يا بعده 1 للكاتبة علياء الكاظمي

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2021-07-23

يا بعده

علياء الكاظمي

منشورات زات السلاسل

الكويت

الطبعة السابعة والعشرون

 

المقدمة

أحبتي. أعلنت من خلال برنامج الانستغرام أنني سأقوم بكتابة إصدار يضم قصصًا قصيرة حقيقية. وصلتني عشرات القصص وقتها من ضمنها القصة التي بين أيديكم الآن، كنت وقتها في اجتماع عمل عندما وصلتني. ومن خلال هاتفي بدأت أقرؤها. ومنذ لحظة قراءتي لها عرفت أنها ستكون روايتي القادمة.

شدتني الأحداث. وشدتني العاطفة الصادقة التي لمستها بين سطور صاحبتها. وعرفت أنني سأقدم عملًا مختلفًا عن كل ما قدمته بالسابق.

تواصلت مع صاحبة القصة واتفقت معها على لقاء قريب، سافرت بعدها إلى دبي، ودون أن أبالغ كانت قصتها تدور في عقلي وقلبي طوال الرحلة. وبمجرد عودتي تواعدنا على اللقاء في أحد مقاهي الكويت الشهيرة. وجدت نفسي أمام فتاة جميلة، راقية، رائعة وشعرت أنني أعرفها منذ زمن. وعدتها يومها بكتابة قصتها كاملة مع تغيير بسيط لبعض الأحداث حفاظًا على خصوصية حياتها وحياة الشخصيات التي تعيش بيننا على أرض الواقع، الأسماء في القصة مستعارة بالطبع وكلها من اختيارها هي، أحببت أن تختار بنفسها عنوان الرواية أيضًا لكنني قررت لاحقًا مفاجأتها به. هي مثلكم الآن. قارئة انتظر حكمها على قصة حياتها المصاغة بقلمي، لأنني لم أسمح لها بالإطلاع عليها قبل  النشر.

أحبتي. لقد تقمصت شخصية بطلة القصة خلال الكتابة وانصهرت روحي مع روحها فأحسست بمشاعرها ومعاناتها كاملة.

أحبتي. بين أيديكم عمل بذلت فيه مجهودًا ضخمًا. وأتمنى حقًا أن ينال إعجابكم. عمل تفيض سطوره إحساسًا بقصة فتاة نبيلة. عاشت حبًا عظيمًا. في زمن ندر فيه الحب. وشحت فيه المشاعر. وخنقت فيه الأحاسيس.

أمر آخر ذكره لمن أرسلوا إلى قصصهم الحقيقية لأكتبها، ستجدونها إن شاء الله ضمن إصداري القادم فلا تحزنوا. كما انتهز هذه الفرصة لشكر كل شخص أولى ثقته لقلمي وائتمنني على قصة حياته. ونبضات قلبه. ثقتكم هي أجمل ما حصل لي.

فشكرًا لكم.

أختكم الكاتبة:

علياء الكاظمي

 

 

(1)

البيت الكبير

لا أستطيع أن أبدأ قصتي دون أن أتطرق أولًا إلى بيتنا الكبير، ففي هذا البيت بدأت قصتي وعلى أعتابه تغير مصيري بالكامل.

كان بيتنا كبيرًا. يضم 21 غرفة، رغم أن عددنا أقل من ذلك بكثير، حول البيت حديقة ضخمة بنافورة رخامية غاية بالجمال وبيت جدتي والدة أبي ملاصق لبيتنا ويضاهيه بالحجم من الخارج رغم أنه مختلف بتقسيمه من الداخل.

عرفت جدتي نشمية بقوة شخصيتها. فهي سيدة العائلة بلا منازع وصاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في حياة أولادها وبناتها، كانت تمتلك هيبة لا تضاهي، وصوتًا جهوريًا تهتز الأرض لقوة نبراته، وحزمًا عجيبًا لا يمكن لأحد مخالفته، وكان أبي محمد ولدها البكر وابنها المفضل.

أحب أبي أمي منيرة، ورغب بالتقدم للزواج منها رغم أنها كانت مطلقة ولها ابنة من زوجها السابق. وصارح جدتي برغبته.

ورغم استغراب بقية العائلة وافقت جدتي على اقترانه بأمي. ربما لأنها تحترم أبي وتقدره، وتعرف أنه رجل يعرف ما يريد ويستطيع تحمل مسئولية قراراته، حاول عمي ماجد وقتها أن يثني أبي عن هذا الزواج قال له إنه سيندم بعد أن تكبر ابنة زوجته وتصبح شابة. وقتها سيضطر لتحمل فتاة ليست من صلبه، لكن أبي كان مصرًا على اختياره.

تم زواج أبي وأمي وكان زواجًا سعيدًا ناجحًا، أحبا بعضهما على الدوام وأنجباني أنا وأختي دلال التي تصغرني بأربعة أعوام وأخي الصغير مجبل الذي يصغرني بستة أعوام.

لم أكن أعرف أن أختي تهاني لها أب آخر غير أبي إلا عندما دخلت المدرسة وتعلمت الكتابة والقراءة وقتها قرأت اسمًا مختلفًا بعد اسمها الأول، اسم يختلف عن اسم أبي محمد.

يومها قلت بتعجب: تهاني. ما هذا الاسم الملتصق باسمك؟ ردت على أمي موضحة لتجنبها الحرج الذي خلفه سؤالي المفاجئ: تهاني أختك مني أنا، لقد كنت متزوجة برجل آخر قبل أبيك.

وسكت. في اليوم التالي ذهبت إلى منزل ماما نشمية لأسألها عن هذا الموضوع فقالت لي أن تهاني حفيدتها الكبرى وهي تعتبرها ابنة لأبي رغم أنها ليست من صلبه ونهتني عن الحديث في هذا الموضوع، والحق يقال أن أبي كان يعامل تهاني دائمًا مثلنا تمامًا، بل إنه كان يفضلها علينا. اعتاد أبي تدليلها والاستماع لرأيها في كل ما يخصنا، كانت تكبرني بسبع سنوات. وفي المناسبات العائلية كان أبي يشتري لنا أطقمًا من الماس فيدخل بيده أربعة علب كبيرة، وننتظره أنا وأمي وأختي. فينادي أمي أولًا لتختار ثم ينادي تهاني بعدها. لم يعاملها كفتاة غريبة عنه، بالعكس عاملها دائمًا كابنه حقيقية له ولم يقصر معها في أي شيء مادي أو معنوي.

لم تذكر تهاني والدها الحقيقي أبدًا أمامنا ولم أكن أعرف إن كانت تتواصل معه أم لا، لكنها عندما خطبت لأحد أقرباء أبي. عرفت أن أبي طلب منها الاتصال بأبيها لإبلاغه ودعوته لحضور عرسها.

أقام أبي لتهاني عرسًا باذخًا وأهداها مبلغًا ماليًا محترمًا لتجهز نفسها به، كانت تهاني تقدر أبي كثيرًا، وقبلت يده شاكرة أمام الناس في عرسها عندما زف أبي عريسها إليها. فقبلها أبي على رأسها وضمها إلى صدره.

كان أبي يشغل منصبًا قياديًا في الكويت. وهو شخصية عامة ومهمة. أحبه الناس كما أحببناه جميعًا. كان حقًا رجلًا عظيمًا.

مرض أبي وهو في الستين من عمره، وعندما تفاقم وضعه سافر إلى الخارج مع عمي ماجد، رفض أبي أن ترافقه أمي خلال رحلة علاجه، قال لها مداعبًا: من يجالس المريض يصبح مريضًا مثله وأنا أشفق عليك من المرض.

بكينا طويلًا على فراق أبي وكانت تهاني أختي حاملًا وقتها. حتى جدتي نشمية المعروفة بقوتها وصلابتها بدت مهزوزة يوم ودعت أبي. همست أختي دلال وقتها في أذني: أشعر أننا لن نرى أبي مرة أخرى,

لكزتها معنفة وقلت: لا تقولي هذا الكلام. أبدًا.

لكنها كانت محقة فقد مات أبي بعد شهرين من سفره بعد فشل عملية القلب التي أجريت له،

وصعقنا كلنا لخبر موته وبكينا بألم لا يوصف وأكثرنا ألمًا كانت أختي تهاني التي ولدت لاحقًا وأسمت ولدها البكر محمد على اسم أبي رحمه الله.

***

(2)

بسمة

يقولون إن للمرء نصيبًا من اسمه. وبما أن اسمي بسمة كانت ابتسامتي أكثر ما يميزني.

يقولون عني جميلة. وأرى نفسي مميزة. وما أراه في نفسي يختلف عن ما يراه الآخرون،

يرى في الآخرون وجهي البيضاوي الرقيق. وبشرتي الفاتحة وعيني الواسعتين المحفورتين في وجهي، وأنفي الدقيق الصغير. وفمي الصغير الذي تحوله ابتسامتي إلى فم بيضاوي كوجهي كلما ابتسمت. بين أسناني فراغات صغيرة تضفي على ابتسامتي براءة طفولية محببة. وشعري أسود فاحم ناعم يصل إلى أسفل ظهري. وفي صوتي بحة واضحة مميزة. ومن يسمع صوتي لمرة يستطيع تمييز نبراته بعدها كل مرة. أميل إلى الطول وإن لم أكن فارعة الطول وجسدي متناسق معتدل القوام. ملامحي الدقيقة كانت تخفي خلفها جمالًا من نوع آخر لا يراه الآخرون لكنني كنت أعرفه حق المعرفة.

كنت فتاة ذات مبادئ. أحب الآخرين. أحب مساعدة من حولي. كريمة لأقصى الحدود. معطاة بشكل لا يوصف ومتفانية في خدمة من أحبهم.

تقول ماما نشمية إنني ورثت صفاتها، فقد كنت أشبهها كثيرًا. سواء بالشكل الخارجي أو بالطبع الداخلي، لذلك كنت أزورها يوميًا، وأستطيع محادثتها بجرأة تفوق ما اعتاد عليه بقية أحفاد العائلة الذين يهابونها بشدة.

تجتمع عائلتنا الكبيرة في منزل جدتي كل جمعة، فتمتد أمامهم سفرة عامرة بما لذ وطاب من الطعام ويقوم على خدمتنا خدم كثر بعضهم يعيش بشكل دائم في البيت والبعض الأخر يتم استدعاؤه حسب طلب جدتي في المناسبات العائلية كيوم الجمعة أو الأعياد.

أنجبت جدتي نشمية ستة أبناء من جدي رحمه الله، كان أبي أكبرهم يليه عمي ماجد وأربع فتيات تزوجهن كلهن من عائلات عريقة كعائلتنا. تعيش عمتي الصغرى حصة التي أحبها كثيرًا في البحرين مع زوجها وكنت دائمًا أراسلها واشتاق إليها وعندما تعود إلى الكويت كنت أقضي معظم وقتي معها،

بعد زواج أختي تهاني. واظبت على حضور الغداء كل يوم جمعة مع زوجها وأبنائها الثلاثة الذين أنجبتهم لاحقًا. محمد. غنى. وإبراهيم الصغير الذي أحبه كثيرًا.

كنت أعشق الأطفال بطبعي. وجميع أفراد العائلة يعرفون كم أحبهم، وبعضهم كان يطلب مني الاهتمام بأولاده خلال أوقات اجتماعنا. أحببت أبناء تهاني على وجه الخصوص، حتى أنها سافرت عدة مرات وتركت أبناءها معي، كانت أمي تقول لي ضاحكة: غدًا تكبرين وتتزوجين وتبحثين عمن يهتم بأولادك.

كنت أرد عليها بجدية: مستحيل أن أفرط بأولادي أو أسافر يومًا من غيرهم.

في عيد ميلادي  السادس عشر. ذهبت إلى منزل جدتي وبيدي قطعة من قالب الحلوى الذي أحضرته أمي بمناسبة عيد ميلادي،

دخلت عليها فوجدت امرأة لا أعرفها تجلس أمام جدتي، نادتني جدتي قائلة: تعالي يا بسمة. سلمي على جارتنا الجديدة. هذه خالتك عالية. لقد اشتروا المنزل المجاور لنا وانتقلوا إليه قبل عدة أيام.

اقتربت من خالتي عالية وسلمت عليها ولم أكن أعرف وقتها أن هذه المرأة سيكون لها دور لا ينسى في حياتي لاحقًا.

***

(3)

أختي دلال

تخيفني أختي دلال. فمن صغرها تمتلك حاسة سادسة لا تخيب. لديها قدرة عجيبة على التنبؤ بالأحداث، حتى جدتي نشمية لاحظت فيها هذه القدرة النادرة،

أثناء حمل تهاني كنا نسألها عن توقعاتها بخصوص جنس المولود القادم، وكانت تخميناتها دائمًا صحيحة، لا أعرف كيف اكتسبت دلال هذه القدرة، لابد أنها أمر خاص ولدت به، إنه بمثابة هدية ربما، لطالما سألت نفسي إن كانت دلال بعد أن تكبر ستستطيع التنبؤ بأمور مهمة.

وهل تكون معرفة المستقبل- ولو على سبيل التخمين- أمرًا جيدًا أم لا؟

تشبه دلال أمي في شكلها حيث ورثت منها ملامحها بالكامل في حين كان مجبل نسخة مصغرة عن أبي الراحل.

كانت جدتي تضمه طويلًا إلى صدرها كلما اشتاقت إلى أبي.

بعد وفاة أبي حاول عمي ماجد التدخل بحياتنا.

أراد أن يعرف تحركاتنا ويقيدنا في كل ما نفعله بصفته عمنا وولي أمرنا، ولولا تدخل جدتي لكان فرض علينا الكثير من القيود كما فعل مع زوجته وأبنائه، لكن جدتي كانت له بالمرصاد، قالت له جملة لن أنساها أبدًا: أبناء محمد يظلون أبناء الغالي. وغير مسموح لأي أحد التدخل في حياتهم أو إزعاجهم طالما كنت أنا على قيد الحياة مفهوم؟

طأطأ عمي برأسه يومها وخرج. ابتسمت أنا لجدتي وعرفت يومها أننا في حمايتها.

***

(4)

ذلك اليوم

كان يوم عيد ميلادي العشرين. قررت أن أقيم حفلًا لعيد ميلادي، ودعوت فتيات العائلة وصديقاتي من كلية العلوم الإدارية حيث أدرس، كان الجو جميلًا في فبراير وقررت أن تكون حفلتي في حديقة بيتنا.

ارتديت ملابسي على عجل لأذهب مع دلال إلى الصالون لنسرح شعرنا للمناسبة. استعجلتها كي لا نتأخر،

لازلت أتساءل. لو كنا تأخرنا يومها في خروجنا. أكانت حياتي ستتغير؟

لكننا لم نتأخر. وخرجت مع دلال التي كانت في السادسة عشرة من عمرها يومها،

فتحت باب المنزل ومشيت خلال الحديقة معها، وبلحظة خروجنا من حدود منزلنا وحديقته توقفت أمامنا سيارة لا أعرفها ونزل منها شاب يرتدي ملابس رياضية. لم يكن الشاب هو من يقود السيارة فقد نزل من الجهة المجاورة للسائق. فتح صندوق السيارة بنفس لحظة نزوله فلمحت حقيبة سفر كبيرة فيها.

خطوت لأركب سيارتي وخطى هو لينزل حقيبته فأصبحنا متواجهين تمامًا. التقت عيني بعينه للحظة، فأشحت عنه، ركبت سيارتي وبجواري ركبت دلال. التفت تلقائيًا نحو الشاب الذي كان مستمرًا في مكانه ولا يزال يحدق بي!

حركت سيارتي مبتعدة وأنا أقول لدلال: من هذا؟

قالت: هذا ابن جيراننا. سمعت جارتنا تخبر جدتي أن ولدها تخرج من الولايات المتحدة وسيعود قريبًا إلى الكويت. لابد أنه هو.

أومأت برأسي وشغلت أغنية أحبها وأخذت أدندن معها، لاحظت أن دلال ساهمة وصامتة تمامًا على غير عادتها، فسألتها مستغربة: ما بكِ؟ تبدين غريبة!

قالت دلال على نحو فاجأني: ذلك الشاب.

وسكتت.

قلت وقد اقتربنا من وجهتنا: ما به؟

لم ترد علي دلال.

قلت بنفاد صبر: دلال. ما به ذلك الشاب؟

قالت كلماتها التي هزت أعماقي: ذلك الشاب. سيكون زوجك يا بسمة.

وارتعشت أصابعي الممسكة بالمقود، وقلت لها ضاحكة: يا لخيالك الواسع. ما هذا الكلام؟

سكتت دلال ثم قالت مؤكدة: سترين.

تنهدت وأنا أحاول منع كلماتها من التسرب لداخلي. ونزلت معها إلى الصالون، وخلال دقائق نسيت تمامًا كل شيء يتعلق بذلك الشاب ونبوءة دلال بشأني وشأنه،

عدنا إلى البيت معًا وارتدينا أثوابنا الجميلة الزاهية، أتت أختي تهاني أيضًا، أما أمي فرفضت حضور الحفلة كي لا تشعر صديقاتي بالإحراج من وجودها قالت ضاحكة: سأحضر فقط وقت إطفاء الشموع.

كانت الحفلة باهرة. وناجحة بكل المقاييس.

أطفأت شموعي العشرين وسط تصفيق صديقاتي، تمنيت لنفسي عامًا سعيدًا. لكزتني صديقتي المقربة شريفة وهي تهمس لي: ادعي لي أن أتزوج قبلكِ.

ضحكت على كلماتها وقلت لها ضاحكة: الليلة ليلتي. والأمنية أمنيتي.

انتهت الحفلة. وبقينا في الحديقة لوقت متأخر بعد رحيل المدعوات أنا وأمي دلال وتهاني، خرج السائق ليوصل تهاني إلى بيتها. فمشيت معها أنا وأمي إلى السيارة، لوحنا لها مودعين، رفعت رأسي صدفة نحو منزل جيراننا، فلمحت ذلك الشاب نفسه وهو يحدق بي من نافذته!

***

(5)

حمد

طويل هو. بل فارغ الطول. أصل لأسفل صدره وأنا بالكعب، فأنا قصيرة بالنسبة إليه، وجهه مستدير مليح القسمات، عيناه واسعتان، أسمر البشرة، دقيق الأنف. وشعره ناعم قصير مستقر فوق رأسه كدبابيس صغيرة لامعة.

كم هو عريض المنكبين. قلت لنفسي هذه الجملة عندما رأيته مرة أخرى في جمعية منطقتنا، كنت قد ذهبت لشراء بعض حاجياتي عندما لمحته من بعيد. كان وحده وبيده سلة وضع بها بعض الحاجيات،

تجاهلته عندما التفت نحوي وتقدمت لأدفع حساب مشترياتي فوقف هو ورائي تمامًا، نقدت موظف الجمعية ثمن ما اشتريته وكل حواسي متحفزة لجارنا الواقف بجواري ونظراته تكاد تحرقني، نظرت إليه سريعًا وعندما التقت عيناي بعينيه جفلت وأشحت عنه، ولم أستطع أن ألحظ لون عينيه! مشيت نحو سيارتي مسرعة ولم ألحظ إن كان خرج ورائي أم لا لكنني أسرعت نحو المنزل وكأنني أهرب منه، ترى ما اسمه؟!

ذهبت إلى الجامعة في اليوم التالي وقضيت نهاري بصحبة صديقتي شريفة وبعد انتهاء محاضراتنا اتجهنا نحو سيارتي وشريفة التي تخاف القيادة معي لأوصلها إلى بيتها.

تسمرت قدماي وأنا ألمح جارنا يقف بجوار سيارتي بالضبط. وهو مستند على سيارته التي أوقفها عمدًا بجواري.

تضاربت مشاعري عندما رأيته فجأة. وشعرت بخوف غير مبرر لرؤيته، سألتني شريفة: ما الأمر؟ أنت تقفين وسط الشارع!

انتبهت إلى وقوفي المضحك وسط الشارع وبعض السيارات تنتظر مروري فتحركت نحو سيارتي وأنا أحاول عدم النظر إليه. اقتربت من باب سيارتي حيث يقف وقبل أن أفتح الباب همس لي: أنا اسمي حمد.

وفتحت الباب وركبت مسرعة وصدري يتهدج انفعالًا. حركت سيارتي مسرعة وشريفة تعبث بهاتفها ولم تلاحظ أي شيء. وأوصلتها إلى منزلها وقلبي لا يكف عن الخفقان.

في اليوم التالي ذهبت إلى الجامعة وأنا متحفزة.

وتساءلت إن كان هذا الحمد سيأتي اليوم أيضًا أم لا، كنت منزعجة من ظهوره المفاجئ أمامي. ومن جرأته أيضًا! لكن شيئًا ما كان يثير فضولي نحوه، ماذا يريد مني؟

جلست على كرسي المحاضرة ساهمة. وانتقلت إلى محاضراتي كلها وتفكيري منحصر في حمد الذي كنت أتساءل إن كان سيأتي اليوم أيضًا أم لا،

وفي نهاية اليوم اندفعت نحو سيارتي بخطوات مسرعة وشريفة تناديني لأنتظرها. وصلنا إلى سيارتي. ولم أجد حمد هناك، فزفرت بضيق! أتضايقت لعدم وجوده؟ لا قطعًا لكنني تضايقت لأنه شاغلني بتصرفه الصبياني بالأمس وجعلني في حالة ترقب طوال النهار.

أوصلت شريفة يومها وقد اتفقنا على الذهاب للعشاء في أحد المطاعم المشهورة على البحر،

في تمام السابعة والنصف كنت أمام منزل شريفة لنذهب للعشاء، وصلنا إلى المطعم الذي نحبه ودخلنا وسط ترحيب مديره، وجلسنا على طاولتنا المعتادة، وبمجرد جلوسي شهقت شهقة حادة أفلتت مني رغمًا عني، فقد كان حمد يجلس أمامي تمامًا على الطاولة التي وراءنا.

جزعت شريفة وقالت وهي تلتفت نحو حمد: ما الأمر؟

ضربتها ضربة خفيفة على يدها وقلت وأنا أنهرها متوترة: لا تلفتي.

سألتني شريفة: ما الأمر يا بسمة؟

قلت لها وأنا مغناظة من حمد الذي كان يبستم لي: هذا الشاب الذي يجلس وراءك. إنه جارنا. وأظن أنه يلاحقني!

***

(6)

التمويل

لماذا اخترت تخصص التمويل؟ لأكون صادقة معكم. لقد اخترته لسببين. السبب الأول أنه تخصص جميل وله مجال عمل واسع في البنوك والشركات الاستثمارية الكبيرة أي أنه تخصص مطلوب في سوق العمل.

والسبب الثاني هو الدكتور خالد. أو ربما يكون السبب الأول هو الدكتور خالد! المهم أن الدكتور خالد سبب مهم من أسباب اختياري لهذا التخصص،

كان الدكتور خالد أكثر الأساتذة وسامة في الجامعة بلا شك وقد يكون أصغرهم سنًا فهو في الثلاثين من عمره، أخذت عنده مبادئ التمويل ومن شدة إعجابي بطريقة شرحه قررت أن أتخصص بهذا المجال، كان ذكيًا جدًا، ويجيد توصيل المعلومة للطالب، وليس مثل بعض الأساتذة الذين لا يهمهم أصلًا إن كان الطالب قد فهم المادة أم لا، بل على العكس كان الدكتور خالد يهتم كثيرًا بطلبته ويرحب بأسئلتهم، ويخصص ساعات مكتبية كثيرة ليشرح لهم ما يحتاجون لمعرفته أو فهمه.

وتفوقت في التمويل بشكل خاص وشريفة أيضًا تفوقت فيه مثلي وأيضًا تخصصت فيه بسبب الدكتور خالد،

جلست ذلك الصباح في محاضرة الدكتور خالد الذي كان يشرح لنا درسًا جديدًا.!

كنت ساهمة على غير عادتي. اقترب الدكتور خالد مني وقال بصوت عالٍ بعض الشيء لينبهني إلى عدم انتباهي: وبهذا نكون قد عرفنا كيف نحسب فرق العملة. معي يا بسمة؟

انتفضت في جلستي وقلت خجلة: معك دكتور.

ابتسم لي مشجعًا. وشريفة صامتة كظل لصمتي.

وانتهت المحاضرة. قال لي الدكتور خالد: خير يا بسمة. تبدين ساهمة اليوم. هل أنت بخير؟

ابتسمت له وقلت باحترام: أنا بخير دكتور. لكني لم أنم جيدًا البارحة.

قال بلطف: إن أردت أن أعيد لك شرح المحاضرة تفضلي لمكتبي. أهلًا وسهلًا بك في أي وقت.

قلت بامتنان: شكرًا لك دكتور.

ذهب الدكتور خالد. وبقيت جالسة على مقعدي، وخرج كل الطلبة، قالت شريفة: كم هو رائع.

سألتها: من تقصدين؟ قالت بتعجب: الدكتور خالد ومن غيره!

سكت. اقتربت مني شريفة وقالت: ستبقين هنا؟ هيا لنخرج من الجامعة لدينا ساعتان قبل محاضرتنا القادمة.

قلت لها: أشعر بالتعب اليوم.

قالت: تفكرين بذلك الشاب؟

قلت غاضبة: ماذا يريد مني؟ لم أجده أمامي دائمًا؟. لا يمكن أن تكون هذه كلها صدفًا غير معتمدة.

ابتسمت شريفة: ولم أنت غاضبة هكذا؟ لابد أن معجب بك. دعينا نخرج لنرفه عن أنفسنا، لنذهب لشرب القهوة في المقهى القريب من الكلية.

أومأت برأسي وخرجت معها. ركبنا سيارتي وتوجهنا لذلك المقهى. وشعرت بتحسن وقد نسيت موضوع جارنا والإزعاج الذي سببه ظهوره المفاجئ في حياتي.

عدنا قبل محاضرتنا التالية، وبعد انتهاء محاضرات ذلك اليوم توجهت إلى سيارتي معها وتسمرت في مكاني ثانية وأنا ألمح حمد من جديد. لكنه هذه المرة يقف خلف سيارتي بحيث لا أستطيع الخروج من الموقف الذي أركن فيه!

اقتربت منه غاضبة وقلت بحدة: لو سمحت ابعد سيارتك. أريد أن أخرج سيارتي.

قال وهو يبتسم لي: سأبعدها. لم أجد موقفًا جوارك هذه المرة.

كدت أصرخ لبروده: ولم تريد مجاورتي أصلًا. ماذا تريد مني؟ لم تحاول إزعاجي!

قال بجدية: إزعاجك هو آخر ما أريده. سأحرك سيارتي حالًا.

وتحرك حمد بسيارته، وذهب. وبقيت أرتعش غاضبة وشريفة تخبرني أنني بالغت بغضبي،

وفي اليوم التالي لم أر حمد، ولا في اليوم الذي بعده.

قلت لشريفة: أرأيت كيف أوقفته عند حده؟

لكنني كنت متضايقة لأنه اختفى، أغاظني بانسحابه كما أغاظني بوجوده في طريقي.

ما الذي أريده أنا منه! لا أعرف!

وبعد أسبوع كامل من غيابه. كنت جالسة في حديقة منزلنا مع ماما نشمية وأمي وقت العصر،

كان الجو صحوًا يومها. ودلال ومجبل أيضًا كانا يجلسان معنا.

وفجأة لمحنا جارتنا عالية تخرج من منزلها، رأتنا جالسين فاقتربت منا.

كانت حديقتنا بلا سور. تعدت النافورة الكبيرة إلى مكان جلوسنا وسلمت على أمي وجدتي،

دعتها جدتي  للجلوس معنا فقالت: سأخرج مع ولدي حمد لنزور بعض أقربائنا.

وظهر حمد من بعيد وأخذ يتلفت بحثًا عن أمه التي نادته: حمد تعال لتسلم على جيراننا.

اقترب حمد بطوله المهيب ودخل حديقتنا ووقف أمامنا جميعًا فقالت أمه:

أعرفكم على ولدي حمد، لقد تخرج لتوه مهندسًا من الولايات المتحدة، ولا يزال يبحث عن عمل. حمد هذه ماما نشمية. وهذه خالتك منيرة زوجة ولدها محمد رحمه الله، وهذه بسمة. وأختها دلال وهذا مجبل.

هز رأسه ليحيي كلًا من. وعندما نظر إلى وجدت نفسي ابتسم له.

فرد ابتسامتي. فخفق قلبي!

قالت أمي: ما شاء الله. مبروك التخرج يا حمد. لابد أنك تفتقد أمريكا الآن صحيح؟

قال بنبرة لم يفهم معناها غيري وغير دلال التي لا يفوتها شيء: بصراحة الكويت أجمل ألف مرة من أمريكا.

قالت جدتي: جميل أن أسمع هذا الكلام، كثيرون يتعلقون ببلد دراستهم وبعضهم يرفضون العودة لبلدهم وقد يعودوا مرغمين، يبدو أنك لم تتأثر بالغربة يا ولدي.

قال بأدب: لا. كنت دائمًا اشتاق إلى الكويت.

قالت أمه: حمد يحب الكويت كثيرًا. حتى عندما كان صغيرًا لم يكن يحب السفر. وعندما نسافر يظل طوال الوقت يحن للعودة. الحمد لله أنه أكمل دراسته على خير. عن إذنكم يجب أن نذهب.

وقبل أن يذهبا، نظر حمد في عيني مباشرة وابتسم لي مرة أخرى. ولم أملك إلا أن أرد ابتسامته.

قالت أمي بعد أن ذهبا: هذا الرجل طويل جدًا.

فقالت دلال: يجب لأمه أن تبحث له عن فتاة عملاقة.

وضحكت مشاكسة. فتجاهلتها تمامًا.

وقد عرفت يومها أن شيئًا ما قد ربط بيني وبين حمد إلى الأبد.

***

(7)

مكالمة

كانت شريفة صديقتي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، عرفتها منذ أيام الثانوية ودخلنا الجامعة معًا، نتقارب في طباعنا كثيرًا ونتفق في الكثير من آرائنا وأفكارنا،

أحبها كما أحب أختي تهاني ودلال. وبحكم تواجدنا معًا في كلية واحدة زاد تقاربنا أكثر وأكثر.

عائلة شريفة تضاهي عائلتي سمعة وعراقة إلا أنهم أقل ثراءً. وكانت شريفة دائمًا قنوعة بوضعها المادي وجل أحلامها كان أن تتزوج برجل تحبه. لم يكن المال يهمها ولم تكن الماركات العالمية والتسوق ومتابعة آخر صيحات الموضة من جل اهتماماتها. كانت تؤمن دائمًا أن الحب أهم من المال، وأن الثروة الحقيقية تكمن في المشاعر الصادقة، كانت شريفة جميلة. وبعيني كنت أراها أجمل مني.

كانت ممتلئة الجسد. تجاهد دائمًا لإنزال وزنها وبمجرد أن تفعل تعود للأكل باندفاع فتستعيد ما فقدته من كيلو غرامات زائدة. فتتضايق من نفسها وتعود تجاهد لإنزالها. لم تكن سمينة أبدًا لكنها لم تكن نحيفة كمعظم الفتيات في عمرنا.

شعرها بني فاتح جميل جدًا تتركه دائمًا منسدلًا على كتفيها وترفض صبغه أو استخدام مجفف الشعر كي تحافظ على صحته ولمعانه، فتتركه متماوجًا على طبيعته. وكثيرات يعتقدن أنها تقوم بتمويجه بجهاز خاص ولا يصدقن أنه طبيعي هكذا.

تمتلك شريفة عينين بنيتين جميلتين جدًا تحيطهما دائمًا بكحل أسود يبرز لونهما الفاتح نسبيًا ولديها ابتسامة مذهلة تكشف عن أسنان كاللؤلؤ المصفوف. لشريفة أطراف ناعمة فيداها جميلتان جدًا وأصابعها طويلة رشيقة وكذلك أيضًا قدماها. وكل الأحذية بأنواعها تبدو جميلة في قدميها.

إن لشريفة جمالًا من نوع خاص، ربما لو أنها ولدت في زمن آخر غير زمننا لكان الرجال تهافتوا للفوز بقلبها. أحبت شريفة مرة واحدة من قبل. وكان حبيبها أحد أقربائها، حادثته في الهاتف لعدة شهور ثم فاجأها بقرار إنهاء علاقتهما. جرحت شريفة من قراره المفاجئ الذي لم تتهيأ له ولم تتوقعه فقد كانت منسجمة معه وتتقارب معه في الطباع وتوقعت أن تتوج قصتها معه بالزواج، ولم يفصح لها الشاب عن سبب تركه لها، كل ما قاله أنها تستحق شخصًا أفضل منه،

وبعدها بعدة شهور سمعت أنه خطب فتاة فاحشة الثراء وأنه يعيش حاليًا معتمدًا على أموالها،

تخطت شريفة خيبتها فيه سريعًا لأنها عرفت أنه لا يستحقها، وعرفت أنه باع مبادئه وفضل المال على الحب الذي قدمته له بصفاء نية وإخلاص تام. ومن يومها قررت أن تنتبه ووضعت لنفسها شروطًا للرجل الذي سترتبط به،

 وقررت عدم الخوض في أي علاقة مع أي رجل إلا إذا طرق باب أهلها أولًا.

كانت دائمًا تخبرني أنها عندما تخطب ستشترط على أهلها أن تكون فترة الخطبة طويلة لتتعرف على الخاطب جيدًا. وستشترط أن تحادثه بالهاتف لمدة كافية أيضًا. أصبح لشريفة رؤية أوضح لموضوع الارتباط بعد تجربتها الأولى الفاشلة.

الجميل في شريفة أنها تتعلم من أخطائها ولا تقف عندها طويلًا، لكنها تصبح شديدة التعصب فيما يخص قراراتها، فعندما تتخذ قرارًا ما فهي لا تتراجع عنه أبدًا. ومن هنا تكمن قوتها وتميز شخصيتها.

كنت أنا أكثر رقة ولينًا منها، وأميل أكثر إلى التسامح في أموري، وقد أعود سريعًا وأتعامل مع شخص جرحني بمجرد أن يبدي تجاهي بعض الود. كنت أنسى الإساءة ومستعدة دائمًا لإعطاء الفرص والبدء من جديد.

في بداية ذلك العام الدراسي تقدم لشريفة شاب من عائلة طيبة لكنها رفضته فور رؤيتها له قالت إنها لم تجد في قلبها أي ميل نحوه،

رفضها القاطع جعلني أتساءل في نفسي إن كانت شريفة ستغير قرارها بعدم التسرع وعدم خوض أي علاقة عاطفية في حال دق قلبها لرجل ما.

كنت أقضي نهاري بالجامعة مع شريفة وأقضي ليلي أيضًا وأنا أحادثها، فأنا لا أشبع منها ودائمًا أجد معها موضوعًا لنخوض فيه.

حدثتها بصراحة عن حمد. خاصة بعد أن عاد للظهور أمامي من جديد بعد لقائنا في الحديقة ذلك اليوم، كنت أراه تقريبًا في كل مكان أذهب إليه، الجامعة، المطعم، السوق، الجمعية، حتى أنني رأيته مرة بجوار منزل شريفة أثناء خروجتي من إحدى زياراتي لها خلال عطلة نهاية الأسبوع. اعتدت على ملاحقة حمد لي، وكانت ملاحقته لي ترضي غروري كأي أنثي ترى في أثرها رجلًا يكاد يلتصق بها كظلها، بل إنني أصبحت أشعر بالخيبة عندما أخرج إلى مكان ما دون أن أصادف حمد أمامي. ورغم علمي أن مصادفاته كلها متعمدة كنت أفرح بها كما لو أنها فعلًا مجرد مصادفات لا أكثر.

أخبرت دلال بشيء من الحياء عن ملاحقة حمد لي فصفقت بيديها ضاحكة وقالت: أخبرتك منذ رأيته، سيقع هذا الرجل في حبك وسوف تتزوجان. أيمكن لحمد حقًا أن يكون زوجي؟ راقت لي تلك الفكرة رغم أنني كنت أحسها بعيدة بعض الشيء، ربما لأنني لم أكن أعرفه جيدًا وبالتالي لا فكرة لدى عن جدية نواياه نحوي، ربما كان يتسلى لا أكثر، لكن أليس الأسهل عليه أن يتسلى مع غيري؟

على الأقل لن يضطر للبحث عني طوال الوقت ومراقبة تحركاتي التي لا أعرف حقًا كيف يستطيع متابعتها؟!

عدت يومًا إلى منزلنا قرابة العصر وكنت قد أوصلت شريفة إلى منزلها كالعادة،

وبمجرد دخولي إلى حديقتنا رن هاتفي النقال فإذا بها شريفة! استغربت اتصالها فقد كنا مع بضعنا للتو. أجبت عليها ففوجئت بها تبكي بحرقة وتصرخ!

بالبداية لم أفهم شيئًا مما تقوله فوقفت مكاني وأنا أحاول أن أستوضح منها ما حدث.

كانت قد تشاجرت مع أمها لأن الشاب الذي رفضت في بداية العام عاد للتقدم لخطبتها وأمها مصرة على أن تراه شريفة مرة أخرى، ومع إصرار شريفة على موقفها ورفضها للقاء رجل سبق أن رفضته ثارت ثائرة أمها.

تحدثت طويلًا مع شريفة وأنا أمشي في حديقتنا الكبيرة دون أن أدخل البيت كي لا تسمع أمي حديثي معها، ولاحظت اتصالًا من رقم لا أعرفه يطلبني بإلحاح وأنا أكلم شريفة،

ضايقني إلحاح ذلك المتصل وشاغلني عن متابعة حديث صديقتي وبعد أن اتصل أكثر من عشر مرات متواصلة في عشر دقائق طلبت من شريفة إنهاء المكالمة على أن أعاود الاتصال بها من داخل البيت بعد قليل، أغلقت الخط،

وأمسكت هاتفي فرن على الفور. وكان نفس ذلك الرقم الغريب. يا لقلة ذوقه. أجبت غاضبة: نعم. من المتصل؟

جاءني صوت رجل لا أعرفه: مع من تتحدثين خارج البيت هكذا؟

فوجئت تمامًا. من هذا الذي يتجرأ على التحقيق معي!!

قلت بحدة: من أنت؟؟

فقال: أنا حمد.

وذهلت. كانت تلك المرة الأولى التي أسمع صوته بالهاتف. فارتبكت وقلت: حمد؟!

فقال بجدية: من كنتِ تحدثين؟

لا أعرف لم أسعدتني غيرته فقلت أناكفه: وما دخلك أنت؟

قال: بسمة. جاوبيني حالًا. من كنت تحدثين؟

ضحكت وقلت: إنها شريفة. تشاجرت مع أمها واتصلت بي و.

ولا أعرف كيف حادثته. كانت المرة الأولى التي أحادث فيها رجلًا غريبًا عني. أكان حمد غريبًا عني؟

لا أظن. فقد اعتدت عليه. ومؤخرًا أصبح جزءًا من عالمي. حمد الذي أرسل القدر أهله ليشتروا البيت المجاور لنا، والذي رتب القدر لقاءنا في يوم عودته بعد التخرج، والذي أصبحت شغله الشاغل كما أخبرني لاحقًا. حمد الذي أحببته بكل جوارحي والذي أصبحت أحدثه كل ليلة بدلًا من شريفة.

امتدت مكالمتنا الأولى طويلًا. بعد أن دخلت إلى المنزل وتجاهلت شريفة ومشكلتها.

شعرت وأنا أحادثه أنني أحادث جزءًا مني، جزءًا كان موجودًا دائمًا إلا أنني كنت لا أعرفه، لا أعرف كيف اشرح بالضبط إحساسي بحمد، كان شيئًا جديدًا وجميلًا في حياتي. أحساس غمرني تمامًا فتعلقت به كما تعلق هو بي أيضًا.

وعرفت عنه الكثير.

***

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا