أحلام الشهرة أوصلتها لأعماق النهر
لاس فيغاس، ولاية نيفادا الأمريكية
عام 1987م
لاس فيغاس.. تلك المدينة الساحرة التي تشتهر بالملاهي والكازينوهات وصالات القمار والأنشطة السياحية، حيث تقصدها الفتيات الحالمات بالشهرة والثراء السريع وفرص العمل، حيث يهربن من مسكن ذويهن ويحلمن بالاستقلال والعيش بتلك المدينة بحثًا عن الشهرة السريعة.
سابرينا كيد.. البالغة من العمر 17 عامًا، كانت إحدى تلك الفتيات، حيث هربت من منزل أسرتها بولاية تكساس وذهبت لخالتها في لاس فيغاس للعيش معها حتى تجد عملًا مناسبًا، لكن تلك الفتاة الجامحة سرعان ما تركت منزل الخالة لتقيم مع صديق لها عاطل عن العمل، وسرعان ما افترقا لتجد نفسها وحيدة شريدة في تلك المدينة الصاخبة.
أخذت سابرينا ذات الأحلام الكبيرة تبحث عن عمل مناسب لها خاصة أنها بلا خبرة ولا موهبة، بل تملك خبرات محدودة، وتعلم أن ذلك صعب في تلك المدينة التي تجتاحها آلاف الفتيات يوميًا للبحث من فرص عمل وشهرة وثراء.
ترددت سابرينا على مكاتب التوظيف وعملت مؤقتًا في المطاعم والملاهي، ومن عمل إلى عمل، حتى انتهى بها الأمر إلى السرقة من السوبر ماركت لتسد رمقها فتم القبض عليها ومحاكمتها وانتهي بها الأمر لترحيلها إلى أسرتها في تكساس.
عادت سابرينا إلى أسرتها نادمة، لكن لم يمض غير أسبوعين حتى فكرت بالعودة لمدينة الأحلام لاس فيغاس رغم صدور حكم بإبعادها عنها.
وألحت على أمها التي راسلت السلطات للسماح لها بالعودة فجاء الرد بالموافقة شرط وجود من يتكفل بها في تلك المدينة.
وتذكرت سابرينا المنزل الذي استأجرت منه غرفة في فترة سابقة، فشدت الرحال إلى لاس فيغاس من جديد لتبدأ رحلة الأحلام ورحلة الضياع.
ظلت تلك الفتاة النحيلة الحالمة أنها تمتلك موهبة كبيرة تمكنها من اقتحام عالم الغناء والاستعراض بسرعة، لكن خاب ظنها حين لم يلتفت لها أحد.
فاتجهت إلى الدعاية الإعلانية وهو أقصر طريق للشهرة للدخول إلى أستوديوهات السينما.
راسلت سابرينا والدتها قائلة:
أمي الحبيبة، لقد فقدت الأمل بالاتجاه لعالم الغناء والاستعراض، لكنني سأتجه لطريق الإعلانات عن طريق مصور فوتوغرافي وعدني بالتقاط صور لي تبرز موهبتي، لكن ما حدث بعد ذلك قد خيب ظنوني.
فحين اتجهت للأستوديو للتصوير اكتشفت أن هذا المصور أراد استغلالي بالتقاط صور عارية لي للاتجار بها، فرفضت ذلك وغادرت. انتظريني برسالة أخرى أعلمك بالمستجدات.
ابنتك المحبة: سابرينا
وكانت تلك آخر رسالة لتلك المراهقة قبل أن تختفي وسط تلك المدينة الصاخبة.
سابرينا
أخذت الأم تنتظر رسائل ابنتها لكن لا مجيب، فاستبد بها القلق واتجهت للشرطة للإبلاغ عن اختفائها.
أخذت الشرطة تبحث عن أي معلومات تقودها إلى مكان تلك الشابة، حتى وصلوا لآخر مكان أقامت به، وهو منزل تتعدد به الغرف يملكه رجل يدعى توم بريستون وهو مدير إحدى إدارات العلاقات العامة ومن الشخصيات الشهيرة بترشيح الفتيات في مجال الإعلان.
قال توم للشرطة إن سابرينا بالفعل كانت تقيم لديه في بيته الكبير في الغرف المتعددة، وساعدها بالعمل كفتاة إعلان ليدخلها عالم التمثيل، وكان يعطف عليها ويساعدها للحصول على عمل، لكنه تخلى عنها بعد أن ضبطتها الشرطة بالسرقة فطردها من مسكنه، وأنها يمكن أن تكون قد اتجهت لصديقها مارك.
توصل رجال المباحث لمارك الذي أنكر رؤيته لها منذ فترة قريبة، بل إنه لم يسمع عنها منذ عشرة أيام، وأنه كان يحبها ويخططان للعيش في كاليفورنيا وحجز لها تذكرة، لكنها اختفت، فاعتقد أنها عدلت عن آمالها بالسفر معه، فقرر أن يصرف النظر عنها.
أصبح الطريق مسدودًا أمام رجال المباحث، فلا أثر لسابرينا وكأن الأرض انشقت وابتلعتها. وبقيت قضيتها غامضة وسط عشرات القضايا من الفتيات المتغيبات والمتغيبين.
مرت أربع سنوات على اختفائها وترأس الفريق الجديد قضية سابرينا، وتولى الضابط بوب القضية واهتم بها، وساعد على فتح القضية اتصال من والدة سابرينا التي اتصلت بالمباحث تستشيرهم بعرض قضية ابنتها في برنامج تلفزيوني شهير البحث عن المتغيبات، فلم يبد الضابط اعتراضًا على الإطلاق بل على العكس أبدى اهتمامًا كبيرًا بالقضية.
فحركت هذه العوامل الاهتمام بالقضية من جديد، وعكف الضابط علي دراستها والبحث عن كل من له علاقة بها خاصة توم بريستون الذي علم أن لديك ملفًا مشبوهًا وسوابق.
إذ عرف عنه استخدامه للعاهرات كرشوة لبعض العاملين في مجال القانون، كذلك له سوابق في الاعتداء على الأطفال، وكان يستغل الفتيات في إرضاء نزوات من يرشوهم، فكانت سمعته ملطخة بالعار والفضائح.
كل هذه المعلومات قادت إلى الاشتباه به، فاشتم الضابط بحاسة الشرطة أن له علاقة باختفاء سابرينا.
ظهرت قضية سابرينا في ذلك البرنامج الشهير قضايا ساخنة وعرضت معلومات عنها وناشدوا العامة المساعدة.
فتلقى البرنامج أولى مكالمة من صديقة لها، وهي صديقة لابن توم بريستون توماس وهي المكالمة التي فجرت التحقيق، إذ قالت دوان للشرطة إنه تربطها علاقة صداقة قوية مع سابرينا، كذلك كانت معها بالسجن.
قالت إنه كانت لديهن أحلام مشتركة بالشهرة وعالم التلفزيون والأزياء.
تقول دوان: أتذكر جيدًا كلمات سابرينا وهي خائفة حين اشتكت لي أن توم بريستون قد أمن على حياتها بمبلغ ضخم 400 ألف دولار.
وسألتني خائفة مترددة:
ألا تشعري بالقلق إذا عمد صاحب العمل بالتأمين على حياتك بمبلغ ضخم!
قالت دوان إنها شاركتها المخاوف، خاصة أنها علمت أن توم وابنه توماس اصطحبا سابرينا لشركة التأمين ووقعت سابرينا على تلك الصفقة بالتأمين على حياتها بذلك المبلغ الضخم والمستفيد من ذلك المبلغ هم توم بريستون الأب.
أخذت القضية اتجاهًا آخر عقب تلقي الشرطة اتصالًا من سيدة طلبت عدم ذكر اسمها، إذ قالت إنها صديقة للابن توماس وتتذكر جيدًا ذلك اليوم 20/10/1990 الذي جاءها توماس باكًيا والدموع في عينيه من تأنيب الضمير.
وقالت إنه اعترف لها بأغرب اعتراف سمعته على الإطلاق، إذ قال إنه لن يسامح نفسه على ما فعله بسابرينا، إذ اشترك مع والده بقتلها بإلقائها بالنهر فابتلعتها المياه وهي حية بعد تكبيلها بالحبال!
قال توماس إنه لا يستطيع فضح والده وإفشاء السر، لكن ضميره أنبه فباح لها بالسر الرهيب. وكانت المفاجأة أن توماس مات بحادث سيارة في نفس ذلك العام حين أفشى السر ودفن معه ذلك السر المروع.
لم تكن تلك الاعترافات كافية للقبض على توم الأب، فيجب جمع المزيد من المعلومات والأدلة فبحث الضابط وفريقه عن كل من له علاقة بتوم أثناء اختفاء الفتاة عام 1987م، واستدلوا على معلومات مفيدة عن نشاطه المشبوه آنذاك، إذ كان يستغل الفتيات في الدعارة تحت ستار الإعلانات.
أخذ رجال المباحث بمراجعة سجالات الشرطة حول الجثث التي انتشلت من نهر كولورادو في عام 1987م، خاصة المجهولة منها ولم يستدل على صاحبها.
ووجدوا بالسجالات بيانات عن انتشال جثة أنثى يتراوح عمرها ما بين 17 و25، عثر عليها طافية في شهر كولورادو ترتدي ملابس رياضية، وحدد الأطباء وفاتها قبل أسبوع من العثور عليها.
استعانت الشرطة بسجلات أسنان سابرينا لدى طبيبها لمقارنتها بأسنان الجثة التي دفنت مجهولة آنذاك، واستعانوا بتحليل DNA وأخذوا عينة من دماء أمها وأنسجتها للتعرف عليها ومطابقتها.
وأخذ الجميع يترقب النتيجة وما ستسفر عنه نتائج هذه الأبحاث.
كان توم بريستون يعلم جيدًا أنه مركز اهتمام الشرطة وأنهم يلاحقونه، فاستغل نفوذه وثراءه ليدفع محاميه للدفاع عنه بأي صورة وشكل.
نشر برنامج "قضايا ساخنة" صور توم بريستون وطلب معلومات عنه، فانهالت المكالمات على الشرطة، منها رجل قال إن زوجته عملت لدى توم مؤقتًا وهربت بعد أن أراد استغلالها بالدعارة.
شهود عديدون أدلوا بنشاط توم المشبوه، حتى تقدم فيليس جوزيف صديق توماس الابن، حيث قال إن توماس الذي كان تعاطي المخدرات اعترف له قلقًا أنه اشترك مع والده بإغراق فتاة في نهر كولورادو.
قال جوزيف إنه لم يعر الأمر اهتمامًا وأعتقد أن الأمر مجرد هلوسة وخيال ونسي الأمر خاصة بعد وفاة الابن، لكنه تذكر الأمر بعد رؤية البرنامج.
كان من الواضح أن توماس الابن كان يعيش أزمة تأنيب الضمير وكوابيس مستمرة أخذت تلاحقه حتى أودت بحياته بحادث سيارة، إذ قال فيليب إن توماس كان يبكي وهو يسرد له التفاصيل المروعة والأخيرة لتلك المراهقة.
إن قام هو ووالده بتقيدها بالحبال ونقلاها في صندوق السيارة وألقيا بها وهي حية في النهر.
أخذت المراهقة تكافح للنجاة، لكن القيود حالت بينها وبين النجاة فابتلعتها المياه وهي حية؟
وأنه حاول إبلاغ الشرطة، لكنه تردد، فعاش في صراع حتى مات.
شهود كثيرون لا يعرفون بعضًا ويسردون الرواية نفسها حول إلقائها بالنهر، مما يعطي مصداقية لما يقولونه.
لكن التحقيقات تعثرت حين علموا أن نتيجة DNA لم يتم التأكد منها بشكل مطلوب، وبقيت الجثة مجهولة ولم يتم التأكد أنها لسابرينا.
لكن الأمل ظهر من جديد، حين صاحت الأم أنها تتذكر جيدًا أن ابنتها وضعت صورة لها في ألبوم الصور وغطتها بطبقة البلاستيك التي تغلف الصور، أي بصمة إصبعها لا تزال هناك.
وبالفعل وجدوا البصمة بالألبوم وقارنوها، فكانت الأدلة دامغة، إذ تأكدوا أن البصمة تطابق البصمة المحفوظة للجثة فور انتشالها.
فقد كانت سابرينا هي صاحبة الجثة المجهولة منذ أربع سنوات في ذلك النهر.
صورة
المتهم الأب بريستون
تم إلقاء القبض على توم الأب الذي أنكر أي علاقة له بقتلها، وادعى أنه أمن على حياتها لأنها مراهقة هاوية تحب المغامرات الخطرة كركوب الدراجات النارية، وأنها لم تعترض أبدًا، خاصة أن المبلغ تأكيد على قيمتها كفنانة، وأنه كان يبتعد عنها لمشاكلها لكنها تعود إليه ليساعها.
أما المدعي الجنائي فقال إن تقوم حاول استغلالها جنسيًا وحين ورفضت، قرر الاستفادة منها بالتأمين على حياتها بمبلغ ضخم.
بعد سماع أقوال الشهود خاصة أصدقاء الابن المتوفي الذين أدلوا أقوالهم طواعية دون إكراه ولتحقيق العدالة، وبعد أن تم التأكد أن الجنة للمراهقة المختفية، تقرير التالي:
عام 1994 م
تمت إدانة توم بريستون وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، واقتيد وهو لا يصدق أن مجرد صورة فوتوغرافية محفوظة في ألبوم صور توقف عليها حرمانه من الحرية وقضاؤه بقية أيام عمره خلف القضبان.
لقد كانت رحلة فتاة مراهقة باحثة عن الشهرة فانتهت بها إلى المياه الباردة في كولورادو على يد قاتل لا يرحم.
النهاية
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا