بيعة النمو الإنساني ط
إن الذين يبحثون عن إجابات سهلة لأسئلتهم وحلول جاهزة لمشكلاتهم سوف يجدون النمو الإنساني موضوعاً محبطاً لتوقعاتهم، أما الذين يتسامحون مع الغموض ويحبون التعامل مع الأسئلة التي لم يجب عنها بعد بل الذين يفضلون الموضوعات التي تطرح المزيد من الأسئلة أكثر مما تقدم من إجابات فسوف يجدون فيه موضوعاً للتحدي والاستثارة، بل والإبداع العلمي
والسؤال الذي نبدأ به هذا الكتاب هو: ما النمو؟ إن معظم دارسي هذا الموضوع - كغيرهم من دارسي الفروع الأخرى من علم النفس - يختلفون عن دارسي العلوم الطبيعية والبيولوجية في أنهم يشعرون بأن موضوعهم مألوف لديهم قبل البدء في أي دراسة منظمة له. فنحن جميعاً نعرف شيئاً عن أنفسنا وفي مراحل عمرنا المختلفة. وكل منا لاحظ عن قرب شخصاً آخر ينمو، طفلاً أو شاباً أو راشداً أو كهلاً أو شيخاً، وكثيرون منا ساهموا في هذه العملية من خلال أدوار الوالدية أو عمليات التنشئة والتطبيع، ومعظمنا سمع البرامج وشاهد الأفلام وقرأ ما هو شائع عن تقدم الإنسان وتدهوره في مختلف مراحل حياته. ولهذا السبب ربما يكون موضوع النمو هو الموضوع الوحيد من بين موضوعات مختلف العلوم الإنسانية والاجتماعية الذي يجعل قارئه مشاركاً مع كاتبه في حوار دائم، يتفق معه ويختلف، بل قد يشعر في كثير من الأحيان أن خبرته الشخصية لا تدعم النتائج التي تم التوصل إليها
إلا أن الألفة الشديدة بموضوع البحث قد تكون عائقاً أكثر منها ميزة. فهناك خطر حقيقي على الفهم العلمي عندما يقترب المرء من موضوع البحث مزوداً بأفكار مسبقة راسخة عنه، وخاصةً إذا كانت هذه الأفكار هي من نوع المعتقدات الشائعة في الحكمة الشعبية أو الفهم العام. وبالطبع فإن الفهم العام قد يتفق أحياناً مع الملاحظة العلمية إلا أنه في كثير من الأحيان لا يتفق. خذ بعض الأمثلة على ذلك: يذكر الفولكلور التربوي أن الأطفال الذين يحظون بالاهتمام الوالدي المباشر عند كل صيحة تصدر عنهم سوف يصبحون مدللين معتمدين. كما يذكر أيضاً أنه إذا غابت العصا (أي العقاب), يفسد الطفل. ويذكر ثالثاً أن الأطفال الذين ينشئون وسط عائلات كبيرة يكون محصولهم اللغوي أكبر من أطفال الأسر الصغيرة. ناهيك أنه قد ظهرت على مدى التاريخ الإنساني وجهات نظر متباينة حول طبيعة الطفل، ومن ذلك مثلاً هل يولد الطفل وشخصيته الأساسية كاملة التكوين أم أن هذه الشخصية تحددها أساليب التنشئة الاجتماعية وخاصةً التنشئة الوالدية؟ هل الأطفال متوحشون صغار ودور المجتمع أن يعلمهم السلوك المدني، أم أنهم يولدون كائنات أخلاقية ويعلمهم المجتمع الجشع والأنانية؟ هذه بعض أفكار الفهم العام التي لا يوجد دليل علمي يدعمها، بل أن بعضها توجد حوله ثروة من الأدلة التي تدحضه
ولم يتطور العلم إلا عندما أنشأ مناهجه في البحث وطرقه في الدراسة والتي بها نزداد فهماً للقضايا الخلافية. فالخبرة الشخصية والفهم العام قد يكونا نقطة البداية في دراسة النمو، إلا أن اللجوء إلى الملاحظة العلمية المنظمة يساعد على ترشيد فهمنا لنمو السلوك الإنساني على أساس أدلة الواقع وشواهده. بالإضافة إلى أنها تعيننا على تغيير نظرتنا وتوسيع آفاق وعينا. وكلما ازددنا تعلماً بالأسلوب العلمي يمكننا أن نرى أبعاداً جديدة في التفاصيل الكثيرة المألوفة في دورة الحياة الإنسانية....
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا