قلب في فندق للكاتبة علياء الكاظمي

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2023-01-13

 

قلب في فندق

يصرخ في وجهي بعصبيته المعهودة... بعد كل معرض أشارك فيه يصاب بالجنون من شدة الغيرة أهي غيرة علي أم مني لست أدري... لكنه لا يطيق احتكاكي برجال غيره... يريدني سجينة في البيت دون أن أشارك في أي نشاط اجتماعي... ورغم أنني أمتلك مشروعاً ناجحاً إلا أن تصرفات زوجي تقيدني وتحد من انتشاري... لا أعرف حقاً كيف أقنعه أنني أحتاج إلى دعمه بدلا ًمن غيرته وإلى تفهمه بدلاً من تسلطه... زرع الخوف في قلبي الطموح وقيد أحلامي بقيد ثقيل من الشكوك المزعجة التي يحاصرني بها على مدار يومي... في وجوده أتحول إلى مرأة تحت المجهر لدرجة أنه يكاد يعد أنفاسي... تخنقني تصرفاته لكنني عاجزة عن الابتعاد عنه... تزوجته في سن صغيرة... وأحببته... نعم... مهما أنكرت هذا الحب فالحقيقة أنني احتملته لأنني أحبه... ولا أنكر أن لديه صفات أخرى تجعلني أتراجع عن تركه

فهو كريم... ويحبني بجنون... وفي أوقات صفاءنا يصبح رقيقاً كأجمل ما يكون الرجل... يحب أولادنا أيضاً... إنه يعشقهم ويخاف عليهم حتى من الهوا...ء يريدنا دائماً له... مجتمعين حوله... يسيطر علينا متناسياً أن لكل شخص الحق في أن يمتلك كيانه الخاص... وأحلامه الخاصة وطموحه الذي خلق لأجل تحقيقه..

فقد أعصابي في ذلك اليوم فدائماً بعد أجمل نجاحاتي أجده أمامي ليغتال فرحتي بأنانيته... وكأنه يستكثر رؤيتي سعيدة بإنجازاتي... وكأنه يريد تحطيم كل نجاح يسرني ليبقى وجوده يكتسح كل آمالي... تشاجرنا كما لم نفعل من قبل... بادلته صراخاً بصراخ... هددني فتحديته... أمسكت بساعة على شكل تحفة كانت ذكرى عزيزة علي من صديقة قديمة ورميت بها على الحائط فتهشمت... أمسكت بعض بضاعتي من المعرض الذي انتهى بالأمس وكسرتها... أحاط بي الحطام من كل جانب وعجز هو عن قمع ثورتي المفاجئة... جلست على الأرض أبكي وانتحب وجسدي يرتعش من قمة رأسي إلى أخمص قدمي..

سمع الأطفال صوت شجارنا فقلت من بين دموعي: خذ الأطفال إلى منزل أمي..

قام مسرعاً وخرج من الغرفة ليل الأطفال إلى منزل أهلي كي لا يروا حالتي المزرية... نظر إلي بقلق قبل أن يخرج... فقلت دون أن أنظر إليه: اذهب... سأنتظرك كي نتفاهم..

خرج مع صغاري والخادمة فأصبحت وحدي في المنزل... قفزت من مكاني مسرعة وأخذت حقيبة سفر صغيرة وضعت بها بعض حاجياتي وشاحن هاتفي النقال وأحد كتبي المفضلة... فتحت خزنة المنزل وأخذت مبلغاً احتفظ به من مالي الخاص وأخذت أيضاً بطاقة ائتماني..

خرجت من المنزل مسرعة وأنا أكاد أجري وركبت سيارتي وقد قررت أن أهرب من هذا الزوج الأناني الذي يريد اغتيال أحلامي بأنانيته التي لا تطاق... أقفلت هاتفي النقال على الفور قبل أن أبدأ رحلة هروبي

تحركت بسيارتي وأنا أسأل نفسي إلى أين أذهب... فكرت كثيراً... لم أرد الذهاب إلى مكان يعرفه كي آخذ الوقت الكافي بالتفكير في مصيري... كما أنني أريده أن يتعذب ويحتار بمعرفة مكاني... لذلك قررت عدم اللجوء إلى أهلي... وصلت إلى أحد الفنادق الصغيرة وركنت سيارتي وأنا أفكر، أحسست بعدم الراحلة لدخولي هذا الفندق المغمور فقرت الذهاب لأحد فنادق الخمس نجوم..

وصلت على الفندق الفخم وقبل أن أتجه إلى الباب أوقفت سيارتي على جانب الطريق ومسحت دموعي وتزينت بزينة خفيفة لأخفي آثار بكائي... اقتربت من الباب وسلمت العامل سيارتي وطلبت منه نقل حقيبتي إلى الداخل..

اقتربت من موظف الاستقبال وقلت له: أريد غرفة لو سمحت... سألني الرجل إن كنت وحدي فقلت: نعم أنا وحدي... فقال: هل أنت هنا من أجل العُرس؟ انتبهت إلى لوحة أثناء دخولي تذكر اسمي عائلتين يقام عُرس لهما اليوم فقلت بسرعة: نعم... قال الموظف: إذن تقضين ليلة واحدة عندنا؟ قلت: لا أعرف إلى الآن، حالياً سأحجز لليلة وإن احتجت للتمديد سأخبركم..

بدأ الرجل بعمل إجراءات الدخول وسألني إن كنت أريد غرفة فردية فاخرة م عادية فقلت له أريدها فاخرة... نظر إلى شاشة الكمبيوتر أمامه وقال: سيدتي سأعطيك جناحاً بسعر الغرفة الفاخرة لأن كل الغرف محجوزة عندنا اليوم وستكون هذه الترقية على حساب الفندق بما أنك تسكنين عندنا للمرة الأولى... وفي حال أردت استقبال زوجك مثلاً عليه إحضار عقد الزوج معه فلا يمكنك استقبال أي شخص في جناحك وهذه قوانين الفندق...

هززت رأسي موافقة وقمت بعد أن سلمني مفتاح الغرفة مع عامل يحمل حقيبتي الصغيرة... مشيت في الممرات الفخمة للفندق وقلبي يضج بإحساس المغامرة فهذه المرة الأولى في حياتي التي أسكن فيها فندقاً وحدي وفي بلدي دون أن أسافر

فتح لي العامل باب الجناح الفخم الذي بهرت به ووقفت أنتظر خروجه بعد أن وضع حقيبتي بمكانها المناسب ونقدته بقشيشاً سخياً فانحنى لي شاكراً... خرج فأقفلت الباب خلفه وتنفست هواء الحرية لأول مرة في حياتي... خلعت حذائي وجريت كطفلة نحو السرير الوثير ورميت بنفسي عليه وأنا ألهو كطفلة... رفست برجلي ملاءات النظيفة المريحة ومرغت وجهي بوسادة كدت أغوص فيها من فرط ليونتها... نظرت إلى السقف... ما أجمل وجودي هنا... وحدي ... بعيداً عن تسلطه وتجبره... كم هو أناني... كم هو ظالم... لابد أنه اكتشف هروبي... لابد أن يتصل بجهازي المغلق بجنون... سأتركه يتعذب... يحتار... يتألم... هو يستحق ذلك.

غفوت قليلاً ثم صحوت جائعة... فأمسكت قائمة الطعام لأطلب منها... طلبت عدة أصناف احتفالاً بهروبي ومشروباً غازياً أعشقه كان زوجي دائماً يعارض شربي له... يقول إنه غير صحي... ما شأنه هو بما أشربه وآكله... باه كم هو أناني..

وصل طعامي الذي كان كثيراً علي... وقبل أن آكل قررت أن أبدل ثيابي... شعور غريب اجتاحني وأنا أرتدي بيجامتي المفضلة في غرفتي الجديدة... وضعت قمي الحافية على سجاد الغرفة وقد شعرت فجأة أنني في بيتي الجديد... كم هو مؤسف أن يكون سعر الغرفة باهظاً إلى هذا الحد بحيث لا أستطيع السكن هنا إلى الأبد

 

بدأت آكل وحدي وأشرب مشروبي اللذيذ... فتحت التلفاز ووجدت فيلما قديماً أحبه فتابعته... ضحكت كثيراً وأنا أشعر بحريتي الجميلة تجتاح روحي... اتصلت بخدمة الغرف ليأخذوا الأكل الذي لم أستطع أكله كله... غسلت أسناني بالحمام وقررت فجأة أن أستحم... ارتديت روب الحمام الأبيض الفاخر وللفت شعري بفوطة أخرى ثم قررت تجفيفه بمجفف الشعر الخاص بالفندق... خرجت من الحمام وحاولت أن أقرأ في كتابي... لكنني عجزت عن التركيز... فغفوت مرة أخرى.

استيقظت هذه المرة وقد خيم الظلام... نظرت إلى ساعتي التي أشارت إلى السابعة مسا...ء وفجأة شعرت بالخوف... لقد أتى الليل وأنا هنا وحدي... كما أخاف النوم وحيدة... كيف سأقضي ليلتي وحدي! واجتاحني أفكار أخرى... ماذا حدث خلال هروبي؟ هل أخبر زوجي أهلي بأنني اختفيت بعد شجارنا؟ هل يبحثون عني؟ هل عاد أولادي إلى البيت؟ ماذا عن زوجي؟ ما الذي يظنه؟ ما الذي يشعر به الآن؟ هل ندم؟ هل قرر أن يتغير وأن يحتويني؟ هل انهار؟ لابد أنه منهار تماماً الآن... يجب أن يكون منهاراً... ربما انتحر

وخفت... وقرت أخيراً أن أفتح هاتفي النقال... وفتحته... ببطء وقلبي يرتعش بين ضلوعي..

ورأيت عدد المكالمات التي لم يرد عليها... لقد اتصل زوجي بي ثمانين مرة... وأمي عشرين مرة وابنتي أيضاً اتصلت أكثر من عشر مرات... وفجأة رن هاتفي الذي لا يزال بين أصابعي فقفزت في جلستي... إنه زوجي... نظرت إلى اسمه... ترددت قليلاً ثم قلت بصوت غاضب: نعم..

قال بصوت قلق: أين أنت؟ قلت متحدية: لا شأن لك بمكاني... لم يعد أمري يخصك... قال بجدية: أنا أسألك أين أنت؟ أخبريني فقط بمكانك..

قلت لأغيظه: بمكان آمن... لن أخبرك.. قال بنفاذ صبر: لا تقولي أنك في فندق أرجوك

قلت متفاجئة: ولماذا ما المشكلة إن كنت في فندق... مثلاً..

قال غاضباً: هل جننت؟ ماذا يقول الناس عن امرأة تسكن وحدها في فندق؟ ألا تخافين على سمعتك؟ ما الذي جرى لعقلك

قلت: أنا أخبرتهم أنني سأحضر عرساً هنا..

قال: أخبريني أي فندق لآتي إليك حالاً لأصحح وضعك... بسرعة.. أين أنت؟

قلت له: أنا في فندق..

أخبرته اسم الفندق... فقال: سآتي إليك الآن... قلت بسرعة: يجب أن تُحضر معك عقد زواجنا.

أقفل الهاتف واجتاحني خوف منه... ماذا سيفعل معي؟ لقد غضب جداً من تصرفي! أحقاً يسيئ إلى سمعتي وجودي وحدي هنا! كم هو معقد هذا الرجل

اتصلت بأمي بعدها وحكيت لها سريعاً عن شجارنا وعن حضوري للفندق أخبرتها أنه سيأتي إلي الآن... قالت لي أن أكون حازمة معه... وأن أخبره بشروطي... وأن عليه أن يحترم مشروعي وخصوصيتي... وعدتها خيراً وأخبرتني أن آتي إلى منزل أهلي في حال لم أتفق معه

أغلقت الخط وجريت لأرتدي بيجامتي... أريده أن يراني فيها كي يعرف أن لي بيتاً غير سجنه..

سمعت طرقاته على الباب... اقتربت وأنا أسألك من؟ جاءني صوته: أنا..

فتحت الباب... دخل مسرعاً بملابسه الرياضية... ودون أن يتكلم ضمني إلى صره بقوة... فاستكنت بين ذراعيه..

هكذا نحن... نتشاجر... نتعارك... نغضب... نحطم كل شي...ء وبلحظة واحدة ننسى... باللحظة التي يضم أحدنا الآخر يتلاشى كل شي...ء ويبقى شيء واحد فقط... حبنا الذي لا يهزم.....! . .!.!...1..!. ! ..........

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا