كان {سمير} كعادته قاصدا عمله على متن دراجته الهوائية و لما أراد الإنعطاف إلى { نهج فلسطين} فاجئته أمرأة مسنة تعبر الطريق خارج الممر المخصص للراجلين
ضغط المكابح و حاول تفاديها و لكنها في محاولتها للهروب مضت في نفس الإتجاه الذي سلكه
فوقع ما لم يكن أي منهما يرغب فيه
صدم المرأة و أسقطها أرضا و على بعد عدة أمتار وقعت العصى التي كانت تتوكأ عليها
سقط سمير أيضاً و لكنه نهض سريعا و مضى يطمئن على تلك المرأة المسنة
و لما إقترب منها بدى له أنها أغمي عليها، فجاء بقنينة الماء التي تلازمه دائما و رش منها على وجهها ففتحت عينيها
سألها : - أأنت بخير ؟؟؟
- هل تستطيعين.......؟؟؟
قطع جملته و تفرس في وجهها ماليا
- إنه يعرفها ، إنها { زهرة } بنت ضيعته و تمت له بصلة قرابة ولكن من بعيد.
- نعم إنها هي.
- أو لم تعرفه ؟؟؟
- ماذا تفعل هنا في مدينة سوسة ؟؟؟
دارت تلك التساؤلات في ذهن سمير للحظات
صحيح أنه غادر مدينة {ڨابس} منذ 7 سنوات تقريباً و هو الآن يعمل كحارس في مصنع للأدوية بمدينة {سوسة} و لكنه لم ينسى وجه {زهرة} فقد كان من بين المدعوين يوم زفافها منذ 10 سنوات تقريباً ، بل و يعرف زوجها جيدا فقد كان شريكا له في السكن لفترة وجيزة في أولى أيامه هنا في هذه المدينة
ظل يراقبها في صمت و هي تقف في خفة و بدون الحاجة إلى عكازها الذي كان مرميا على بعد عدة أمتار
فذهب و أحظره إليها
- إنها حقاً لم تتعرف عليه ؟؟
- ولكن لماذا تحتاج هذا العكاز ؟؟؟ إنها ليست متقدمة في السن إلى حد تحتاج معه التوكأ على عصى و لم يكن بها عرج أو إعاقة
أراد الإفصاح عن هويته إليها لكنه إنتبه إلى أن البدانة التى تبدو عليها ليست سوى نتيجة عن إرتدائها عدة طبقات من الملابس
عاود النظر إليها و قد غلبه الإستغراب و التعجب من هيئتها الغير مفهومة و لكنها كانت غير مهتمة به و هي تتحسس جسمها على مستوى البطن و الظهر
فظن أنها أحست في تلك اللحظة فقط بألم ناتج عن الصدمة
فسألها عمدا بلهجة تنتمي إلى مدينتيهما {ڨابس}
- هل تحسين بألم في جسمك
لكن المرأة تجاهلته للمرة الثانية و واصلت تتحسس جسمها
ظن سمير أنها فقدت شيء ما ، جال ببصره حول المكان
فوقع نظره على ما يشبه حزام من جلد أو من مادة مشابهة ملقى على حافة الطريق ، لما أخذه ظن أنه محشو بشئ ما ،
كان مخيطا , لذلك لم يتمكن من النفاذ ببصره إلى ما بداخله....عند لمسه يبدو و أنه حشي برزم من الاوراق المالية
و فجأة إنتبهت المرأة إلى أنه وقع على الذي تبحث عنه
فإندفعت نحوه مسرعة و هي تصرخ
- أعطني حزامي
- أعطني حزامي
كان سمير يواصل تلمسه و قد صارت له قناعة تامة بأن الذي بداخله رزم من الأوراق النقدية
لكن { زهرة} تقدمت نحوه و أمسكت بالحزام و حاولت إنتزاعه عنوة من بين يديه في منتهى القوة و الغلظة
و أثناء عملية الجذب سقطت رزمة من ألأوراق المالية من فئة 20 دينار
كان مشهدا لافت للأنظار لذلك توقف عندهما بعض الفضوليين و صاح أحدهم :
- إنها تتسول و تكتنز أموالها في ذلك الحزام الجلدي
إلتفت {سمير} نحو الصوت فإستغلت هي الفرصة و إنتزعت منه الحزام و إلتقطت الرزمة الملقية أرضا و دستهم في كيس كانت تحمله معها
قال أحدهم: ينبغي إخبار الشرطة ، المرأة تتسول دون أن تكون محتاجة حقا للمساعدة
ولكنها تجاهلتهم و مضت تتوكأ على عصاها مسرعة و ما لبثت أن أبتلعها { نهج القادسية}
و الذين حاولوا اللحاق بها لم يعثروا لها على أثر و قيل أنها قد تكون قد تسللت إلى إحدى البنايات السكينة و إختبأت هناك
كان سمير يروي كل تفاصيل تلك الحادثة { لعبد الله}
طليق {زهرة} و الذي كان زميله السابق في السكن و الذي و لسبب غير مفهوم خير ترك عمله في { سوسة } و إنتقل إلى مدينة { المنستير}
فصارحه { عبد الله} أنه إكتشف بعد زواجه { بزهرة} أنها بمجرد خروجه للعمل تغادر هي المنزل و تقوم بالتسول و هي ليست ذات حاجة و أنه نهاها عديد المرات عن القيام بذلك لكنها لم ترتدع و قد فاجئها أكثر من مرة و هي تتسول في الأسواق و المحلات التجارية و لما عرض أمرها إلى والدتها حاولت إقناعه أنها تفعل ذلك لمساعدته
إذ ذاك هجرها و جاء ليستقر في {سوسة} و بدأ في إجراءات الطلاق
و لكنها طمعا في الحصول على تعويضات تبعته و لاحقته قضائيا و إستقرت في { سوسة} لعلها تريد أن تغيظه كل يوم بتسولها في الاماكن العمومية
و لما صارت تأتي على ذكر صلتها السابقة به و تزعم أنه تخلى عنها إضطر مرة أخرى إلى الرحيل و ترك المدينة.
و عقب قائلا في غبن أنه لن يصمت بعد اليوم٫ خاصة بعد المبلغ المالي الكبير الذي يجب عليه دفعه لها كغرامة طلاق
و عليه أن يفضح أمرها ، طالبا المساعدة من{ سمير} خاصة وأنه شاهد بأم عينيه نصبها و إحتيالها
و هو أيضاً يستطيع الحصول على عنوانها في منتهى السهولة بحكم صلة القرابة التي بينهم
و تم ذلك... و تمكن {سمير} من الحصول على عنوانها بسهولة و قرر هو و {عبد الله} مراقبتها أولا قبل التبليغ عنها
كانت تسكن في غرفة فوق سطح أحد المنازل و راقباها الأثنان و هي تغادر غرفتها ذلك الصباح متكأة على عصاها، تخطو كعجوز في السبعين أو أكثر و عند إقتفاء أثرها شاهداها و هي تمد يدها إلى المارة
البعض يعطيها، و آخرون يتجاهلون يدها الممدودة و على مدى عدة ساعات رأوها تقف عند أبواب المحلات التجارية و تدخل الأسواق و تقف بأبواب المساجد و في المساء عادت إلى غرفتها تحمل عدى الصدقات النقدية ما يكفيها و يزيد من الأطعمة
فقرر {عبد الله} أنه في الغد سيحاول دخول غرفتها عند خروجها في جولتها اليومية و سيحاول إقناع مالك الغرفة بذلك لأنه ليس من مصلحته التستر على محتالة.
و بالفعل أحس مالك الغرفة بشئ من الخوف و قرر التأكد من الأمر بنفسه عند خروجها
قام المالك بفتح باب الغرفة و قد كان برفقته { إبنه } و { سمير } و {عبد الله } بالمفتاح الذي معه ، فهي لم تحاول حتى تغيير القفل
كان في الغرفة رائحة كريهة تصدر من الأطعمة الفاسدة التي تراكمت فوق طاولة من خشب . و على الفراش الذي تنام عليه أغطية كثيرة بعظها يتدلى على الأرض
فألقى {عبد الله} نظرة تحت السرير فوجد 3 صناديق من خشب ملآنة بالقطع النقدية المختلفة ( كان منظرا يثير الدهشة) و فوق أحد تلك الصناديق مجموعة من الصور و الاوراق الخاصة ب{ زهرة}
و لكن ما إسترعى إهتمام { سمير} صورة لمنزل يبدو أنيقا لا يدري أين يقع و على ظهر تلك الصورة كتب بخط بالكاد يقرأ ( سأشتريه)
غادروا أربعتهم و هم يتساءلون هل تحترف { زهرة} التسول لشراء ذلك المنزل؟؟؟
سينتظرونها و يسألوها و قد قرر مالك الغرفة طردها...
إنتظرها أربعتهم لساعات و ساعات و لكنها لم تأتي و منذ ذلك اليوم لم تعد ترى في شوارع مدينة سوسة و لا إستطاع أحد من معارفها أو من أجزهة الأمن أن
يأتيهم بخبرها منذ 4 سنوات إلى حد الآن
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا