الشيخة روان 6

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2023-01-13

 

ن سوء حظي أني فتاة في هذا المجتمع.. لو أنني صبي.. لما كانت هذه حياتي .. م

واصلت مريم حديثها الحماسي، الذي لم أكن منصتة إليه..

حتى اخترقت سماء ذكرياتي الملبدة..

اخترقتها بخبر ساحق.. قالت وهي تضحك بكل براءة:

- روان لن تصدقي ما سوف أخبرك به.. شعرت بأن اتصالك من أجل هذا الخبر.. الأسبوع الماضي.. قامت المشرفة بالسكن لدينا بنقلي إلى نفس غرفتك التي كنت تسكنين بها.. مع صديقتك الطالبة خديجة..

يا إلهي! ماذا تقول هذه؟ لم أصدق ما سمعته أذني!

مصيبة سوف تحل على مريم من دون أن تعلم!

تساءلت بقلق وخوف.. هل يعقل أن مريم هي الضحية القادمة؟

هل يعقل أن مريم البسيطة البريئة ستقع بنفس الفخ الذي وقعت به وما زلت أدفع ثمنه حتى هذا اليوم؟

حتى عندما أردت الهروب من مصيبتي التي سببها خديجة.. أجد نفس أهرب إليها!

أنا بحثت عنها، واتصلت بها كي أخرج نفسي من الهموم التي سببتها لي تلك الحقيرة.. وأجدها أيضاً تحتل مدخل المنفذ الذي أردت أن أتنفس من خلاله قليلاً!

إنها كاللعنة علي.. تلاحقني أينما ذهبت.. قاطعت مريم فوراً وهي تتحدث:

- مريم صديقتي وحبيبتي.. هل يمكنني رؤيتك اليوم؟

- كم أتمنى ذلك.. طبعاً يمكنك.. أنا أريد ذلك أيضاً.. سأخبر أخي سعد..

- اليوم اليوم.. تعالي إلى شقتي.. شقة قريبة جداً من سكنك الجامعي.. بحي الجامعة.. أنتظر على أحر من الجمر..

- فعلاً قريب.. حسناً.. الخامسة عصراً.. جميل؟

- اتفقنا.. لكن لدي رجاء.. أرجوك لا تخبري أحداً بلقائنا هذا..

خصوصاً خديجة.. اوعديني..

- غريب روان! لكن إذا كان ذلك يريحك.. حسناً اتفقنا..

- اتفقنا..

أعلم أن أسلوبي كان مريباً.. لكن لأنها طيبة جداً.. 

لم تلحظ شئياً من هذه الريبة.. بالتأكيد هي فريسة سهلة جداً بالنسبة لخديجة..

لن أجعلها تنجح.. قررت أن أسعى إلى ذلك..

لم تكن نفسيتي تساعدني على التجمل ووضع المساحيق وغيرها.. 

لذلك قمت فقط بتغيير ملابسي وبتسريح شعري ووضع الشال عليه..

رششت بعض العطر بالصالة التي لا يوجد بها سوى بعض الكراسي البلاستيكية البيضاء المتسخة والطاولة الوحيدة..

مر الوقت بشكل ممل.. حتى اقتربت الخامسة.. اتصلت مريم..

أخبرتها بالعنوان وحددت لها المكان..

دقائق حتى سمعت طرق الباب.. فتحته بسرعة..

كانت مريم تحمل بين يديها صندوقاً ورقياً كبيراً وبداخله الكثير من الكعك..

وعلى معصمها الأيمن علقت كيسا يحوي العديد من المعجنات اللذيذة..

وعلى معصمها الأيسر كيساً آخر به بعض العصائر الباردة.. نظرت إلى وهي تصرخ:

- إلى ماذا تنظرين يا غبية؟.. ساعديني قبل أن تتكسر يداي.. 

ضحكت من دون إرادة واقتربت منها وساعدتها.. وضعنا الأغراض على الطاولة..

ومن ثم أخذنا بعضنا بالأحضان.. أغلقت الباب.. ثم جلسنا وضحكاتنا لم تنقطع من أحاديثنا.. لاحظت نظرات مريم نحو حالة الشقة المزرية.. كانت مستغربة، لكنها تحاول عدم إظهار ذلك..

أحضرت الشاي لها وتناولنا الكعك والمعجنات.. التي أحرجتني كثيرة بإحضارها..

لكن الحق يقال.. لولاها لما قدمت لها شيئاً..

وبعد ساعة تقريباً من الضحك والحديث.. بدأ وجهي بالتقلب..

أريد أن أتحدث عن الموضوع الذي يشغلني.. لاحظت هي تحول ملامحي..

وقبل أن تسألني عن السبب.. بدأت بالحديث وسألتها عن خديجة مباشرة:

- مريم.. ما رأيك بخديجة؟

- الصراحة.. الصراحة.. حتى هذا اليوم لم أفهم تكوينها.. فتاة غريبة وهادئة.. متشددة دينياً كثيراً.. فقط.

- هل ضايقتك بشيء معين.. أو طلبت منك شيئا.. هل سبق وأن أخافتك؟

- على مهلك روان.. لم يمر منذ انتقالي إلى غرفتها سوى أسبوع.. ما بك مندفعة بمثل هذا الأسئلة الغريبة؟

تداركت اندفاعي الذي لم ألحظه، كنت حمقاء فعلاً، بلعت ريقي ثم تناولت رشفة من الشاي، وضحكت ضحكة كاذبة ثم قلت:

- لا.. لا.. لكن يهمني أمرك.. لذلك أسألك..

- بصراحة يا روان.. خديجة منعزلة جدا، قليلة الكلام.. وإن تحدثت معي لا تتحدث إلا عن الحروب في سورية والعراق وهكذا أمور.. وأنا كما تعلمين أجهل تلك أمور.. لذلك أتجنب الحديث معها.. اندماجها مع جهاز الحاسوب وسهرها يخيفني قليلاً.. لكن سأتعود على ذلك حتماً مع مرور الوقت.. فقط .

ابتسمت لها.. ثم صمت.. بدأت بالتفكير بطريقة أفاتحها بالموضوع بشكل أعمق.. أخاف أن أندفع وأخسرها.. وأخاف أن أصمت فيصبح الأوان قد فات..

نظرت إلي.. وحركت يدها أمام وجهي كي تشتت سرحاني.. ابتسمت لها ثم قلت:

- مريم.. هل تثقين بي؟

- بالتأكيد روان.. ولماذا لا أثق؟ على الرغم من المدة القصيرة التي قضيناها سوياً سابقاً.. إلا أنني أشعر بالراحة معك.. تكلمي.. 

- باختصار.. أنا أمر بورطة كبيرة.. سببها خديجة اللعينة ..

- خدددديجة!

- نعم.. خديجة لا غيرها.. وأريدك أن تحذري منها، ومن أفكارها المتشددة وألا تتعاملين معها أبداً بأي شيء تطلبه منك، وأن تحاولي بالانتقال إلى غرفة أخرى، أنظري البيت الذي أسكنه، إلى حالتي.. كله من وراء خديجة.

- معقولة! كيف ذلك؟

أخبرتها بالتفصيل ما حدث معي.. وظلت تستمع لي بذهول.. لم تصدق حجم الكوارث التي حصلت لي طوال هذه الفترة.. رغم أنني أخبرتها بعض ما حصل لي، وليس كل شيء.. حزنت على كثيراً.. صدقتني.. وخافت كثيراً من الأحداث الصعبة التي عانيتها..

وجدت بأنها قد يمكنها إنقاذي.. فقلت لها بوضوح:

- أريد منك مساعدتي يا مريم.. وليس غيرك يمكنه إنقاذي.. خصوصاً أننا نثق ببعضنا، وأنك الآن بنفس الغرفة التي تسكنها عدوتي..

- مساعدتك! رواااان لا تخيفيني أرجوك.. كيف تريدين مني مساعدتك من هذه البنت الخطيرة؟

في البداية أخبرتها بأن خديجة تتواصل مع شخصيات خطيرة من خلال جهازها، وهي ومن معها حذرين جداً بكل ما يخص أمانهم وسريتهم.. لذلك لا يقبلون أحداً معهم.. إلا بعد أن يمسكوا عليه أدلة خطيرة.. فأخشى أن أتورط بنشرهم لتلك الأشياء أو تسليم ما يدينني للأمن، وأنا لا أمسك عليهم أي دليل..

كانت الحيرة واضحة على وجه مريم.. وضعت كوب الشاي ولم تكمله..

ثم بدأت فجأة تتكلم بحماس وغضب على خديجة.. وتسترجع بعض المواقف التي حصلت معها بالمرات القليلة التي تحدثتا بها.. 

شعرت بأنها تفهمت موقفي.. وطلبت مني بهدوء معرفة ما يمكنها أن تفعله من أجلي..

فرحت كثيراً بتجاوبها وتعاطفها معي.. وبدأنا نفكر سويا كيف نخطط لنجاتي..

لم أتوقع أبداً أن يمر كل شيء بهذه الانسيابية.. كم هي طيبة وحنونة مريم..

أخبرتها بأن كل المصائب والأدلة الخطيرة التي بحوزتها تحتفظ بها على الذاكرة الرئيسية لجهاز الحاسوب الخاص بها.. ولا تخرجها أبداً أو تضعها بذاكرة خارجية خوفاً من الضياع.. لذلك كلما أرادت الخلود إلى النوم.. تضع جهازها تحت فراشها وتنام فوقه.. لاحظت ذلك عندما كنت معها..

هذه المهمة التي أريد من مريم أن تنفذها..

وكما كان متوقعاً.. رفضت بقوة في البداية.. وتنبأت بالمصائب التي قد تحل عليها، عند اكتشاف خديجة لاختفاء جهازها.. خصوصاً أنها الفتاة الوحيدة التي معها بالغرفة..

الحقيقة.. لقد كانت تنبؤاتها حقيقية وواقعية.. ولكن لم يمنعني ذلك من الاستمرار من إقناعها.. خصوصاً أنني كنت على يقين بأن الحقيرة خديجة لن تخاطر بالمجاهرة باختفاء الجهاز.. ولن تبلغ عنه أبداً..

لا الشرطة ولا حتى إدارة السكن..

لأنه في حال اختفائه.. ليس أمامها سوى الإنكار بأنه ليس جهازها، حتى لا تتورط..

أعلم بأنها لا تقل حذراً عن ضياء.. هي لن تترك أي أثر بالجهاز يدينها، تماماً كما يفعل ضياء بكل تحركاته.. لكن كل ما يهمني بالجهاز.. الأدلة التي تدينني أنا..

أمثال هؤلاء.. يستعدون جيدا للأحداث الطارئة.. كنت فقط أخشى من شيء واحد...

أنها ربما قد تضر مريم في حال غضبها منها.. أو الشك بها..

سألتها:

- هل يمكن لأخيك سعد أن ينتظرك بالخارج غداً حتى تقومي بالخطة؟

- نعم، ولكن بعد يومين لدي مناسبة.. احتفال صغير لقريباتي بمنزلهم هنا بجدة.. ما رأيك لو بعد أسبوع؟ كي لا يشك أخي أو يتذمر من كثرة خروجي..

- جمييييل سيكون موعد الخطة بنفس يوم حفلة أقاربك!

استغربت مريم التوقيت.. وأخبرتها بزوال هذه الغرابة عند استماعها لي..

لذلك قمت بترتيب خطة محكمة.. وشرحتها بالتفصيل لمريم.. وكانت كالآتي:

تسعى مريم بأقرب وقت من الحصول على منوم قوي!

ومن ثم تضعه بحذر في كوب خديجة الذي تشرب منه وقتها، من دون أن تراها، ثم تنتظرها حتى تنام.. قبل هذا كله ترتدي مريم عباءتها وتستعد أمام خديجة وتخبرها بأنها لديها مناسبة عائلية اليوم مع أقاربها.. تجلس مريم للحديث مع خديجة وتطلب منها متابعة أحداث الحفلة على حسابها بسناب شات.. التي أخبرتني مريم بأن خديجة طلبته منها قبل يومين تقريباً.. سيخدمنا ذلك كثيراً كدليل على خروج مريم والانشغال بالمناسبة العائلية.. بعد أن تضع المنوم وتشربه خديجة.. تخرج مريم من أمامها بعد أن تودعها قبل أن تنام.. تعود بعد ربع ساعة وستجد أن خديجة غرقت بالنوم استجابة لفعالية المنوم.. عندها تخرج من حقيبتها كيس قمامة تضع به العديد من النفايات ثم تضعه بمنتصف الغرفة.. تطلب من الخدم أن يأتوا للغرفة بعد ساعة كي ينظفوها.. وتخبرهم بأن زميلتها نائمة ولا مانع من التنظيف.. ثم تأخذ الجهاز بحذر وتخبئه تحت عباءتها وتخرج فوراً قبل حضور الخدم.. كل هذا يحدث وسط انتظار أخيها سعد لها بالخارج..

كانت الخطة من اجتهادي وأتمنى أن تنجح..

اتفقنا أن تنفذها بعد يومين.. باليوم الذي سيقام به احتفال أقاربها..

وطلبت منها خلال هذه اليومين أن تسعى باستراق النظر، ومراقبتها عندما تكتب الرقم السري للجهاز، كي نستطيع بعد ذلك من فتح الجهاز والاستفادة منه..

ودعت مريم بعد ترتيب كل شيء.. أخبرتني بنفس اليوم أنها استطاعت الحصول على منوم فقال كفيل بأن يجعل خديجة تنام نوما ثقيلاً لثلاث ساعات متواصلة..

حصلت عليه من صديقتها التي تدرس بقسم الصيدلة..

حضر اليوم المنشود.. كانت الساعة تشير تقريبا إلى الساعة الثالثة عصراً..

وكنت خائفة جداً من تردد مريم أو فشلها..

لم يتوقف القلق لدي حتى فتحت الباب ورأيت مريم تضحك وبيدها الجهاز!

دخلت مسرعة وهي ترتجف خوفاً رغم ضحكاتها.. سألتها:

- هل نجحت بالمهمة؟

أعطتني الجهاز بسرعة وكأنها تريد أن تتخلص منه وجاوبت وهي تضحك:

- طبعاً نجحت.. لكن بعد سقوط قلبي بقدمي.. مت عشرات المرات خوفاً حتى وصلت إليك.. نجحناااااا..

هجمت عليها وحضنتهما هي والجهاز.. حضنتهما بقوة.. وأنا أضحك معها فرحاً..

أحياناً.. يحضر الضحك عندما يتجاوز الموقف حدود الطبيعة..

قد يحدث ذلك.. عندما نعيش تجربة مرعبة تتعدى حدود الخوف والبكاء..

نضحك من الصدمة.. هذا ما حدث مع مريم..

وأما أنا سبب ضحكي يختلف عنها.. ضحكت من فرط الحزن!

بمعنى.. قد نمر مثلاً بمصائب متتالية..

نشعر من خلالها بأننا أصحاب حظ سيئ إلى درجة مضحكة.. 

فبعد أن نحزن بالبداية ويتكرر الحزن بشكل غريب.. ننفجر ضحكاً!

ولذلك نقول أحياناً (شر البلية ما يُضحك)..

سألتها إن رآها أحد وهي تقوم بالمهمة.. أو أنها أخطأت أثناء التنفيذ..

لكنها أجابت بثقة رهيبة وهي ساخرة:

- لا أسمح لك.. الخطة نفذتها بحذافيرها وبعد كم ساعة ستستيقظ خديجة وتعيش الصدمة.. لا أريد أن أتأخر.. أخي ينتظرني بالأسفل.. أحتاج لشراء بعض الحلويات، والذهاب إلى الكوافير.. قبل أن أسير إلى الحفلة كي أكمل ما تبقي من الخطة.. سوف أصور عشرات الصور كي تكون دليل براءتي.. تفضلي هذه الورقة بها الرقم السري للجهاز.

- رائعة يا مريم.. الرقم السري كنت أخشى ألا نستطيع الحصول عليه.. حسناً لن أعطلك.. وأنا كذلك سأذهب لزيارة ضياء، قبل أن تستيقظ وتتصل به خديجة كما هو متوقع كي تخبره بالمصيبة التي حلت فوق رؤوسهم.. كلمة شكراً لا تكفي بحقك حبيبتي مريم..

توادعنا وكل منا ذهب لإكمال مهمته.. ثم أغلقت الباب بإحكام..

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا