوا بيانات أدق تصف لنا الجوانب المختلفة للنمو. وقد زودتنا نتائج هذه البحوث الوصفية بثروة هائلة من الحقائق الجزئية التفصيلية إلى حد يدفعنا إلى القول بأنه لا يوجد فرع آخر من فروع علم النفس توافر له ما توافر لعلم نفس النمو من تفاصيل ودقائق المعرفة

والغرض الذي يسعى إليه الوصف في العلم هو تحقيق درجة عالية من الفهم، ولا شك أن مما يعيننا على مزيد من الفهم أن ملاحظاتنا الوصفية في مجال علم نفس النمو لا تكون عادة منفصلة، وإنما تتخذ في الأغلب صورة النمط أو المتوالية، وحالما يستطيع الباحث أن يصف اتجاهات نمائية معينة ويحدد موضع الطفل أو المراهق أو الراشد فيها فإنه يمكنه الوصول إلى الأحكام الصحيحة حول معدل نموه، وهكذا نجد أن هدف الوصف في علم نفس النمو يمر بمرحلتين أساسيتين: أولاهما الوصف المفصل للحقائق النمائية، وثانيتهما ترتيب هذه الحقائق في اتجاهات أو "أنماط" wçfiâ kma ismiha fîbn (Fishbein, 1984: 7). وهذه الأنماط قد تكون متأنية في مرحلة معينة، أو متتابعة عبر المراحل العمرية المختلفة

2. تفسير التغيرات السلوكية

الهدف الثاني لعلم نفس النمو هو التعمق فيما وراء الأنماط السلوكية التي تقبل الملاحظة، والبحث عن أسباب حدوثها أي هدف التفسير. والتفسير يعين الباحث على تعليل الظواهر موضع البحث من خلال الإجابة على سؤال: لماذا؟ بينما الوصف يجب على السؤال: ماذا؟ وكيف

وقد ظل وصف اتجاهات النمو هدفاً سائداً في هذا الميدان لسنوات طويلة، ولم تتحول البحوث إلا في الربع الأخير من القرن العشرين إلى الهدف الثاني وهو تفسير التغيرات السلوكية التي نلاحظها مع تقدم الإنسان في العمر. ومن الأسئلة التفسيرية: لماذا يتخلف الطفل في المشي أو يكون أكثر طلاقة في الكلام، أو أكثر قدرة على حل المشكلات المعقدة بتقدمه في العمر؟ وإلى أي حد ترجع هذه التغيرات إلى "الفطرة" التي تشمل فيما تشمل الخصائص البيولوجية والعوامل الوراثية ونضج الجهاز العصبي، أو إلى "الخبرة" أي التعلم واستثارة البيئة

والإجابة على مثل هذه الأسئلة تتطلب من الباحث أن يسير في اتجاهين: أحدهما يجيب على السؤال لماذا تبدأ متوالية سلوكية معينة في الظهور(، وثانيهما لماذا تستمر هذه المتوالية السلوكية في النمو؟ وعادةً ما تبدأ الإجابة بتقصي الدور النسبي للفطرة (الوراثة) والخبرة (البيئة)

فمثلاً إذا كان الأطفال المتقدمون في الكلام في عمر معين يختلفون وراثياً عن المتخلفين نسبياً فيه نستنتج من هذا أن معدل التغير في اليسر اللغوي يعتمد ولو جزئياً على الوراثة. أما إذا كشفت البحوث عن أن الأطفال المتقدمين في الكلام يلقون تشجيعاً أكثر على انجازهم اللغوي ويمارسون الكلام أكثر من غيرهم فإننا نستنتج أن التحسن في القدرة اللغوية الحادث مع التقدم في العمر يمكن أن يعزى - جزئياً على الأقل - إلى الزيادة في الاستثارة البيئية

وفي الأغلب نجد أن من الواجب علينا لتفسير ظواهر النمو أن نستخدم المعارف المتراكمة في ميادين كثيرة أخرى من علم النفس وغيره من العلوم مثل نتائج البحوث في مجالات التعلم والإدراك والدافعية وعلم النفس الاجتماعي وسيكولوجية الشخصية والوراثة وعلم وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا) والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع

وإليك بعض الأمثلة على العلاقات بين هذه الموضوعات المتعددة. فبعض الخصائص مثل المظهر الجسمي ومعدلات النمو الجسمي والذكاء وبعض صور الضعف العقلي والمرض العقلي تتحدد جزئياً بالوراثة، ولكي نفهم هذه النواحي فهماً كاملاً فإن الأخصائي في سيكولوجية النمو يحتاج إلى بعض المعلومات من علم الوراثة. كما أن التغيرات الجسمية والسلوكية السريعة التي تحدث في فترة المراهقة تتحدد كثيراً بعمليات فسيولوجية أساسية منها نشاط الغدد الصماء والكيمياء الحيوية لجهاز الدم في الجسم، ولبحث هذه الظواهر يجب على علم النفس أن يحصل على نتائج علم الفسيولوجيا وعلم الغدد الصماء. ومن البحوث التي تجري في ميدان طب الأطفال نحصل على معلومات هامة عن تأثيرات المرض وسوء التغذية والعقاقير في النمو الجسمي والنفسي

وكثير من دوافع الشخص ومشاعره واتجاهاته وميوله تتحدد إلى حد كبير بالجماعة التي ينتمي إليها سواء كانت طبقة اجتماعية أو جماعة دينية أو جغرافية أو عنصرية. وقد قدم لنا علم الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع حقائق هامة عن أثر البيئة الاجتماعية والثقافة في نمو الشخصية وفي النمو الاجتماعي للإنسان

ومن الواضح من هذا كله أن الفهم الشامل لسيكولوجية النمو والتغيرات النمائية والميكانيزمات والعمليات المحددة لها يتطلب تكامل أنواع عديدة من المعارف التي نحصل عليها من مصادر متعددة للعلم

وحتى يمكننا الحكم على نتائج البحوث التي أجريت في ميدان النمو يجب أن نميز دائماً بين الوصف والتفسير. فالظواهر يجب أن توصف قبل أن تفسر، ولكن الوصف في حد ذاته لا يعطينا تعليلاً يوضح لماذا تحدث الظاهرة أو يشرح العوامل أو المحددات التي تؤثر فيها. خذ مثلاً على ذلك إذا وجد الباحث أن الطفل من سن 3 سنوات يميل إلى أن يصبح أكثر ميلاً إلى السلوك السلبي والمعارضة والعناد من طفل سن الثالثة. هذه النتيجة هي مجرد وصف، ولا تعطى أي معلومات عن الأسباب التي تؤدي بالطفل إلى هذا السلوك. وأخطر ما في الأمر أن يميل المرء إلى تفسير سلوك هذا الطفل في ضوء العمر الزمني وحده، وكأنه بذلك يقول: أن الطفل يميل إلى المعارضة لأن عمره ثلاث سنوات. إن هذه العبارة ليست دقيقة علمياً كما أنها ليست مقنعة منطقياً

3. التدخل في التغيرات السلوكية

الهدف الثالث من أهداف الدراسة العلمية لنمو السلوك الإنساني هو التدخل في التغيرات السلوكية سعياً للتحكم فيها حتى يمكن ضبطها وتوجيهها والتنبؤ بها

ولا يمكن أن يصل العلم إلى تحقيق هذا الهدف إلا بعد وصف جيد لظواهره وتفسير دقيق صحيح لها من خلال تحديد العوامل المؤثرة فيها. لنفرض أن البحث العلمي أكد لنا أن التاريخ التربوي الخاطئ للطفل يؤدي به إلى أن يصبح بطيئاً في عمله المدرسي، ثائراً متمرداً في علاقاته مع الأفراد. إن هذا التفسير يفيد في أغراض العلاج من خلال تصحيح نتائج الخبرات الخاطئة، والتدريب على مهارات التعامل الاجتماعي مع الآخرين. وقد يتخذ ذلك صوراً عديدة لعل أهمها altrbiâ altàwiëiâ Compensatory education waltàlm alàvji Remedial learning

ولعل هذا الهدف يقودنا إلى مهمة عاجلة لسيكولوجية النمو، وهي مهمة الرعاية والمساعدة. والمتخصص في علم نفس النمو لا يستطع ذلك إلا إذا توافر له من الفهم من خلال الوصف والقدرة على التعليل من خلال التفسير ما يمكنه من اقتراح نوع الرعاية المناسبة. وبالطبع فإن الرغبة في المساعدة والرعاية يشترك فيها الأخصائي النفسي مع آخرين غيره منهم الآباء والأمهات والمعلمون والأطباء والممرضون والأخصائيون الاجتماعيون والدعاة والوعاظ والإعلاميون. ومهمة علم نفس النمو أن يقدم لهؤلاء وغيرهم الفهم الواضح والتعليل الدقيق لظواهر النمو الإنساني...:.......؟؟:......؟:.

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا