9
فتح الباب ببطء كي لا يحدث صريراً، ثم دلف إلى الشقة على أطراف أصابعه، وهو يغلق الباب بلا صوت، ثم يسير ليبحث عن زوجته في الغرف.
فجأة شعر بمن يطوقه من الخلف بحنان، فانتفض لحظة من الفزع، ليسمع صوت (بتول) –زوجته- وهي تضحك بمرح من فعل زوجها. حاول أن يتحرر من يدها لينظر لها، لكنها احتضنته بشدة، وأراحت رأسها على كتفيه من خلفه، فهدأت حركته وهو يقول بحب:
- "اشتقت إلى هذه اللحظات طوال اليوم"
أغمضت (بتول) عينيها، وهي مازالت تريح رأسها، وقالت برومانسية:
- "وأنا اشتقت لك طوال اليوم يا حبيبي .. لم تأخرت نصف ساعة كاملة عن موعدك؟ كدت أموت من اللهفة عليك."
* * *
فتح عينيه مرة أخرى، وهو ينظر من بين الدموع لغرف الشقة، ثم ذهب بخطوات مترنحة ناحية إحدى الغرف، وفتح بابها وأضاءها.
(نور) طفلته الوحيدة داخل فراشها، ذلك الملاك الصغير يرقد، على وجهها نظرة ألم، وقد اكتسى بزرقة مخيفة. اقترب من (نور)، وحملها بين ذراعيه، وهو يحدثها بحنان وبصوت خفيض:
- "طفلتي الحبيبة .. بابا آسف لما حدث لك يا حلوتي .. بابا يعلم أنك تعذبت كثيراً وأنت تموتين .. لكن بابا يعدك يا صغيرتي أنه سيجعلك تضحكين مرة أخرى .. سأرسم على وجهك الابتسامة كما تعودنا قديماً أثناء لعبنا .. أليس كذلك؟"
الدموع تنهمر من عين (آدم)، لتسقط على وجه (نور) المتصلب، لكنه مازال يتكلم هامساً، وهو يحاول أن يرسم ابتسامة على شفتيه، ويكمل حديثه:
- "ولكن قبل أن أرسم على شفتيك تلك الابتسامة يا حبيبتي، يجب أن تذهبي للقبر أولاً. أعرف أنه مكان موحش، ولكن أعدك أني سأفعل ما تريدين مع من كان السبب في موتك. ماذا تريدين أن أفعل معهم؟"
قرب (آدم) أذنه قليلاً من (نور) وهو يقول:
- "ماذا يا حبيبتي؟ تريدين أن آكلهم؟ كما تشائين يا صغيرتي .. كما تشائين."
قبلها من خدها، ثم وضعها مرة أخرى بحنان في فراشها، وهو يقول لها بنفس الصوت الخفيض:
- "والآن بابا سيذهب ليحضر ماما، لتكون معك في نفس الكان الذي ستذهبين إليه، كي لا تخافي."
أنهى عبارته، ثم خرج وهو يطفئ ضوء الغرفة، قبل أن يغادر الشقة .. كان يتذكر جيداً عبارة أحد ضباط أمن الدولة وهو يأمر رجاله بأن يرموا الجثة في أي (مزبلة)، أمامه مشوار طويل ليبحث عن جثة حبيبته في الخرائب .. وسيعثر عليها.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا