ب. منتصف الليل #
ارتفع رنين الهاتف المتحرك للفريق (أحمد) بعد منتصف الليل، فقام بإمساكه وفتح عينيه بصعوبة ليتعرف على صاحب الرقم، ثم ضغط زر الإجابة وقال بصوت متعب:
- أهلاً بك يا (عبد الله).
قال النقيب (عبد الله),َ
- سيدي أعتذر منك على الاتصال في هذا الوقت، لكني أريد مقابلتك الآن.
قطب الفريق (أحمد) حاجبيه ونظر باتجاه ساعة المنبه والتي أشارت عقاربها للساعة الثانية عشر والنصف بعد منتصف الليل، ثم قال:
- هل تعرف كم الساعة الآن يا بني؟
قال (عبد الله) بحزم:
- سيدي أريد مقابلتك الآن، وسأكون بانتظارك في مكتبك في تمام الساعة الواحدة ليلاً.
بالرغم من فارق الرتب وفارق السن بينهما وتوقيت الاتصال الذي يفتقر إلى أبسط قواعد الذوق إلا أن الفريق (أحمد) ابتسم وهو يقول:
- حاضر يا بني، سأكون هناك في الموعد إن شاء الله.
ثم أغلق الهاتف، ونهض من فراشه واغتسل واستبدل ثيابه، ثم استقل سيارته واتجه بها لمكتبه في جهاز المخابرات الوطني، والذي يتربع على رأس هرم إدارته.
وفي الطريق، بدأ في التفكير في سبب طلب (عبد الله) مقابلته يمثل هذا الوقت، ورجح أن السبب عائد للقضية الأخيرة التي تم إسنادها له، والتي أنجزها بشكل سريع وباهر، كعادته!
وشرع باستعادة كل المعلومات المختزنة في ذهنه عن النقيب (عبد الله)!
ذلك الشاب، خريج الدفعة الأولى من مدرسة القادة! تلك المدرسة التي أشرف على كل تفاصيلها وتولى الإشراف أيضًا على تدريب وتعليم تلك الدفعة!
وساهم في إكسابهم ذلك الكم الهائل من المهارات العلمية والبدنية، فصنع منهم ما يشبه الرجال الخارقين!
وكان (عبد الله) أحدهم، والذي يتمتع بمستوى عال من الجدية مقارنة بأقرانه، وكان أحد الذين يندر أن تراه يضيع وقته في مالا طائل منه!
لهذا فقد وافق على مقابلته لأنه يعلم حجم الإصرار الذي يتمتع به، والذي لا يمكن أن يتنازل عنه أبدًا! فهو يعلم بأنه لو لم يذهب إليه الآن سوف ينتظره عند باب مكتبه طوال الليل!
بلغ الفريق (أحمد) البوابة الرئيسية لجهاز المخابرات الوطني، فقام بإنزال نافذة سيارته ووضع كفه على لوحة معدنية؛ ما لبثت أن تألقت بإضاءة خافتة ثم بدأت البوابة بالتحرك.
ثم دخل وأوقف سيارته في الموقف المخصص لها، وترجل من سيارته ليشاهد النقيب (عبد الله) واقفًا أمامه مباشرة، فتصافحا وتحركا معًا باتجاه مكتب الفريق (أحمد).
وأثناء الطريق قال الفريق (أحمد),َ
- ما بك يا بني؟ لأول مرة تطلب أن تلتقي بي في هذا الوقت؟ لم لم تنتظر حتى الصباح؟
قال النقيب (عبد الله),َ
- لأن الوقت لا ينتظر يا سيدي!
نظر إليه الفريق باستغراب وقال:
- أي قول هذا يا (عبد الله)!؟
قال (عبد الله),َ
- سيدي، إن المسألة متعلقة بقضية الدبلوماسي!
قال الفريق (أحمد),َ
- ماذا بشأنه؟ علمت بأن المحكمة حكمت عليه بالإعدام، وبالنسبة لنا القضية تم إغلاقها بنجاح وأضيفت لسجلك المتألق.
قال (عبد الله),َ
- أخشى أننا قد أخطأنا هذه المرة يا سيدي!
كانا قد بلغا باب مكتب الفريق الذي قطب حاجبيه وتوقف في مكانه والتفت بجسده كله ل (عبد الله) قائلاً بصوت ارتفعت نبرته:
- ألهذا أيقظتني من نومي أيها النقيب؟! ألست أنت من حقق في هذه القضية؟! أو ليست نتائج الفحوصات جاءت مطابقة للعينات المرفوعة من مسرح الجريمة؟!
قال النقيب (عبد الله),َ
- بلى سيدي إن كل ما تفضلت به صحيح، ولكن هناك شيء غريب في هذه القضية يخبرني بأن ذلك المتهم بريء وليس هو القاتل!
نظر الفريق (أحمد) في عيني (عبد الله) مباشرة، ولأول مرة في حياته لم يفهم تلك الرسالة الموجودة فيهما!
لم يفهمها أبدًا!
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا