يا بعده 3 للكاتبة علياء الكاظمي

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2021-07-26

(14)

العرس

ألقيت نظرة أخيرة على مرآتي قبل أن أنزل إلى أمي وأختي المنتظرات في بهو المنزل.

ابتسمت لصورتي المنعكسة في المرآة. اتصل بي حمد عندما كنت بالصالون. سيكون مشغولًا بعرس الرجال، وأكد على أن أرسل له رسالة هاتفية لأخبره بمكان جلوسي كي يراني أثناء زفة فواز.

ارتدت أمي ليلتها ثوبًا أسودًا أنيقًا وتحلت بعقد ماسي ضخم يخطف الأبصار، ارتدت تهاني ثوبًا أزرقًا بسيطًا وتركت شعرها المتماوج منسدلًا على ظهرها في حين ارتدت دلال ثوبًا قصيرًا بلون الورد اشترته من فرنسا.

أذكر انتقاد دلال لثوبي عندما رأته، قالت إنني سأبدو كأم العروس! وأنه لا يناسب عمري. لكنني لم أهتم برأيها، فما رأيته خلال مرآتي اليوم يكفيني.

نزلت إليهم فشهقت أمي: ما أجملك اليوم يا بسمة!

صفقت تهاني كطفلة: الله. تبدين رائعة!

أما دلال فقد ابتسمت لي بإعجاب وقالت: لم أتوقع أن يكون الثوب رائعًا هكذا.

قالت أمي: أختكِ هي الرائعة.

كان الثوب فخمًا ومميزًا. رفعت شعري كله خلف رأسي بتسريحة جميلة ورغم أنها كانت ثقيلة جدًا وكأنني أحمل طفلًا فوق رأسي إلا أنني أحببتها. ارتديت كعبًا عاليًا منحني طولًا فارعًا. وارتديت أقراطًا ماسية ضخمة وخاتمًا يناسبها بيدي اليمني واكتفيت بساعتي الثمينة بيدي اليسرى،

صبغت شفتي بلون أحمر كلون الثوب تمامًا وكحلت عيني بكحل أسود فاحم. بدوت جميلة جدًا، أجمل من المعتاد. والحب في قلبي منحني روحًا ذات رونق خاص وثقة كبيرة.

وضعت دلال وشاحًا على كتفيها قبل أن تخرج وفعلت تهاني مثلها.

أما أمي فلم ترتدي فوق ثوبها ذي الأكمام الطويلة شيئًا وكذلك أنا.

خرجنا لنركب مع السائق الذي أعطته أمي العنوان ذلك الصباح ليبحث عن البيت، فلم تكن تطيق البحث بالسيارة مما يصيبها بالغثيان.

قبل أن نخرج قلت: أريد أن تراني ماما نشمية.

قالت دلال: لقد تأخرنا.

قلت بإصرار: سأطل عليها وآتي سريعًا.

خطوت نحو منزل جدتي مسرعة رغم كعبي العالي.

وكانت تجلس في الصالة مع عمي ماجد. دخلت عليهما فوقف عمي مبهورًا بجمالي. قلت ضاحكة: ما رأيكما؟

لمعت عينا جدتي بفرحة وقالت: تبارك الله أحسن الخالقين.

سألني عمي: ستذهبون إلى عرس الجيران؟

قلت: نعم.

قال: أخبرتني أمي. تبدين جميلة جدًا يا بسمة. لم أكن أعرف أنك بهذا الجمال!

أسعدني إطراء عمي كثيرًا. ورق قلبي عليه. فقد كنا نعامله دائمًا بجفاء لأنه أراد فرض سطوته علينا بعد وفاة أبي.

قلت له بلطف: شكرًا يا عمي الحبيب.

ابتسم لي وقال: حفظكِ الله يا بسمة.

سمعنا بوق السيارة بالخارج فعرفت أن على الذهاب قبل أن تقتلني دلال، فاستأذنت ذاهبة،

خرجت لأركب السيارة وسط تذمر دلال مني لتأخري،

وذهبنا إلى العرس.

كان منزل العروس آلاء كبيرًا. إنه منزل ذو بناء قديم وقاعات كبيرة. عرفت لاحقًا من حمد أن هذا المنزل كان لجدها وبعد وفاته وقد استدخله والدها بعد أن سدد ثمنه للورثة،

في السرداب الضخم الذي يضم قاعة كبيرة تمتد على حجم مساحة المنزل الكبير كان الحفل.

دخلنا مع أمي التي تقدمتنا، لمحتها والدة حمد ورحبت بها كثيرًا، بجوارها كانت أم آلاء وخالتها ثم وقفت هبة أخت حمد، وكانت المرة الأولى التي أراها فيها،

عرفتها على الفور قبل أن تقدمها أمها لنا. لم تكن تعرف وقتها علاقتي بأخيها. لكنها رحبت بنا بطريقة ودودة جدًا.

تشبه هبة أمها كثيرًا وتحمل بعض ملامح حمد، أحسست أنها إنسانة طيبة، وارتحت لها منذ رأيتها، تقدمنا إلى داخل القاعة وقد اتجهت عشرات العيون صوبنا، كنا مختلفين عن الحضور الذي يضم المقربين من العائلتين، ولم يكن هناك أي من معارفنا في الحفل،

جلسنا على يمين الكوشة في مكان بارز. وقد اخترت بنفسي مكان جلوسنا. حيث يمكننا رؤية العروس عندما تجلس بوضوح.

كان الحفل يضم أغاني بلا موسيقى، كما تعتمد بعض الأسر المتدينة في أفرحها، وكانت المرة الأولي التي أحضر فيها حفلًا كهذا.

بدت أم حمد سعيدة جدًا. وقد أتت لتتحدث مع أمي عدة مرات ولتطمئن أننا على ما يرام،

اعتذرت أمي لها عن عدم حضور ماما نشمية وأوصلت إليها سلامها. عند العاشرة والنصف دخلت العروس.

كانت آلاء قصيرة القامة. بيضاء البشرة. شعرها مصبوغ بلون بني فاتح جميل. ملامحها ناعمة. يبدو عليها الهدوء. دخلت وهي ترتدي ثوبًا أبيضًا بسيطًا. وطرحة طويلة جدًا تجرها خلفها وتساعدها أختها في جرها كلما خطت نحو الكوشة.

لم أكن أحب الطرحة الطويلة التي تتعب العروس في سحبها، لكن دلال كانت تحبها وقالت إنها سترتدي طرحة طويلة جدًا في عرسها كي أقوم بسحبها وراءها. ضحكت على تعليق دلال،

همست لي: قد تكونين عروسهم التالية.

ابتسمت لها. سألتنا تهاني: هل ستبقون إلى أن يدخل العريس؟

قلت بسرعة: نعم.

قالت تهاني: لا أستطيع أن أتأخر كثيرًا.

قالت دلال لتنقذني من خروج مبكر قبل رؤيتي لحمد: يمكنك أن تعودي مع زوجك أن أردت. لأننا نريد البقاء للعشاء. فهم جيراننا ونريد عمل الواجب معهم. لن يكون لائقًا أن ننصرف باكرًا.

سكتت تهاني على مضض وأرسلت رسالة لزوجها بأننا سنتأخر وأخبرها أنه سيأتي لاصطحابها بعد ساعة،

قالت أمي: تريدون البقاء للعشاء؟

أصرت دلال المنقذة: طبعًا. ألا ترين كيف فرحت بنا الخالة عالية؟ عيب أن نخرج باكرًا.

أومأت أمي برأسها موافقة على كلامها، مددت يدي وضغطت على يد دلال شاكرة فهمست لي: عندما أحب. يجب عليك أن تردي لي الجميل.

ضحكت وضربت يدها: لازلت صغيرة على الحب.

مضى الوقت سريعًا ولم أنسى أن أبعث لحمد رسالة هاتفية كتبت فيها:

نحن نجلس على يمين الكوشة. في الصف الثاني.

ولم يرد على. لكن لابد أن رسالتي وصلت إليه. في الحادية عشرة والنصف تهاني لترحل حيث وصل زوجها ليأخذها.

وبعدها بنصف ساعة. عند منتصف الليل تمامًا أعلن عن دخول العريس،

دخل فواز يتوسط أباه وحمد. وبجوارهم أخوهم الصغير سعود. ورجال آخرون لا أعرفهم وراءهم.

تعلقت عيني بحمد منذ دخوله. خفق قلبي وأنا أراه في الزفة وتخيلته عريسًا. يرتدي البشت، ويزف إلي.

كان يبدو وسيمًا. وبمجرد اقترابه من الكوشة التفت نحوي مباشرة، لمحني فابتسم.

قالت أمي: العريس طويل جدًا على العروس.

ولأول مرة انتبه لفواز. ذي الطول الفارع كحمد والذي يبدو ضخمًا جدًا بجوار آلاء الصغيرة الحجم.

بدت آلاء شديدة الخجل وقد تمت تغطية شعرها ووجهها بالكامل بقماش أبيض مطرز عند دخول الرجال فباتت كتمثال أبيض صغير لا يظهر منه شيء. بقي الرجال يسلمون على فواز ويباركون له زواجه وحمد يلتفت نحوي كل برهة ويبتسم لي سعيدًا،

بعد خروج أغلب الرجال بقيت أسرة حمد وحدها لتلتقط الصور مع فواز وعروسه وقد صعدوا جميعًا نحو الكوشة. كانت هبة تقف مع زوجها بجوار حمد وكذلك ابنتها الصغيرة.

وبعد انتهاء التصوير همس لها حمد بشيء ما، فالتفتت نحوي بدهشة. ثم ابتسمت لي ابتسامة كبيرة، وعرفت أن حمد قال لها شيئًا عني، فخجلت وأطرقت برأسي.

عند العشاء أبدت بي هبة اهتمامًا كبيرًا. وكانت تسترق إلى نظرات متفحصة لم تغب عن ملاحظتي.

وعندما حان وقت الرحيل ودعتني بحرارة وهي تقبلني،

عدت إلى المنزل سعيدة وقد تملكتني أحلام واعدة تجمعني بحمد،

وبمجرد دخولي إلى غرفتي رن هاتفي. وكان هو المتصل،

سألته ضاحكة: كيف عرفت بعودتي؟

قال ضاحكًا: كنت أراقب بيتكم. ورأيتكم تدخلون.

امتدت مكالمتنا تلك الليلة إلى الفجر. ونمت خلالها من شدة التعب وأنا بثوب السهرة وعندما استيقظت وجدت الهاتف في يدي،

قلت: ألو؟

فجاءني صوت حمد الذي بقي يستمع لأنفاسي النائمة: أحبك يا بسمة. حب يتسع للكون كله.

***

(15)

فبراير

نلتقي في حياتنا بأشخاص يغيرون مصيرنا. بعدهم لا يعود أي شيء كما كان سابقًا. كل ما بداخلنا يختلف ويتغير. وكل ما حولنا تصبح له دلالات مختلفة بسببهم.

منزلنا، أصبحت أحبه كثيرًا من أي مكان في العالم لأنه ملاصق لمنزله، سيارتي أصبحت أعشقها لأنها الوسيلة التي تنقلني إلى الأماكن التي تجمعني بحمد.

عيناي أصبحتا أكثر ما أحبه في وجهي لأن حمد يتغزل بهما ويقول إنه لم ير في حياته أجمل منهما.

كل شيء كان يتغير بمجرد أن يصبح له علاقة بحمد، أصبح حمد كل عالمي. أقيس الأمور بمقياسه وأحب كل ما يحبه وأتأثر بكل آرائه، لا يعني ذلك أنني ألغيت شخصيتي من أجله، أبدًا، لكن روحي كانت تنصهر حبًا فيه،

شريفة، دلال، وعمتي حصة كلهن يعرفن بقصتي معه، كلهن يعرفن كم هو قوي هذا الحب. وكم غيرني.

جاء عيد ميلادي الواحد والعشرين هذا العام مختلفًا، لم أرد أن أقيم حفلة. فحفلتي الحقيقية هي حمد، لم يعد يسعدني أحد سواه،

ألحت علي دلال لنقيم حفلة. فكما تقول إنني سأبلغ سن الرشد، والأمر يستحق الاحتفال، ضحكت على كلامها ورفضت، وفي يوم عيد ميلادي صحوت باكرًا ونزلت إلى بهو منزلنا لأجد باقة من الزهور تنتظرني، ابتسمت للباقة الحمراء الجميلة، اقتربت منها وقرأت البطاقة، "عيد ميلاد سعيد. جارتك هبة" وضحكت، إنه حمد، يتخفى تحت اسم أخته هبة، سحبت أكبر وردة في الباقة الجميلة وقربتها من أنفي بحب، قبلت أوراقها، وأخذتها إلى غرفتي، فتحت إحدى الروايات التي أحبها ووضعت الوردة بين صفحاتها ثم أخفيتها تحت مجموعة من الكتب.

اقتحمت دلال غرفتي فجأة وقالت: رأيت الباقة التي أرسلها حمد؟

ابتسمت لها، وقد عرفت مثلي أنها من حمد المتخفي باسم أخته

وقلت: نعم.

قالت دلال: كم هي جميلة. أشعر وكأنه قام باختيارها وردة وردة.

قلت بهدوء: لا تبالغي.

قالت: ماذا سنفعل اليوم؟

قلت بخجل: يريد حمد أن يراني، واعدته في السابعة على البحر.

قالت: ألن نخرج للعشاء؟ ألا تحبين أن نقوم بشيء مميز؟ ألا يكفي أنكِ رفضت الاحتفال!

قلت لها: يمكننا إحضار كعكة في يوم الزوارة الأسبوعية ما رأيكِ؟

قالت: لكن عيدك الحقيقي اليوم؟ دعينا نخرج.

لم أرد أن أخيب ظن دلال. فقررت أن أخرج معها هي وشريفة للعشاء في الثامنة والنصف.

بعد أن ألتقي حمد، قلت لها أن تحجز طاولة لنا في أحد المطاعم. وأن تأتي إلى هناك مع السائق بعد أن تقل شريفة التي - ترفض القيادة - في طريقها، أما أنا فسوف ألحق بهما بعد لقائي بحمد،

اتصل بي حمد وشكرته على الورود الجميلة التي فرحت أمي بها ووضعتها في إناء زجاجي أنيق وقد أشادت بلطف هبة.

تلقيت عدة رسائل تهنئة على الهاتف من صديقاتي ومن البعض من قريباتي، اتصلت بي عمتي حصة وقالت بلهجتها الكويتية- البحرينية التي اكتسبتها بعد زواجها: كل عام وأجمل بسمة بخير.

فرحت باتصالها كثيرًا، وأخبرتني أنها ستأتي إلى الكويت خلال عطلة العيد الوطني نهاية الأسبوع القادم.

سعدت لهذا الخبر، وفي السادسة والنصف بدلت ثيابي وأنا ابتسم. ارتديت بنطالًا واسعًا أبيض اللون وقميصًا كحليًا ذا أكمام واسعة، وحزامًا عريضًا جميلًا يظهر خصري النحيل. وحذاءً أنيقًا ذهبي اللون، حملت حقيبتي الذهبية التي أحبها وخرجت بعد أن تزينت بعناية وتركت شعري منسدلًا خلف ظهري،

قدت سيارتي إلى شارع الخليج وعند أحد المطاعم الفاخرة ركنت سيارتي ونزلت أمشي باتجاه البحر، جلست على كرسي مقابل المياه الهادئة التي تسطع عليها الأضواء، وخلال دقائق سمعت صوت حمد يقول وهو يجلس بجواري: كل عام وحبيبتي بخير.

نظرت إليه بسعادة وقلت: وأنت بألف خير.

قال حمد: مر عام على لقائنا. لا أصدق كيف مرت الأيام بهذه السرعة.

قلت: تقول ماما نشمية أن الأيام الجميلة هي التي تمضي بسرعة،

قال حمد: وستكون كل أيامنا معًا جميلة. أعدكِ.

أخرج حمد علبة صغيرة من جيبه. فتحها فبرقت فيها دبلة ذهبية بها فصوص ماسية صغيرة براقة،

التقط حمد يدي. ورغم خجلي لم أقم بسحبها منه، وضع دبلته في أصبعي وقال: بسمة. أريد أن أتقدم للزواج بكِ.

فاجأني حمد تمامًا. وتلعثمت ولم أعرف كيف أرد عليه، انحني وقبل يدي ثم تركها وقال: سأكون أسعد رجل في العالم إن أصبحت زوجتي.

نظرت إلى الدبلة التي ناسبت أصبعي تمامًا. مددت يدي الأخرى ولمستها وكأنني أريد أن أتأكد أنني لا أحلم.

ثم نظرت إلى حمد بحب لا حد له، قلت بصوت هرب مني: حمد. أنا سعيدة جدًا، لقد فاجأتني.

قال: الليلة سأفاتح أهلي بموضوع زواجنا، وبعدها سأطلب منك تمهيد الأمر مع أهلك قبل أن تتصل أمي بهم. المهم أن نكون معًا، لم أعد أطيق البعد عنكِ.

قلت: وأنا أيضًا. لقد أصبحت كل شيء في حياتي، لم يعد للحياة معني من غيرك.

مر الوقت سريعًا وأنا أكاد أطير من فرط سعادتي وأخيرًا هممت بالقيام كي لا أتأخر على أختي وصديقتي.

وقفت مودعة لحبيب عمري الذي تضاعفت حبه في قلبي بعد طلبه الزواج مني،

أعطيته ظهري لأسير باتجاه سيارتي.

لكنه ناداني: بسمة.

التفت نحوه وقلت: يا بعده.

نظر إلى متسائلًا: يا بعده؟

قلت بصدق وعشق لا تصفه الحروف: يا بعد قلب بسمة، وعمر بسمة وروح بسمة.

ابتسم لي ابتسامة كبيرة واقترب مني بقامته الطويلة وقال: أحبكِ.

***

(16)

عشاء مختلف

لحقت بموعدي مع أختي وشريفة قرابة التاسعة، دخلت إليهما في المطعم بوجه يفيض بشرًا وسعادة،

قالت دلال: لولا أنه عيد ميلادك لأكلنا أنا وشريفة قبلك وتركناكِ تدفعين لنا الفاتورة أيضًا.

قلت ضاحكة وأنا أجلس: مستعدة أن أدفع كل فواتير كما لشهر قادم. بل لسنة قادمة.

قالت شريفة: يجب أن توقعي على هذا الكلام، والآن قبل أن تغيري رأيك. ما الأمر؟ ما الذي يسعدكِ إلى هذا الحد؟

رفعت يدي أمامها وشهقت كلتاهما وهما تريان الدبلة اللامعة في أصبعي.

صرخت دلال: سيخطبكِ؟

هززت رأسي إيجابًا، فهتفت شريفة: ألف ألف مبروك، ما أجمل هذا الخبر.

قلت: سيفاتح أمه بالموضوع الليلة.

قالت دلال: لقد أخبرتك. حاستي لا تخيب. كنت أعرف أنكما ستتزوجان. ألف مبروك يا أختي.

قالت شريفة: يجب أن أعمل رجيمًا بأسرع وقت، أعز صديقاتي ستتزوج وأنا على هذه الحال!

طلبنا على الفور عشاءً فاخرًا على شرف عيد ميلادي الأسعد في حياتي وعلى شرف خطبتي المرتقبة،

أكلنا كثيرًا، وشريفة التي كانت تتحدث عن الرجيم نسيت حديثها على الفور، اقترب  العاملون في المطعم مني وهم يغنون لي أغنية العيد ميلاد ويحملون كعكة صغيرة عليها شمعة واحدة، أطفأت شمعتي وتمنيت أن يتم زواجي من حمد على خير. وبأقرب وقت. انتهت حفلتنا الصغيرة قرابة الحادية عشرة مساءً، وصلنا شريفة بسيارتي وعدت مع أختي إلى المنزل، لم تغضب أمي لتأخرنا فقد تعودنا على الحرية، وتعرف هي مكان وجودنا وأننا نحتفل بعيدي السعيد،

 قبلتني أمي وقالت: أتمني لكِ سنة سعيدة يا ابنتي الغالية.

قبلتها بدوري واحتضنتها بسعادة، لمحت الدبلة في أصبعي،

فقالت: بسمة. ما هذا الخاتم في أصبعك؟

أنقذتني دلال كعادتها: هذه هدية شريفة، قالت إنها اشترت دبلة لبسمة لتكون فأل خير عليها وتتزوج سريعًا.

ضحكت أمي وقالت: كم غريبة تصرفات شريفة.

سنرى إن كانت فألًا طيبًا أم لا.

نظرت إلى دلال بامتنان. وشعرت كم أحبها. صعدت إلى غرفتي. بعثت رسالة إلى حمد فلم يرد. اتصلت به فلم يرد أيضًا. بدلت ثيابي واندسست في سريري، وتركت هاتفي بجواري كي أجيب حمد عندما يتصل،

نمت من شدة التعب ودبلة حمد- الذي لم يتصل تلك الليلة- تلمع في أصبعي.

***

(17)

رفض غير متوقع

لم تعجبني نبرة صوته عندما حادثته في اليوم التالي، شيء ما بصوته أخبرني أن الأمور ليست على ما يرام،

وعندما ألححت عليه ليخبرني تلقيت صدمة عظيمة، عندما أخبرني أن أمه غير موافقة على زواجنا!

قالت أمه إنني غير مناسبة لحمد، فمن ناحية عائلتنا ذات تقاليد مختلفة عن عائلتهم، فأطباعنا تختلف عنهم!

ومن ناحية أخرى وصفتني أمه بالفتاة المتحررة!

قالت له إنني غير محجبة ومتبرجة وفوق هذا أخرج وحدي مع صديقاتي وأتأخر كثيرًا في عودتي،

قالت إنني مختلفة كثيرًا عن آلاء زوجة فواز. المتدينة والمحجبة طبعا والتي تناسبهم جدًا!

غضبت من كلام حمد الذي حاول تهدئتي، وقال لي إنه لم يرد إخباري بكل ما قالته أمه لكنه لم يستطع إخفاء الأمر عني خاصة وأنه وعدني بالتقدم لي على الفور، ولم يحب أن يبدو مماطلًا في نظري.

فوجئ حمد نفسه بردة فعل أمه التي وصفها أنها تبالغ، لكنه أكد لي أنه سيكون عند رأيه، وسيصر على الزواج مني وإلا فإنه لن يتزوج أبدًا طوال حياته،

طمأنني بأنه متمسك بي، وأنه لن يستسلم أبدًا، وحاول تهدئتي، فقد استشطت غضبًا لكلام أمه عنا، وتمنيت لو استطعت الرد عليها،

لكنني أحب حمد حقًا، ورضاها مهم لإتمام زواجي منه، لذلك قررت ترك الأمر له،

فأنا في كل الأحوال لا أستطيع مناقشتها أو التحدث معها في أمر كهذا.

ذهبت إلى الجامعة بوجه مكفهر غاضب، فوجئت شريفة بتبدل أحوالي عن البارحة، جلست معها وحدنا وانفجرت قنبلة غضبي، أخبرتها بكل ما قالته أم حمد وبلغتها برفضها لي.

قالت شريفة بحنان: لا عليكِ. أسبابها واهية، ومع بعض الإلحاح من حمد ستوافق. المهم أن حمد يحبك. والأسباب التي ذكرتها أمه ليست خطيرة أو جوهرية بحيث أنها قد تمنع زواجكما، تفاءلي بالخير وسترين.

قلت بحزن: ماذا إن أصرت على الرفض؟ أخاف أن أخسر حمد بسبب عناد أمه.

بجدية قالت شريفة: لن تخسريه ما دام جادًا بحبك، انظري، لقد اشترى لك الدبلة. الرجل يريدك. وهو صادق في حبه.

ضحكت وأنا أقول: على فكرة. أمي تظن أن هذه الدبلة هديتك لي.

دلال أنقذتني بهذا الكلام عندما لمحت أمي الدبلة.

ضحكت شريفة وخبطت على صدرها بطريقة مضحكة: حسبي الله عليكما أنت وأختك المجنونة.

وهكذا هي شريفة. تجعلني ابتسم حتى وأنا بأسوأ حالاتي، ما أروع الصديقات.

***

(18)

مناقشات

أخبرت دلال برفض أم حمد لاختياره لي فجنت غضبًا قال بانفعال: من تظن نفسها هذه المرأة؟ من هي لترفضك؟ لو كنت مكانك لكنت رفضتهم وتركت حمد على الفور!

نظرت في عينيها. ورأت هي في عيني حب حمد الذي بات من المستحيل انتزاعه، قلت بحكمة: هو لا ذنب له، يحبني كثيرًا، وأنا أثق به. يحتاج الأمر لبعض الوقت والإقناع.

كادت دلال أن تصرخ: يا لبرودك يا بسمة، تناقشين الأمر ببساطة. الموضوع يخص كرامتك وكرامة أسرتنا كلها و.

قاطعتها: دلال. أنا أحب حمد، ولا يهمني ما تظنه أمه بنا، لكنني لا أستطيع أن أتزوجه دون موافقتها ورضاها، لذا أنا هادئة، وخارج الموضوع تمامًا، حمد ينقل لي كلامها كي لا أظن أنه يماطل كما أنه يريد أن يكون صريحًا معي على الدوام، لا يوجد حل سوى الصبر والانتظار.

لم تقتنع دلال بكلامي، كانت تريدني أن أثور على حمد وأمه وأن أصرخ بأنني أنا التي لا تريدهم. وأن عائلتهم لا ترتقي لتناسب عائلتنا و.

لم أستطيع لومها، فكل شخص يشعر بغضب لا حد له عندما يتم المساس بكرامته وعائلته.

لم يتغير شيء بيني وبين حمد، ولم أعد أسأله كثيرًا عن موضوع الزواج. كنت واثقة أنه لن يستسلم لذا تركت الأمر له، فتلك المرأة هي أمه وهو أقدر الناس على إقناعها، المهم أن نكون معًا، لهذه الدرجة أحببته، لدرجة أنني لم أكن أتخيل حياتي بدونه،

أتت عمتي حصة كما أخبرتني وحلت مع زوجها هذه المرة ضيفين عزيزين في منزلنا.

كم أحبها. كنت أشعر بأن الحياة كلها تبتسم كلما رأيتهما،

بدت عمتي حصة متألقة وأخذت تتحدث عن ولدها الذي سينهي الثانوية خلال أشهر قليلة ويريد الدراسة في الولايات المتحدة، لم تكن تتصور أن يعيش ولدها في بلد آخر بعيدًا عنها، قالت لها ماما نشمية إن الأمر عادي وسيعلمه الاعتماد على النفس، وسينضج ويتحمل المسؤولية باكرًا، وكذلك كان رأي أمي قلت لأمي: إذن ستسمحين لمجبل أن يدرس في الخارج؟

قال مجبل الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره وقتها: طبعًا سأدرس في الخارج، كل أصدقائي يريدون الذهاب لأمريكا.

بدت الحيرة على وجه أمي لحظتها، فضحكت عمتي حصة وقالت: الكلام سهل، لكنك وقتها ستخافين، أشعر بالخوف لفكرة أن ولدي الذي اعتنيت به طوال عمري سيعيش وحيدًا في بلد بعيد في قارة أخرى، سأقلق عليه طوال الوقت، من يهتم به؟ ومن يطبخ له؟ وماذا لو اتصلت به فلم يجب علي؟ ستتقاذفني الأفكار وسأعيش بقلق دائم.

قال زوجها: أنا درست في الخارج، أتذكرين؟ كنت تشتاقين لي كثيرًا. وتقلقين علي طوال الوقت.

طبعًا كان ذلك قبل زواجهما، أيام حبهما الكبير،

تنحنحت جدتي لتذكرهما بوجودهما، فضحكت عمتي وقالت كطفلة شقية: حبيبي. لا تقل شيئًا آخر أرجوك. ستغضب أمي. فهي لا تحب فكرة أنني أحببتك لسنوات دون أن تدري.

ضحكنا كلنا. حتى جدتي ابتسمت رغمًا عنها، فعمتي تتصرف بعفوية محببة. وتشيع حولها جوًا مرحًا أينما حلت.

في أمسية لاحقة جلست مع عمتي في جناحها،

كان زوجها خارج البيت. وبمجرد أن جلست على سريرها جلست بجواري وطوقت كتفي بذراعها،

وقالت: ما الأمر. تبدين حزينة. ما الذي يحدث معك؟

غمرني حنانها على نحو مفاجئ ودون أن أعي وجدت نفسي أبكي وقد دفنت وجهي في صدرها،

بلهجتها المحببة قالت: لا. لا. يبدو أن الأمر أكبر مما كنت أتصور. ماذا أفعل حمد؟ أخبريني.

قلت من بين دموعي: ليس حمد. بل أمه!

وحكيت لها. كل شيء. قالت عمتي بعد أن أنهيت حديثي: تريدين الحقيقة أم تريدين مني مجاملتك؟

قلت صادقة: الحقيقة طبعًا.

قالت: أمه معها حق. نحن مختلفون جدًا عن هؤلاء الناس، نحن فعلًا أكثر تحررًا وتفتحًا. انظري إلى حياتنا، نحن نعيش كما يحلو لنا. لو كان حمد أحب ابنة عمك ماجد لكان الأمر أسهل مثلًا فهو معقد. مثل أم حمد.

ضحكت على كلامها. قرصت وجنتي مداعبة وقالت: اضحكي. ودعي الحياة تبتسم لك. واتركي الأمور لحمد كي يحلها بطريقته. وحاولي أن تتفهمي وجهة نظر أمه بدلًا من أن تغضبي منها، أمي مثلًا عارضت زواجي طويلًا، كنت وقتها متيمة بعادل، ولم اقتنع بكل حججها رغم أن بعضها منطقي. المهم في هذه المواقف أن يتمسك حمد بك. واعتقد أنه صادق بحبك، ذلك الطويل بدا لي عاطفيًا جدًا.

قلت بخجل: اشترى لي هذه الدبلة في عيد ميلادي.

أريتها الدبلة التي لم أخلعها من أصبعي من يومها. صفقت بيدها فرحة وقالت: قلت لك. لدي نظرة لا تخيب بالرجال، حمد لن يتخلى عنك أبدًا.

قلت بحزن: فاتح أمه بموضوعنا بعدها مباشرة ورفضت.

احتضنتني بحنان وقالت: لأنها لا تعرفك جيدًا، والله لو أنها عرفتك لكانت أسعد الناس لاختيار ابنها لك.

أسعدتني كلمات عمتي - وزرعت في روح الأمل - وفي تلك الليلة حادثت حمد بروح مختلفة، أحس هو بمزاجي الجميل الذي غاب عني لفترة قال لي ليلتها أن أكثر ما يسعده في هذا العالم هو رؤيتي سعيدة، قال إن ابتسامتي هي أغلى شيء لديه، أخبرني بحب: أتمنى أن أكون دائمًا سببًا لسعادتك. لا أريد شيئًا من الدنيا كلها سوى أن نكون معًا لأنعم بقربك وأتغزل بجمال عينيك وابتسامتك.

أثرت بي كلماته. داعبت الدبلة في أصبعي. دعوت أن يأتي اليوم الذي أرتدي فيه دبلة حمد أمام كل الناس. كان زواجي منه هو الحلم الذي أصبحت أعيش من أجله، تقدم لي عريس في تلك الفترة ورفضته على الفور، لم تناقشني أمي برفضي لأنه كان يدرس في الخارج دراسات عليا، وتعذرت أنا بهذا السبب، فأنا لا ما زلت بالجامعة، ولا أريد السفر مع رجل لا أعرفه بعد الزواج.

عرفت جدتي عن العريس الذي كان من عائلة طيبة تعرفها جيدًا، وتمنت لو أنني تزوجت به،

لكنها تفهمت سبب رفضي،

لم أخبر حمد عن العريس أبدًا كي لا يظن أنني أقوم بالضغط عليه ليتحرك لخطبتي.

أردت انتظاره إلى أن يحل معضلة أمه. وأردت منحه كل الوقت اللازم لذلك.

***

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا